حكاية حب... رواية بأسلوب البريد الإلكتروني
كتاب حين تصفر ريح الشمال يبيع الملايين في أوروبا
كوليت مرشليان
حمل
العام 2010 الشهرة العالمية لأحد الكتَّاب النمسويين ويُدعى دانيال غلاتاور، وكان
هذا الروائي حتى تاريخ صدور روايته الأخيرة حين تصفر ريح الشمال غير معروف
إلا على صعيد محلي. فهو مولود في فيينا في العام 1960 وقد درس تاريخ الفن وعلوم
التربية قبل أن يتوجه إلى العمل الصحافي فكتب في الصحيفة اليومية النمسوية ديّا
بريس وبعدها في الصحيفة الشهيرة دير ستاندرد ابتداء من العام 1989.
كتب دانيال غلاتاور حتى اليوم أكثر من اثني عشر كتابًا في الرواية والقصة وهو لم
يعرف خارج موطنه إذ لم تترجم أي واحدة من أعماله الأدبية باستثناء روايته الأخيرة
التي ترجمت مطلع هذا العام إلى أكثر من لغة ومنها الفرنسية والإنكليزية مع أنها
صدرت في نهاية العام 2006.
ورقم مبيعات هذه الرواية، الذي يقارب المليون في بلد واحد، هو السبب الذي جعلها
تترجم وتصدر في فرنسا قريبًا عن "دار غراسيه" وقد عملت على ترجمتها عن الألمانية آن
صوفي آنغلاريه.
تحكي رواية حين تصفر ريح الشمال قصة حب معاصرة جدًا حيث الحب يبدأ وينمو كما
يعيش القارئ فصوله مثل الأبطال عبر رسائل البريد الإلكتروني: ذات يوم تقرر البطلة
إيما روتنر أن ترسل رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى إحدى المجلات الأسبوعية لتلغي
الاشتراك الذي كانت قد عقدته معها منذ فترة، غير أنها تخطئ العنوان فترسل الرسالة
إلى مجهول، ويُدعى هذا المجهول ليو لايك. يعقب الرسالة الرد ثم يليه اعتذار منها
ولا يلبث أن يستمر الحوار بين البطلين عبر رسائل تتحوَّل شيئًا فشيئًا لتصير حميمية
جدًا في نهاية المطاف. إيما إمرأة متزوجة أما ليو فهو يعيش أزمة عاطفية بعد أن تخلت
عنه حبيبته السابقة. حصل الانجذاب بين الشخصيتين بفعل تبادل الأفكار عبر الرسائل
وبدأت بوادر قصة حب محتملة إلى أن قرر الإثنان التلاقي، فضربا موعدًا في إحدى مقاهي
المدينة شرط أن يكتفيا بالنظر إلى بعضهما من بعيد إلى بعيد وعدم الاقتراب وتبادل
الأحاديث...
هذه الرواية المكتوبة فقط في أسلوب الرسائل الإلكترونية، وحيث أن هذه الأخيرة وحدها
تشكل المادة الكتابية، جذبت مئات الآلاف من القرَّاء في النمسا وألمانيا وصارت قصة
حب إيما وليو واحدة من قصص الحب المعاصرة الشهيرة وإن انتهت بحزن وافتراق غير أن
المؤلف غلاتاور لم يرغب في ترك قرائه يقاسون شعور الحرمان والكبت مع أبطاله فكتب
للرواية تكملة وكان لها تابع... ونقتطف من الرواية بعض المقاطع أو بالأحرى بعض
الرسائل الإلكترونية إذ أن الرواية تتألف مع مجموعة رسائل فقط، وننقلها إلى
العربية:
حين تصفر ريح الشمال
دانيال غلاتاور
- 15 كانون الثاني.
(الموضوع: إلغاء اشتراك)
أرغب في إلغاء الاشتراك. هل يمكن التوصل إلى ذلك بهذه الطريقة؟ بمودَّة، إ. روتنر.
- بعد 17 يومًا.
(الموضوع: إلغاء اشتراك)
أريد أن ألغي الاشتراك. هل يمكن إجراء هذه المعاملة بالبريد الإلكتروني؟ أشكر
ردَّكم بأسرع وقت ممكن. بمودَّة، أ. روتنر.
- بعد 33 يومًا.
(الموضوع: إلغاء اشتراك)
سيدتي العزيزة، سيدي العزيز، حضرة المسؤول عن منشورات "ليك"، إذا كان طلب إلغاء
الاشتراك مع مجلتكم قد أيقظ مشاعر الحقد العام، وإذا كان عدم الردِّ بهدف الاستمرار
في إرسال أعداد جديدة من المجلة التي أجدها فعلاً سيئة وفي تراجع دائم، أحب أن
أعلمكم أنني لن أدفع ثمنها مجددًا! بمودَّة. أ. روتنر.
- بعد ثماني دقائق:
(جواب):
تمتلك العنوان الخاطئ. أنا لست سوى شخص فردي. وعنواني هو: "وارتر ولايك. كوم"، أما
العنوان الذي ترغب بالإرسال له فهو: "وارتر وليك. كوم" وهذا طلب الإلغاء الثالث
الذي أتلقاه على عنواني. منذ ذلك الوقت، أظن بأن المجلة قد ساءت أحوالها أكثر
فأكثر.
- بعد خمس دقائق.
(رسالة)
آه، عفوًا. وشكرًا على التفاصيل لشرح الملابسات. بكل صدق: أ. ر.
- بعد تسعة أشهر.
(بلا موضوع)
ميلاد مجيد وعام سعيد من إيمي روتنر.
- بعد دقيقتين:
(جواب)
عزيزتي إيمي روتنر، نحن لا نعرف بعضنا أبدًا، ومع هذا فأنا أشكركِ على رسالتكِ
الإلكترونية المركَّبة باتقان! يجب أن تعلمي أنني أحب كثيرًا الرسائل الإلكترونية
المركَّبة والمرتَّبة والمرسلة عادة إلى مجموعة لا أنتمي إليها. سلاماتي الصادقة،
ليو لايك.
- بعد 18 دقيقة
(رسالة)
أرجو أن تعذر هذا "التهديد" الإلكتروني، حضرة "سلاماتي الصادقة" لايك. لقد اندرج
عنوانك خطأ في لائحة العناوين الخاصة بي منذ أشهر عدة بعد أن استخدمت عنوانك لإرسال
إلغاء اشتراك مع إحدى المجلات. سألغيه على الفور.
ملاحظة: إذا كان لديك جملة مميزة أكثر من "ميلاد مجيد وعام سعيد"، لا تتأخر بأن
تعلمني بها. وبانتظارها أكتب لك: "ميلادًا مجيد وعامًا سعيد"! أ. روتنر.
- بعد 6 دقائق:
(جواب)
أتمنى لكِ أعيادًا ممتعة كما أتمنى أن تكون هذه السنة الجديدة التي تبدأ واحدة من
بين أجمل 80 سنة من حياتكِ. وإذا ما عاودتِ الاشتراك مع المشاكل، لا تترددي في
إرسال رسالة إلكترونية لي خطأ طالبة مني إلغاء الاشتراك. ليو لايك.
- بعد 3 دقائق.
(رسالة)
لقد أثرت بي! قبلاتي. أ. ر.
- بعد 38 يومًا.
الموضوع: ولا أي يورو!
جانب الإدارة في مجلة "ليك"، لقد انفصلت عن اشتراك المجلة وقد أعلنت لكم هذا ثلاث
مرات خطيًا ومرتين عبر الهاتف (ولقد تحدثت مع السيدة هاهن). وبما أنكم تصرُّون على
إرسال المجلة مجددًا، أعتقد بأن هذا الأمر يفرحكم. أما بالنسبة إلى طلب الدفع لمبلغ
وقدره 186 يورو، فسأحتفظ بالفاتورة كذكرى أخيرة من إدارتكم حين لن أعود أتلقى
أعدادًا جديدة منكم. ولا تعتمدوا عليَّ إطلاقًا لدفع أي يورو. مع احترامي، أ.
روتنر.
- بعد ساعتين:
(جواب)
عزيزتي السيدة روتنر، هل أنك تتقصدين الأمر؟ أين عقدت الاشتراك مع المشاكل؟ تحياتي
الصادقة، ليو لايك.
- بعد 15 دقيقة.
(رسالة)
عزيزي السيد لايك، أنا فعلاً مرتبكة. فأنا وللأسف أعاني من مرض مزمن في استخدام
الحرفين "إ.ي"، فحين أريد أن أكتب "ي" أجد نفسي فورًا أكتب "إ" قبلها. إلى درجة أن
أصابعي تقيم حربًا أمام لوحة مفاتيح الأحرف. فأصبع يدي اليسرى الكبيرة غالبًا ما
تسابق أصبع يدي اليمنى الكبيرة. يمكنك أن تستنتج أنني عسراوية ومجبرة على استخدام
اليد اليمنى بالقوة. وحتى الآن لم تسامحني اليد اليسرى. فالأصبع الكبيرة في اليسرى
غالبًا ما تسبق شبيهها في اليمنى وتكتب "إ" قبل "ي". أعذر هذا التحرش الذي لن يتكرر
(على الأرجح). وأتمنى لك نهاية سهرة ممتعة .أ. روتنر.
- بعد 4 دقائق
(جواب)
عزيزتي السيدة روتنر، هل يمكنني أن أطرح عليك سؤالاً؟ وها السؤال الثاني لك: كم
أمضيت من الوقت لتكتبي لي هذه الرسالة الالكترونية التي تشرح مرضك مع الأحرف "أ"
و"ي"؟ قبلاتي. ليو لايك.
- بعد 3 دقائق
(رسالة)
سؤالان لأجيبك: كم من الوقت حسب رأيك؟
ولماذا هذا السؤال؟
- بعد 8 دقائق.
(جواب)
حسب رأيي، استلزم الأمر حوالي عشرين ثانية. واذا كان هذا صحيحًا، فأنا أهنئك: ففي
وقت قصير، أنجزت رسالة الكترونية لا مثيل لها، فهي جعلتني أضحك. وفي هذا المساء، لا
يمكن لأحد أو لأي شيء أن يجعلني أضحك. أما بالنسبة إلى سؤالك الثاني حول لماذا أطرح
هذا السؤال، فأجيب بأنني حاليًا بصدد العمل على دراسة اللغة عبر الرسائل
الالكترونية. والآن أعود وأطرح عليك السؤال مجددًا: ليس أكثر من عشرين ثانية، أليس
كذلك؟
- بعد 3 دقائق.
(رسالة)
إذًا، أنت تعمل على دراسة الرسائل الالكترونية. أجد الأمر ممتعًا إلى درجة الشغف،
وأشعر حاليًا بأنني مثل فأرة الاختبار. ولكن، لا آبه لذلك. ها لديك موقع خاص على
الانترنت؟ إذا كنت لا تملك واحدًا، فهل ترغب بالأمر؟ وإذا كنت تملك، فهل ترغب بموقع
أجمل؟ فأنا في الواقع أعمل على مواقع الانترنت، (حتى الآن، لم تتطلب مني هذه
الرسالة أكثر من بضع ثواني مع أنني توقفت قليلاً أيضًا من أجل مناقشة مهنية، فعملي
سريع دائمًا). ومع هذا أقول لك إنك فعلاً أخطأت في تقديرك لرسالتي حول مرضي الخاص
بحرفي "ي" و "إ". فهي تطلبت مني حوالي ثلاث دقائق. وبما خدمتني هذه الرسالة؟ هناك
ما أرغب في استيضاحه بعد: لماذا افترضت أنني كتبتها في عشرين ثانية؟ وقبل أن أتركك
نهائيًا بسلام (على الأقل إذا توقفت مجلة "ليك" عن إرسال فواتير جديدة) أريد أن
أسألك بعد. كتبت لي: هل أستطيع أن أطرح عليك سؤالاً؟ وهذا الآخر: كم استلزمك من
الوقت..؟ إلخ.. وأنا أيضًا لدي سؤال أول: كم استلزمك من الوقت لتجد هذه النكتة؟
والسؤال الثاني: هل أنت على ما يرام مع روح النكتة؟
- بعد نصف ساعة.
(جواب)
عزيزتي السيدة روتنر المجهولة، سأجيبك غدًا. الآن، أنا اطفئ جهاز الكومبيوتر، سهرة
سعيدة، وليلة سعيدة، حسب ظروفك، ليو لايك.
- بعد أربعة أشهر.
(الموضوع: أسئلة معلقة)
عزيزتي السيدة روتنر، أعذري تأخري في الإجابة عن أسئلتك، فحياتي تضج بالحركة في هذه
الآونة، كنت تسألينني لتعرفي لماذا افترضت أنه استلزمك فقط عشرين ثانية لكتابة
الرسالة الإلكترونية الخاصة بموضوع مرضك بالحرفين "ي" و"إ". حسنًا، أحب أن أقول لك
إن رسائلك توحي بأنها قد رميت "رميًا" على الشاشة. وبسبب ذلك، تولدت لدي قناعة بأنك
من النوع السريع، من النساء اللواتي يتحدثن بسرعة ويكتبن بسرعة ويفضن بالحيوية، حتى
أنهن يجدن ايقاع الأيام بطيئًا مملاً. وحين أقرأ رسائلك لا أجد أي توقف، فهي تغلي،
تتدفق، تثور وكلها حيوية تصل حد العصبية أيضًا. ليس ايقاعك ايقاعك إنسان ينقصه
التوتر. لدي شعور بأن كل أفكارك العفوية تتخبط في النص.
وهذا يؤكد أيضًا أنك لا تخافين استخدام اللغة، فهي مطواعة بين يديك وتحسنين
استعمالها بدقة. ولكن بما أنك أجبت أنه استلزمك الوقت ثلاث دقائق لكتابة الرسالة
المتخصصة بموضوع "إ" و"ي" فأصيف بأنني ربما أخطأت التقدير.
...
- بعد 18 يومًا
(الموضوع: صباح الخير)
صباح الخير سيد لايك، أريد فقط أن أؤكد لك أن المسؤول في مجلة "ليك" لم يعد يرسل لي
أعدادًا جديدة. هل أنت تدخلت في الأمر؟ في كل الأحوال، سترتاح. ولكن أحب أن اعرف
عنك، فأنا لست أكيدة مثلاً إذا كنت استاذًا جامعيًا. في كل الأحوال، موقع "غوغل" لم
يتعرف إليك، أو ربما هو يحافظ على إخفاء معلومات حولك. وروح النكتة لديك؟ هل الوضع
أفضل؟ في كل الأحوال، هناك الكرنفال قريبًا، والمنافسة معدومة، قبلاتي، ايمي روتنر.
- بعد ساعتين
(جواب)
عزيزتي السيدة روتنر. أمر لطيف أن تعاودي الكتابة. لقد اشتقت إليك. كنت على وشك أن
أوقع اشتراكًا مع مجلة ليك (انتباه، مجرد نكتة!) وهل حقًا عممت بحثًا على موقع
"غوغل" عني؟
أجد هذا الأمر مدعاة للمفخرة لي. ولكي أكون صادقًا معك، إن فكرة أن أكون أستاذًا
جامعيًا تجعلني أقل مفخرة بنفسي. تظنين أنني مجرد عجوز وقاسي القلب وبخيل، حسنًا،
لن أحاول أن أظهر لك العكس لأن الأمر سيكون متعبًا. والآن شعرت أنني بدأت أكتب كشخص
أكبر مني سنًا. كما أخاف أن أكتب مثل شاب يصغرك سنًا أيضًا.
في الحقيقة، أنا اعمل مستشارًا في وسائل الإعلام وأتابع بحثًا في الجامعة لدراسة
تأثيرات الرسائل الإلكترونية على تصرفاتنا واستخداماتنا اللغوية، كما أدرس – وهنا
أبرز نقطة في البحث تأثير الرسائل الإلكترونية على انفعالاتنا. أشعر بأنني بدأت
أتحدث عن الموضوع بشكل تجاري، وأعدك بأن اختصر في المرة القادمة، هيا، أتمنى لك أن
تمضي أيامًا سعيدة في الكرنفال، وتمامًا بالنسبة إلى ما تخيلتك فيك من صفات، أتصور
أنك اشتريت مجموعة من الأنوف الاصطناعية والألسنة الطويلة لاستخدامها... أقبلك، ليو
لايك.
***
*** ***
المستقبل