دوائر الخوف

قراءة في خطاب المرأة*

 

نضال الخضري

 

نستطيع الانطلاق من سؤال أساسي عند الحديث عن تكريم المرأة: لماذا نستخدم الصيغ التقليدية في الحديث عنها؟ – فهي الأخت والزوجة والأم! – بينما نعجز عن إيجاد تعبيرات أخرى، على الرغم من تغيرات العصر. هناك إصرار للمحافظة على دور لها يبدو، على أهميته، غير قادر على فضح قناعات جامدة نتمسك بها. وهذه الحالة تجسِّد خوفنا من المستقبل ومن رؤية الإناث في منزلة جديدة. فالمرأة، خارج إطار الوصف التقليدي، لا تخرج، في معظم تعبيراتنا الثقافية، عن الجمال أو الإلهام والإبداع بالنسبة للشعراء وغيرهم من أصحاب الفكر أو القلم. لكن د. نصر حامد أبو زيد أراد كسر هذه القاعدة عبر قراءته لـ"خطاب المرأة" وتفكيك المكونات الثقافية لنظرتنا إليها.

يسعى نصر حامد أبو زيد إلى البحث في النصِّ القرآني وفق قراءة تأخذ بأن الإسلام أجاز الاجتهاد، وأعطى للمجتهد أجرًا انطلاقًا من السعي للتفكير الحرِّ دون خوف أو محظورات، فيقدِّم هذه الاجتهادات لفهم كتاب الله وتعاليم النبي، ولاستيعاب أهم قضايا المجتمع، أي المرأة، دون أية سلطة أو إلزام. فأبو زيد يعتبر أن ما يقدِّمه اجتهادات خاضعة للنقاش وللحوار، وأن لا شيء يمنع واجب الاجتهاد سوى غياب التمكن العلمي والتمرس بأدوات التقدم المعرفي للعصر الحديث.

عبر هذه الرؤية، يجد نصر حامد أبو زيد أن الاجتهادات كانت خاضعة دائمًا لظروف تاريخية. فالنص القرآني محكوم بعصره؛ والتفسير ارتبط بحاجات كلِّ زمن وثقافته. فهناك أحكام في القرآن تنتمي إلى زمن تاريخي محدد؛ وهذا يعني أننا ملزمون عند قراءتها بفهم السياق التاريخي لنزولها. فتكريس المساواة بين الأقباط والمسلمين، بحسب أبو زيد، ليس مخالفة للنص، بل تأصيل لمنهج واعٍ في قراءة النصوص من منطلق معرفي معاصر، خدمةً لدين الله؛ وأية محاولة لعدم الدخول في مثل هذه القراءة يحيل حياة المسلمين إلى فصام مرضي، يتجلَّى في التمسك بالمُعاصرة على مستوى الحياة المادية، مع الإصرار على التفكير كما يفكِّر السلف.

وتأتي استشهادات أبو زيد لتدعم مقولته من خلال الاستناد إلى الموروث الثقافي والاجتماعي. وكمثال على هذا الموضوع، يباشر كتابه دوائر الخوف: قراءة في خطاب المرأة بمدخل عن قصة حواء بين الدين والأسطورة، فينقل قصة حواء وخروج آدم من الجنة، وكيف فُسِّرَتِ الآياتُ القرآنية وفق المرويَّات اليهودية (القصة يرويها الطبري نقلاً عن وهب بن منبِّه، أحد أحبار اليهود الذين اعتنقوا الإسلام). فنصر حامد أبو زيد يدعو إلى المحاكمة العقلية في التعامل مع التفسيرات، حتى ولو أوْرَدَها أهم المفسرين في الثقافة الإسلامية؛ إذ إن التفسير يجب ألا يتناقض مع قوانين العقل.[1]

تظهر قصة آدم وحواء كمؤامرة محبوكة للإيقاع بآدم، تشترك فيها حواء والحية، في غفلة عن الخالق: فالحية الزاحفة هي التي أوقعت بحواء وجعلتْها تغري آدم بأكل الثمرة المحرمة. وهذه المروية دخلت عمليًّا في الواقع الثقافي للمرأة في الإسلام، من حيث إن الضمير الإسلامي، بحسب أبو زيد، ينسب إلى المرأة وحدها مسؤولية هذا الخروج، فكان العقاب بأن تنزف دمًا وتغدو "ناقصة عقل ودين"! ويبدو هذا العقاب، بحسب التفسيرات المأخوذة من الرواية اليهودية، استبداديًّا، يتناقض مع الطبيعة التي صاغها الإسلام لصفات الله. ويلاحظ أبو زيد أن آدم يظهر في الرواية ضحيةً بريئة، خاضعًا لضغوط فوق طاقته البشرية، كما يرى أن القصة تحدد شكلاً من العداء بين آدم (أو الذكر) والحية، وهو عداء لا علاقة لحواء به.

بعد هذا التحليل، ينتقل أبو زيد إلى "المرأة في خطاب الأزمة"، مبينًا أنه في العالم العربي خطاب طائفي عنصري (الطائفة هي جمهور الإناث)، يتحدث عن مطلق المرأة–الأنثى، ويضعها في علاقة مقارنة مع مطلق الرجل–الذكر.

إن تاريخ اللغة، كما يظهر في كتاب دوائر الخوف، هو تاريخ الجماعة. ويتحدث أبو زيد هاهنا عن النقلة النوعية للخطاب القرآني الذي جاء في لغة تخاطِب النساء بالطريقة نفسها التي خوطب فيها الرجال؛ لذلك فهو قد عبَّر عن وعي جديد دخل فيه الخطابُ في حالة صراع مع الوعي الذي تمثِّله اللغة، وذلك وفق بنية مركَّبة من أرضية سياسية وفكر ديني في الثقافة العربية. وبقدر ما كانت كفةُ ميزان هذا الصراع تميل نحو الوعي الجديد، كان وضع المرأة يتنامى؛ بينما كان الصراع في عصور التأخر والانحطاط يميل ناحية الوعي التقليدي، فيتدهور وضع المرأة، إذ يتم إخفاء "النساء شقائق الرجال"، ويُعلَن عنهن كـ"ناقصات عقل ودين"، وتُستدعى قصةُ خروج آدم من الجنة في صيغتها التوراتية، فتتوحد حواء مع الحية والشيطان، ويقف تراث التخلف عند "كيدهن عظيم"، ويصبح الوأد داخل اللباس الأسود، إلا من فتحتين للعينين – وهو "المعادل الموضوعي" لعملية الدفن على سطح الأرض، درءًا للشبهات وعملاً بمبدأ "درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح"!

وينتج عن هذا الخطاب "الذكوري" خضوع المرأة للرجل واستسلامها له ودخولها في منطقة نفوذه: فحين تتساوى المرأة تتساوى مع الرجل؛ وحينما يُسمَح لها بالمشاركة فهي تشاركه "هو" إدارة الحركة والفاعلية. فدورها هامشي، حتى في الخطاب الذي يبحث عن حقوقها، لأنه لا يكتسب دلالاتِه منها شخصيًّا، بل هو منسوب إلى الرجل في مختلف مراحله.

ويُسقِط أبو زيد هذا التفسير على مجمل خطاب المرأة الذي يعتبره مأزومًا وعنصريًّا: فهو يجد جذوره في بنية اللغة العربية التي جعلت من الاسم العربي المؤنث موازيًّا للاسم الأعجمي من حيث القيمة التصنيفية؛ فبالإضافة إلى تاء التأنيث على مستوى البنية الصرفية، تمارس اللغةُ الطائفيةَ ضد الأنثى، حيث تعامَل كأقلية، عبر الإصرار على حاجتها إلى الدخول في حماية الرجل؛ وتصر اللغة على أن يعامَل الجمع اللغوي معاملة المذكر، وبهذه الطريقة يلغي وجودُ رجل واحد مجتمعًا من النساء، فيشار إليه بصيغة المذكر لا بصيغة المؤنث.[2] وتؤكد هذه الأمور، بحسب أبو زيد، على دلالات في مستوى بنية الوعي، حيث تعكس وعي الجماعة ومرتبتها الحضارية.

يرى نصر حامد أبو زيد عبر الفصل الثاني من الكتاب – "خطاب النهضة والخطاب الطائفي" – أن خطاب النهضة أدرك قوانين الاجتماع البشري التي أسَّسها ابن خلدون والتي تعتمد المصلحة كأولى مبادئ قوانين الاجتماع، وأن المغلوب يعلو على الغالب، وأن المتغيِّر يجلب بعض المفاسد. فهذه المبادئ مرفوضة كليًّا في الخطاب الديني، الحديث والقديم على حدٍّ سواء ("درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح" مرة أخرى!). فخطاب النهضة لم يناقش مرجعية الشريعة، فأسَّس بنيته على عدم تعارُضها مع التقدم. وقد تمثَّل هذا الخطاب في مفكري النهضة الذين تحدثوا عن وضع المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية؛ ومنهم الشيخ محمد عبده، أستاذ قاسم أمين، الذي قال إن الإسلام دين الحرية والمدنية والتقدم، وأن تدنِّي وضع المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية، وما فُرِضَ عليها من حجاب وقيود، لا يجد تفسيره في الإسلام، بل في حالة التخلف التي تعيشها تلك المجتمعات، المتمثل باحتقار المرأة كصورة من صور احتقار الإنسان.[3]

ويقدم أبو زيد كمثال على هذا الخطاب "النهضوي" الطاهر الحداد، الذي يطرح النسبية والتاريخية لتفسير أحكام الإسلام بخصوص المرأة، فيجد أن هذه الأحكام ليست نهائية، وأنها تتبع المجتمع الذي نزلت فيه – وهو مجتمع كانت فيه المرأة أقرب إلى العبودية، – فيحاول تحليل النصوص الدينية ليكشف عن الثابت في دلالة هذه النصوص.

ويصل أبو زيد إلى أن خطاب النهضة اقترب من حدود إنتاج وعي علميٍّ بالدين وبدلالة نصوصه، عبر فصل الديني عن الدنيوي معرفيًّا. لكن أبو زيد يأخذ على خطاب النهضة أنه كان، في بعض تجلِّياته، خطابًا سِجاليًّا، ينتج مفاهيمه على مفاهيم نقضه للخطاب السلفي السائد؛ لذلك كان خطابًا غَلَبَ عليه طابعُ الانتقاء والتعليق بصفة عامة، لأنه في النهاية، وفيما يخص قضية المرأة، لا يجد خلافًا جذريًّا بين الخطابين؛ إذ يسلِّم كلاهما بالفروق النوعية بين الرجل والمرأة.

ويُسقِط أبو زيد هذه الوضعية التاريخية على المراحل المعاصرة، حيث ينتقل من خلال الفصل الثالث، "الواقع الاجتماعي: بُعد مفقود في الخطاب الديني"، ليرصد تحول خطاب النهضة، بفعل هزيمة حزيران 1967، إلى خطاب أزمة، حيث انعكس الإحساس بالهزيمة إسقاطاتٍ على المرأة كحالة تعويض عن العجز. فبدلاً من البحث عن كيفيات النهوض وآلياته، عكف الخطاب على تحليل الأزمة للوصول إلى مخرج عبر حلول تتركز حول التراث/الإسلام؛ فأصبحت قضايا المرأة تناقَش في الخطابين السياسي والديني في معزل عن سياق الواقع الاجتماعي العام. وهكذا لم يبقَ إلا التشرذم والطائفية وتمويه الدين بخطاب ديني مأزوم يصر على مناقشة قضية المرأة من خلال مرجعية النصوص، متجاهلاً أنها قضية اجتماعية، فيتم استخدام نصوص شاذة واستثنائية بوصفها نصوصًا ذات دلالة تاريخية مباشرة، في حين يجب أن يعاد تأويلُها في ضوء النصوص التي تُعَدُّ الأساس في قضايا المرأة. ويناهض أبو زيد هذا الوضع، مؤكدًا أن قضية المرأة لا تناقَش إلا بوصفها قضية اجتماعية: إدخالها في دائرة القضايا الدينية هو في الحقيقة تزييف لها وقتل لكلِّ إمكانات الحوار الحر!

ويمثل هذا التيار "الأصولي" خطاب سيد قطب الذي لم يشغله من تحرر المرأة في الغرب إلا الجنس والعري والاختلاط الذي يُسمَح به فيه بين الجنسين؛ ولم يكن نقده لأوروبا إلا نقدًا للخطاب العلماني العربي والمصري وأصوله الأوروبية، حيث يعتمد هذا النقد على مفهوم الحاكِمية وجاهلية النُّظُم القائمة في العالم، لأنها قائمة على حاكِمية البشر بدلاً من الله.

وبذلك بدأ تكفير خطاب النهضة العربية، المتمثل بطه حسين وسلامة موسى وعلي عبد الرازق، الذي قام على مفهوم الجمع والوطن الواحد، واستعيض عنه بخطاب إسلامي معاصر يقوم على التشتيت والقبلية. وثارت عند هذه النقطة مشكلةُ الأقليات الدينية وما عُرِفَ بـ"الفتنة الطائفية" في مصر إبان الثمانينات. كما تزامن هذا الطرح مع خطاب طائفي ضد المرأة، ينادي بعودتها إلى المنزل – مكانها الطبيعي – وإلى الحجاب، رأفة بها وحماية لها من الامتهان؛ الأمر الذي يصور أن الأسرة بنية اجتماعية مغلقة على نفسها، ويتجاهل أنها مؤسَّسة تمثل وحدة في البناء الاجتماعي. وهكذا طولبت المرأة بالتخلِّي عن مكتسباتها كافة، باستثناء التعليم ضمن مجالات محدودة تتصل بـ"طبيعتها الأنثوية"؛ وبذلك تتم تغطية عقلها بحَجْبِه عن آفاق المعرفة الحرة، وحَجْبِ وجودها الاجتماعي بحبسها داخل أسوار البيت.

في القسم الثاني من الكتاب يتناول أبو زيد "السلطة والحق: مثالية النصوص وأزمة الواقع"، حيث يطرح فكرة أساسية هي المسافة بين المثال الذي تطرحه النصوص، دينية كانت أم دنيوية، وبين الواقع الفعلي المعيش. فالنصوص تقرر مبادئ مثالية، تقوم عملياتُ التفسير والتأويل بتجسيدها على أرض الواقع، في صياغة فكرية محدودة تتوقف على طبيعة الإطار المرجعي المعرفي للمفسِّر، كما تتوقف على مجمل السياق التاريخي الاجتماعي الذي تتم فيه عملية الفهم والتفسير.

ويعالج أبو زيد مسألة الحقوق عبر مثالية النصِّ بدءًا من علم الكلام، حيث يختار الفكر الديني النصوص بما يتفق مع منظوره، طارحًا المعتزلة كمثال على التركيز على الجانب المعرفي للإنسان. إذ لقد جعل هؤلاء العقل أعدل الأشياء قسمة بين البشر، مما جعلهم يؤكدون على حرية الإرادة الإنسانية، وعلى وصول الإنسان بالعقل إلى معرفة وجود الله، فيما ينحصر دور الشريعة بالكشف عن الطرق التي تمكن الإنسان من أداء الواجبات العقلية.

فقد كان هدف المعتزلة محاربة الطائفية والعنصرية، وصولاً إلى وضع الإنسان في مرتبة راقية للغاية. وكانت تلك إحدى إشكاليات الفكر الفلسفي الإسلامي. فالفلاسفة تكلموا على الإنسان الفيلسوف، وليس على الإنسان الاجتماعي العادي؛ وهذا ما أعطى مبررًا، بحسب رأي أبو زيد، لتقسيم البشر في الفكر الإسلامي وفقًا للواقع الاجتماعي. أما مفهوم الإنسان في الفكر الصوفي فيدور حول الإنسان العارف الذي يحقق المعرفة بنفسه وبالوجود وبالله. أما الإنسان الاجتماعي العادي فلا شأن له بهذا النسق المعرفي. وهذا يشبه الفكر الوسيطي الذي يقيِّم الإنسان من خلال التقسيم الحادِّ للبشر إلى خاصة وعامة.

أما الفقه، فقد جمع بين النصوص التشريعية التي تضمنها القرآن، ودمج فيها القوانين والأعراف والممارسات الاجتماعية السابقة التي لم يتعرَّض لها الإسلام. وقامت عملية الدمج على قاعدة "شرع مَن كان قبلنا" و"الاستحسان" و"القياس"؛ فظهر الإنسان في الفقه مرتكزًا على الطاعة، وتوضعت أعمالُه على ثلاثة مستويات: الواجب والمحرم والمباح؛ وفي عصور الازدهار أضيف إليها المندوب والمكروه.

والخطر يكمن في أن الفقهاء خلطوا بين الاجتماعي والديني، مما أدى إلى التمييز بين البشر على أساس الدين. وكان نتيجة ذلك الأحكام غير المعقولة ضد غير المسلمين. كما استُخدِمَتْ الأحكام الفقهية لتصفية الخصوم بعد وَصْمِهم بالإلحاد والزندقة والكفر. وبهذا الشكل فإن مفهوم الإنسان الذي كان مركز الكون وغاية الوجود في القرآن والسنَّة والفكر الإسلامي عند المعتزلة، والعارف عند الفلاسفة والمتصوفة، والمكلَّف المطيع عند الفقهاء، يتناقض مع مفهومه عند ممارسة الفكر على أرض الواقع الاجتماعي والسياسي. وضمن السياق الاجتماعي فإن المفاهيم السياسية استفادت من حالة الفكر واستثمرتها، فحاولت تطويع العارف وإدماجه في منظومتها؛ وإن استعصى صار زنديقًا خارجًا عن الملَّة والجماعة (مثال ذلك السهروردي والحلاج وغيلان الدمشقي)، إضافة إلى تشويه الاتجاهات والفِرَق الإسلامية التي كانت معارِضة للسلطة الرسمية، مثل الخوارج والشيعة والقرامطة.

تتجلَّى المساواة بين المرأة والرجل بوصفها مقصدًا من مقاصد القرآن الكريم. والناحية الثانية التي تظهر هي المساواة في التكاليف الدينية. أما النصوص السجالية التي يبدو فيها تمييزٌ بين الذكر والأنثى فلها وضعيتها التاريخية. وهو ما يراه أبو زيد منطبقًا على تعدد الزوجات والميراث والقوامة – وكلها لها أسبابُها التاريخية؛ وأسباب نزولها مرتبطة بواقع المجتمعات ودرجة تطورها وتحضُّرها، إضافة إلى أنها أحكام قابلة للتغير، لأن المقصد منها تحقيق مبدأ العدالة.

وفي ضوء مفهوم الإنسان في الفكر الإسلامي، يرى أبو زيد أن حقوق المرأة تعكس الواقع الحالي المركَّب، الذي بات يتجاوز مسائل تعليمها أو خروجها للعمل ومساواتها مع الرجل. إذ إن القوانين المنظِّمة لحركة المجتمع، ولاسيما الأحوال الشخصية، ما تزال تستند إلى مرجعية الشريعة، ولا تسمح إلا بقدر محدود من الاجتهاد لا يُخرِجُها من الحالة التي تعاني منها. فالأحكام الواردة في القرآن لا تشكِّل سوى سدسه؛ وأساس الشريعة منتشر في بنية القرآن والأحكام التي تقبل التطور.

ويجد أبو زيد أن دراسة تيار الإسلام السياسي لتاريخ النصوص وحَّد بين التراث والشريعة والدين، مستنتجًا أن الدين واحد، بينما تختلف الأحكام باختلاف الزمان والمكان. والتمييز بين الشريعة والفقه يتلاشى عند التطبيق العملي لصالح الفقه بأصوله وفروعه بحسب تيار ديني تراثي يقابله اتجاه آخر "سلفي" يطرح القطيعة مع التراث لصالح العودة إلى النصوص فقط. وحين تثار مشكلة المرأة يلجأ الاتجاه الأول للعودة إلى النصوص القرآنية للتدليل على أن الإسلام أعطى المرأة حقَّها من خلال التشريعات؛ أما السلفيون فيرون أن المساواة بين المرأة والرجل هي مساواة دينية وليست اجتماعية.

ويطرح أبو زيد في النهاية ضرورة تبنِّي علمانية حقيقية، لا تنفي الآخر أو تحاكم الفكر، بل تحرر العقل من أسْر الحلول الجاهزة، سواء استورِدَتْ من الماضي/التراث أم من الآخر.

*** *** ***


 

horizontal rule

* نصر حامد أبو زيد، دوائر الخوف: قراءة في خطاب المرأة، منشورات المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء وبيروت، 1999.

[1] القصة بذاتها تشرح ظواهر طبيعية، نظرًا لعجز الإنسان في تلك المرحلة التاريخية عن تفسير بعض الحالات تفسيرًا علميًّا: فهي تذكر مراحل الدورة الشهرية وما يصاحب عملية الحمل والولادة من آلام.

[2] هذا، بالطبع، يصح على لغات أخرى، كالفرنسية مثلاً؛ وهو يثير في فرنسا استنكار الحركة النسوية التي تطالب بتأنيث اللغة كلما تطلَّب الأمرُ ذلك (كما هي الحال بخصوص تسميات عدد من المهن). (المحرِّر)

[3] لا يتم احتقار الإنسان إلا في مجتمع تحكمه قبضةٌ يدَّعي أصحابُها امتلاك حقوق ماورائية؛ وهو مجتمع لا بدَّ أن تسوده التفرقة الدينية والعرقية والطائفية.

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود