وجه سوريا

 

موسى ديب الخوري

 

وجهُك سوريا
الوطنُ الأول
والأمل...

وجهُك سوريا
الكلمةُ الأولى
قطرةُ الندى
تعبقُ عشقًا
منذُ الأزلْ...

مَن لا يعرف سوريا؟
الطالعةُ
من لقاء القارات
الشامخةُ بجبال الأرز
المطلَّة على البحر العتيق
الملتحفةُ صحراءَ الجنوب
والمتحصِّنة بجبال الثلج
والضبابْ؟
من لا يعرف سوريا؟
معبر الهجرات
وموطن الاكتشافات
فيها اشتاق الإنسان
فأنبت النارَ من الحصى
وألهب خياله المدى...

ألم تقولي سوريا للإنسان
كُنْ...
فكان
الكائن الذي أشعلته الحياة
فما هدأَ ولن يهدأَ
حتى تأكله نارُ الحياة...

سوريا
سرُّك كيف اجتاز العصور
وأنبت منذ عشرة آلاف سنة
قدرة العبور
فاكتشف الإنسان
أنه إنسان
وأن روحَ هذه الأرض
هي روح العالم
أن المستقبلَ
يبدأ من ههنا...

إنسانك
سوريا
بدويٌّ رحَّالة
انتماؤه لأفق اللانهاية...
وفلاحٌ
يعشق الأرضَ
ويرى الكونَ في حبَّة تراب
فكيف...
كيف صنعت سوريا من لقائهما
رقصة التطوُّر...
والحضارة ...
والرقيِّ؟

سوريا
قراك الأولى
تخبرنا قصة لا كالقصص
قصة وطن
لم يُخترع
لم يتجذَّر في أعمال الملوك
وفتوحات الجيوش
وقوانين الآلهة...
لم ترسمه أيادي الساسة
لم تلمّه القوميات
ولا الأديان والمذاهب
لم تحكمه العنصريات والأنانيات
ولا تحدُّه التواريخ والمساحات...
قصة وطن
نهض من مخاض طويل
نهض من آلام التجدُّد
واشتياق الحياة... للحياة...
وطن تجذَّرت أصوله
في بدايات الحياة...
الوطن كان
بيتًا وأسرة
كان أولَ بيت
وأول قرية
وأول أمٍّ تطلق صغارها
في باحة دار مسوَّرة...
والوطن لا يزال
أول بيت
وأول قرية
يا لجرف الأحمر
وجعدة المغارة...
يا لقرامل والكوم
يا لمريبط وأريحا
وعين غزال...
يا لكفزة وسخّول
وتلّ الرماد...
يا لأبو هريرة وأسود
وملاحة
يا لنطوف وعوز أورين
وشاتال حويوك
لا تحصى مواقع الدهشة الأولى...
الوطن كان نبتة صغيرة
الوطن كان لحمة كبيرة
تيار جارف من التحوُّل
من التحضُّر
من التأنسن
سوريا كانت عظيمة
منذ الأزل...

سوريا
حيث تتعانق
حقول القمح الأصفر
والبوادي الغبراء
حيث
شرايين الأزرق
ترسم اسمكِ
وجبال الأخضر
تحفر وجهكِ
وشواطئ اللازورد
تزنر خصركِ
سوريا
أحلام النسور
تسكن ذراكِ
والمجد عرشه
سماكِ...

سوريا
الوطن من قبل الزمان
الوطن من بعد المكان
لأنَّك كنت أنتِ
ملتقى الأضّداد
ومفترق الأفكار
منبع الملاحم
والرؤى
ومولد الألعاب
والأعياد...

الاحتفال ببواكير الحصاد
بواكير التسميات
أولى الرسمات
أولى الرقصات
الفكر يتفجَّر
وإنسان جديد
يبدع أول قطفة
من شجرة
التساؤلات...
سوريا
أي مخاض لا ينتهي
سوريا
أي إبداع لا ينتهي...

سوريا
كم مرّة كنتِ
مبتدأ التاريخ
وكم مرة كنت
منتهاه
حتى إذا جاءك الوحي
كنتِ أمَّ الإله
وكنتِ الإله...

سوريا
حيث الإنسان أصبح السرَّ
هل كشف إلاك
فكيف عرفتِ
وأنت السرُّ
أن السرَّ
معناكِ...

سوريا
لتكوني أنت
كان الحبّ
والحماسة
والشوق
وأنتِ

سوريا
لتكوني أنت
كان التأمُّل
والشجاعة
والخيال
وأنتِ

لتكوني أنت
تقاربت قارات
وتجاورت صحراء وأنهار وبحار
تعالت جبال
وامتدت سهول
وارتاح إله...

لتكوني أنت
اكتشف الإنسان صلتَه
برحم الأرض
وأنارت له نجوم السماء
ثراكِ...

تعانق فيك الشرق والغرب
وتلاقى الشمال والجنوب
فكنت أنت اللقاء
وأنت البداية
والنهاية
كنت أنت
نقطة الكل
واللانهاية العابقة
باللانهايات...

ومذ كنتِ
كان التاريخُ
وكان المستقبلُ
الحضارات مرجعها أنت
والحضارة أنت

سوريا
رسالتك توق لا ينتهي
إلى عناق اللانهاية
وفتح أبواب جديدة
على تخوم المعرفة
سوريا
سؤالك الأول
كان
ولمّا يزل
التيم الأول
والإجابات عليه
لا تزال بلا نهاية

امتزجت فيك مورثات
وثقافات..
لغات
وعبادات
وأفكار...
وكنت أنتِ
أكثر من الكثرة
وقبل التعدُّد
والتنوُّع
والوفرة...
سوريا
أنت الغنى
وأصالتُك زيّنتها
جمالات العالم كله...

سوريا
كم غزاك
أباطرة
وملوك
وقادة جيوش
كم حلم بك
أنبياء ومصلحون
كم اشتاق وصلَك عاشقون
سوريا
لم تبخلي على قاصدٍ
بأكثر مما اشتهى
أو أراد...
فكنت أقوى من الغزاة
وأبقى من المحتلّين...

سوريا
هل غيرتك فتوحات الفاتحين
أم بعثرتك تقسيمات الطامعين
وهل تقسم الكثرة؟
وهل يُجتزأ التعدد؟
أولم يعرفوا أن التنوع
ينبع من الوحدة...
أولم يعرفوا أن ترابك
أخصب أخصب
وأن وحدتك
أغنى أغنى...

لم يعرفك سوريا
من لم يعرف الشام
في كل نسمة
حملت أريج الورد
وعطور الفل
وزهر الليمون
والياسمين...

لم يعرفك سوريا
من لم تظلِّله ألوان
بنفسجك
والجلنار
والنرجس
والنسرين

لم يعرفك سوريا
من لم يذق
درّاقَك
والتّوتَ
والتّينَ
والرّمان ...

لم يعرفك سوريا
من لم يقرأ تاريخَك
في حقول شقائق النعمان
ويرى وجهك
في كبرياء بناتك
وقامات شبابك
والعنفوان...

سوريا
أنت عندما الأكوان
كَحَّلت بالأرجوان
أطراف ثوبِك
وزفَّتكِ للخلود
كلمةً لا تقال...

لم يعرفك سوريا
من لم يزر بيوتك
ويتعمّد بأسرار حبّك
من لم ترشّه صباياك
بماء الزهر
وأوراق الريحان...
من لم يتناول
على موائد إفطارك
سرَّ القربان...

سوريا
ذبائحك المقدسة
وتقدمات البواكير
قمحك والزيت
ونبيذك الطاهر
أضحية للسنين...

سوريا
أنت حلم الحضارة
فكيف تبدع أمَّة
كيف تحيا حضارة
لم يمسّها
شوقُك
أو يبلغها
اسمُك

سوريا
شعبُك
وإن ضاقت به
يبدعُ من الليل
أشواقًا
وآمالاً

سوريا
شعبُك
قوَّة الحياة إذا اشتاقت
يصلِّيها
أفكارًا

وأعمالاً

سوريا
قدسُك قِبلتها
دمشق
وأنطاكية عرسُها
حلب
حرمون يعانق
جبل لبنان
وبيروت حلمها
الشرق...

تزول التقسيمات
والتشريعات
تزول الحدود
والمستوطنات
يتغيَّر وجه التاريخ
وتبقين أنت
سوريا

تزول عقائد
ومذاهب
تسقط اتفاقيات
ومؤامرات
ويبقى اسمك
سوريا

تزول العروش
والاحتلالات
تزول الكيانات
والدويلات
ويبقى وجهك
سوريا...

نيسان - حزيران 2011

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود