|
إبستمولوجيا
1- يجب على الفكر العربي والوعي العربي الانتقال من الرمزية والشيئية إلى المفهومية والواقعية. الرمز ليس المفهوم وليس الحقيقة. الواقع لا يُستنفد في أشياء أو أجسام أو موجودات. وهو ليس موجوداتٍ- جواهر. فكرةُ الواقع الصحيحة تُحيلُ على منطقٍ هو منطقُ الواقع. الوطن ليس علمًا. العلم رمز الوطن، لا أكثر. الحزب ليس لافتة. "الصورة 4" أو "الكلمة أربعة" ليست المفهوم أربعة والحقيقة أربعة. إنها رمزٌ فقط، أيْ، شيء محسوس (يُرى، يُسمع، الخ) واصطلاحيّ، وبمعنى مهم، اعتسافي. هذه الصورة كان يمكن أن تكون غير ذلك، وهي بالفعل تتغير تمامًا حسب أنظمة الترقيم أو الكتابة الرياضية. أما الحقيقة الفعلية الواقعية التي وراءها فهي ثابتة.
بعد حقبة طويلة ماضية سيطر خلالها على المجتمعات العربية هوس تأكيد الهوية الثقافية والدينية، يسود اليوم لدى المثقفين وبعض المسؤولين العرب شعور عميق بأن فجوة المعرفة قد اتسعت بين العرب والعالم الصناعي، إلى درجة أصبحت فيها تشكل خطورة على مستقبل العالم العربي وعلى تكوين أجياله الجديدة. من هنا بدأ الاهتمام بالتواصل مع المجتمعات الحديثة والاقتداء بها والتعلم منها، يطغى في السنوات الأخيرة، رغم مظاهر التعصب والتزمت في خطاب الهوية الدينية والقومية. فمنطق الهوية بالضرورة خصوصي، يسعى إلى تأكيد التمايز والمغايرة مع الآخر كمرتكز لوعي مستقل بالذات، فاقمت من خطورته عندنا تجربة الاستعمار والاحتلال السابق والقائم الذي غذى، ولا يزال، الشعور بالدونية وضعف الذاتية. وبالمقابل لا يمكن لمنطق المعرفة أن يكون إلا منطقًا كونيًا، أي يخترق الهويات والاختلافات، مؤكدًا وحدة العقل الإنساني وامتداده عبر الزمن، وتواصل الباحثين والعلماء بعضهم مع البعض الآخر وتحاورهم. فوحدة العقل هي الفرضية الأساسية في وجود العلم الحديث، أي من حيث هو مشروع لبناء معرفة موضوعية، ترتفع على شروط إنتاجها العقائدية والثقافية والاجتماعية، وتؤسس نجاعتها ومشروعيتها معًا على مناهج تحصيلها وتقنيات مراجعتها لنفسها وتحقيقها في الواقع وفي التجربة. فإذا كانت الذرة لا تنشطر في الظروف ذاتها، أو إذا كانت تخضع في انشطارها لاعتقادات المجتمعات وثقافة الباحثين وذاتياتهم، لن يكون هناك علم. فالعلم واحد بينما الثقافة متعددة.
مستمرة... |
|
|