شمَّاعة..

 

مازن أكثم سليمان

 

مازلنا ألماسةَ الحُزن المُعتَّق
مَطالعَ بيْنٍ يسحَقُها غنجُ الخواء
مازلنا نقفزُ في المَخاوفِ خِفافًا
أطواقُ نارٍ تنسكِبُ فينا
فننسى إقفالَ البلاغةِ بصخرةٍ أخيرة
مُنكسرينَ كأبجديّةٍ تشيخ
أيَّامُنا تخلَّعَتْ..
أقسمَتْ بالظَّلام، وتخلَّعَتْ..
رصَدْناها في شَهقةِ كابوسٍ مُتقَن
ورحَلْنا في إيقاع النَّراجيل
أصابعُنا شَظايا الجهات
وكلامُنا طيورٌ لا أعشاشَ لها
/ - لا، لمْ يصلْ قرارُ تعديل حياتنا بعد..!!
إذنْ، لَوْ سمحْتَ يا سُلطان الرِّضا
غيِّرْ - وأنتَ تجولُ في هزائمنا -
ترتيبَ الحُروف في أسمائنا
دعْنا ننهبُ طراءَ هذا الموت /
مِنْ أعماقنا
تفرُّ أرواحُ أهلِ الكهف دوائرَ دوائرَ
وعلى أكتافنا
تلتصقُ أجنحةُ الملائكةِ رُتَباً لِلوُشاة
تجلدُنا الأخبارُ المُحرَّفة مرَّةً بعدَ مرَّة
ونتبرَّمُ كموظَّفةٍ بائسة في بريد السِّجن:
- هل قُرِعَتْ أجراسُ الحُقول
ولمْ تفتُكْ بنا أناجيلُ الرَّاعي البعيد..؟!!

... تائهونَ كأنَّنا تكتكاتُ حنفيَّةٍ تنقِّطُ ليلاً في بيت مهجور.. نكتبُ
بأزياء عقارب، خارجينَ مِنْ هديلِ الفُلِّ على ظُهورِ ذئابٍ يفترسُ بعضُها
بعضًا. لَمْ تودِّعْنا الألوانُ حينما رحلَتْ، ولَمْ يسعَ البحرُ لرأبِ الموجِ
في مَحاجِرنا، وحالَما لاحقَتْنا دوريّةُ الخَراب وضَعْنا النُّجومَ أقنعةً كيلا
نفقدَ شاعريّةَ المَحارة، أو كي نُوَطِّنَ الألمَ عندما يزورُنا مُشبَعًا بأوزارٍ
تنسفُ جُسورَ المُوسيقى، فيقعُ الحُلْمُ مغشيًّا عليه، وتنقلُنا الجاذبيَّةُ إلى
عُروشٍ تعلو في تلافيف البنادق، فأصارِحُكُم للمرَّةِ الأخيرة – أنا
حليفُكُم الخائن -: أنَّ طُفولتي نعناعُ المُحال فيكُم، وأنَّ كُهولتي حدُّ
صحيفةٍ مُمزَّقة، وأنَّني رسولُكُم، وأنَّكُم رُسُلي، وأنَّني عبدُكُم، وأنَّكُم
عبيدي، وأنَّني صديقُكُم، وأنَّكُم أصدقائي، وأنَّني عدوُّكُم، وأنَّكُم
أعدائي، وأنَّني أستنجدُ بغيمةٍ هاربة مِنْ شتاءٍ جاحد، وأنَّكُم تقرؤونَ
في أحداقِها ما أقرؤهُ في أحداقِكُم:
(نتغذَّى لحمَ الماضي
فننحلُ،
ووسْطَ عطشنا الشَّاهق للشَّمس
نصلبُ الفِراقَ على فِراقٍ أعمَق)

... مُنسابونَ كتيَّارٍ أعمى
مُتسلِّقينَ الماءَ الصَّامدَ
هابطينَ نحوَ المنجمِ الخَرِف
ليتَ الفنَّ ينضحُ بدربٍ بديلة
ليتَ اللاشُعورَ يُغري الشُّعورَ بحُجْرةٍ خضراء
أرضُنا - التي لفَظَتْنا -
تُفلِّي شَعْرَ الغُبارِ منَّا
وعُنوانُنا الدَّائم:

(صفر صفر صفر، دُوَّارُ الهِجاء، شارعُ المَنفى، كُهوفُ الزَّبَد..)

/ فلتركضُوا مَرفوعينَ على أسنَّةِ الشَّوق الفتَّاك، مَحقونينَ بلوثةٍ غنائيَّةٍ
لا اسمَ لها، سائحينَ في طاولاتِ الزَّهْرِ الخَرساء. للمَغيبِ حدْبةٌ مُخيفة،
وللبُومِ زعانفُ مُدوَّنٌ عليها: لنا القبرُ دونَ العالَمينَ، أو القبرُ..؟!!/

- هل ثمَّةَ تحوُّلٌ آخِرَ الزُّقاق
أم مُجرَّدُ تغييرٍ دوريٍّ في تَصاريفِ الفَخِّ..؟!!

كأنَّنا عورةُ الفجر
- أضفْناهُ لأرقامِ بطولاتِ أحلامِنا -
كأنَّنا طرَحْنا حكمةَ الوجودِ
مِنْ قواميسِ عظامنا؛
فطرَحَتْنا الحياةُ مِنْ حُمولةِ شاحنَتِها
وعُدْنا.. سِلالاً فارغة
وعُدْنا.. مصائدَ
وعُدْنا.. طُيورُنا دَوائرُ العَجاج
وعُدْنا.. سُيوفُنا المطَرُ الأحمَرُ
سُلِّطَ علينا
:
/..... حديدٌ رماديٌّ + رُعبٌ مَذعور + نهدٌ خاوٍ + هرولةٌ
جرباء + قافلةُ مُكسَّراتٍ لمُسامرةِ المُدُن اليابسة تحتَ جُلودنا +
وطنٌ عظميٌّ انتشلَهُ شحَّاذٌ مِنْ كيس مثقوب (واراهُ الفجيعة، وكانَ
الوقتُ مُنتصفَ الدَّمعة ) - أمنيةٌ في أرجوحة - فرَحٌ أملس -
وهجٌ قمحيٌّ - قلْبٌ يمتطي نايَ القُبَل = لافتاتٌ تقتاتُ على نفْسِها
وخُطَى مُحاربينَ تترنَّحُ في كُساح الضَّوء../
...
...
كأنَّنا نقطفُ همسَنا الجُوريَّ مِنْ مُعادلةِ الشَّوك
أو كأنَّنا نعصرُ رُؤوسَ مَناماتٍ تُنازِعُ، وتحتَها الشَّهوةُ رماد
كما لَوْ أنَّ الرِّيحَ
إسمنتٌ يرصفُ جباهَنا
كما لَوْ أنَّ الفضاءَ
قبضةُ مَساميرَ تُثبِّتُنا على مِشجبِ المَجهول..

... رحَلَ فينا الغيابُ، وما زلتُم على حِبال التَّثاؤب.. ابنُ رُشدٍ
مُحنَّطٌ في كُحولِكُم المُجفَّف، والحلَّاجُ عادَ إليكُم جُثَّةً هامدة فوقَ
حصان الحضارة.. وما كانَ لكُم إلَّا أنْ تُنقِّبوا عن مُسوِّغاتٍ
مُعتلَّةٍ في أحاجي الزُّبدة واللَّبن في السُّلالاتِ الأميرة في اجترارِ
الحصَى والهواء في الشَّبح الأنشوطة في الدِّيس الهاذي في الأنقاض
بلا مادَّة تُكَوِّرُها وفي إبادةِ البرتقالِ الطَّائرِ حينما تُسفَحُ الصَّرخةُ
فوقَ عماماتِ البساتين:
(تستقبلُكُم الأحلافُ على حفلة شاي ومِشنقة
وتُودِّعُكُم الأحلافُ على مِشنقة شاي ومِشنقة)
...
...
هل استيقظَ أحدُكُم ذاتَ بكاء
وسألَ نفْسَهُ: مَنْ أنا..؟!!
هل تساءَلَ مَنْ كُنّا، ومَنْ سنكون..؟!!
هل استسلَمَ لذكرىً قديمة مُتوهِّجة
لقومٍ أغرارٍ يحلُمونَ بالعدالة..؟!!
هل أعادَ لذوي الإراداتِ الأقوى غنائمَ معركةٍ لَمْ تحصلْ..؟!!
وهل اكتشفَ أنَّ حصَّتَهُ كانتْ ذاكرةَ أحدِ القتلى
فعزَّى ذاتَهُ بتوليد عالَمٍ تستبيحُهُ العواصِمُ
ورصَّعَهُ بأنشودةٍ على نارٍ لا تستريح..؟!!:
(يا آلهةَ المُحال
النَّبيذُ يُفجِّرُ نهاياتِ اللَّيل
ودُخانُ السَّجائرِ يلفُّ الفضاءَ
كمَدْفنٍ يتمدَّدُ على أرضٍ زراعيَّة)

... والآنَ..
أيُّنا سيعترفُ قبلَ الآخَرينَ
ليصيرَ لنا
قفلٌ مِنْ ماء، ومفاتيحُ مِنْ سمك..؟!!

مَنْ سيعلنُ أنَّ قُلوبَنا لَمْ تتآكَلْ
في ريحٍ مُنطوية تحتَ اللُّحاف
أو مُلتصقة بمدفأةِ الخوف
إنَّما خرَجْنا مِنْ أصنامٍ تعبدُ نفسَها
كيْ نقليَ المساحةَ العذراء بجناح سنونوةٍ
وبينما كُنَّا نتنزَّهُ في السُّهوبِ المُوغلةِ في الرُّعب
صدَّعَتْ ناقةٌ مُصفَّحة نُهوضَنا المُتثاقِلَ
حلَقَتْ أهدابَ الحُروف بالخديعة
بتَرَتْ أصابعَ المرج الابتدائيِّ
قبْلَ أنْ ينبسِطَ في حناجرِ الأطفال
فيُناهِزَ بيضةً مَسلوقة وكُوبَ حليب
ولهفةَ أمٍّ تُخبِّىءُ الدُّميةَ
لابنها الهاربِ مِنْ ولاداتٍ تشتعِلُ في ريش الطّواويس.

والآنَ..
مَنْ سيَقوى على الوُقوف عاريًا أمامَ الكون
مِنْ شُعوبٍ غابِرة وأسرابِ حَمامٍ وأزهارِ ياسمينٍ مُحبَط..؟!!
مَنْ سيتجاسَرُ مُعارِكًا مُكبِّراتِ الصَّوت..؟!!
ليعترِفَ بِغُنَّةٍ واثِقة وضَميرٍ مَفلول
أنَّنا نحنُ..
مَنْ ركَلْنا هَديرَ الرُّعودِ السّاخِرة بِحُرْقة
وأنَّنا نحنُ..
مَنْ اكتشَفْنا في النِّهاية
أنَّها مُجرَّدُ حِجابٍ مُحكَم
وأنَّنا..
مُجرَّدُ
.
.
.
شمَّاعة.

*** *** ***

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني