الخطاب الديني السائد:

هل هو خطاب فاشي؟

 

عمرو إسماعيل

 

إنِّي، عندما أنظر حولي في مجتمعاتنا العربية، أرى أن نمطًا واحدًا من الفكر هو الغالب، بصرف النظر عن المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وحتى الثقافي، لأصحابه – هذا إذا اعتبرنا أن التعليم يعبِّر عن مستوى الثقافة. فكر أحادي الاتجاه، لا يقبل الآخر، ويدَّعي أنه على حق دائمًا، لأن مرجعيَّته هي الله؛ فكر لا يمكن وصفه إلا بأنه فكر "فاشي" – إذا اعتبرنا أن الفاشية هي، ببساطة، اعتبار الفرد أو المجتمع نفسَه أنه الأفضل، سواء بسبب الدين أو الجنس أو لون البشرة؛ فكر يضعنا في تناقض مع المجتمعات الأخرى ويجعلها تتحالف علينا، مثلما تحالف الجميع ضدَّ هتلر حتى قضوا عليه تمامًا.

والغريب أن هذا الفكر منتشر بين جميع طبقات المجتمع، حتى بين الذين لا يمارسون الدين سلوكًا؛ منتشر في نادي الجزيرة ومارينا، مثلما هو في إمبابة وعين شمس، حيث المساجد دائمًا ممتلئة؛ فكر يفرز أسامة بن لادن في المجتمعات الخليجية المنغلقة، وعمرو خالد وأمثاله في مجتمعات نادي الجزيرة في القاهرة أو مثيلاتها في لبنان (الفرق بينهما فقط في طريقة اللباس، لأن كليهما يعيش في الماضي نفسه، ويستشهد بنفس الأشخاص ونفس القصص، ويؤمن أنه على حق وأن الآخرين على ضلال، ولأن كليهما يدَّعي أن مرجعيَّته واحدة، وهي الإسلام).

وإذا كان التطرف من طبائع البشر، وليس من طبائع المسلمين وحدهم (إذ إنه وُجِدَ تاريخيًّا في كلِّ الأديان وفي ظلِّ كلِّ الحضارات والثقافات)، فإن الحقيقة الناصعة هي أن التطرف يظهر بأسوأ صوره في مجتمعاتنا. وهذا يدفعنا إلى أن نسأل أنفسنا السؤال الذي نحاول أن نتجنبه، عن وعي أو عن غير وعي – السؤال المطروح في جميع وسائل الإعلام العالمية، وليس الغربية فقط: هل الإسلام فعلاً دين فاشي، لا فرق فيه في الحقيقة بين المسلمين المتطرفين من أتباع بن لادن وبين من يمثِّلهم عمرو خالد أو يخاطبهم؟

الحقيقة كما أراها – ولا أدَّعي إطلاقًا أنني على صواب تمامًا – أن مفهومنا الحالي والغالب للإسلام هو مفهوم فاشي، نتيجتُه الحتمية هو الصِّدام مع الحضارات الأخرى، وليس الغربية فقط، كما تنبأ صموئيل هانتغنتون منذ عشر سنوات.

وحتى يأتي اليوم الذي نؤمن فيه بأن الدين مصدر للأخلاق والقيم الرفيعة، وبأن النُّظُم السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتغيَّر مع الزمن، وبأنه من حقِّ أيِّ إنسان أن يؤمن بما يشاء، مادام لا يجبر الآخرين على اعتناق معتقداته أو يهين معتقداتهم – ونترك جميعًا لله أن يحكم بيننا في الآخرة – فسيظل مفهومُنا للدين مفهومًا فاشيًّا، مهما حاولنا أن نثبت العكس.

هل ننسى، أو نتناسى، أن صلواتنا وخطب شيوخنا تنقلها مكبِّرات الصوت والفضائيات إلى العالم أجمع، وفيها ندعو الله أن ينتقم لنا من كلِّ مَن يخالفنا في معتقداتنا وأن ييتِّم أبناءهم، ثم نسأل أنفسنا السؤال الساذج: لماذا يعادوننا؟ ألم نصدر علنًا فتاوى القتل في كلِّ مَن قال رأيًا مخالفًا للمألوف من معتقداتنا، أو مما اصطُلِحَ عليه أنه "معلوم من الدين بالضرورة" – هذا المصطلح المطَّاط الذي خلط بين ما هو ديني وما هو دنيوي، وكان السبب في تفريق مثقفينا عن زوجاتهم، وحتى في محاولة قتل كاتب كبير مثل نجيب محفوظ، مهما اختلفنا مع بعض كتاباته؛ هذا المصطلح المطَّاط الذي ليست له نتيجة إلا وأد الفكر والتقدم، وهو ومثله ما أوصلنا إلى ما نحن فيه من تخلُّف حضاري، لأن حرية الفكر هي الوسيلة الوحيدة للتقدم، مهما بلغ صاحبُها من شطط – والدين الإسلامي نفسه كان تمردًا حينئذٍ على ما هو "معلوم من الدين بالضرورة".

إننا، إن لم نواجه أنفسنا بصراحة، قد تكون مؤلمة، سنكون مسئولين تمامًا عن استعداء العالم علينا، وعما سيصيب الإسلام من أضرار؛ الإسلام – ذلك الدين العظيم الذي هو براء من كلِّ ثقافة العنعنة التي أفرغتْه من محتواه, لأن الإسلام الحقيقي هو أول من أسَّس لمبادئ حقوق الإنسان قبل أيِّ فكر غربي بعشرة قرون على الأقل.

لنا الله!

مصر، 11/1/2004

*** *** ***

عن موقع رزكار: http://www.rezgar.com.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود