إيكولوجيا عميقة
|
|
أيار
2008
May 2008
|
في هذا الإصدار
|
|
يُعَدُّ
النقدُ الإيكولوجي eco-criticism
أو النقد "الأخضر" أحد أحدث الفروع البينية التي برزتْ في الدراسات الثقافية
والأدبية. يأخذ النقد الإيكولوجي على عاتقه مهمةَ تحليل الدور الذي تلعبه البيئةُ
الطبيعيةُ في تشكيل مخيلة جماعة ثقافية ما في لحظة تاريخية بعينها، فاحصًا عن كيفية
تعريف مفهوم "الطبيعة" nature
وعن ماهية القيم التي تُعزى إليه أو تنكره ولماذا، وكذلك عن الطريقة التي تُرى بها
العلاقةُ بين البشر والطبيعة؛ وبالأكثر تحديدًا، يتحرَّى عن كيفية استعمال الطبيعة
أدبيًّا أو مجازيًّا في عبارات أو أساليب جمالية وأدبية محددة، وعن ماهية الأفكار
المسبقة عن الطبيعة مما تستبطنه العباراتُ المجازيةُ التي قد لا تشير إلى هذا
الموضوع إشارةً مباشرة. وبدوره، يسمح هذا التحليل للنقد الإيكولوجي بتعيين الطريقة
التي تسربتْ من خلالها مفاهيم محددة ومشروطة تاريخيًّا عن الطبيعة وعمَّا هو طبيعي
– وخصوصًا معانٍ أدبية وفنية عنها – وساهمتْ في صياغة إدراكاتنا الحالية عن البيئة.
بالإضافة إلى ذلك، يفهم بعض النقاد الإيكولوجيين عملَهم الفكري بوصفه مساهمةً
مباشرةً في المناظرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الحالية حول قضايا التلوث
البيئي وحماية البيئة.
الفلسفة
مرآة تنعكس فيها البُنى العميقة لمجتمع وثقافة بعينهما، لكنها أيضًا تعكس ما
يتخلَّل هذه البُنى من شقوق عميقة. لقد كتب الشاعر شيلي: "الشعراء مرايا عملاقة
يلقي المستقبلُ من خلالها ظلالَه على الحاضر." تعمل الفلسفة أيضًا، في بعض الأحيان،
بهذه الطريقة: إنها تحاول أن تكون مرآة يتراءى فيها مستقبلُ مجتمع بعينه، وإنْ على
نحو خافت.
تحاول الفلسفة الإيكولوجية، بمدارسها
المختلفة (حركة الإيكولوجيا العميقة والحكمة الإيكولوجية عند آرني نيس، الإيكولوجيا
الاجتماعية، النسوية الإيكولوجية)، أن تأخذ على عاتقها المهمة التي نسبَها شيلي إلى
الشعراء. إننا نحاول أن ندرك شكل العالم البازغ وأن نعبِّر عنه بمصطلحات الفلسفة؛
وأكثر من ذلك، نحاول أن نؤثر في هذا الشكل بافتراض ما يجب أن يكون. وبذلك فإن
دورنا رؤيوي ومعياري. إذ ينبغي أن يتوافر في كلِّ مجتمع أناسٌ ينظرون إلى
المستقبل في وضوح وبصيرة.