مدخل إلى النقاط: النقطة "ثلاثة": المتمرِّس*

 

هيلين بالمر

المُعضِلَة

كان "المُتَمَرِّسون" أطفالاً يتمُّ تقديرُهم من خِلالِ أدائِهم. وهم يتذكَّرون بأن والِدِيهم كانوا يسألونهم عن أدائهم عند رجوعِهم من المدرسة، وليس عن أحاسيسِهم أو مشاعرِهم التي نشأت في ذلك اليوم. فاهتمَوا بالأداءَ والصورة أكثَر من العلاقات الانفعالية أو الاختِلاط العميق بحياة أشخاصٍ آخَرين. لكونِهم محبوبين بسَبَب إنجازاتِهم وفتوحاتِهم، فقد تعلَّموا إلغاءَ انفعالاتِهم الخاصَّة وتوجيه الانتِباه إلى تحقيق المكانة الاجتماعية التي تضمَنُ حبَّ الآخَرين لهم. وتكمُن الفكرة في أدائهم للعمَل بكدٍّ من أجل الاعتراف بهم، والقِيام بأدوار الزعامة وتحقيق النصر. كما كان هامًا جدًا بالنسبة إليهم أن يتجنَّبوا الفَشَل، لأن المنتَصِرين فقط هم اللائقون بالحب.

يبدو "المُتَمَرِّسون" أنهم ينتَمون للعصر الحديث بشكلٍ غَريبٍ، وذلك ضمن سياق العقيدة الإيزوتيرية (الباطنية). وهم مِقدامون كبار يتماهَون مع الصورة الشعبية للشبيبة في أميركا، ومع الطاقة والحياة التنافسية. يتبنُّون صورة النموذج البدئي لأي مجموعَةٍ: رجل الأعمال مع طقم وربطة عنق، والأم المتفوِّقَة التي تقوم بأشغالِها بينما هي تمشي، وأطفال إعلانات التلفاز المُمتلئون حيوية، والهيبيون بشعرهم الطويل حتى عقب أقدامِهم. "المُتَمَرِّسون" متقلِّبون، يتحوَّلون إلى منفِّذين ومِقدامين ذوي قيمةٍ في أي مجموعة ربَّما يجدون أنفسهم أعضاءً فيها على نحوٍ غير طوعي، وقد يصلون للاعتقاد بأنهم الصورة التي تلقى قبولاً من قِبَلِ أولئك الذين يحترِمونها.

لكي يتكيَّفوا مع السِّمات التي تُمنَح قيمة كبيرة، يُقدِّمُ "المتمرِّسون" هيئةَ تفاؤلٍ ظاهري وشعور جيِّد. فيبدون أنهم لا يُعانون وقد يعيشون الحياة كلها جاهلين فقدانَهم الارتباط الجوهري بحياتِهم الداخلية الخاصة. وسيَعَمل "المتمرِّسون" من أجل مكافآتٍ خارِجية، وغالِبًا، بدون فحصٍ لمشاعرِهم فيما يتعلَّق بالعمَل في حدِّ ذاتِه. يتماهون مع الاسم الرفيع لشرِكَة، ويوعِزون قيمتَهم الشخصية الخاصَّة لعدَد الأصفار في عائداتهم السنوية. وقد يكون العمَل مُضجِرًا على نحوٍ هائل، ولكنَّ لقَبَ شَرَفٍ مؤثِّر بوسعِه أن يكون مكافأةً. ووفقًا لما يقوله "مُتمرِّس": "لا تُفكِّر، ببساطة قم بالعمل فقط". فالنشاط هو أيضًا مضاد اكتئاب طبيعي؛ فالـ"متمرِّسون" يبدون مشغولين جدًا ببساطة لدرجة أنه لا يوجد وقت لكي يَدَعوا الحياةَ تجعَلُهم يكتَئِبون.

العَمَل هو النطاق المُفَضَّل من النَّشاط، وتتعلَّق القيمة الداخلية لـ"المتمرِّس" بأن يتُمَّ إجراءُ العمَل على أفضَلِ وجهٍ مُمكن، وهم يعلَمون بالتزامِهم تمامًا بمهمة ما. ينتَقِلون من الفكرة إلى الفِعل من دون أن ترمُشَ العَيْن، مع وقفةٍ جدٍّ قليلة بين الفِكر والعَمَل. فالحياة هي ديناميكية وفرح، مع نشاطات كثيرة هامة، ولكنها حياة تتركَّز على الأداء الشخصي تُضحِّي بالضرورة بحياةٍ داخِلية ناجِمَة عن الخصوصية والتساؤلات الانفعالية.

لا يُدرِكُ مُعظَمُ "المتمرِّسين" بأن قلقَهم إزاءَ الفِعل يُعيقُ من انبعاث ذلك النمَط الخلاَّق الذي يستطيع التطوُّر فقَط انطِلاقًا من فتراتٍ طويلَة من الوقت مُكرَّسَة للكينونة وللشعور. يُحافِظُ "المُتَمَرِّسون" على بَرْنَامجِهم مثابَرًا عليه. فثمَّةَ نشاط مستمر أثناءَ اليوم كله، بدون أي وقت حر لكي تتفتَّحَ المشاعر والانفعالات. يَرغَبُ "المُتمَرِّسون" بحَملِ عملِهم معهم لكي يقوموا به في العطل الرسمية، ويملؤون وقتَ الترفيه برحلة أبحاث أو ماراتون (سِباقٌ طويل) في خمس دُوَلٍ تضمَنُ لهم أن يكونوا مشغولين بنَشاط أثناءَ فترة الراحة كلها. الوقت الحُر بدون ضَمَانَةِ عِلمِهم بما سوف يقومون به تالِيًا هو أمرٌ مُرعِبٌ بالنسبة لأشخاصٍ كانوا مشروطين بالاعتِقاد أن القيمة الداخلية تتعلَّق بما تقومُ به وليس بما أنتَ عليه.

يتم أيضًا تجَنُّب الوَقت الحر لأن المشاعر الشخصية تحلُّ محلَّ الوعي، وبوسع المشاعر أن تتدخَّل بفعالية في تنفيذِ العمَل. ونادِرًا ما يجِدُ "المُتمَرِّسون" بأن المرَض أو الحياة الخاصَّة تستطيع تعكير برنامج العمل في سيرِه، وهم غير متسامِحين مع أولئِكَ الذين يقومون بما هو أدنى من إمكانيَّاتِهم ومع أولئك الذين يَدَعون أنفسَهم تحطُّ من همَّتِهم بسبب انفعالاتِهم.

تجلُبُ كلمة "متمرِّس"[1] إلى العقل صورةَ شخصٍ مغرورٍ على نحوٍ خاص، وفي الواقِع، يشعُرُ "المتمرِّسون" بالغرور بما يعمَلونه. إنهم أشخاص يتعلَّقُ حبُّهم لذواتِهم في الاعتراف بإنتاجيَّتِهم أكثَر من الهِيامِ بهم لكونِهم أشخاصًا. يقولُ "المُتَمَرِّسون" إنهم يظلُّون مركِّزين جدًا على المهمة عندما يدخُلون في فعلٍ فتُلغَى مشاعِرُهم وهم يتلقَّوْن إطراءً، ويظنُّون أن هذا الإطراء قد تمَّ تقديمه لإنتاجِهم وليس لهم أنفسهم.

يكتشِف "المُتمَرِّسون" في علاقاتِهم الحَمِيمَة بأنهم يتغيَّرون لكي يتَّخذوا مظهَرًا يمتلِكُه الشخص الحميم ويُعبِّرون عن أمورٍ يقولها شخصٌ حميم، ولكنهم غالِبًا ما يُدرِكون في الوقتِ نفسِه أنهم يعكِسون صورةً كشخصٍ متعاطف يتفاعَل عِوَضَ أن يكونوا مرتبطين بالمشاعر التي تقتضيها الحميمية. في وسط لحظَةٍ انفعالية، قد يزيغ انتباه "المتمرِّس" إلى أمور أخرى. وعندما يَنتظِر المشاعِر بأن تأتيَ إلى السطح، فجأة يحصَل معهم التزام لمدة تسع ساعات أو غداء للأعمال. وتُلغَى الانفعالات لمدة أعوام في الاهتمام بأداء مهني فعَّال حتى يصيروا غيرَ قابلين للمُنافَسَة إزاء إنجازِهم للعمَل.

يتم التعبير عن الحب من خِلالِ الفعل، وتتضاعَف الحياة في عائلة في سلسلةٍ من صور تتألَّقُ في كمال لوحَةٍ. "نسافر معًا، نلعَبُ التنس كثيرًا. نتحدّثُ حولَ الأطفال". إذن، يتركَّز الانتباه على النشاطات والبرامِج أكثَر من تركيزِه على الوقت الحر لعدم قيامِه بأي شيء وبقائِه إلى جانبِ أحدٍ ما. فلدى "مُتمَرِّس" علاقَةٌ تنساب بفعالية؛ وزواج "يعمَل". فالأعمال والعوائد سيتم اعتِبارُها برُفعَةٍ. إنه لمن الأهمية بمكان الحفاظ على المشاريع حية والتوقّعات مهمَّةٌ لتجنُّب الفَشَل وتعظيم النجاح.

غالِبًا ما يُغَذَّى حسٌّ بتفاؤُلٍ داخِلي من خلال انتباه انتقائي للإجراءات الإيجابية. وتتِمُّ قَوْلَبةُ الفشَل في نجاحاتٍ غيرِ كامِلَةٍ، وتتم تعبئة من أجل استحقاقات المهل ومنافسة، فهذه كلها مفضَّلةٌ عند الاستراحة. ومع مرورِ الوَقت، فإن "متمرِّسًا" يطوِّر لديه الإمكانية على التكيف مع أدوار مهنية، وتجسيد الصورة والسِّمَات لتمثيلٍ مِهَنيٍّ. وهذه الإمكانية مشابهة للحرباء في اتخاذِه لأساليبِ قالَبٍ مع دورٍ للنجاح يفيد في التأثير على الأشخاص الآخَرين، فيقودُهم إلى الثقة بإمكانيات "المتمرِّس". ولكن يُمكِنُها أيضًا أن تفيدَ كمصدر لوهم عميق مع ذاته بالنسبة لـ"المتمرِّس" نفسِه الذي استعاض عن انفعالاتٍ حقيقية بمشاعر يُفترَض أنها نموذجية لأشخاص ناجحين جدًا. ويتعمَّق هذا الوهم غير المُخطَر به مع ذاتِه نفسها، فإذا ما بدأ "متمَرِّس" في التماهي مع تدابيرِ "زعيم فعَّال" أو "عاشِقٍ مثالي لشريكتي" حتى النقطة التي تكون فيها الصورةُ المُتَّخَذَة قادِرَةٌ على استبدال حاجاتِه ورغباتِه الحقيقية.

يُعاني "المتمرِّسون" من عادَةِ خِداعِ ذواتِهم والآخَرين عند اتِّخاذِهم صور تضمن لهم الاحتِرام. وتستَحضِرُ للعَقل كلمة workaholic "المُدمِن على العمل"[2]، على سبيل المثال، صاحِبَ مشاريع متفوِّقًا مهووسًا عاجزًا عن التوقُّف، وستكون هذه الصورة صحيحةً في الحدِّ الأقصى لسيرتِه المرَضيّة. فـ"المتمرِّسون" الثلاثة المذكورون في هذا الفصل يتعرَّفون على أنفسِهم مُكرَهين بسبب الحاجة العُصابية للتفوِّق في تلك اللحظات التي يبقى فيها الانتباهُ مُغرَقًا في مُهمَّةٍ متواصِلَة، لدرجة يبدون فيها أنهم يتحوَّلون إلى نموذَجٍ مثالي عن عملِهم الخاص ولم يعلَموا لتوِّهم الإشارة إلى الاختلاف بين هذه الصورة وبين أنفسِهم. فهؤلاء "المُتمَرِّسون" يعرِفون أيضًا رصدَ ووصفَ كيفيَّةِ اشتِغالِ عقولِهم خلال فتَرَات الهدوء، وبدون هيَجانات لكونِهم قادِرين على تحييد انتباهِهم إلى حالةٍ عقليةٍ من الرصد، ولِكَونِهم قادِرين على التأمُّلِ في آليات عاداتِهم الداخلية الخاصة، وهم في طريقِهم بالضبط للتغلُّب على أسلوبِهم العُصابي.

تتضمَّنُ هموم "المُتمَرِّس" الاعتيادية

-        التماهي مع الإنجاز والأداء.

-        المنافَسَة والحيلولة دونَ الفَشَل.

-        الاعتِقاد بأن الحُبَّ يأتي من ذلك الذي تقوم بإنتاجِه وليس مما أنت عليه.

-        انتِباهٌ انتِقائي لكل شيء يكونُ إيجابيًا، وعدم التناغم مع ما هو سلبي.

-        دورٌ ضعيف للمشاعِر الشخصية. والانفِعالات مُعلَّقَة بينما هو في حالَةٍ من النشاط.

-        تقديم صورة متكيِّفَة لكي يفوزَ بالقُبول. شخصية شعبية ملحوظَةٌ جدًّا.

-        اختِلاطٌ بين الأنا الحَقيقيِّ والسِّمَات اللائقَة لدَوْرِه أو عَمَلِه.

-        تُدعَى طريقةُ إعارتِه لاِنتِباهِه بالفِكر المُتَقَارِب (الذي لديه ميل للالتِقاء في نقطة واحِدَة) حيث يتركَّز العقل بعِدَّةِ طُرُقٍ على هدَفٍ وحيد.

-        يضبطون حدسيًا التقديمَ الشخصي، وغالِبًا حتى درجَةِ الاعتِقاد بأن الصورة هي الأنا الحقيقي.

السِّيرةُ العائلية

كُوفئ "المُتمرِّسون" عمَّا كانوا قادِرين على تحقيقِه أو القِيامِ به أكثر مما هم عليه أنفسُهم ذاتُها. وأخيرًا تعلَّمُوا أن وسيلتَهم للحُصُولِ على القُبول والحُب هي النجاح في الأداء، وهكذا يتحَوَّلون إلى بارعين في ترقية أنفسِهم إلى الدرجة الأولى، وفي عكس صورةٍ يجسِّدون من خلالِها السِّمات المِثالية لأي دورٍ يتعيَّن على المرء القِيام به.

لم توجَد إطلاقًا فترةٌ لم أكن أقيس فيها قيمتي ضمن مصطلحات شيءٍ ملموس يستطيع أشخاصٌ آخَرون رؤيتَه. كانَت والِدَتي مُهتمَّةٌ جدًّا في دِعَايَةٍ رئاسية، وكنَّا أربعَةُ أخوةٍ متقارِبين في العمر. كانَت تنشئتي تقليدية من الطبقة المتوَسِّطَة، تكلَّمنا كثيرًا عن الحب، ولكن لم تكن توجد أي مخالَطَة جسمانية. لذلك صِرتُ أقدِمُ على أمورٍ كسباقٍ للأحصِنَة، ومع ذلك لم أحصَل على اعتِرافٍ بأنني كنتُ خاصًّا، ومتميِّزًا عن الآخَرين؛ فكانَت الطريقة لكي أفوزَ بهذا الاعتِراف هي أن يَلمعَ نجمي في العزف على البيانو، أو في تحضير التقويم (الروزنامة) الذي سوف يتمُّ اختياره لجداريَّةِ الصف، أو أي أمرٍ آخَر بوسعِه لفت انتباه الآخَرين.

بينما كنتُ أقوم بأحَدِ الأشياء، كنتُ ألاحِظُ وأتغذَّى من ذلك الاحتياطي الصغير من الحب. وانتهى ليُشكِّلَ دائرةً، وكان أيُّ مشروع يتحوَّل إلى مرجع للنجاح التالي. ولم تكن مآثري تراكمية، فقد كنتُ ألجأ للمُتابَعَة بالعَمَل أكثَر على نحوٍ انتقلَت فيه قيمتي الشخصية لتعنيَ ما كنتُ أفعلُه في ذلك اليوم، وفي ذلك الامتحان، وفي ذلك اللقاء.

تبلُغُ سِمَاتُ نمَطٍ ذروتها في نهاية سن المراهقة أو في العشرينات من العمر. وقد أعطَتِ التصريح التالي مُراهِقَةٌ ذات ستة عشر ربيعًا، تلميذةٌ في الثانوية، وهي نموذَجيّةٌ لِقَلق شابَّة نمط "المتمرِّس" بمشاريع تنافسية، وبرفضٍ للفَشَل أمام أنظار الآخَرين.

فضلاً عن قدرتي في الحصول على العَلامَةِ العُظمَى في المَدرَسَة، فقد كنتُ أتصدَّر عرض الرقص المزمِع تقديمه، فأقسو على نفسي لتحقيق النجاح في حياتي الاجتماعية. وأدرس في كل يوم من الساعة الواحدة حتى الخامسة بعد الظهر، وفضلاً عن أنه لدي دروس من الثامِنَة صباحًا وحتى مُنتصَف النهار. فأنا أذهَبُ إلى المنزل، أقوم بواجبي وأبتكِرُ خطوات جديدة للرقصة وأظل مستيقِظةً حتى الثانية صباحًا. أقوم بكل هذا بشكل أساسي لأنني إن لم أقم به فلا أحد سوف يُحبُّني. أريد التفوق في المدرسة، ولكن ليس بوسعي القول إن ذلك بسبب استمتاعي بالمواد الدراسية التي أدرُسُها. فما أريدُه بالضبط هو الظهور ومعي دفترُ العلامات وقد نلتُ الدرجةَ الأولى على الصف، لأن الأشخاص هنا سيجدون أنه لدي كل شيء. ولذلك فذهابي إلى المدرسة لِكي أكون معروفةً أكثَر من أن يكون من أجل بلوغي هدفٍ ما.

قُمتُ بالرياضَة لمِدَّةِ ستَّةِ أعوام، أربع ساعاتٍ يوميًا، ولستة أيامٍ في الأسبوع، من الساعة السادِسَة بعد الظهر وحتَّى العاشِرَة مساءً، وفي الثلاث سنوات أخيرة كرِهتُ ذلك كلَّه. في تلك الفترة لم أكن أعلم أنني لا أحِب الرياضة، وانسحبتُ فقط عندما يئِستُ من الأمرِ كلِّه. فالقضِيَّة كانت تكمُنُ في الذهاب فقط. فالذهاب إلى المنزل، والقيام بواجباتي الدراسية، والذهاب إلى المعهَد الرياضي، والقيام بدراسة أكثَر، والذهاب إلى النوم، والذهاب إلى المدرسة، وببساطة الذهاب، والذهاب، والذهاب. فنحن لم يكن لدينا وقت لكي نقِفَ قليلاً ونفكِّر. تُرى هل أحب فعلاً ما أقوم به؟ فقد شارَكتُ بمنافَسَات وفي الحقيقة لم أكن أحبها، ولكن من كان بوسعِها الحصول على رفاهية البقاء جالِسةً وهي تشتكي؟ فإذا أنا فزتُ في أمرٍ ما فقد كان والدايَ يظنَّان أنه أمرٌ رخيصٌ، وكنتُ أقول لنفسي: أكثَر، وأكثَر وأكثَر، أنجزي أكثَر.

وصلتُ إلى حدِّ حصولِ مشاكل لي في حضوري للألعاب الأولمبية على شاشة التلفاز. وظلَّ الأمرُ جدِّيًا جدًا لدرجة أنه كان عليَّ إما التوقُّف أو الانصراف. وأخيرًا فالذي جعلَني أقِف كانت صديقة هي الأخرى توقَّفَت أيضًا، وظل كل شيء على ما يرام معها، فلا أحد أبغضَها لفعلِها ذلك. وذات يوم، ها أنا قد توقَّفتُ ببساطة. وهنا لم يكن لدي شيء للقِيام به، وبما أنه كان علي أن أقوم بشيء ما في هذا الوقت الفائض، فقد كنتُ أخرج للبحث عن عمل، وكنتُ أشرع في الرقص، وأتحول إلى مُدَرِّبَة للصف وكل الأمور الأخرى. والآن علي أن أذهب إلى ستانفورد Stanford.

لذلك لم أقُل لأحَدٍ أنني رشَحتُ نفسي إلى ستانفورد Stanford، أو على الأقل لأحد هو على مقربةٍ جدًا مني لكي أعرِفَ إذا لم أحصَل على القبول في ستانفورد Stanford. فقد كان بوسعي القول كم من الذعر كان يكمن بمَسعايَ إلى أمرٍ ولا أستطيع القيام به، وهنا، إذا لم يتحقَّق مطلبي فإن أفضَلَ صديقاتي سوف يعلَمْنَ بأنني قد فشِلتُ، وسأقوم بأي شيء لكي أنسى ذلك. إنني ضائعة، ولَدَيَّ دومًا شيءٌ آخر للقِيام به.

يصبِح "المتمرِّسون" النموذَجَ المِثالي في أي مجموعة تُضفي القيمة عَلَيه. فإذا أُنشِئوا في عائلةٍ تُعطي تقييمًا عالِيًا للتكرُّسِ الشعبي، وبالتالي فهُم سوف يجتهِدون في هذا المَجال. وإذا أضفَت العائلة القيمة على أنماط أخرى من المشاريع، وبالتالي فإن طفلاً "مُتمَرِّسًا" سَوفَ يجتهِد من أجل التكيُّف مع الصورة التي تطرح نفسها في قضيةِ موافقة لهذه المشاريع. إن امرأةً تمَّت تنشِئتُها في الريف، تصِف وضعَها العائلي كما يلي:

منذ أن كنتُ صغيرة، كانَت والِدَتي تقول لي بأنني سأفعَلُ شيئًا خاصًا. ولا يعني هذا أنني كنتُ خاصَّةً، ولكنني سأقوم فعلاً بشيء خاص. كانَت أمي والِدةً عزباء وغير مستقِرَّة انفعاليًا إلى حد كبير، وكانَت طريقتي لإرضائها تكمن فعليًا في تنشِئةِ أخي وأختي الأصغرَيْن. لم أكن متحفِّزَة لدروسي، وإنما للمُساعدَة في أمور المنزِل، وللعناية بالأشخاص. وافتتَحتُ فيما بعد متجَري الخاص، وقمتُ في بيعِه بربح بعد ستة أشهر. كان نجاحًا منذ أن فتحنا الأبواب. ولم تعانِ أعمالي التجارية أي مشكلة إطلاقًا لأنني أعرِف بالضبط ما يريدُه الأشخاص وأنا أمنحُهم ذلك.

وفي مصطلحات الإنتاجية، كان يكفيني درسَيْن أو ثلاثة حول مبحَث خاص برجال الأعمال والمؤسَّسَات، لأنه كان بمقدوري لتوِّي توظيفي كمُدرِّبَة. وعلى هذا النحو كنتُ أستَوْعِبُ العَناصِرَ السطحية، وأشعر في التحدي للسيطرة على المنزِل وأن أُقبَلَ كمرجعية ذات سلطة، وأن أُحتَرَمَ من قِبَلِ أشخاصٍ هم محطُّ إعجابِنا. فعندما كنتُ طِفلةً، لم أكن أشعر أنني محبوبَةٌ عما كنتُ عليه، وإنما كنتُ أتلقّى المُلاطَفَة من خلال تأدِيَتي لعمَلٍ ما بإتقانٍ. تكمُنُ إحدى نقاط ضعفي في أنه يتوَجَّبُ عليَّ أن أنتبِه. ويكاد الجميع يسرق وقتي إذا كان هناك في الوسط ملاطَفةٌ وامتنان.

نشاط مُتعدِّد الأقطاب

بما أن الحُبّ قد تمَّ الحُصولُ عليه بسبب ما أنجزه أكثر مما هو بسبَب ما كان عليه، وأخيرًا يتطوَّرُ النشاط والإنجاز إلى طَريقَةٍ للسَّيطَرَة. ويَضمَنُ تيارٌ مستمِرٌّ من الإنجاز إبقاءَ نفسِه مشغولاً، فضلاً عن امتصاصِه بفعاليةٍ لأي وقتٍ ضائع حيث يُمكِنُ أن تتفتَّحَ أحاسيسُ القَلَق إزاءَ فشَلٍ عَرَضيٍّ. كما أن "متمرِّسًا" معتادًا على القيام بعدَّةِ أشياءٍ في الوقت نفسِه سوف يكون منَاصِرًا لإبقاء أكبَر عدَدٍ مُمكِنٍ من الجَبَهَات مفتوحَةً كشكلٍ للإفادَة من الوقت بشكلٍ فعَّال. ومع ذلك، فمن يكون خارِجًا فإنه يميلُ إلى رؤية هذه الحاجة من نشاط متعدِّد الأقطاب ومستمر كشكلٍ لعدم توَفُّرِ وقتٍ للحياةِ الانفعالية.

أستطيع التكلُّمَ على الهاتف، وإعطاء الطعام لابنتي، والالتزام بمَوعِدٍ، والإصغاء إلى حديثٍ... وكل ذلك في الوقت نفسِه، ولا أفقد شيئًا البته. إنما ذلك هو نتيجة لقيامي بعمَلَيْن أو ثلاثة أعمال في الوقت نفسه، ولذلك ثمَّةَ دائمًا الشيء القادِم لكي أقوم به قبل أن أُحَدِّد مهمَّةَ اللحظة. فالقضِيَّة فقَط أن يكون وقتي ممتلئًا، وبدون أي فُسحةٍ ميتة، فأشعر فعلاً بالأمان.

يُفيدُني الاسترخاء بتهيئة نفسي للجولة القادِمَة. فاتخاذ حمَّامٍ ساخِن مُبَرمَجٌ لأنني أُحافِظُ على جسدي، وبينما أكون هناك، فإنني أضع المسجِّلَة وهي تعمَل على حافَّةِ حَوْضِ الحمَّام، ويذهَبُ عقلي لتوِّه إلى اليوم التالي، وإلى مُقابلتي القادِمَة، وإلى عملي التجاري المُقبِل. وإذا ما فَقَدتُ الاتِّصالَ مع الأشخاص الذين يمدحون أدائي، وإذا ما سمحتُ لنفسي بإدراكِ أي مفعولٍ ارتجاعي إيجابي، فأبقى إذاك مُحاوِلَةً بشكلٍ فائق الجَرَيَان إلى المعهَد الرياضي أو لأي مكانٍ حيث هناك أناسٌ يقومون بمديحٍ صغيرٍ لي.

الصورة

بما أن القُبول يتعلَّق بالنجاح في الأداء، فمن المُمكِن لـ"المُتمَرِّس" أن يُمارِسَ انتباهًا قويًا جدًا على آلِيَّةِ أية مهمة لدرجة أنه ينسَى مشاعِرَه الخاصَّة، ويبدأ بعكسِ صورةٍ تكون مُناسِبَة للمهمة الجاري تنفيذها. فـ"المتمرِّسون" يُغَيِّرون بسهولة تقديمَهم الخارِجي، وغالِبًا ما يَكتشِفون أنهم تكيَّفوا حدسيًا من أجل تجسيد صورةٍ تنقُل رسالتَهم، أو تساعِد على دَعم الرؤيَة المِهَنيّة في حقل العمل الذي اختاروه.

وعلى قدر ما يُدرِكُ "المُتمرِّسون" بأن الصورة التي يعكسونها لا تُمَثِّل بالضرورة منظورَهم الانفعالي، فهم قادِرون على تغيير صورتِهم بدون خطَرِ تماهيهِم مع أي مظهَرِ وجاهَةٍ يستَدعي انتِباهَ الآخَرين. فـ"المُتمَرِّسون" الواعون لأنفُسِهم يُدرِكون بأنّهم يُعلِّقون انفعالاتِهم بينما هم يَعمَلون ويستطيعون التجرُّدَ عن ذواتِهم فيصيرون ذلك الذي يرغب الأشخاص الآخرون بأن يكونوا إياه. ويقولون أيضًا إنه يتوجَّبُ عليهم المُحافَظَة على قدرتِهم في تضليل الآخَرين بعكسِهم صورةً تجعلُهم يعتقِدون بكل شيءٍ يقولونه.

وبقدر ما لا يُدرِك "المُتمَرِّسون" عادتَهم في تعليقِ مشاعرِهم الشخصية بينما هم يقومون بالعمَل. فهم منفعِلون باعتقادِهم أنهم والصورة التي يعكِسونها هم الشيء نفسُه. وقد يكون مؤلِمًا بالنسبة لـ"المتمَرِّسين" الاعتراف بأن لدَيْهِم حاجاتهم ورغباتِهم التي تظهَر على أنها عكس الصورة الشعبية الواضِحَة جدًا، والتي تزيد إلى الحد الأقصى من فعالية الدور الذي يؤدُّونَه.

يتغيَّر الأمرُ وَسَطَ أيِّ مجموعَةٍ أتواجَدُ فيها. إنه مثل لاعِبِ خِفَّةٍ (حاوٍ)، وأشعر أنني أتحوَّل إلى ذلك الذي ترغب المجموعة بأن أكون إياه. فعلى مستوى المظهَر، لدَيْنا ثلاثة أو أربعة أنواعٍ مختلِفَة من الثياب في خزانة الملابس، على نحوٍ نتكيَّفُ من خِلالِه مع أيِّ مكانٍ حيث يتعيّن علينا الذَّهاب. فمُنذُ عشرِ سنوات تقريبًا، وخلالَ يومٍ فريدٍ من نوعِه، خَرَجتُ بطَقمٍ وربطَةِ عُنُقٍ، ثُمَّ وجدتُني في لباسٍ جلدي كامِلٍ لسائق درَّاجةٍ نارية، وبعد ذلك ارتديتُ لِباسًا للسهرة. وكنت أتغيَّر داخِلِيًّا وفقًا لكل مرة كنت أغيِّرُ فيها ثيابي، ووفقًا للمجموعة التي كنتُ أجدُني في وسطِها.

أعرِف للحال الانطباع الذي أتركُه عند أشخاصٍ آخَرين. وأشعُرُ بنوعٍ من اهتزازٍ في الجسم، كما لو أنني حيٌّ فقط عندما أقوم باتِّصال. وإذا لم أكن على اتِّصالٍ، وإذا لم أسجِّل نُقطَةً بطريقةٍ أو بأخرى، فإنني أشعر بنفسي مجَرَّدًا من الطاقة كما لو أنني أصبحتُ فارِغًا. وأعرِفُ أنني عندما أكون مقبولاً عند أشخاص آخرين فلأنني أشعر في جسدي أنني متلائِمٌ بالنسبة لتوقّعاتِهم وأنني أترك انطباعًا حسنًا لديهم.

تُجَسِّدُ وَكالاتُ الدعاية الصِّفات التقليدية لـ"المُتمَرِّس". فإن قِسمَ الإعلانِيين يَعرِفُ الصوَرَ التي يُضفي الآخَرون القيمةَ عليها، ويَعرِفُ وضعَ الغِلافِ المُنَاسِب والعَمَل على ترويج هذه الصور بطريقةٍ جذّابَة. بَيْدَ أن "المُتمَرِّسين" ماهِرون في اِتِّخاذِ والتحوُّلِ إلى الصورة المضفى عليها قيمة أكبَر من قِبَلِ المجموعة الاجتِماعيّة الخاصَّة بفئةٍ معيَّنَة. المِهَنيُّ الكفؤ، والزعيم السياسي المِثالي، والشريكُ الكامِل. والعمَل هو مجال الاهتمام المُفَضَّل، ولكن إذا ما كان أسلوب الحياة بأدنى عَرْضٍ مقبولاً، وبالتالي فعلى الأرجَح أن "المتمَرِّس" سيَتبَنّى هذا الأسلوب وسيكون بمَقدورِه اتِّخاذه لِعدَّةِ سنوات وهو يحيا صورَةً بدونِ أن يَدخُلَ في اتِّصالٍ بأفضليَّاتِه الانفِعاليَّة الحَقيقيَّة.

أعيشُ بعيدًا عن مَركَز المدينة مع ابنيَّ وعمَلي العِلاجِي لِنِصفِ دَوَامٍ في سيناريو مِثالِيٍّ حيث أعلَمُ دائِمًا أن أكون ما أريدُه من الحياة. ولكن من الصعوبة بمكان القول عمّا أشعُرُ به طَوَالَ الوَقت. فما أدرِكُه أكثَر هو المظهَر الخارِجي للأشياء. فعلى سبيل المِثال، هل وَلَدَايَ نظيفان، ويبدُوَان سعيدَيْن؟ إنه لصَعبٌ عليَّ بِبسَاطَة أن أكونَ معهما، وأن أُمضِيَ الوَقتَ بدونِ تحويلِ ذلِك كله إلى نشاط. فما اكتَشفتُه هو أنني أُغَذِّي الصورةَ الكامِلَةَ لمُعَالِجَةٍ بالطب البديل من العَصر الجديد New Age تعيش مع ابنَيْها في حيِّ هادئ.

يتحوَّل "المتمرِّس" إلى النموذَج الأصلي لأي مِثَالٍ ثَقافي تُضفَى عليه القيمة. فإن راكِبَ الأمواج سيكون لديه قاعِدةٌ لركوب الأمواج قوية، وسيكون ذلك الذي قد لوَّحَته الشمس بالسُّمْرَةِ الكامِلَة؛ وسيكون أيضًا مديرًا يُظهِرُ أسلوبًا كاريزميًّا (مؤثِّرًا) للزعامَة. فالانتِباه يتركَّزُ على الخارِج في أي دَلالَةٍ تُظهِرُ انتِباهًا إيجابيًّا لأشخاصٍ آخَرين، إلى دَرَجَة أن "متمَرِّسًا" لا يُدخِلُ إلى مستوى الوعي مشاعِر شخصية ويعمل بكدٍّ على الاهتمام بعكسِه لأسلوبٍ شخصيٍّ مُؤَثِّرٍ، وخِداعُ الذات يكون كامِلاً إذا ما انغمَرَت المشاعِرُ الحقيقية واُستُبدِلَت من خلال أنا زائف يتوَلَّى أوضاع الزعامَة وهو يتبنَّى أسلوبَ تقديمٍ يثِقُ به أشخاصٌ آخَرون.

اُتُّخِذَت القراراتُ الأكثَرُ أهميّةً في حياتي على ضوءِ الصورة. واتِّخاذي لقرارٍ بالتزامي في عِلاقَةٍ محدَّدَة يتمُّ بناءً على الصورة التي تعكِسُها هذه المَرأة. واختياري لكلِّيّةٍ جامِعيَّة، ونمط العمل الذي يجِبُ عليَّ القِيام به، والنادي،... الخ، فكل ذلك يحصَلُ على أساسِ الوَجاهَة.

واُتُّخِذَت هذه القرارات أيضًا بالتفكير في ردّةِ الفِعل إزاء صورَةٍ، لأنني لا أريد رؤيتي كغريب، وكضِدٍّ للثقافَةِ المُعَاصِرَة، فأنا لا أريد نقلَ نمَط الصورة هذا. ولذلك فأن أكونَ مع المرأة الأكثر جاذبيةً في الحَفلة الراقِصَة، أو أن يكون لديَّ أكبَر حصَّةٍ من التكريمات عند مجموعَةٍ مُحَدَّدَة، فقد يصير ذلك إكراهًا (فِعلاً قهريًّا).

إن استِبدالَ المشاعِر الحقيقية بشخصية أدائية لائقة أو مُشبِعَة قد تكون مؤلِمةً بالنسبة لـ"مُتمَرِّسين" عندما يكتشِفون أنَّهم قادِرون على القيام بالتزاماتٍ نزيهَة وبشكلٍ دائمٍ مع أشخاصٍ حميمين، مُستنِدين على كل الدرَجات المُناسِبة، وفي أسلوبٍ تقديمي ساحِرٍ بدون أن يكونوا متَّصِلين حقيقيًا بالانفِعالات التي سُمِع وصفُها هنا. وقد تحصَل أزَمَةٌ شخصيةٌ إذا ما استيقَظَ "مُتمَرِّسٌ" على التَّبَايُن بين المشاعِر الحقيقيَّة وواقِع أنَّهم يخدَعون الآخَرين بإظهارِهم هيئة جذَّابَة. ومن المُكِن لمُتَمرِّسٍ الشعور بأنه مُخادِعٌ، وبأنه أحَدٌ ما قد اختلسَ بدون عقوبة مع سيرَةٍ احتيالية دون أن يتُمَّ الكَشفُ عنها. وقد يرافِق غَضَبٌ حقِيقيٌّ الإدراكَ بعَدَم توافُق المشاعر الحقيقية بشكلٍ دائم مع الأدوار التي تُضفَى القيمَةُ عليها من قِبَلِ الآخَرين. فـ"المُتمَرِّسون" يشعُرون بالغَضَب لواقِع أن الآخَرين ترَكوا أنفُسَهم تُؤخَذُ بسهولةٍ كبيرة بواسِطَة مظهَرٍ جميلٍ، ولِعَدَمِ إضفائِهم القيمة على أنفسِهم ذاتِها.

إذا كُنتَ في وَضعٍ يجعَلُك تشعر بِعَدَمِ الارتِياح. فقد تُظهِرُ انفعالاً، ولكن ليس بسبَب شعورِك بأمرٍ ما، وإنما بسَبب أمَلِهم في أن تشعُرَ شيئًا ما حيَالَ ذلك. كما لو أن أحدًا قالَ إنه يُحِبُّكَ وأنتَ أجبتَه بنفس التعبير، فلأنه على هذا النحو يَكسَبون أصدقاءَهم، وينجَح هذا الأمر على أنه الشيء الأكيد. وأنت تنقُلُ صورةَ أن تكونَ انفعاليًا بينما بمَقدورِ رأسِك أن يَكونَ في الحقيقة على بُعدِ آلافِ الأميال من هناك، مفكِّرًا بأمرٍ آخَر.

وقد تكون على شفيرِ الموت، ومع ذلك فما عَلَيك إلا أن تكبُتَ مشاعِرَك. فإذا كنتُ أموتُ جوعًا، وقامَ أحَدُهم بمدِّي بقَصعَةٍ (زبديَّة)، فلسوف تكون مُجازَفَةً بالنسبة لي إذا ما بوغِتُّ وأنت تنظُرُ لي. فأنتَ لدَيكَ يَقين بما هو الرفض الحالي إذا ما ظهَرتَ دونيًّا (عقدة الشعور بالنقص) أو مُحتاجًا لناظِرَيّ أحَدٍ ما أنتَ تحترِمُه.

يتماهَى "المُتمَرِّسون" مع الصوَر التي يعكِسونها: صُوَرٌ جميلة في أيام الشباب، وذكاء وإنتاجية. وقد تكون صَدمَةٌ عندما يكتشفُ "مُتَمَرِّسٌ" بأن غرباءً يعرِفون الاختِلافَ بين ما هم عليه في الحقيقة، وبين الشخصية الزائفة التي يعتقِدون بأنها تضمَنُ لهم قليلاً من الحب. فهم قد أتَوا من طفولَةٍ حيث لم يكن ثمة اعتبارٍ رفيع إلا للناجحين جدًا، ويعيشُ الراشِدون "المُتمَرِّسون" بحافِزٍ إلزامي (قهري) على أن يكونوا في المُقَدِّمَة دائِمًا، وأن يكونوا ناجِحين لائقين من خِلالِ كونِهم محبوبين. ومن يكون خارِجًا يستطيع أن يُدرِكَ أيضًا بأن "المُتمَرِّسِين" ككائِناتٍ مُؤثِّرَة، في صِراعٍ، كما لو أنهم ابتاعوا بالتبادل أرباحًا شخصية.

يتركَّزُ انتِباهُ "المُتمَرِّسين" على المكانة المُقارَنَة وعلى اكتِساب رموزٍ للمَكانَة على أن تُعَبِّرَ عن الوضوح الملموس للنجاح. إنهم مغرورون بإنجازاتِهم، وتكريماتِهم التي تلقُّوها، والنصر الكلي على المنافِسين. ويجتهِدون من أجل أن يحتَلّوا مراكِزَ حيث يَتَمتَّعون بالسُّلطة على حياة أشخاصٍ آخَرين. إنّهم نرجسيُّون بمعنى أنهم مُتيَقِّنون من كفاءَتِهم الخاصَّة وشعورِهم بالفوقية، وهم ذاتيو المركَز (في أنانيَّةٍ) مُتمَركِزون على مشاريعِهم التي سوف تمنَحُهم الشعور بقيمتِهم الذاتية بمنظورِهم، بَيْدَ أن هذا يتأسَّس قبلاً على قدرتِهم وأدائِهم، بأن يربَحوا من خِلالِ العَمَل، وليس بالضبط من إحساسٍ وهمي بقيمَةٍ فطرية. يعمَل "المُتمَرِّسون" بالمُقَابِل من أجلِ حُصولِهم على أمرٍ ما؛ وتكمُنُ قُوَّتُهم في أنهم قادِرون في البقاء على قيدِ الحَياة إزاءَ المُنافَسَة وفي إنجازِهم لمشروعِهم. وعلى العَكس من النرجسيين الحقيقيين، فـ"المُتمَرِّسون" واعُون جدًا بأن العالَم ليس مجبورًا على أن يُقدِّمَ لهم وسيلةَ حياةٍ، ويشعرون بعذابٍ إلى أقصى حد إذا ما كانوا عاجِزين على الفَوْزِ بمَكانةٍ واحترام. يعيشون بحِسٍّ من الثقة في كفاءاتِهم، ولكن ليس بالاعتِقاد بأنَّهم لا يحتاجون للصِّراع من أجل فتح طريقِهم الخاص.

يُستثمَرُ مِقدارٌ كبيرٌ في النجاح، ولو حَصَلَ فَشَلٌ حقيقيٌّ، فإن "المُتمَرِّسين" يُعَرِّفون ثانِيَةً الفشَل كنَجاحٍ جُزئي، أو يُحَمِّلون إذَّاك الذنبَ على الآخَرين بسبَبِ إخفاقِهم. فثمَّةَ اضطرار للتخلُّص من مشاريعٍ مُحَيِّرَةٍ أو من عِلاقاتٍ تغرَق، والتوَجُّه بدونِ انتِظارٍ إلى أمرٍ أفضَل.

لن يتواجَدَ أيُّ شعورٍ بفَشَلٍ إذا ما استطاعَت أيُّ فُرصَةٍ أُخرَى واعِدَةٍ أن تُعبَّأ بسُرعَةٍ كبيرة. فـ"المُتمَرِّسون" يعرِفون تغييرَ وظيفتِهم وهوِيَّتِهم فقط بطَرْفَةِ عينٍ، ومنذ أن يكونَ لديهم كثيرٌ من النشاطات وكثيرٌ من الآمال بمستقبل أفضل، فمن المُمكِن أن يُبقَى على المشاعِر السلبية في خانة "الكش ملِك". وقُدرتهم القُصوَى على التكيُّف فبقدر ما هي نِعمَةٌ فهي أيضًا عبءٌ ثقيل. فهي نعمة لقدرتِهم على التحَرُّكِ السريع والفعَّال عندما يكونون واقِعين تحت الضغط. وهي عبءٌ بسبَبِ إلغائهم لمشاعرِهم الحقيقية في الاهتِمام المُنصَبِّ على القِيامِ بالعمَل ولأنه بنتيجة قدرتِهم على اقتِطافِ مُناسباتٍ جديدة وعلى التحول إلى الصورة التي يوعِزُ بها الدور الجديد، ويُدرَكون كأشخاصٍ قادِرين على استبدال قمصانِهم من أجل اهتمامات شخصية.

مُخادَعَةُ الذات والآخَرين

رأينا أمثِلة على قدرة الصورة الملائِمَة ضمنَ المجال السياسي، فعلى سبيل المثال، في النداء الشخصي لرونالد ريغان Ronald Reagan وفي الشعور الجيِّد الذي يَتَحقَّق من خلال الأمَّة عندَما تُصبِح مُطمئِنَّةً، ويقودُها رجُلٌ يتمَتَّع بالسِّمات المتميِّزَة للإخلاص والنوايا الحَسَنَة. فـ"المُتمَرِّسون" المَوْهوبون قادِرون على تعهُّدِ السِّمَات النوعية لدَوْرٍ بتَحَوُّلِهم إلى الشخصية التي اختاروها. ففي فيلم Pumping Iron[3] آرنولد زتشوارزينيججر Arnold Schwarzenegger هو بطلٌ للعالَم مرارًا في رفعِ الأثقال، ومن المُحتمَل أنه "مُتمَرِّسٌ" يصِفُ انتِصارَه التنافُسيّ كتِقنيةٍ في التخويف: فهو يَعكِسُ صورةً عن ذاتِه كغالِبٍ لا يُقهَر بالنسبة للمُتنافِسين الآخَرين قبلَ أن يَقِفُوا سوِيَّةً على الحلَبَة.

يُعَبِّرُ "المُتمَرِّسون" بشكلٍ طبيعي عن إدراكِهم للإمكانيَّات التَّلاعُبيَّة من خِلالِ عَكسِهم بِعَزمٍ لصورَة مُوَلِّدَة للثِّقَة. ويقولون أيضًا إنهم يظلُّون مستغرِقين في أدوَارِهم التي تخدعُ أنفسَهم، وبإعارَتِهم انتباهِهم الانتِقائي لمصادِرِ القبول ومُبعِدين مفعول التغذية الارتِجاعي feedback السَّلبي، كما لو كان هذا عِنَبًا أخضَرَ لخاسرين رديئين. ومُنذ أن تكونَ الحاجاتُ لصورَةٍ مُشبَعَةً، فعلى "المتمَرِّسين" أن يشاؤوا التّقَدُّمَ باستِثارَةٍ نحوَ نَصرٍ ما.

أذهَبُ وراءَ الشخص الذي يتناسب مع اهتمامي الخاص بفئة معيَّنَة. وقد يكون أيُّ موضوعٍ، اعتبارًا من السياسة اللاتينية – الأميركية، مَبحَثٌ أكاديمي، حتى أي شيءٍ بما في ذلك الفنون البلاستيكية. وأشخاصٌ شعبيون ذوو شهرة حيث أنهم يَبدون مُشكِّلين فئةً. وأناسٌ ناجِحون جدًّا استطاعوا العثور على حل لكل المشاكل الخارجية. المال، والمركَز، والسلطة، فهيَ أشياء مُغرِيَةٌ جدًا. وإنه لرائعٌ المُتابَعَة في المَسيرَة نحوَ صورَةٍ مثالية، كما أنه مؤلِمٌ جدًا إدراك زيف الصوَر، ورؤية أنك عمِلتَ الكَثير لكي تبقى في المُقَدِّمَة، وأنك في نِهايَةِ الدرب رُبّما لن تكونَ الوَظيفَةُ المِثالية في انتظارِك، أو الرؤيَةُ بأنه ليس الجميع يكرَه الخاسِرين. فالأمر مِثلَ بسكويت ناعِمٍ جدًّا ينتهي ليُصبِحَ قشَّةً مصنوعةً وفقًا للثمن الذي عليك أن تدفعَه.

فنحن نستيقِظ ونكتشِف بأننا مُتمَركِزون على موضوع الصورة كالإحساس بأننا جذَّابون تِجاهَ أنفُسِنا. فنحن نخون أنفُسَنا بالقِيامِ ببهلَوَانِيّاتٍ من أجل حُبِّ الظهور وَسَطَ المجموعَة التي نحن فيها. فهو لأمر بالغ الإيلام أن أُدرِكَ كم كان عليَّ أن أتكيَّف لكي أكونَ المرأةُ الأكثَرُ كمالاً التي وُجِدَت أو لكي أكونَ زعيمَةً محطّ إعجابٍ بالنسبة لعامَّةِ الناس. والآن بالضبط لهو الأكثَرُ أهميةً لكي أُقيمَ السَّلام مع عُشَّاقي القُدامَى وأن أعرِف بأنهم يُحِبُّونني لِمَا أنا عليه، وعَدَم المُحاوَلَة بأن آخُذَ شيئًا ما منهم مع الصورة الوَهمية التي فكَّرتُ بأن أكونَ إيَّاها بينما كنا نتصَاحَب.

العِلاقات الحَميمة

الانفِصام بين الأنا الحقيقي والأنا المتمَرِّس قد تطوَّرَ في الطفولة، وإنه واضِح بشكلٍ خاص في العِلاقات الحميمية.

تبدو المشاعِر والانفِعالات غير مُتوَافِقَة مع العَمَل. أو أننا نبقى دون أن نفعَلَ شيئًا مأخوذين بالانفِعالات، أو نذهَب للصراع. ولذلك فإن كثيرين من الناس يقولون إنني أعامِلهم بشكلٍ سيئ، وإن كلَّ ما يُقلِقُني هو الإنتاج، وليس ما يشعرون به. هذه هي الحقيقة بشكلٍ أو بآخَر، لأنني أستعمِل مع الجميع النموذَجَ نفسَه الذي أستعمِلُه مع نفسي. فعلى سبيل المثال، كان صعبًا علي الاعتراف بأن الأشخاصَ الآخَرين يُصبِحون أكثَرَ تباطؤًا حينما يتعرَّضون للضغط، أو أنهم يفقِدون اتِّجاهَهم إذا لم تكن حياتُهم الخاصَّة على ما يُرام.

عندما أحاوِلُ البقاءَ مع مشاعِري، فما أحصُدُه من ذلك إنما هو تشويش بحت. أُفكِّرُ: أتُرَاني أملكُ شعورًا صحيحًا؟ كيف لي أن أعرِفَ الاختلاف بين شعوري الحَقيقي وذلك الذي أظنُّ من خِلالِ صورتي أنه علي الشعور به؟ فعِندما نعيش حياةً كامِلة مُتقَوْلِبين وفقًا لتوقُّعات الآخَرين وفجأةً نُمسَكُ بالتجربة نفسِها، فإن ما ينالنا هو الذعر. فالأشياء التي نحِبُّها والأشياء التي نمقتُها تبدأ في الواقِع بالارتِسام. فنحن نحاوِل اِستِعمالَ بارومِترًا (ميزان الضغط الجوي) مُختلِفًا للشعورِ بالأشياء، وليس فقط لرؤيَةِ مظهرِها. أن أبقى مُرَكِّزَةً علينا أنفسِنا وليس على الأشخاص الآخَرين لهو أمر مروِّع، لأنه ليس لدَيْنا فِكرَةٌ عمَّا سنُلاقي في داخِلِنا، أو حتى إذا ما كان أحَدٌ ما في داخلِنا لكي نلقاه فعلاً!!

إن "المتمَرِّسين" قادِرون على عكس صورة شَريكٍ حميم وفي الوقت نفسِه يُدرِكون بأنهم يُؤدّون دورًا. وإذا كان من الضرورة بمكان إظهار رقَّة الشعور، فلسوف تُظهَر رقةُ الشعور، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هناك ثمة إحساس بها. فلديهم ضُعفٌ في "تأدِيَةِ" أدوارٍ حميمية، لكَونِهم صاروا ذلك الذي على حدِّ زعمِهم، يتوجَّبُ أن يكون شريكٌ قادِرٌ، أو من أجلِ "تحقيق" الزوج الكامِل. وعندما تنبعِث انفعالاتٌ حقيقية، فثمّةَ إحساس بعَدَمِ توافُرِ الخبرة. "لدَيَّ فقَط انفعالٌ واحِدٌ أو اثنان واضِحَان، ولكن أين هي الانفعالات الباقية؟ أو يحضُرُ إذَّاكَ إحساسٌ بالانسِحاق: "إذا أنا تركتُ مشاعِري تتفتَّح، فلسوف أصبِح مغلوبًا ومشلولاً". التساؤلات الأكثَرُ تواتُرًا لنمط workaholic "المُدمِن على العمَل" الذي ينفتِح على المشاعِر والانفِعالات لأول مرة هي: "هل أنا أملُكُ شعورًا صحيحًا؟" و"هل سأظل أسيرًا لانفعالاتي وعاجِزًا عن الإنتاج؟".

السيطَرَة على الغَضَب هو الشيء الأكثَرُ صُعوبَةً. اختفَيْتُ لشهورٍ طويلة، وفيما بعد أدركتُ أن حصولَ ذلك كان سبَبُه غَضَبًا شديدًا، واحتجتُ لكل هذا الوقت الذي توارَيْتُ فيه عن الأنظار لكي أخفِي هذا الغضب. فهو انفعال يُفسِدُ الصورة التي تماهيتُ معها، ويُروِّع الجميع، ولكي أُسيطِرَ عليه فمن الأفضَل أن أُغيِّرَ وظيفتي، وتغييري للصورة المُتمَاهَى معها، وخلقي لعالَمٍ جديد يحميني مُجَدّدًا من هذا النوع من الوظيفة.

عند هذا الحدِّ من عِلاجي، ومن عَمَلي على الذات، أجِدُني ممتنًّا لأحَدٍ يجعَلُني أدخل في اتصال مع انفعالي. وعندما أعاوِدُ رؤيَتي لِلماضي، فإنني أكتشِفُ حالاتٍ كثيرَةً كان مِن المُمكِنِ إيجاد حلٍّ لها على نحوٍ مُختلِفٍ فيما لو استطَعتُ السيطرة على مشاعِرِ تلك اللحظة. ويبدو أنني عاجِزٌ عن فهم عمَّا أشعُرُ به في اللحظة الحاضِرَة. ويبدو أنني أحتاج لزمان ومكان لكي أعثُر على جوابٍ. ولكن إذا ما أعطَيْتُني مكانًا كبيرًا فإنني أعرِفُ إذَّاكَ بأنه سوف يكون لديَّ الوقت لكي أخلُقَ نصًّا مكتوبًا سوف يبدو حقيقيًا حتى بالنسبة لي. وفي حالي، فإن الاستراتيجيةَ الأكثَرَ أمانًا تبدو أنها تتطلَّبُ وقتًا لفَهم ما أشعُرُ به وتُوَافِقُ تبادُلَ وجهات النَّظَر تجاه موضوع ما مُحَدَّد في المُستقبَل القَريب.

من الإيجابي بالنسبة للعِلاقات، أن "المُتمَرِّسين" يُعطون دَعمًا خارِقًا للأهداف ولتطلُّعات أعضاء العائلَة. ويَجتهِدون من أجل نجاح أولئك الذين يتماهون ويبتهِجون معهم. إنهم مُمتازون في إخراج الأشخاص الآخَرين من عُزلتِهم أو من انفعالاتِهم السَّلبيَّة، وحملِهم على النشاطات البنَّاءة انفعاليًا. وإذا ما تماهوا مع الحياة وَسَطَ العائِلَة، فهُم يستثمِرون وَقتَهم وطاقتَهم في العائلة. وإذا ما تماهَوْا مع فكرة الحميمية، فإنّهم يَجتَهِدون من أجل أن يكونوا شريكًا حميمًا. ورغم ذلك فإذا ما تماهُوا مع العمَل فلن يكونَ هناك مزيدٌ من الوقت لا من أجل العائلة ولا من أجل الحب.

من السلبي، أنه بوِسعِهم الابتعاد بسهولة عن المشاعِر من أجل مشاريع يتَّخِذُها "المتمرِّسون" على عاتقِهم بروحٍ من العمل لأجل العائلة، ولكن الأشخاصَ الآخَرين يُتَرجِمون ذلك على أنه تلهُّفٌ لنجاحٍ شخصي.

إنهم قَلِقون إلى أقصَى حدٍّ إزاءَ المظهَر الجسماني، وإزاء المشاريع الواضِحَة لِلشريك، والتي بوسعِها استبدال عمق المشاعر.

أجِدُني مُمتازًا في أول تأثير، ولِقاء كبير، وإعجاب مُتبادَل، ولكن الأفضَلَ فيَّ يكمُنُ عندما تُثارُ بُؤرةُ اِنتباهي. وحالَما تترسَّخ العِلاقَة، فإنَّ ما أريدُه هو الشروع بالعمل، وحبيبَتي تشعر أنني أتجاهلُها. إنها مشكِلَةٌ جدِّيَّة برغبتي في المجيء متأخِّرًا إلى المنزِل لأنني أعمَل من أجل ربحِ المال، وأُنجِزُ نجاحًا لكِلَينا نحن الاثنان، وعند تحقُّقِ ذلك، فما أكتشِفُه أمامي ليس أكثر من مجرَّدِ استياءات.

عندما يكون هناك ثمة مشاعِر فوق الحدِّ الاعتيادي بالنسبة لي، فإنني أجد وسائل لإيقافِها الأمر الذي يجعل حبيبتي تخرج عن طورِها. وعِندما تبدأُ الانفعالات بالاضطرام، فإنني ببساطَة أسيطِر على نفسي بالعمل، أو أكتشِف إذَّاك أنني أقوم ثانيةً بالمشروع عقليًا بينما نقوم بتصفيَةِ حساباتِنا. أو بالتالي أشعر أنه حانتِ الساعة لكي أذهَبَ خارِجًا. وعندما أقول: "دَعيني". فإنها الحقيقة الصافية. فأنا لا أحتمِل أن أتعرَّضَ للضغط. أحتاج لوقت لكي أكون فيه وحيدًا من أجل أن أُخمِدَ (أصُدَّ) أيَّ رأيٍ سيئ أو أي إحساسٍ بالفَشَل، وعندما أعرِف بأنني سوف أبقى على قيد الحياة وحتى أنني سوف أستطيع مُواجهةَ نفسي، فإذاك أشعر بالرغبة في الرجوعِ.

مثال عن علاقة زوج:

"الثلاثة" و"الخمسة"، "المتمَرِّس" و"الراصِد"

بقدر ما يكون لدى "المتمَرِّس" مشاكل مع حميمية المشاعِر، فكذلك يكون لدى "الراصِد" أيضًا هذه المشاكل نفسها؛ وتكمُنُ المشكلة بالنسبة لـ"المتمَرِّس" في أن يُرَى عمَّا هو عليه، وليس عمَّا يُحقِّقُه؛ وبالنسبة لـ"الراصِد"، تجلُبُ الحميميَّة إلى السطح الخوف من أن ينكشِف ويجري إذلالُه. ففي بداية العِلاقَة، ثمَّةَ توقُّع محدود بالنسبة للاتِّصال على مستوى المشاعِر. يُضعِفُ "المتمَرِّسون" الحميمية من خلال الإفراط بالنشاط، ويُضعِفُ "الرَّاصِدون" الحميمية بتحاشيهم للناس. أما المشهَد المعتاد فهو بوَضعِ "المتمَرِّس" في حالة المُطارِد، و"الراصِد" في حالَةِ المُطارَد. ويجعَلُ "المتمَرِّس" الأشياء تحدُث في حين أن "الراصِد" لا يُقاوِم.

سوف يبحَث "مُتمَرِّس" عن الحميمية عندما تكون الحاجات للصورة التي يتماهى معها قد تمَّت تلبيَتُها، ويبتعِد عندما يكون حبُّه لذاتِه في أدنى درجاتِه. أما "راصِد" ما فلسوف يبحَث عن الحميمية في تمظهُرات قصيرة الأمَد، وتحت ضمانات عَدَم التوَرُّط. لدى كليهما ردة فعل مُتخَلِّفَة إزاء التفاعُلات ذات الطابع الانفعالي المفاجئ، ويحتاجون للابتِعاد لكي يحصلوا على فهمِ ما يحدُث. ويتوَجَّب على كِلَيهِما أن يحصَلا على حساسية عالية لكي يعرِفوا متى يكون الآخَر مهيَّأ. يتوَجَّب على "المتمَرِّس" احترام الخصوصية وعدم توَلِّيه السيطرة بتحوُّلِه إلى مُرشِد. ويتوَجَّب على "الراصِد" أن ينمِّيَ لديه الانفِتاح على مخالطات عفوية بدون الحاجة لابتعادِه.

يَظَلُّ "مُتمَرِّس" يسعى لنشاطات بقَصد القِيام بعِلاقَةٍ يصِحُّ مفعولُها، وفي هذه العِلاقة هو أو هي ليس ممنوعًا عن أي ردة فعل معاكسة من "الراصِد". كما ليس ثمة من أيَّةِ مُشكِلَة بالسيطرة عما يكافَح من أجلِه، فغالِبًا ما يُجذَبُ "المتمَرّس" إلى ترسيخ أسلوب حياة لائق نجده يتمظهَر من خلال ألبوم لصور فوتوغرافية، ومن خلال شروعِه في توَلِّيه القيام بمشاريع. وإذا ما طوَّرا روتينًا منزليًا، فإن كُلاً من "المتمَرّس" و"الراصِد" سوف يتآمَران من أجل حصولهما على حياة منفصِلة في مجالات أخرى. يُعقلِن "الراصِد" سلوكَه: فهو أو هي يُحافِظُ على النشاطات والأصدِقاء منفصلين أحدهم عن الآخَر، ويُغلِق على الحميمية في صندوق ويبتعِد على الفَور. وإذا ما صار الجو المنزلي متوَتِّرًا، فإن ابتعاد الـ"راصد" قد يتعدَّل إلى فترات طويلة تكون فيها أبوابه مُغلَقَة، وتواصله في حدودِه الدنيا. فإذا ما كان "المُتمَرّس" مشغولاً جدًّا، فلربما لن يُلاحِظَ ذلك. وإذا ما تداخَلَت نشاطات "المتمَرِّس" في الروتين المنزلي وفي أوقات وجبات الطعام، فلسوف تكون ردة فعل الـ"الراصِد" هي الحَرَدان، وإذا ما شعر بالأمان كثيرًا، ومع غضب عنيف، نمطية "صاحِب العمَل" (نقطة شعوره بالأمان). فإن غضَبًا منطَلِقًا من أحد ما حميم بالنسبة إليه، سوف يكون قاتِلاً بالنسبة لـ"متمَرِّس"، وسيُسَبِّب ذلك ابتِعادًا سريعًا.

يُريدُ الـ"المتمَرّس" عكس صورة جذَّابَة ضِمنَ مصطلحات الحياة الاجتماعية، ويرغَب بأن يخرج محبوبًا ويشعر بالأمان عند قيامِه بأداءٍ ما. إن الـ"راصِد" هو الأكثَرُ تحاشِيًا للناس، ويرغَب بالبقاء وحيدًا، ولن يُرافِقَ الـ"متمَرِّس" في أوضاعٍ شعبية يتعذَّر عليه التنبؤ بها. فـ"الراصِد" يُريد أن يعرف على سبيل المثال برنامج الحفلَة الموسيقية. وسيُنَظِّم الـ"متمَرِّس" أحداثًا اجتماعية هامة، وسيَظل في واجهتِها، وغالِبًا ما يَستُرُ الـ"راصد" في لقاءاتٍ شعبية. إن علاقَةً مُرتَبِطَة بمَشروعٍ اعتيادي تضع "الراصد" كمُفكِّرٍ غير مرئي يعمل من خلال "المتمَرِّس" من أجل سيطرة نائية. ويقوم "المتمَرِّس" بكل اتصال شعبي، ويُساوِم على عقود ويُنشئُ تقاريرًا تجري على الهاتف للـ"راصِد" الذي لا يخرج أبدًا من المنزل.

العِلاقات التراتُبيَّة

يُريدُ "المُتمَرِّسون" أن يَكونوا هم أنفسُهم السُّلطَة. ويعلَمون وضع الأولويَّات بالنسبة لهم والمنافسة جيدًا، ويستمتِعون بالإقرار بنجاحِهم. والأكثَرُ شيوعًا هو تنافسُهم من أجل ربحٍ شخصي. وعلى سبيل المثال، لربما يستنبِطون استراتيجيات لتوَلِّيهِم زعامة مجموعَةٍ. ومع ذلك، فإذا تماهوا بالتزامِهم مع فريقِ عَمَل، فالـ"المتمَرّسون" لا يُضيِّعون جهودَهم في توحيد فريق العمَل، ويتوَلُّون دورَ زعامةٍ غير مَعروفَةٍ. يَضمَنُ تواجدُ "متمَرّسٍ" في فريق العمَل حركتَه نحو التقدُّم.

من الإيجابي، أنهم مِثالٌ عن السلطة المُلتَزِمَة شخصيًّا، وهم نقطةُ الاتِّحاد بالنسبة للآخَرين. وهم قادِرون على تقديم التزامٍ غير محدودٍ بالنسبة للمهمة الموكلَة إليهم، وتفاؤلٍ إزاءَ النجاح في المستقبل. ينتقِلون بشكلٍ مباشَر من الفِكرة إلى الفِعل، وهم مُستعِدُّون لقُبولِ مرجِعيَّاتٍ أخرى برؤى معاكِسَةٍ لرؤاهم.

يُدرِكُ الـ"متمَرِّسون" التحَرُّكَ بسُرعَةٍ وَسَطَ التفاعُلاتِ الصعبة بوَقفَةٍ من نوع "في المرة القادمة سوف نصحِّحُ الأمر"، ويَعلَمون كيف يُقَدِّمون الدَّعمَ للآخَرين، حينما يَنطَلِقُ هؤلاء بدَورِهم إلى حالاتٍ استعراضية، وعلى درجَةٍ عالية من المُجازَفَة، وذلك بدون جعلِهم يتمرَّغون في وحل مخاوف تحذيرية مُسبَقَة.

من السلبي بالنسبة للتفاعُلات التراتُبيَّة نزوع المتمَرِّسين إلى توَلِّي السيطرة بالعَمَل على معارضة الهيئات المسؤولة. ويجعَلون العملَ يسير باقتطاع نفقاتٍ أو باهتِماماتٍ في التنفيذ، وبخسارَةٍ مُعتَبَرة لمراقبة الجودَة. وثمَّةَ احتِمال لإعلانٍ مُبالغٍ فيه عن النفس أو لمَيلٍ للدخول في عِلاقَةٍ مع الآخَرين من خلالِ أداءِ دورٍ مِهَنيٍّ أكثَر من أن يكون الأمر من خلال المشاعِر: "صورتي تتكلَّم عن أوراق اعتمادِها".

مثال عن العِلاقَة التراتُبيَّة:

"الثلاثة" و"الستة"، "المتمَرّس" و"محامي الشيطان"

سيكون "الستة" الدماغ المُفكِّر، والخَبير، وذلك في عِلاقَةٍ جيِّدَة، وسيَدعَم "الثلاثة" المشروع وسيَقوم بمرافقتِه حتى النهاية. وإذا ما استطاع "الستة" أن يُطلِقَ الفِكرَةَ وأن يُكمِلَ الخُطَط، وهو يُعطي اتِّساعًا تامًا لعادتِه كـ"مُحامٍ للشيطان" بتساؤلِه وتحقُّقِه من العيوب الخفية، وإذَّاكَ سيكون "الثلاثة" في الوضعية الكامِلَة بالنسبة لدعمِ مُنتَجٍ أخلاقي وعلى قواعد صلبة. وإذا ما شعر "الستة" أنه مُحتَرَمٌ لأفكارِه، فإذاك سيَتَمكَّن "الثلاثة" من الاستمتاع بأعظَمِ قِسطٍ من التقديم والصيت الشعبيِّين.

إلا أن "الستة" إذا ما شعر بالتجاهُلِ له، فلسوف يظهَرُ ارتيابٌ حول اتِّخاذِ "الثلاثة" لحقِّ القرار. وسيَقبَلُ "الستة" على أن ما يُدرِكه "الثلاثة" صائب فيما يتعلَّق بعرضٍ احتيالي أو مُبالَغٍ فيه وسيتوَجَّس بأن "الثلاثة" يُدبِّر عَمدًا الحصولَ على منافع شخصية عِوَضًا عن التحرُّك نحوَ الخير العام. وهذا يضع "الستة" في وضعيَّةِ الضحية، وبإمكان "الستة" إذاك أن يبحث عن حلفاء بدون علمٍ من قِبَلِ "الثلاثة". وسيكون "الثلاثة" مُرَكِّزًا على بلوغ أهدافِه بأيِّ وسائل ضرورية، وسيتجاهل بدورِه مخاوِفَ "الستة". وذات مرة وهو يُرَكِّز على هدفٍ ما، يتمُّ إلغاءُ انفعالات "الثلاثة"، وهو أو هي يكون عديمُ الحِسِّ عما يشعر به المتعاوِنون. يكون "متمَرّسٌ" متماهيًا مع الصورة المؤلَّفَة من خِلال أفضَلِ سِمات سُلطَةٍ ناجِحة جدًا، وإنه أو إنها لا يُدرِكُ بأن الآخَرين قد صاروا منهَكين. ويتجاهَل "المُتمَرِّس" تعليقات سلبية، ويُفَسِّرُ أسئلةَ "الستة" كتدخُّلٍ ويحاوِلُ توَلِّي السيطرة: "انتبِه لنيري على ظهرِك".

إذا تعرَّض مشروعٌ ما لمشاكل، فلسوف يسعَى "المتمَرِّس" للعمل بكدٍّ أكثَر، وسوف يَشاءُ "الستة" أن يتحدَّثَ. وإذا ما استمرَّ المشروع على نحوٍ غير صحيحٍ في أمرٍ ما، فلسوف يريد "الثلاثة" الانطِلاقَ إلى عمل بأفضَلِ التوقُّعات. وسوف يرى "الستة" في ذلك إخلافًا بالتعهُّد، وسيشاء البقاء حازِمًا لإعادَةِ توجيه المشروع. وإذا كان المشروع ناجِحًا جدًا، فلسوف يريد "الثلاثة" التوَسُّعَ، ومنحَ إعفاءاتٍ من الرسوم، وبمقدار ما أن "الستة" في وضع من النجاح، فسوف ينزَعُ لأن يكون فطِنًا، وأن يُطيلَ من أمَدِه. وينشغِل "الستة" بتهديداتٍ مُمكِنَةٍ ناجِمَةٍ عن غيرةِ الآخَر، وسوف يُوَاجِه التهديد بصيرورتِه قلِقًا إزاءَ القِيَم وأخلاقيّة النجاح.

إذا كان "الثلاثة" قادِرًا على مشاركَةِ قدرتِه في اتِّخاذ القرارات، وإبقاء الآخَرين على معرفةٍ بما يجري كليًا قبلَ أن يتحرَّك، فلسوف يتضاءل مستوى الپارانويا عند "الستة" على نحوٍ ذي اعتِبارٍ. وإنها لمُساعَدَةٌ كبيرة أيضًا أن يُقدِّم "الثلاثة" رؤيةً بعيدةَ المدى في كل مرة يترك "الستة" نفسَه تؤخذ بالحَيْرة وعدم القدرة على اتخاذ قرار. وستتحسَّن العِلاقة التراتبية إذا ما تعلَّم "الستة" التساؤل علَنًا عِوَضًا عن السماح في تكوِّن الارتياب الذي قد يتأسَّس على معلوماتٍ مغلوطًا فيها.

استحقاقات

تُشخِّص النقطة "ثلاثة" حماسةً تسري للآخَرين من خِلالِ مشاريع وأهداف مستقبلية. إن "المتمَرّسين" مزوَّدون بقُدُراتٍ هائلة للعمَل بكدّ. فمن المُمكِن للاقتداء بهم أن يُلهِمَ أشخاصًا آخَرين أن يبلغوا مستويات راقية من الصفات الشخصية. ثمّة رغبة أساسية في التعلّم، وحَذاقَة مُضادّة للاكتِئاب من خلال السعي وراء أمور هامّة للقِيامِ بها. يملك "المتمَرّسون" موهِبةً طبيعية في تقديم أنفسِهم، وطرح مشاريعِهم بشكلٍ مُقنِعٍ. وثمة اهتمام في دعم برامج اجتماعية تساعد الأشخاص للارتقاء مادّيًا من خلال جهودِهم خاصّتِهم، وفي خلق زعماء للمستقبَل.

الأجوَاءُ الجذَّابَة

تتضمَّن الأجواء الجذَّابَة صفقات تجاريَّة صغيرة تتم بفضل جهود شخصية وساعات عمل طويلة. مُدَراء وبائعون وصحافَة وإعلانيُّون ومنتِجو صُوَرٍ. وما يتطَلَّب ترسيخ أفكارٍ معروفة في منظَمَّات عُماليَّة، تغليف وترويج وتسويق ومبيعات.

يصير "المتمَرِّسون" مثالَ موطنِهم الطبيعي: النموذج الأساسي لليساري، والنموذج المحافظ لليميني. ينجذِبون للأجواء حيث يستطيعون الظهور ويتجنَّبون تلك الأجواء حيث لا يستطيعون أداءَ دورٍ ما. هم موَظَّفون على درجة عالِيَةٍ من الرؤية مع مجالٍ من توفير الدِّعم اللازِم للآخَرين. هم مرقاة المؤسَّسَة، وسياسيُّون ينالون تصويتًا بسبَب صورتِهم المزعومَة في وسائل الإعلام، وبسبَب أسلوبِ أدائهم الشخصي.

أجواء غير جذَّابَة

تتضمّن الأجواء غير الجذَّابَة وظائف ذات مستقبل محدود. وعمل ليس بذي مكانة. وأيُّ أمرٍ يرتبِط بصورة شعبية تذهب ضدَّ التيار الاجتماعي لـ"المتمَرِّس". مشاريع تأسيس تتطلَّب استبطانًا أو فترات من المحاولة والخطأ قبل أن يظهر نتاجٌ ما.

"المتمَرِّسون" هم صحفيون أكثر من كونهم روائيين. ومُدَراءٌ فنيون للمجَّلات أكثَرُ من كونِهم رسَّامين جدِّيِّين يحتاجون شهورًا لإبداع قطعةٍ فنية.

"متمَرِّسون" مشهورون

يتضمَّن "المُتمَرِّسون" المشهورون ڤيمير إرهارد Wemer Erhrd والبائع الكَبير للوَعي: الذي أطلق حركة النمو الشخصي تحت عنوان "est works" (يعمل est).

رونالد ريغن Ronald Reagen – والت ديزني Walt Disney – فرَح فاوست Farrah Fawcett – جون ف. كينيدي John F. Kenedy.

كيف يعيرُ "المتمَرِّسون" انتباهَهم

يبدو "المتمَرِّس" بالنسبة لراصِدٍ ما على أنه مِقدامٌ على درجة عالية من التركيز؛ ورغم أن "المتمَرِّسين" يقولون إنهم فقط يحاوِلون البقاءَ متقدِّمين. وإذا كان أحدٌ جيِّدًا، فعلى "المتمَرِّس" أن يكون الأفضَل. لأن درجة تقديرِه لذاتِه تتعلَّق بفَوزٍ ما. ويكون النشاط على شكل سيطرة، والشعور بالقيمة والأمان الشخصيَّيْن يتعلَّقان بالمِقدار الذي يكون فيه قادِرًا على الفعل. فـ"المتمَرِّس" يقومُ عادةً بعدَّةِ أشياء في الوقت نفسه، وطريقة إعارتِه انتباهِه تُدعَى بالفكر مُتعدِّد الأقطاب.

أقود السيارة وأنا متأخِّرٌ قليلاً. وفي الوقت نفسه بينما أقودها، أراني أتحدَّث مع الراكب على المقعد الخلفي، وأراقِب مرايا السيارة من وراء شرطة المرور، وأتجاوَز حدودَ السرعة، وفيما بعد أقلِّل منها، وفي يدي سندويشة وأظل أقلِّبُ محطَّات الراديو (الإذاعة). وإحساسٌ بالحضور الجيِّد بينما يحدُث ذلك كلَّه في مرَّةٍ واحِدة، إنه لإحساسٌ كما لو أنني فوق الأشياء.

لدى النشاط متعَدِّد الأقطاب مُقابِلَه في عادَةٍ داخِليَّة من الانتِباه الذي يكون عائدًا في جزئِه الأعظم لتنفيذ المهَمَّات. ونادِرًا ما يبقَى الانتِباهُ مُوَجَّهًا نحوَ مشروعٍ حتى انتِهائِه، ولكنه ينتقِل بسرعة إلى الأمر التالي الذي يتعيَّن عليه القِيام به. وبالفِعل فليس هناك ثمة فراغ بين أفكار للتبصُّر وإعادة الأخذ بعين الاعتِبار للأولويَّات، وبين إعادة الانتِباه إلى المشاعر الشخصية بشأن العمَل.

عليك أن تكونَ الأفضَل. وإلا فإنك لن تكونَ موجودًا. ويكمُنُ الإحساس في أنك أمضيتَ الحياة كلها في المكان الثاني، محاوِلاً أن تكون الأوَّل. وثمة دائمًا ثلاثة أو أربعة مشاريع في الطريق إلى تنفيذها، وأنت تقوم بالحركات الجسمانية للمشروع الأول بينما أنت تفكِّر في آلية المشروع الثاني، وبينما أنهي العمل الذي ألزمت نفسي به لتوِّي أكون قد ورَّطتُ نفسي بالعمل الثاني في الحين الذي أدرك فيه بشكلٍ سيئ أن العمَلَ الأوَّلَ قد انتهى. إنه كما لو أن الحاضِر لم يوجَد، لأنني دائمًا في المقدِّمة ملتزِمًا بما عليَّ القِيام به تالِيًا.

من المُمكِن لفَهم طريقة هذه الحالَة من الانتِباه أن تتخيَّلَ نفسَك دائمًا على درجة عالية من السرعة، موَجَّهًا نحوَ الضغط (الرهَق العام) estresse، ونحوَ التنافس كأسلوب حياتِك المُفَضَّل. إنك حسَّاسٌ لأيِّ شيء في الوسَط المحيط الذي يُساهِم بدَورِه في هدفِك في اللحظة، وأنت تنظر للأشخاص ضمن مصطلحات عما يملكون أو عمَّا يستطيعون فعله للمساعدة في تحقيق مشروعك.

بمقدار ما تصير الأهداف أكثر تبئيرًا جدًا، فإن اهتمامَه يزداد وكذلك أيضًا السرعة التي يريد العمل وفقًا لها. ويقتصِر الانتِباه على تلك الدلالات في الوسَط المحيط، والتي ستُعطي بدَورِها دافِعًا لتنفيذ مشروعِه، ويبدأ الأشخاص بالظهور كما لو أنهم أناسٌ آليُّون يعرقِلون تقدُّمَ العمَليَّة أو لديهم شيء مفيدٌ للمشروع. فإذا صاروا أناسًا آليين مفيدين للمشروع، فإنك تبحث عنهم من أجل ذلك الذي يستطيعون منحَه.

تُفيدُ العقباتُ فقط من أجل تفعيل بؤرَةِ انتِباهِهم. وتُقَوَّى هذه البؤرة تحت الشعور بالضغط، لأنك إن لم تستطع بلوغ هدفك أو إذا تجاوزَكَ شخصٌ آخَر إلى أمامِكَ، فإنك سوف تشعر بنفسِك قلِقًا لأنك ستعتبِر ذلك إحباطًا، الأمر الذي لا يرغَب به أحَد، ولا أحد يُحِبُّ المكان الثاني. أو أنك تبقى في المكان الأول، أو لن يكون لديك أي مرتبة أخرى.

إذا استمرَّ وجود العقبات، فإنك سوف تنسحِب، وستفحَص عقليًا كل الأوضاع المشابهة التي أنت قادِرٌ على تذكُّرها، مُقَسِّمًا إلى أجزاء دقيقَة كل الحلول البارِزَة للماضي والتي لديها علاقة ما مع المشكلة الحالية. وتضييق الانتباه هذا إلى أجزاء صغيرة من دلالات في الوَسَط المُحيط، وإلى ذاكرات قديمة وحلول في الماضي لها علاقة مع الهدف الحاضِر الذي يُدعَى بالفِكر مُتَّحِد الاتِّجاه. إنها حالة عقلية يكون فيها "المتمَرِّس" متلائمًا بشكل خاص مع الذين يساعدونه في العثور على حلول خلاَّقَة بعد أن تفشل الروتينيات (الطرائق المُحَدَّدَة التي تجري على نسَقٍ مُطرِدٍ في القيام بالأعمال).

تحرَّكت في عدة صفقات حتى النقطة التي تصير فيها مُربِحَة على درجة عالية. أحد أفضل الإنقاذات التي حدثَت عندما عملت بوقت محدود، وأنا أستعمِلُ كل الأفكار المطبقة جزئيًا والمجتذبة من عدَّةِ مشاريع أخرى في الماضي. لقد أنقذتُ شركات كثيرة بتوافق غريب من الأفكار التي تحَقَّقَت في سيَاقاتٍ أخرى.

التماهي

عندما ينجح مشروع إلى درجة يظل فيها اهتمام "المتمَرِّس" منكبًّا عليه، فإن كل مجهودِه العقلي يتَّحِدُ باتجاه الهَدَف. وهو أو هي يبدأ في تجسيد السِّمَات النوعية للعَمَل. يُدعَى هذا اللقاء بين الانتباه والصورة بالتماهي. وهو آليَّةُ دفاع تجعلُنا مُساوين للأشخاص أو للنماذج الأصلية المحتذاة، والتي تَقَوْلَبنا وفقَها عندما كنا صِغارًا. وبالنسبة لأغلبيَّتِنا فإن التماهي النفسي يعني أمرًا مثل "إنني مساوٍ لوَالِدَتي" أو "إنني أميركي". وبالنسبة لـ"المتمَرِّس" فإن التماهي قد يعني "جعلتُ من نفسي النموذج الأصلي المُحتذَى لذلك الذي أقوم به". وعندما تجري عملية تماهي فإن "المتمَرِّس" يُلاقي صُعوبةً في فصل القيمة الشخصية عن قيمة ما أنتجَه "المتمَرِّس"، وإذا ما تعرَّضَ المُنتَج للمساءلة فلسوف يشعر "المتمَرِّس" شخصيًا أنه المقصود من المساءلة.

لدى "المتمَرِّس" عادَةٌ أساسية في تحييد الانتِباه عن المشاعِر الحقيقية من خلال اهتمامِه بأن يكونَ فعَّالاً، وبأن "يقومَ" بأداء الصورة التي يقتضيها العمَل. إنه قابِلٌ بشكلٍ خاص للتماهي، لأنه يبحَث عن القبول لدى الآخَرين، وبالتالي فهو قادِرٌ على تعبئة كمية كبيرة من الطاقة من أجل أن يتحوَّل إلى ذلك الذي هو موضِعُ رَغبَةٍ عند الآخَرين. وغالِبًا ما لا يُدرِك بأنه يوقِف العمَل وقتًا كافيًا من أجل أن يتساءَلَ حِيَالَ شعورِه فيما يتعلَّق بخصوص ما يقوم به، أو فيما إذا كان يفضِّلُ القِيامَ بأمرٍ آخَر.

وذاتَ مرَّة يحدُثُ فيها التماهي، فإن "المتمَرِّس" قد يبقى مقتنِعًا بأنه هو أو هي كان دائمًا ذلك العنصر أو ذلك المُنفِّذ المِثالي. وهذا الوَهم جزئي فقط إذا ما أحسَّ "المتمَرّس" بنفسِه مُحتالاً، كشخص يختبئ خلف قناع، وهو يُمثِّل دورًا بقصد ترك انطباع جيِّد لدى الآخَر. ومع ذلك فالتماهي قد يكون مؤثِّرًا كِفايَةً حتى أنه يدفَع بـ"المتمَرِّس" أن يتوَلَّى أداءَ دَوْرٍ فيَعيشُه لسنوات طويلة، وحتى يُجبِرُه ربَّما مرَضٌ ما أو أزمَةُ مُنتَصَف العُمر على إيقاف العمَل، وإعطائه وقتًا يسمَحُ من خلالِه أن تتفتَّح مشاعِرُه، وإذا كان لديه لقَبُ شرَف، وصورة مؤثِّرَة أو الكثير من المال، فـ"المتمَرِّس" يكون قادِرًا على العمَل حتى ينهار "من أجل الشَّرِكَة"، "من أجل المُؤَسَّسَة"، ومن أجل أية وظيفة قد تماهى معها. وبدون أن يقِفَ أبدًا لكي يسألَ نفسَه فيما إذا كانَت حياتُه ممتلِئة.

تمرين للتماهي

ههنا تمرين يمكِنُه مساعدتك في فهم زيَغان الانتباه الذي يكابده "ثلاثة" عندما يختلط انتباهه مع صورة.

اجلس أمام شريك. عيِّن واحِدًا منكما راصِدًا، والآخَر "الثلاثة". فإذا كنتَ "الثلاثة" فلسوف تكون العنصر الفعَّال في التمرين. ولذلك أغلِق عينيك لكي لا تشرد بسبب ردود فعل الراصِد. وبعينين مُغلَقَتَين قم باختيار خاصية تبغي التماهي معها. قم باختيار خاصية تعتقِد أنك لا تملكها بالواقع. فعلى سبيل المثال، بإمكانِك أن تختار التماهي مع خاصية الظرافة، والجمال، والذكاء، والشغف أو الفرح، ولكن حاول أن تختار خاصية تبدو غريبة عنك.

تخيَّل نفسك أنك تشعر بهذه الخاصية في داخلك. وللمساعدة في التعرُّف على الشعور المُرتبِط بهذه الخاصية، فبإمكانك أن تتذكر فترة ما شعرتَ فيها بالفعل على هذا النحو. أدرك تناوبات انتباهك التي تعبُرُكَ بقدر ما "تكوِّن هذه الخاصية". أدرك بأن الخاصية تأتي وتذهب. وعندما تكون حاضرة، فلسوف تشعر كـ"ثلاثة" بسياق التماهي معها، وعندما يتوَجَّب عليك المجاهدة للمحافظة عليها، فستشعر كـ"ثلاثة" أنك تحافظ على صورة.

وبعينين مُغمَضتين أيضًا، ركِّز داخليًا على الخاصية المُتخيَّلَة، ودعها تملأ جسدَك. وعندما تكون قادِرًا على تثبيت انتباهِك على الأحاسيس أو المشاعِر التي توقظها الخاصية في جسمك، افتح انتباهك على نحوٍ يتضمَّن الشريك الراصِد، وخذ بالحسبان بأنه هو أو هي شخص هام في حياتك؛ أحد ما كرئيس أو زوج لديه القدرة على التأثير بك، وأنت سوف تتخيَّل أنك أصبحتَ سريع التأثُّر بهذه الخاصية التي تعمل على تجسيدها في داخلك.

والآن افتَح عينيك، وفي الوقت نفسه حيث تُبقي على انتباهك مركَّزًا داخليًا وسط حضور الخاصية، وليكن لديك حديث بسيط مع الراصِد. ادرك زيغانات الانتباه التي تحصَل بقدر ما تحاول أن تتماهى داخليًا مع الخاصية التي يتأثَّر بها شريكك. يتعرَّف "الثلاثات" في هذه التيارات الداخلية للانتباه على الاختلاف بين اللحظات التي تكون فيها ممثَّلَةً بشكل ضعيف لصورة مؤثِّرَة، وبين تلك التي يبقون مستغرقين جدًا في صورة هي خاصيتهم نفسها، التي يضفي الشريك عليها القيمة. يغيِّر "الثلاثة" عادةً من انتباهِهم على نحوٍ يتماهون فيه مع صور ذات قيمة ثقافيًا، ويبدأون إسقاط هذه الصورة كما لو كانت هي أنفسهم، بدون أن يتذكَّروا التساؤل عن الاختلاف بين صورة جرى تبنِّيها، وبين مشاعرهم الداخلية خاصَّتهم.

عندما يكون "ثلاثة" قادِرًا على شخصَنَة صورة بنجاح فهو أو هي سوف يصبح مدركًا على درجة عالية لردود أفعال الأشخاص الآخَرين. وإذا كانت الصورة مُقنِعَة، فلسوف يبدو "الثلاثة" متماهيًا معها. وإذا لم يستحسنها عامَّةُ الناس، فالتقديم الشخصي سوف يميل إلى التغيُّر على نحوٍ لاواعٍ.

الأسلوب الحدسي

أثناء طفولة "ثلاثة" كان يتعلَّق شعوره بالأمان هو أو هي بأن يكون الأفضَل في نشاطات ذات قيمة بالنسبة للآخَرين. يرتبط شعور طفل بالهناء بالصورة وبالأداء، فعلى الأرجح أنه سيُطوِّر أيضًا حساسيات بالنسبة إلى عناصر تغذِّي هذه الحاجات الانفعالية.

عندما أدخل في وضع جديد، أصبح على الفور واعيًا للطريقة التي أتأثَّر وفقها بالآخرين. وأكتشفني أحاول إرضاء أكبر عدد ممكن من الأشخاص، ولا يهم كيف أشعرني فيما يتعلَّق بالمجموعة. وليس الأمر إلى هذا الحد لدرجة أشعر فيها بانفعال، فالأمر هو إدراك إضافي لذلك الذي سوف تقبله المجموعة، وابدأ إذاك بالتصرُّف وفقًا لهذا الإدراك.

كان ذلك هامًا جدًا بالنسبة لي في عملي التنموي (متعلق بتنمية المبيعات). كنتُ أزور عدة مجموعات من الزبائن مع مُنتَج من طراز واحدٍ، وفي كل مرة كانت القصة تُخرِج شيئًا مختلِفًا. وكنتُ أنهض للقيام بعرضي، وأحيانًا كنتُ أصغي لنفسي وأنا أغيِّر من نبرة صوتي في وسط جملة، بدون أن أعرف بالضبط لماذا كنت أقوم بذلك. أو أنني كنت أشعر بجسمي يتعهَّد أداءً خاصًا به مُختلِفًا عن ذلك الذي كنتُ قد خطَّطتُ للقيام به.

لو لم يعرف هذا المندوب للمبيعات بأن وجهة نظره الحقيقية اُستُبدِلَت عندما تم إدخاله في أسلوب من التقديم، لأصبح مشوَّشًا جدًا إزاء الاثنين. وبإمكان عدة نتائج هامة أن تتطوَّر إذا ما تعلَّم تمييز مشاعره الخاصة عن تلك المُتكيِّفَة مع ما يطرحه عند محاولته إتمام صفقة بيع. وعلى الأرجح فالأولى تكون من درجة انفعالية. أو أنه يصبح قلِقًا لكونِه يكذِب إزاء الحضور (مجموع المُستمِعين)، أو أنه من المُمكِن أن يسعى للتضليل بفعالية أكبَر مطوِّرًا قدرته الحدسية على جعل الأشخاص يهتمّون بالمنتوجات التي لديه للبيع.

نتيجة أخرى يمكنها أن تكون تقدمًا في القدرة على تمييز رغباته الشخصية، والدافع للقيام بأمر لا يخدم حاجاته الشخصية. ونتيجة أخرى يمكنها أيضًا أن تكون تدريبه الذاتي من أجل دخوله ثانية طوعيًا في الحالَة العقلية التي يكون قادرًا فيها على ضبط تقديمه على نحوٍ حدسي لكي يتلاءم مع رغبات مجموعة، ويكتشف أيًا هي المعلومات الأخرى المتوفِّرَة في هذه الحالَة العقلية.

الأمل كسمة للعقل الأسمى

يقيس "المتمَرِّسون" قيمتَهم خاصَّتَهم ضِمْنَ مصطلحات: ذلك الذي يؤثِّر في الآخَرين. وهم مُتباهون بإنجازاتهم، ولكنهم يعتقِدون بأن ما يقومون به له قيمة ضئيلة. ويبدأ "الثلاثات" بالعمل على نحو قهري (إلزاميًا)، حينما يجرُّون جِبالاً من أجل إطلاق مشروع ما، ولأنهم ينسون أنفسَهم موَجِّهين انتباههم نحوَ عادةٍ عُصابية في السعي إلى هويَّتِهم من خلال إنجاز ما.

المظهَر الإيجابي للنشاط القهري (الإلزامي) أن "الثلاثة" يشعرون أنفسهم أحياءً في وسط النشاط، ويصبحون بارعين في إدراكهم كم يتطلَّب الأمر طاقة في أعمال مختلفة. وبدون شك فإن شهودَنا يتذكَّرون فترات اُستُنفِدَت فيها طاقتهم، وأُنهِكوا من خلال عادة العَجَلَة، ولكنهم يصِفون أيضًا مراحل حيث يعملون ويشعرون بأنفسهم مضبوطين على الإيقاع والدفق الطبيعيين لمهمة نوعية.

يقول "ثلاثة" إنهم يَبدون مُعَلَّقين وَسَطَ طاقة لا تنفَد، وأنت تُدرِك بأن العمل ينساب بدون أن يتوَجَّب عليك توجيهه. ويقولون إن الوقت يمضي ببطء أكبَر، ناهيك أنهم يستطيعون العمل بسرعةٍ قصوى، لدرجة يزول فيها القلق، ويدخلون في منظومة عقلية حيث يحتاج الأمر لأن يتم بدون أفكار مضادَّة ولا تساؤلات. وفي هذه الحالَة العقلية، فالنتيجة الإيجابية لأي مشروع تبدو مضمونة. ويُلغَى القلق إزاء المشروع لأنه يدرك بأن كل مرحلة من العمل ستقود على نحوٍ لا يمكِن تجنُّبَه إلى خاتمة صائبة.

هذه الإفادَة قُدِّمَت من قِبَل مدير مطعم في سان فرانسيسكو São Fransisco حيث يُنظَر إلى هذا المدير على أنه مدمن حقيقي على العمل workaholic لخُبرَة الأمل:

غالِبًا ما أعمل مع أناس ممن هم يُناهِزون نصف عمري، ومع ذلك لازلتُ أشعر بسرور كبير في العمل على هذا النحو، وفي العمل جيدًا. فمنذ لحظات هيَجان في المطبخ، وعجَلَة على قدرٍ كبير لدرجة أنك تتدافع بين شخصين ضمن نوع من الحركة الطقسية في فسحة صغيرة حيث يمكن أن تُجرَح فيها أو تسقط منك الوجبة كلها لقائمة الطعام المسائية.. في هذه الساعات، كل ما أفكر به هو: "إلهي، أرجو أن ينتهي كل شيء على خير ما يُرام".

منذ ساعات، وأنا أناضِل من أجل العمل، وآخَرون حيث كل شيء على ما يرام لدرجة يطمئن فيها عقلي حتى في سرعة عاليَة. إذاك بإمكاني البقاء لساعات في ذلك الصف، وأنا أشعر أنني على أفضل وجه ممكن لأنني أدرك أن كل شيء على ما يرام.

فضيلة النزاهة

يتلقَّى "ثلاثات" تقييمًا كبيرًا في الثقافة الأميركية. وفي الحقيقة يُلاقون تقييمًا كبيرًا إلى هذا الحد لدرجة يختلِط عليهم بسهولة أسلوبًا عصابيًا في تمتُّعِهم بالصحة. علامَ يجري ترسيخ أهداف شخصية لطالما أنك تخدع نفسك ذاتها بأن أهداف المجتمع هي بالفعل أهدافك نفسها؟ ولماذا تُعَرّض نفسَك للمجازفة بالرفض لطالما أن القبول يمكن شراؤه بعكسكَ لصورة تجلب إليك الاحترام؟ وعلامَ يكون لديك "أنا" ستعاني؟ يجب أن تقوم الطريقة الأكثر صحية للعيش على التماهي مع النماذج الثقافية، فتعليق انفعالاتك من جهة وترك نفسك مع التيار من جهة أخرى.

غالِبًا ما يكون "ثلاثات" متيقِّنين بصلابتِهم النفسانية. فالفوضى الانفعالية تكون للخاسرين في الحياة، وبالنسبة لمن ليس لديهم ما يقومون به، أو لمن لا يعرف مجاراة الوضع السائد. فـ"الثلاثات" العُصابيون قد يفقدون الوعي كله بأنه ثمة اختلاف بين أنيَّتِهم الزائفة المقدامَة على درجة عالية، وبين رغباتهم الانفعالية. وسيكون لديهم على الأرجح وعي بأنهم لا يحبُّون انفعالات دبِقَة، أو أنهم لا يحبُّون الشعور بوجود حاجاتهم الانفعالية، ولكن لواقع أن سلسلة مشاعرهم ضيِّقة جدًا فعلى الأرجح أنه سيتم تجاهلها لأن "ثلاثات" هم طاقويون، ولديهم حاجة لعكسِهم لصورةٍ من التفاؤل والنجاح.

عمومًا، يواجِهُ "التمرِّسون" مشاعرَهم الحقيقية عندما يكونون مُجبَرين على الإقلال من وتيرة إيقاعهم. وبشكل عام يتوقفون بسبب تعليقهم للعمل، أو بسبب مرضٍ ما، أو بسبب تدخل الزوج، أكثر مما هو الأمر بسبب قرار طوعي بإنقاص وتيرة عملهم. التوقُّف المفروض عن العمل قد يكون مروِّعًا بالنسبة لأحد ما ذي رؤية لعالم يرتاح على اكتساب استحقاق من خلال العمل، ونمطيًا يجلُبُ إلى السطح شكوكًا فيما يتعلق بالقيمة الشخصية، والإدراك بأن الانفعالات ستُهيمن على الوعي بشكلٍ لا يمكن تجنُّبه ما أن ينزاح الانتباه عن النشاط.

إذا لم تكن في حالة فعل، فسيكون لديك إحساس خالِصٌ بأنك غير موجود. وإذا كنتُ لا أعرف ما يتوَجَّب علي القيام به بالتالي، فإنني أبدأ الشعور بالقلق بأنني فارغ، وبأنه لا يوجد أحد في المنزل. في السنة الماضية مرضتُ على نحوٍ جدِّي، وبدون أدنى شك بسبب الإفراط في العمل. وكنتُ في الأربعين من عمري فقط، وكنت أعاني مشكلة في شرايين القلب. وتناهيت لأصبح في المشفى، مستلقيًا على سرير، وأنا أنظر إلى السقف، وأعدُّ الأيام حتى أستطيع النهوض والمغادرة.

كانت تلك الراحة الإجبارية أسوأ من نوبة قلبية في حد ذاتها. فكرتُ بأنني سوف أفقد شخصيتي كلها وأنا في ذلك السرير، مع الخوف بألا أعود قادرًا جسمانيًا. لم أستطع أن أفهم بشكل جيد ما كان يحصَل معي عندما تبدأ الانفعالات بالمجيء. وأحيانًا لم يكن هناك حتى أي شيء، وبالتالي كنتُ أنجو منها لأنه كان هناك الكثير منها، ومن ثمَّ كنت أنتكِس من جديد.

إن "المتمرِّسين" معتادون على العمل، وليس على الشعور، وعادةً يعلِّقون انفعالاتهم عندما يكون نشاط ما ضمن مساره. ويجب أن يتم جلب المشاعر رويدًا رويدًا إلى الوعي، لأن حضورها يُحَسُّ به على أنه تهديد لأسلوب الحياة الذي يكمن في الإنتاج كماكنه.

"الثلاثات" الملتزمون بتقديم مشاعر نزيهة عليهم أن يتعلَّموا التعرُّف على التناقض بين ما تشعر به أجسامهم فعليًا، وبين عادتهم في تعديل تقديمهم لذواتِهم من أجل حصولهم على مكسب. وإذَّاكَ تصبح مسألتُهم الوجودية: يتوَجَّب عليَّ اتِّباع ما أشعر به، أو يتوَجَّب علي البقاء مع عادتي في معرفة ما يجب فعله؟ تكمن المجازفة في اتِّباع مشاعرهم أن "الثلاثات" يفقدون الاعتراف المضمون لهم عندما يحقِّقون أشياء، وتكمن المجازفة بألا يتَّبِعون مشاعرهم في أن يعيشوا الحياة مثل كذبة.

بالنسبة إلى "الثلاثة" فالتغيُّر في الوَعي من الوهم إلى النزاهة (الصدق) يمكنه أن يوصَف على أنه التأثير الجانبي الذي يلوح شيئًا فشيئًا عندما يتعلَّم تمييز مشاعر حقيقية من حاجته لأن يفوز بأمر ما أمام عيون الآخَرين. وفي سياق التغيُّر هذا، فـ"الثلاثات" ينزعون إلى معايشة مرحلة الألم الطوعي حيث يعدِلون عن عادتِهم في عكسِهم لصورة تلائم المجتمع، وهذه العادة التي تطورت في الطفولة من أجل أن يصيروا إذاك أحرارًا على المستوى النفساني. وقُدِّمَت الإفادة التالية من قِبَل مهنية ناجحة جدًا.

في بداية علاجي، كنتُ أظنُّني على أحسن ما يُرام. كان زوجي يعاني مشاكل لعدمِ كونِه مهتمًا كيف أتقدم في الحياة. وكان دافعي الأول يكمن في الهرب، وبعدم شعوري بشيء لأنني ما أن أملك الكثير من الوقت الحر، فالشيء الوحيد الذي كنتُ أشعر به هو أنه يعتريني الخوف. فيوم الأحد كان أسوأ يوم. إمضاء يوم كامل دون القيام بشيء. كان يمضي بكوي الثياب، والقيام باتصالات هاتفية، وتجميع القوى للأسبوع القادم، ولكنني في وسط الوقت هذا كنتُ أشعر بالخوف.

كان يترتَّب عليَّ القيام ببرمجة لـ"دروسي للانفعال". وفي وسط نشاط كان عليَّ أن أتذكر التوقف، ومساءلة نفسي ما الذي يرضيني، وما الذي يُزعِجني، وكان علي أيضًا أن أكتشف إذا ما كنتُ أشعر بشيء ما. فالجزء الأكثر صعوبةً لهذه التمارين كان يكمن في عدم التخلي عن الشعور عندما أعود للعمل ثانية، لأنني ما أن أبدأ نشاطًا حتى تزول مشاعري كليًا.

ومع مرور الوقت أوجدتُ قائمة لانفعالات حقيقية، أعتزُّ بها كثيرًا. فيُمكِنُني أن أُلمَس من قِبَل أشخاص، ولردود الأفعال أهمية بالنسبة لي. وبوسعي القول إذا ما كنتُ مسرورة، وإذا ما كنتُ أحب ما أقوم به، وأحيا ضِمنَ مستوى من الحياة كان خفيًا عليَّ كليًا.

الأنماط التحتية

إن الأنماط التحتية هي عبارة عن هموم قد توَلَّدَت في الطفولَة كوسيلةٍ للتقليل من القلق. بالنِّسبَة للأطفال "المتمَرِّسين" فإن أيَّ وَضعٍ له القُدرة بأن يهِبَ المال، وملكيَّات (الشعور بالأمان)، ومكانَةٌ اجتماعية، أو صورة رفيعَةٌ أنثوية أو ذكورية لسوف تساعِد على التقليل من الخوف بألا يكون له قيمة إزاءَ عيونِ الآخَرين. ومع التجربة ورصدِهم لذواتِهم، يُنظَرُ لهذه الهموم نفسِها على أنها مفيدة بالنسبة لتكوين الصوَر أكثر من أن يكونوا أوفِياءً لمشاعر الأنا الحقيقي.

عندما يُدرِكُ "المتمَرِّسون" بأن مشاعِرَهم المحسوسَة بنزاهَة لرُبَّمَا تكون مُختلِفةً عن القواعِد التي يجري تقديرُها اجتِماعيًّا، وبإمكانِها أن ترسِّخَ أزمةً في اتِّخاذِ قرار، على نحو أي طريق عليَّ اتِّباعُه؟ ذلك الذي يقود للنجاح أم ذلك الذي يقود لاكتشافِ الأنا؟ ويعتَرِف "المتمَرِّسون" بتواتُرٍ حَولَ هذه المُعضِلَة عِندما يُواجَهون بالتقاعُدَ، وعندَما يُجمَّدون بسبب المرَض، أو عندَما يتأهَّبون لذلك الذي يبدو على أنه زيادة في ساعات الفراغ. وإن قرارًا واعِيًا بالتخلِّي عن صورَةٍ، أو عن مكانَةٍ اجتماعية، أو عن قاعدة مالية آمِنَة، قد يعرِّضُهم للمجازفة بالحياة، لأن الأنا لا يبدو منفصِلاً عن هذه الدعائم.

الصورة الذكورية أو الأنثوية في العِلاقات المُتبادَلَة مع شخص

ينزَع "المتمَرِّسون" إلى تبَنِّي صورَةٍ جذَّابَةٍ جنسيًا، وغالِبًا ما يُدرِكون بأنَّهم يؤَدُّون دَوْرًا. وأن يكونوا معروفين بجاذبيَّتِهم جسمانيًا أو فعَّالين جنسيًا حيث يُرى ذلك كاختبار لقيمتِهم الشخصية، ويعرِفُ "المتمَرِّسون" التنافُسَ لكي يكونوا جذَّابين بالنسبة لعيون الأشخاص الآخَرين. ويُعَبِّر البعض منهم عن الحاجة لعكسِ صورةٍ جنسوية غالِبَةٍ تضع قناعًا على الاختلاط بين مظاهِرِهم الذكورية والأنثوية. ويتوَلَّى هذا الاختلاط طبيعيًّا الطريقة التي يشعرون بها على أنهم مجزَّؤون بين "أنا مُوَجَّه من قِبَلِ الذكوري وأنا آخَر أكثر أنثوية". وبالتالي يُمكِنُ لصورةٍ أنثوية بإفراط أن تضعَ قِناعًا على الاختِلاط مع "التحرُّك على نحوٍ تنافسي جدًا كما هي الحال بالنسبة لأي رجُلٍ". فليس ثمة أحد من "المتمَرِّسين" يروي بأن هذا الاختلاط للسمات الجنسوية يُعبِّر عن المثليين جنسيًا، ولا حتى يفكِّر بأن قلقَه في أن يُرى على أنه جذَّابٌ هو عِبارة عن قِناعٍ للازدواجيَّة الجنسوية.

كان ذلك في علاقاتي الحميمية المُتبادَلَة حيث خدَعتُ نفسي بنفسي. وفي فسخي لعقد زواجٍ دام عشرة سنواتٍ، أدركتُ بأنني كنتُ أشعر بالسِّمات التي اعتقَدتُ بأنها خاصَّةٌ بامرأةٍ كامِلَةٍ، وبأنني لم أكُن قادِرةً على القول فيما إذا كانَت هي خاصَّتي أيضًا. وإذا ما أُغرِمَ زوجي بعارِضة أزياء للدعاية، فإنني بدوري أتبنَّى مظهَرها، وطريقتَها وحتى الثياب التي تستخدمها.

الوَجَاهَة ضمنَ نواةٍ اجتماعية

لدى "المتمَرِّسين" قلقٌ في تقديمِهم لصورةٍ اجتماعية حَسَنة. وسيَتَغيَّرون لكي يتَّخِذوا على عاتِقِهم السِّمَات التي يجري تقديرُها وسط المجموعة. يريد "المتمَرِّسون" قيادةَ العمَل.

ما يَهُمُّني في البِداية، أن يكون لدي أكبر عدد مُمكِن من الانتماءات التي وُضِعَت قائِمَةٌ بها تحت التمثيل الوَصفي في الكِتاب السنوي للمدرسة. وصرتُ مؤخَّرًا طبيبًا وتقَعُ عيني دائمًا على ذلك الذي يقوم بندَوَاتٍ في منطِقَتي لكي أعرِفَ فيما إذا كان مُحترَمًا أم لا، ناهيكم عن عدم امتلاكي لأدنى فكرة عمَّا تتطرَّق إليه هذه الندوَات.

أدركتُ لتوِّي بأن عقلَ الأنا الذي يُكرِهُني على أن أكون معروفًا جدًّا، يأتي من الشعور بأنني أنطفئ كشخصٍ فيما إذا كان أحدُهم أتَّخِذُه بعين الاعتبار مُؤَثّرًا وذات قيمَةٍ داخلية لا تتفِّق مع وجهة نظَري.

الشعور بالأمان في مضمار الحفاظ على الذات

يفتُنُ "المتمَرِّسون" المال، والملكيات المادية كطريقَةٍ للتقليل من عَذابِ النفس إزاء البقاء الشخصي على قيدِ الحياة. ويعمَلون بكَدٍّ من أجل الحصول على المال والمنزِلَة الرَّفيعَة التي تمنحُهم الشعور بالأمَان.

إنه نوعٌ من الذُّعر الذي لا يرحَل عنك، حتى ولو كُنتَ تعمَل للقيام بأقصَى ما يُمكِنُكَ فعلُه. فمِن المُمكِن أن يكونَ لدَيْكَ خمسين ألفَ دولارًا مودعَةٌ في البنك، ولا تزال قلِقًا بأنها ليسَت كافية، أو أنه توَجَّبَ تدبير وظيفَةٍ يدفعون لها راتِبًا أكبر، أو أنه توَجَّبَ أن يكونَ لدَيه شيءٌ ما من المُدَّخَرات وذلك في حال توَاجُدِ حاجةٍ ما. وإذا ما انتقَدَ أحَدٌ ما أداءَه المِهَني، فلسوف يكون هناك ثمَّة إحساسٌ بأنه قد تمَّ تهديد حياتِه.

ما يُساعِد "المتمَرِّس" على التطوُّر

يدخل "المتمَرِّس" بتوَاتُرٍ في العلاج، أو أنه يبدأ بممارسة التأمُّل، لأن طاقتَه الجسمانية قد اُستُنفِدَت أو فقدانًا شخصيًا جَعَلَ مُستحيلاً بقاؤه منفتِحًا لأن هذا يمنَع المشاعر من الاقترابِ من وعيِه. الانفِعالات الطارِئة كنتيجَةٍ لهذا التقليل من الإيقاع المُكرَه، قد يتم الشعور بها في البِداية كمُهَدِّدَة له. وغالِبًا ما تتداخَل المشاعِرُ الحَقيقية مع إمكانية الأداء وقد تُصبِح مُختلِطَةً بالنسبة لشخصٍ لم يُدرِك إطلاقًا في ذاتِه وجود سلسلة مشَاعِر واسِعَة تحمِلُ إشاراتٍ داخلية.

اِتِّصالٌ مع ردود أفعالٍ جسمانية وانفعالية، يجِبُ أن يتُمَّ تشجيعه بشكلٍ خاص على الاتِّصالِ مع تلك التي يُنكِرُها "المتمَرِّس"، كتلك التي للشعور بالتعب، والخوف، والشعور بالفوضى إزاء ما الذي يجِب عمله تالِيًا. يحتاج "المتمَرِّسون" للتعرُّف على اللحظات حيث تبدأ فيها الالتزامات والمهمَّات بالسيطرة على المشاعِر، ويحتاج التعلُّم على انتظار تفتّحُ ردود الفعل الحقيقية.

يُمكِنُهم أن يُساعَدوا على النحو التالي:

-        بأن يتعلَّموا التوَقُّف. وهم يدَّخِرون وقتًا من أجل تفتُّحِ انفعالاتِهم، وظهور آرائهم الحقيقية.

-        بأن يلاحِظوا عندما تصير الأفعال آليَّةً، وذلك عندما يَعمَلون كما لو أنهم رجال آليون لطالما أن انفعالاتِهم قد تم إلغاؤها.

-        بأن يُدرِكوا عندما يجري استبدال ملكاتِهم الحقيقية بأوهام النجاح الشخصي.

-        عدم الهروب من المشاكل، وأن يبدؤوا بنشاطات جديدة، وبإعادة تكوين الفشل في النجاح، أو عدم تكذيب مصادر الانتقاد.

-        بأن يُدرِكوا تأخير السعادة الانفعالية. "سوف أكون سعيدًا بعد العرض القادِم".

-        بالتحقُّق من الاختِلاف العميق بين الأنا الخصوصي والبارِز، والأنا الشعبي، الذي يؤدِّي عِدَّةَ أدوارٍ. والعمل على الإدراك بأنه مُنفَصِلٌ عن الصورة.

-        بمُلاحَظَةِ المشاعِر بأنها عبارة عن عملية احتيال، والقيام بالتمثيل. "فلا أحَدًا ينظُر إلى ما خلف القِناع. لستُ مرئيًا: يكون مرئيًا فقط ما أقوم به".

-        برؤية المسؤولية الشخصية في أن يكونَ لديه الكثير مما يقوم به؛ وبالشعور أنه مُحاطٌ بعديمي الكفاءة والكسَالى.

-        بمُلاحَظَةِ رغبَتِه بأن يكون الزبون الكامل في العِلاج. وبإظهارِه أحلامًا فرويدية للمُحَلِّل، وبلَكمِ الوِسادَة بالنسبة للمُعالِج الغشتالتي. وبسرد تجارب طاقية للغورو. ويصير العِلاج عمَلاً لأجل السيطرة عليه. ويصير التأمل عبارة عن مهمَّةٍ يجري تنفيذها. "كم من الدقائق بقَيْتُ جالِسًا ساكِنًا بشكلٍ كامل؟ وكم من المانترات[4] تَلْوتُ في هذا اليوم؟"

-        بالتعرُّف على وجود المشَاعِر، أوَّلاً باكتشافِها، وفيما بعد بتسمية الأحاسيس الكامنة تحتها. فعلى سبيل المِثال، إذا كان من الصعوبة بمكان التعرُّف على انفعال، فعلى المرء أن يبدأ بإعطاء اسم لأي إحساس جسماني يشعر به في جسمِه. "أحسُّ بسخونة في وجهي" أو "يبدو أن بطني متوَتِّرٌ". إن إعطاء اسمًا للأحاسيس الجسمانية يساعِد المرء في التعرُّف إلى ما يشعُرُ به.

-        بتعلُّم التعبير عن الاختلاف بين الفعل والشعور. وتذكُّر تحييد الانتِباه عن الفعل إلى المشاعر فيما يتعلَّق بالعمَل.

-        بالبدء في تجارب التأمُّل والانتِباه على أساس برنامَجٍ يومي يتضمَّن تحديد وقتٍ معيَّنٍ. فالتأمُّل خِلالَ خمسٍ وأربعين دقيقة، ومن ثمَّ العودة إلى مباشرة العمل. فـ"لافعل" التأمل يوَلِّدُ مُقاوَمَةً يحتاج المرء لمعالَجَتِها في جلسات العِلاج. وعدم الإجبار في الحصول على النتائج من التأمل، كتلك الفوائد التي تنعكِس على صحة المرء.

-        بملاحَظَة التأمل عندما يُصبِح نشاطًا مثلَ ترقيمٍ لعدَدِ المرَّات التي يتنفَّسُ فيها المرء. كما تَمنَعُ مُراقبةُ نشاطِ تجربةٍ تأملية منَ التأثُّر بالحالَة العقلية المُستدعاة من خِلالِ التأمُّل. والتعلُّم على ترك النفس تنفعِل، وتتأثَّر، وأن يُشتغلَ عليها.

-        بإعطاءِ دَعمٍ في الإيثار بواسِطَةِ مشاعر في حالَةِ تأذٍّ للمنزِلَة.

أمورٌ يتوَجَّب على المتمَرِّسين إدراكُها

بقَدرِ ما يُعادُ توجيهُ الانتِباه عن الهمومِ المُتعلِّقَة بالصورة وبأسلوب حياة "إدماني على العمَل"، فعلى "المتمَرّسين" أن يُدرِكوا ردودَ الفِعل التالية:

-        غموضٌ فيما يتعلّقُ بالمشاعِر. "هل أملُكُ الشعور الصحيح؟" "أي شعورٍ هو الحقيقي؟"

-        غموضُ فِكرةٍ حول انفعالٍ إزاءَ أمرٍ في حدِّ ذاتِه.

-        حياةٌ من الأوهام فعَّالة إلى أعلى درجة، كتخيُّلِ النجاح عِندَمَا يكون الفعل المباشَر متوقِّفًا، أو عندما تلوح السلبية.

-        تصنيع صورَةٍ خيالية بأن يكون المرء "مستنيرًا" أو "أن يكونَ الأمثَل المتطوِّر عن المتمَرِّسين". والانتقال إلى خارج الحالَة الانفعالية لاعتِقادِه بأن هذه السِّمَات حاضِرةٌ سابِقًا. "فهي هناك سابِقًا".

-        رغبةٌ بالنتائج السريعة، والشعور بأنّه أفضل عندما يستبدِلُ المشاعر بالعَمَل، ورغبتُه بترك العِلاج قبل أن يستطيع تحقيق تغيُّرٍ حقيقي.

-        حاجَةٌ لإثباتٍ عن النجاح. ورغبَةٌ بأن يُصبِح معلِّمًا لكي يشعر مِثلَ المتأمِّل.

-        عادةُ فصل المشاعر عندما يتكلَّم "المتمَرّس" حولَ مسائل شخصية، أو عندما تظهَر هذه المسائل في التأمل. اعتِقادٌ بأن هذه المسائل قد تم حلُّها لطالما أنه أُعطِيَ اسمٌ لها، وقد تحدَّث عنها، بدون أن يكون عليه الشعور بانفِعالاتٍ.

-        ميلٌ لاتِّخاذِ مُعالِجٍ أو مُعلِّمٍ روحي كلي القدرة، أحدٌ ما يُجسِّد القِيَم الخارجية الجذَّابَة بالنسبة لـ"المتمَرِّس". تماهٍ مع قِيَم المُعالِج بدون أن يلتقي قِيَمَه هو بالذات.

-        الخوف من إفراغ الذات خلال التأمُّل، وبألا يوجَد أنا حقيقي.

-        الشعور كما لو كان قديسًا عندما ينتقِدُه الآخَرون: "حقَّقتُ ذلك سابِقًا، لدرجة أنني لستُ بحاجة لأن أسمَعَ."

ترجمة: نبيل سلامة

*** *** ***


 

horizontal rule

* الفصل الثامن من كتاب التاسوعية، تأليف هيلين بالمر، ترجمة نبيل سلامة، معابر للنشر، دمشق، 2014.

[1]كلمة "متمرِّس" في البرتغالية desempenhador يقابلها في الإنكليزية "performer" التي لديها أيضًا معنى الفنان أي وفقًا لسياق "المتمرِّس" فالفنان هو ذاك الذي يقوم بدورٍ ما في فيلم أو مسلسل أو مسرحية، وهو ذلك الذي يؤدِّي دورًا بنجاح وكفاءة... أما في كتاب الـ"l'enneagramme" للدكتور باسكال إيد في الفرنسية فهو يستخدِم تعبير "l'arriviste" أي "الوصولي" لهذا النمط وفي منظوري الخاص إن لهذا النمط ارتباطٌ وثيق مع نمط الـ"Patron" أي "صاحب العمل" فهناك احتمالٌ كبير بتحوِّلِ هذا النمط إلى نمط "صاحب العمل" فيبدو كما لو أنه أحَد وجوه نمط "صاحب العمل" أي الرقم "ثمانية". (المترجم)

[2] في التأمركية (مجموع العلوم المعنية بأميركا) نجد كنموذج الكلمة alcoholic (سكّير) وتعني بالتالي في هذا السياق أنه مدمنٌ على العمل. (عن الترجمة البرتغالية للنص).

[3]Pumping Iron: فيلم يُوَثِّق حياةَ رافِعي الأثقال.

[4]المانترات هي جمع مانترا. والمانترا هي عبارة عن صيغة أو عبارة مُقدّسَة تحمل قدرة روحية هائلة، ومع تردادِها مرات كثيرة خلال اليوم أثناء القيام بأمور روتينية كالغسيل، أو استخدام وسائل المواصلات... الخ، حيث يكون المرء وحيدًا وإن كان وسط حشد كبير، وإذاك يستغل هذه الفرصة بتكرار ترديد هذه الصيغة أو هذه العبارة عشرات المرات، وغالِبًا ما يبدأ المرء بتكرارها بصوت مسموع لعشرات المرات يوميًا، ثم يبدأ بالتطور أكثر فأكثر، فيصبح تردادها ذهنيًا لمئات المرات حتى يصل إلى آلاف المرات، ومع إتقانه ترديد هذه المانترا يستطيع اختبار حالات روحية وانخطافات وتحقيق استنارات عظيمة، هذا إذا ما واكب المانترا حياة روحية ملتزمة تتضمن العناية جيدًا بالحياة الداخلية كالصيام لفترات طويلة وممارسة طهارة النفس من الأهواء، وتكريس الذات للخدمة،... الخ، أي كل شيء ينسجم مع الحياة الروحية، ومن المشهور في عالَم التصوف الإسلامي ما يرادِف المانترا وهو الذِّكْر وهي مشهورة في مدارس التصوف الإسلامي كالنقشبندية والقادرية وغيرها من مدارس عظيمة ما يُعرَف بحلقات الذِّكْر والأوراد الصوفية، وفي عالم التصوف المسيحي ما يرادِف المانترا وهو صلاة اسم يسوع، وتُدعَى صلاة القلب، وخلاصة تعاليم هذه الصلاة التي أنجبت جبابرة في عالم الروح الأرثوذكسي والمسيحي بشكل عام موجودة في كتاب شهير يُدعَى بالفيلوكاليا، وهو يتحدث عن تقليد هذه الصلاة فيما يُسمّى بالإزيخيا، أي الهدوء أو التقليد الهدوئي ... كما نرى خلاصة هذا التعليم أي المانترا يتجسّد بكامل زخمه في التأمل التجاوزي الذي أسّسَه المهاريشي ماهاش يوغي، والحقيقة أن المريدين لهذا النوع من التأمل يحصلون على مانترا سرية يُقسِم المُريد بألا يبوح بها لأحد لأنهم عمومًا يستفيدون من الدراية بها لجني الأموال الطائلة، والحقيقة هناك توثيق للكثيرين الذين حصلوا على قوى خارقة مع ترديدهم اليومي لهذه المانترات أو المانترا التي تخص قوة خارقة معينة لعل أشهرها الطيران في الهواء أي الطيَران اليوغي أو بعبارة أخرى ارتفاع الجسم إلى ارتفاع متر أو مترين وأحيانًا أكثر من مترين بعكس قوة الجاذبية، وغيرها من قوى خارقة.... (المترجم).

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني