|
المـسـتـشـفـى
المشفى في اللهجة الشامية مكان الشفاء وهذا غير مؤكد. المستشفى عندنا المكان الذي يلتمس فيه الشفاء وربما من الأطباء. هذه المؤسسة قديمة في الإسلام وفي القدم نفسه تقريبًا في أوروبا. طبعًا هذا كله إلهامه ديني. لذلك سميت المؤسسة في الغرب أوتيل ديو أي فندق الله أو بيت الله إذ المريض من هموم الله. من كانت علته شديدة يذهب به من بيته إلى هذا الموضع الذي يتجمع فيه السقماء ليعرف الطبيب حالهم الصحية ويقدم لهم وسائل السلامة لكون السلامة مبتغى العليل والمعالج معًا. وكلاهما يكافح الموت. وعندما تبطل عند المريض خشية الموت يواري الإنسان مأواه. من ثبتت عنده سلامته يلازم بيته. هناك دائمًا صراع عميق في النفس، ولو على شيء كبير أو قليل من الوضوح، أننا في الاعتلال على طريق الموت أو لم نسلكه بعد. وإذا وصل الإنسان إلى تأكيد الحياة فيه يلازم بيته ويستغني عن المؤسسة. المستشفى إذًا تحديدًا مؤسسة الموت نستقبله أو نحاربه. هي ليست مكان استجمام أو راحة. هي مشوار بين القياس وانكسار القياس حتى إذا سلم الإنسان من بعد علاج يتحرر من صورة المستشفى. المجتمع إذًا مجتمعان: مجتمع الأصحاء ومجتمع المرضى، مجتمع الذين لا يفكرون باقتراب نهايتهم ومجتمع الذين يذوقون الاختلال أو اقتبال نهايته بالموت. لذلك أنت في هذا الموضع، خائف أو غير خائف، فلا تستطيع أن تنتمي إلى مجتمع الأصحاء ومجتمع المرضى نفسيًا في آن واحد. وإذا انتقلت من هذا إلى ذاك تكون في حالة انتظار النهاية أو بدء جديد. * * * الأصل في الإنسان السلامة والمرض انشطار الكيان. الإنسان في أسقامه يرجو العودة إلى الأصل إذ لا يحب نفسه منكسرًا. يتوق إلى الخلق الذي كان قلبه فإذا اعتراه خلل ما في بدنه يحس أن الأذى أخرجه من الخلق الأول ولا يرى كماله إلا في عودة السلامة ما لم يصالح تشويهًا ثابتًا فيه كالشلل أو بتر ساق أو ذراع أو كفاف البصر فيتربى على ما هو معروف بنقصان ويتدبر شؤون حياته بما تيسر لها. هذه أوضاع متركزة تشبه السلامة، والعظيم فيها يحولها إلى أصل إذا فهم أن أصله هو القائم فيه. * * * غير هذين الوضعين وضع ثالث أو مجتمع ثالث زالت فيه الحسرة بعد تروض طويل، ومبدئيًا يزول فيه الإحباط لأن الله يسوسه. أما إذا بقينا على مستوى الطبيعة، أي بلا إله مقيم، فلا مصالحة بين النقصان والكمال. "في البدء كان الإنسان الطبيعي ثم كان الإنسان الروحاني". الإنسان الروحاني وحده لا ينتمي إلى المجتمع السليم ولا إلى المجتمع العليل. استقل عنهما لإنتمائه إلى الله الذي يرحم المرضى والأصحاء معًا وكلاهما على نقص. فهناك عطب السلامة الذي هو الاستغراق في الجسد وهناك عطب المعطوب الغارق في الخوف الذي هو توق لبعد الله. والبعد عن الله هو اللاشيء لأن القياس هو سكنى الله فيك. أما الذي أقام في الله فيخرجه ربه من العطب ليقيمه في الحب الإلهي أي في المجتمع السماوي ويشده إلى حضرته فتأتي سلامته من الحضرة وبهجته من الرؤية. فإذا عدنا المريض ينبغي أن نعزيه بالله أي بكلمات الكتاب التي تنقله من المجتمع السليم أو العليل إلى المجتمع الإلهي توًا. لا سفر من الاستشفاء لأن الصحة هي القياس وصورة الملكوت وهي تنجينا من الضجر والإحباط ومن هزات كثيرة إذا عرفنا أن الأصل فينا الحياة الأبدية. هذا المجتمع الإلهي يمكن أن يؤلفه الأصحاء والمرضى معًا. إنه إذًا يخترق المجتمعين البشريين اللذين هما من عالم الخطيئة. المهم الاستقلال من الطبيعة الساقطة المختلة وغير المختلة لنلتحم بما هو فوق الطبيعة ونجلس فوق عن يمين العظمة. السماويات هي المجتمع الأخير حيث يزول انكسار الجسد ولا يبقى من معنى لسلامته فالمعطوبية والسلامة كلتاهما من هذه الأرض والقوي من تحرر من هذه الأرض وجمالها حتى يحيا الحياة السماوية هنا. * * * غير أن المريض مصدوم أكثر من السليم وينبغي علينا حمله في كل يوم. نطلب من أجله كثيرًا لينال في عطبه سلامة الله. وهو أخونا باستمرار لكونه معذبًا في كل حين ومرميًا على كل التجارب. وعيادتنا له ما استطعنا تشفينا كما تشفيه وبهذا نسعى إلى إخراجه من مجتمع المرضى إلى المجتمع الإلهي. وفي هذا إنقاذ من الموت الروحي والتعبير عن المشاركة عاليًا. "كل نفس ذائقة الموت". المبتغى أن نخفف وطأة المواتية عن الآخرين ليصبحوا أبناء القيامة. وبذا نخفف المواتية عن أنفسنا ونحاول خلق المجتمع الإلهي الذي ينشلنا من محض السلامة البدنية أو علاتها. هنا في الجسد الصحيح أو العليل تبدو إلهيتنا إذا لمستنا النعمة لنسير إلى الفصح. من كان قادرًا على فصحية كبيرة في جسده يعلن انتهاء الموت. *** *** *** |
|
|