الأعمال الكاملة لإنسان آلي .. مغامرة شعرية طازجة:
"الروبوت" يعيد اكتشاف قصيدة النثر في تجربة شريف الشافعي

 

عادل بدر[1]

 

في حلة جديدة لافتة، صدرت في القاهرة الطبعة الورقية من ديوان البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية للشاعر شريف الشافعي، وهو الجزء الأول من مشروع كبير اختار له الشاعر عنوان الأعمال الكاملة لإنسان آلي، حيث يتحدث "الروبوت" على صفحاته بلسان الأرقام، "الصِّفْر" و"الواحد" على وجه الخصوص، لغة الآلة، لغة المبدع المتمرد على قوانين قطيع الروبوتات/البشر، الطامح إلى قلب المفاهيم، وإحداث ثورة على مستوى الاكتشاف والمنطق والكتابة على أقل تقدير.

يشتمل الديوان على 200 محاولة عنكبوتية لاصطياد كائن منقرض. وهو عمل، له السبق في هذا المجال، يمثل محاولات خلاص لإنسان مستلب أمام الشبكة العنكبوتية، وهذا الإنسان الآلي يبحث عن ذاته المنقرضة، وعن نيرمانا ذات الأسماء المتعددة، فإذ به يفضح بالجوهر الشعري غير البديعي الحضارة الزائفة، ويمزق خيوط الإنترنت.

صدر الديوان في طبعة خاصة، في 230 صفحة من القطع الكبير، وبإخراج ميكانيكي الطابع، يتسع لأصابع "الروبوت" الذكية، ولعلامات ورموز شبكة الإنترنت العنكبوتية، وهذا ما يبدو متسقًا مع مضمون التجربة، التي كتبها "الإنسان الآلي"، المبدع، المتمرد على سائر القيود، والقوانين الهندسية والرياضية. وقد جاء هذا النص/الديوان بعد بينهما يصدأ الوقت الصادر عام 1994 في إطار سلسلة كتاب إيقاعات الإبداعي، ووحده يستمع إلى كونشرتو الكيمياء الصادر عام 1996 عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، والألوان ترتعد بشراهة الصادر عام 1999 عن مركز الحضارة العربية في صيغته الكاملة (1035 صفحة)، وعن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة في شكل مختارات، في السنة ذاتها.

بالالتفات إلى العنوان، الذي هو تيمة هذا الخطاب، أي نقطة بدايته، نجده قد نُظم بطريقة تجعله متمركزًا حول بؤرة واحدة: ذلك "الإنسان" الباحث عن نيرمانا أو نيرما أو تيتا أو نيرمالا أو نيرفانا أو غيرها من مراحل السمو، التي يسعى إليها هذا المستلب. وهذا العنوان قد يكون ملخصًا لموضوع الخطاب في الأعمال الشعرية لإنسان آلي، وفي رؤية أخرى أحد التعبيرات الممكنة عن موضوع الخطاب، وهو وسيلة خاصة وقوية للتغريض، فهو يثير توقعات قوية حول ما يمكن أن يكونه موضوع الخطاب.

والغلاف يثير تساؤلات كثيرة، ويختصر ما ينم عنه النص الشعري المغاير، الذي يبدو بمثابة إعادة اكتشاف لقصيدة النثر الحديثة، فالتركيز يبدو أكبر على الصورة المعبرة: هذه الأصابع الذكية تأخذ القسم الأكبر من صفحة الغلاف، وهو من نتاج الفنان اللبناني باتريك طربيه. فصورة اليد بشرية/اصطناعية تبدو بشرية، لكن أوردتها وشرايينها وأعصابها تتألف من أسلاك معدنية عديدة، وأصابعها السوداء ترفع بالإبهام والسبابة والوسطى كرة ملونة متوهجة هي الكرة الأرضية. وفي أسفل الغُلاف صورة مأخوذة عن صفحة البحث في "ياهو"، وقد جاء الجواب عن البحث المتقدم كما يلي "نتائج البحث: لم نجد أي نتائج (لتعبير) نيرمانا".

ومنذ الإهداء "إلى الهواء الفاسد، الذي أجبرني على فتح النافذة"، ندخل هذا العالم المليء بالطقوس، والتفاصيل البسيطة، مما يحرك سردية هذا النص.

وهنا أطرح سؤالاً: ما مدى انسجام هذا النص؟ بدءًا ليس هناك نص منسجم في ذاته، ونص غير منسجم في ذاته، في استقلال عن القارئ/المتلقي، بل إن المتلقي هو الذي يحكم على نص بأنه منسجم، وعلى آخر بأنه غير منسجم. ويستمد الخطاب هذا الانسجام من فهم وتأويل المتلقي، وكل نص قابل للفهم والتأويل هو نص منسجم، والعكس صحيح.

وبملاحظة أعمال الإنسان الآلي للشافعي، تستوقفنا عدة نقاط:

1 - طغيان السرد على هذه النصوص، وهي ظاهرة تستحق التأمل، فهناك جمل سردية تأخذ شاعريتها من التشكيل الجديد لها، أو من طريقة استخدامها في السياق:

المغنطيس الأحمق، الذي يصر على أنني برادة حديد، لن يفوز أبدًا بنخالتي الذهبية. (ص 71).

2 - حشد التفاصيل دون حذلقة، فهو يدخل النص من زاوية السرد السينمائي المتدفق

تتسربين بسهولة في مسامٍّ جلدي المتشقق، تتشربك ذراتي المترابطة، المتعطشة إلى التحلل في الجير الحيّ. (ص 7).

واللجوء إلى هذه اللغة يمزج الذات بالآخر (نيرمانا وغيرها من الأسماء). وهذا الاهتمام بالتفاصيل اليومية، هو نوع من التخلص من اللغة النبوية الفخمة، فالشاعرية تنبع من السياق

خطيئة نيرمانا الكبرى، أنها ترى خطيئتي بوضوح، وخطيئتي الكبرى، أنني لا أرى لديها أية خطيئة. (ص 103).

هذه النصوص، يُقرأ كل منها على أنه لقطة سينمائية، بحيث تعطي كلاً لرؤية الإنسان الآلي، فسرد الحالة هنا مركز النص، ففي النص الأول يبدو البحث عن الدهشة، فرغم البراعة في قيادة السيارة، نجد الدهشة في فشله في اختبار القيادة خارج الوطن

المفاجأة التي عانقتني، أنني فشلت في اختبار القيادة، الذي خضعت له خارج الوطن. ( ص 5).

وهنا ننبه إلى (النص/اللقطة)، وهو نص مشهدي دائري، يستخدم لغة أقرب إلى السيناريو السينمائي بالأفعال المضارعة

في الدورة الأوليمبية المقبلة، ربما أحصل على ميدالية ذهبية، في لعبة الحب/ أمر غير طيب حقًّا، أن أقف مبتسمًا على منصة التتويج الثلاثية، بين فهدين آخرين، أعرف أنهما تمكّنا من احتضانها بعدي. (ص 130)

وهو سيناريو دخل الذات الشعرية.

3 - سرد العالم الجواني، الباحث عن بلاغات جديدة

رغم عدم حصولي على الرخصة، شعرتُ بسعادة لا توصف، لأنني تمرّنت على قيادة ذاتي، في المشاوير الاستثنائية. (ص 5)

فالنص يتخلص من البلاغة التقليدية، فالإنسان الآلي لم يعد يناسبه ذلك الأسلوب البديعي المزخرف، فما يناسبه تكسير هذه البلاغة، وهذا يناسب التجربة.

4 - صوفية بعض النصوص، من أجل الابتعاد عن حركة الحياة الطبيعية، وكأنها شهادة مرور إلى الآخر، عن طريق الغيبيات:

سألتها: من أنتِ؟ قالت: أنا أنا/ سألتني: من أنتَ؟ قلتُ: "أنا أنتِ. (ص 6)

وهذا يذكرنا بقول الحلاج "أنا من أهوى ومن أهوى أنا، نحن روحان حللنا بدنا".

5 - (النص/التوقيعة) الذي يميل إلى الإدهاش البصري أو اللغوي:

وهل حقًّا كلامي عديم اللون والطعم والرائحة. (ص 107)

سألتها عن رأس مالها، قالت: مالي ليس له رأس. (ص 170)

6 - النص الذي يحمل الحكمة والخلاصة للتجربة البشرية فيما يسمى (اللافتة الشعرية)، وهو سطر شعري يحمل عصارة تجربة:

قلتُ له بحماس: أعطِ كل واحد من الشعب (بالمجان) هذا الرغيف الشهيّ الطريّ، القابل للتجدد دائمًا. (ص 160)

وقد يحمل فكرة فلسفية شعرية:

نون أغرتني بالتعاون معها، لإنشاء نونا محدودة المسئولية، قلتُ لها: أنا أكبر من أن أكون ألفًا زائدة، في نهاية اسمك التجاريّ. (ص 161)

*** *** ***


 

horizontal rule

[1] شاعر وأكاديمي مصري مقيم في قطر.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود