قصتان

 

نور دكرلي

 

(1)

الأخبار التي تتعلق بإصدار جوازات سفر نستحقها كانت كاذبة، خدعة سخيفة وكنت ساذجًا حين صدقتها.

اليوم ذهبت إلى السفارة، لأطالب بجواز سفر، الموظف المسؤول طلب مني وثيقة رسمية، أخرجت له نسخة ورقية عن صفحتي الفيسبوكية، فضحك قليلاً، ثم عاد كموظف في السفارة.

أقسمت له بأن هذه صورتي، "الطاقية" ذاتها، الكنزة، البنطال، الاختلاف الوحيد أني خجلت أن آتي "بالزنوبة"، فلبست حذاء.

الموظف ضحك ونادى صديقه.

أشرت إلى خانة الأصدقاء وقلت له بأن الكثير من هؤلاء يعرفني، قم بإضافتهم وأسألهم، سيأكِّدون لك بأنه أسمي.

ضحك الموظفان، ثم سحب أحدهم الورقة مني وقال لصديقه: "ضع له لايكًا". ونادى للآخرين.

موظفون كثر تجمعوا حولي، والناس تنتظر دورها في الخارج.

كان الجو حارًا، وشعرت بأن الأرض كبيرة جدًا، والناس فيها كثيرون، وأنا كنت واحدًا فقط.

الموظفون ضحكوا، أحدهم طلب كلمة المرور ليتأكد بأن الحساب ليس وهميًا، تفحص الحساب ثم بدأ بحذف الرسائل والنصوص، توسلته أن يتوقف لكنه أخبرني بأن ذلك ضروري لإصدار جواز جديد... ضحك الموظفون وسكت أنا أراقبه. كان الأمر مؤلمًا، لكني لم أملك خيارًا آخر... أردت ذاك الطائر الصغير.

ضحك الموظفون، لم تكفهم صفحتي الفيسبوكية، اتصلت بها لتخبرهم بأن شوقنا يكفي ليصدروا لي طائرة كاملة... لم يفلح الأمر...

أحدهم قال: أحببناك. سنساعدك.. علينا أن نعرف عنك أكثر قبل ذلك.

-       أنا لم أعش كثيرًا، كنت طفلاً خائفًا بلا سبب، ثم دخلت السجن مرة، دون ذنب والله، ثم أحببت الكثيرين. ولا أعرف سوى أن الذباب يطير مسرعًا إلى موته وأن السلاحف تقضي عمرًا طويلاً وهي تزحف. واستيقظت صباحًا لأحصل على جوازي. أبي طلب ذلك.

ملَّ الموظفون، منحوني ورقتي وطلبوا مني ألا أعود مرة أخرى مهددين بسجني. خرجت وكان الناس في الخارج يضحكون وكنت واحدًا فقط.

في طريقي إلى البيت كنت أفكر بالبحر، وأنه سيبلل ورقتي الأخيرة... مزقتها وأنا أفكر بالبحر وأن الأسماك تفضل أن تقضي حياتها بالغرق، مفتوحة الأعين، تتمايل مع الماء كجثث، على أن تتنفس هذا الهواء المسموم.

*

(2)

تقول أمي، وأحاول ألا أسمعها، لكن يصلني من صوتها: "بدي شوفك، رح يطقوا عيوني".

"يطقُّ" قلبي، فتتناثرُ أمهات صغيرات، وأصير خاويًا بلا قلب. وأشعر فجأة أننا سبعةٌ فقط على وجه الأرض، لا نعرف بعضنا. وهذا الفراغ مرعب.

كانت تحب أن تنام لتراه في نومها، وكانت تراه. مرةً رأته صغيرًا يرتدي مريوله المدرسي، مشَّطت شعره كما كانت تفعل دومًا.

مرةً رأت نفسها تكسر القضبان وتشده بيدها لتأخذه معها بعيدًا.

أحيانًا كانت تستيقظ لتجد وسادتها مبللة بالدموع، وكثيرًا ما استيقظ زوجها على ضحكاتها أثناء النوم.

كانت تنام كثيرًا، كانت تراه كثيرًا، ويزعجها حين يقطع نومها أحد أبنائها، كانت تُسرع بصنع الطعام، بتنظيف المنزل... منتظرةً بلهفة أن تنام، أن تراه.

حين انتشرت صوره، لم ترها، لم تعلم بموته، كانت نائمة تراه، أخبروها بذلك لكنها لم تصدق، لم يكن يعني لها ما يجري في عالمهم، كانت الحقيقة دائمًا في منامها.

في الليل ضحكت كثيرًا في نومها، رأت نفسها تقود طائرةً لم يكن على متنها سواه، كانت تضحك بشدة وهي تحلق بطائرة كأي طيار قديم، عائدةً معه باتجاه البيت، وتبادله نظرات الفرح والضحك.

نامت طويلًا تلك الليلة، ولم يتمكن أحد من إيقاظها.

يحدث هذا، في عالم تسكنه حيوانات تقتل بنذالة. عضة على الرقبة، غرز للأظافر في الكتف، هذا قتلٌ بشرف، هذا قتلٌ من أجل الجوع... هذا قتلٌ حزين.

ألوِّح للجميع، للذين يمرُّون بجانبي، للبعيدين... أبتسم كأبله: "أنا؟ ماشي الحال".

يمرُّون... لا يعرفني أحد، وكأني استبدلت بغيري.

أثرثر كما الآن، وألقي النكات طيلة الوقت، وفي داخلي مجموعة من الخُرس.

*** *** ***

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني