|
غايةُ الأدب هي
التحوُّل الدَّاخلي
يصعب على الكاتب أن
يكون أديبًا ما لم يُعنَ بالحركة الداخلية
للذات والمجتمع
"الرُّشيم" رمزٌ إلى
قدرة الحياة المتجدِّدة على النمو
لقاء
مع أميمة الخش
الكاتبة
أميمة الخش من الأدباء الذين بدأوا بالنشر في
مستهل التسعينات برواية دعوة إلى الرقص
(1991) التي أتبعتْها بروايتين: زهرة اللوتس
(1993) والتوق (1997)، ومجموعتين قصصيتين: انعتاق
(1995) والرُّشيم (1999). في
أدبها فكرٌ متماسك، مغلَّف برومانسية تجعلنا
نحنُّ إلى زمان مضى؛ فيما هي، في الوقت نفسه،
تشدُّنا، بشخوصها وأحداثها، إلى زماننا
الحاضر، بكلِّ تناقضاته وآلامه وآماله،
فتجعلنا نواجه أنفسنا وواقعنا كما هو، بكلِّ
ما فيه من قبح وجمال، وإمكانيات تُستَنفَد
وأخرى في طور التفتح نحو المستقبل. حَجَرُ
الأساس في كلِّ ما تكتب، والقيمة التي تراهن
عليها، هي تبطُّن الإنسان عن وعي كامن، غير
محدود الإمكانات والأبعاد، وحده قادر على منح
المعنى للحياة والفاعلية الغائية لكلِّ نشاط
إنساني.
في
مجموعتها القصصية الثانية الرُّشيم جاءت
بصور حياتية متنوعة، تجسِّد في كلٍّ منها،
بطرق مختلفة، ومضةً تعي في ضوئها شخصيةٌ أو
أكثر معنى وجوديًّا حيًّا يعيد لحياتنا
اليومية عمقها وغناها، بعد أن ظلت محاولة
التفتيش عن مثالية إنسانية تنأى عن الواقع
بحثًا عن عوالم خيالية لا توجد إلا في مخيِّلة
الكاتب وذاتيَّته المغلقة. مثالية
أميمة الخش تسعى جهدها أن تظلَّ على صلة وثيقة
بالواقع، باعتباره حقل تطبيق المثال،
للسموِّ به من حكم الوجود إلى حكم الوجوب، أي
إلى الإفصاح عن الممكنات التي ينطوي عليها. *** سؤالي
الأول يتعلق بدافعكِ إلى الكتابة. لماذا
تكتبين؟
لماذا أكتب؟! إذا أردتَ جوابًا ذهنيًّا،
منطقيًّا، لأجبتُك بأني لا أدري! أما إذا أردت
جوابًا يعبِّر عن عمق ما أشعر به لقلت لك: لأني
لا أستطيع إلا أن أكتب! إن العوامل، الخارجية
والداخلية التي تهيِّئ شخصًا ما لكي يعبِّر
عن كيانه بهذه الطريقة أو تلك هي أعمق من أن
يعيها؛ والخبرات التي تصقل هذا الدافع فيه
وتنمِّيه هي صدى لاستعدادات داخلية مكنونة
فيه. قرأتُ مؤخَّرًا عبارة لحكيم أمريكي،
اختصَّ بدراسة الأساطير والأديان، هو جوزيف
كامبل، كان يجيب بها طلابه عندما يسألونه
نصحًا عمَّا يفعلونه بعد تخرُّجهم من الجامعة.
كان يقول لكلٍّ منهم: "اتبع غبطتك!" لم
يقل الرجل: "اتبع أهواءك" أو "اتبع
رغبتك"، بل قال: "غبطتك". فالغبطة، كما
يرى كمبل، هي المؤشر الأصدق لكون الإنسان
يفعل ما وُجِدَ من أجله وما يعبِّر عن أخصِّ
ما يتميز به من إبداع شخصي. أجدُني مؤتلفة مع
هذا الرأي لأني فعلاً أكتب لأن الكتابة
تمنحني الشعور العميق بالغبطة والامتلاء
الداخليين وبالتحقق بأعلى قيمة يمكن أن
أبلغها في حياتي هذه. وهذه الغبطة، لأنها
تنبعث من كياني، فهي أبعد ما تكون عن الأنانية
بالمعنى الضيق للكلمة؛ إذ لا يوجد تحقُّق
فردي حقيقي ليس تعبيرًا عن وعي جماعي هو، في
جوهره، ما يعبِّر، من خلال الفرد، عن نضج
المجتمع وتحقُّقه العام. إذا كنتِ تكتبين لكي تشعري
بالامتلاء والغبطة، وعلى ما يبدو، بالتواصل
مع الآخرين، فهل تعتقدين بأنك، عبر ما
تكتبين، تستطيعين نقل هذا الامتلاء وهذه
الغبطة وذلك الشعور بالتحقق إلى قرائك –
وخصوصًا أن حالنا هي ما هي، واهتماماتِنا،
عمومًا، على ما هي من التركيز على مشاكلنا
اليومية المعيشية، وهواجسِنا السياسية
والاجتماعية على ما هي من بُعدٍ عن هذا التحقق
وتلك الغبطة؟ ربَّ قائل يقول: إننا في زمان لا يحقُّ
للإنسان فيه أن يلتفت إلى همِّه الشخصي
وعالمه الداخلي، بينما يعاني مجتمعُه القهر
والظلم والفقر إلخ. لمثل هؤلاء أقول إن بناء
عالم نفسي متماسك، أخلاقي، مؤسَّس على قيم
إنسانية، من شأنه وحده أن يهيِّئ إنسانًا
واعيًا، مؤمنًا إيمانًا راسخًا مخلصًا بقيم
الحقِّ والعدل والخير. أقول: وحده بناء مثل
هذا الإنسان – الذي يصعب التغلب على دأبه
وعزيمته لأنه يستمد قوته من تماسكه النفسي
وشعوره العميق بوحدته مع الإنسان عمومًا ومع
مجتمعه خصوصًا – يمكن أن يحمل على عاتقه
الشأن العام، اجتماعيًّا وسياسيًّا
وأخلاقيًّا وروحيًا – بعيدًا عن أية مصلحة
شخصية أو رغبة أنانية. وأستطيع القول أيضًا إن هذا الشعور
العميق بالهمِّ العام وبالمشاركة في
المعاناة الجماعية، من خلال الألم الشخصي
الإيجابي، والسعي إلى التخفيف من الألم
السلبي، من خلال فعل الوعي، لا يتعارض مع
الشعور بالامتلاء الداخلي والغبطة؛ لا، بل إن
الشعور بالألم الإيجابي لا يكون حقيقيًّا،
عميقًا، ما لم ينبع من هذا الامتلاء وهذه
الغبطة. في الأمر مفارقة، لكن هذا هو شأن
النفس البشرية! هذا ما أسعى، بكل ما أوتيتُ من أداة فنية،
إلى التعبير عنه فيما أكتب، وأحاول تحريض
قارئي على الشعور به معي – وأعني الشعور
بضرورة التحقُّق الداخلي وتحقيق الوعي. إذ
يصعب على الكاتب، برأيي، أن يكون أديبًا ما لم
يُعنَ بالحركة الداخلية للذات والمجتمع. ماذا تقصدين بالـ"وعي"؟
كلُّ الناس يعي، بشكل أو بآخر. فهل معنى الوعي
لديكِ يختلف عن معناه في علم النفس مثلاً؟
وإذا وعى الإنسان فماذا يعي؟ ما أقصده بالـ"وعي" لا ينطبق تمامًا
على المعنى الذي يقصده التحليل النفسي مثلاً.
الأمر بالنسبة لي أبسط. إذ إنني أعتقد بأن في
الإنسان من القدرات والإمكانيات الكامنة ما
يعجز وعيُه المباشر عن إدراكه، وهو على ما هو
من التشتت وعدم التماسك. فإذا استطاع الإنسان
أن يمتلك الإدراك الذي يغوص به إلى أعماقه
تدريجيًّا، ويدمج في وعيه الظاهر المعرفةَ
التي يحصل عليها من هذا الغوص، فإن وعيه
الكامن يتفتَّح أو يتحقق. لقد
حاولت في قصة "الرحيل" من مجموعة قصصي الرُّشيم
أن أبيِّن بأن السفر الحقيقي ليس الانتقال
المكاني الذي لا يُغْني الإنسان الباطن فينا،
بل هو الرحلة المحفوفة بالمصاعب التي يقوم
بها الإنسان من عالم شخصيته الظاهرة إلى
عالمه الداخلي، حيث يكتشف – تباعًا – وجهًا
مظلمًا لذاته، عليه أن يتخطاه إلى العمق
المضيء الكامن فيه. أقول، إذا استطاع الإنسان
ذلك فإن هذا الوعي الذي كان كامنًا أو شبه
غافٍ، يصحو ويَنْشَحِنُ بطاقة هائلة لا حدود
لها فيتوهج. وبهذه القدرة الجديدة التي
يكتسبها الوعي يستطيع – وقد اشتدَّ وتماسَك
– أن يحيط بأبعاد من الواقع الخارجي والداخلي
لم يكن يستطيع أن يحيط بها من قبل، وأن يسلك في
العالم بتوازن أقوى، وثبات أرسخ، ويتحلَّى
بنفاذ بصيرة تمكِّنه من الاستشراف المستقبلي
لحركة المجتمع، بحيث يقدم للآخرين دروبًا
يمكنهم – إذا اتبعوها – أن يحققوا ما حقَّقَ
ويسيروا باتجاه تطورهم الممكن، لا ضده. الوعي،
بهذا المعنى، هو طاقة الأفراد الفاعلة باتجاه
التطور والمزيد من النضج العقلي والنفسي.
لذلك ترى دائمًا فيما أكتب نماذج من أناس
يسعون إلى تحقيق هذا الوعي. ولكن ما يصعب عليَّ أن أفهمه هو
كيف يمكن لهذا الوعي، الذي هو شأن فردي في
النهاية، أن ينعكس إيجابيًّا على الحياة
الاجتماعية؟ ألا يُعتبَر تحقيق هذا الوعي
نوعًا من التفتيش عن خلاص فردي، بينما الكتلة
البشرية ما تزال ترزح تحت عبء الجهل والظلم؟ إذا كنت تريد، مرة أخرى، جوابًا
منطقيًّا، محكم المقدمات والنتائج، أعترف
بأني لا أستطيع أن أقدم لك جوابًا يقنعك.
ولكن، من قال إن الحياة الإنسانية – بل
الحياة إجمالاً – محكومة بالمنطق وحده،
وتخضع دائمًا لقانون السببية، بحيث إن
أسبابًا بعينها تؤدي إلى نتائج محددة؟ عندما أتحدث عن الوعي، كما أفعل، أنطلق من
خبرتي في الحياة التي تقول لي بأنه ليس هناك
شيء، في العمق، منفصل عن أيِّ شيء آخر. كلُّ
أثر نُحدِثُه محليًّا، مهما كان بسيطًا، له
انعكاسات بعيدة المدى وصدى يتردَّد حتى أبعد
المسافات. حتى الفيزياء اليوم تقول بما يشبه
ذلك. السببية المنطقية صالحة لتفسير العلاقات
بين أشياء مستقلة بعضها عن بعض. أما إذا كان
وجودنا نسيجًا واحدًا تتداخل خيوطُه فإن وعيي
الخاص ينعكس، سلبًا أو إيجابًا، على النسيج
كلِّه. إن في الوجود تيارًا واحدًا يسري في كلِّ
مكوِّناته؛ ونحن من هذا القبيل أشبه بمصابيح
فردية يسري فيها هذا التيار الواحد، وإن يكن
كلٌّ منها ذا مقاومة واستطاعة مختلفتين. بذلك
عندما نكون مستقبلين جيدين للتيار الساري
فينا تزداد إضاءتنا لكلِّ ما حولنا، ونشعُّ
حياة ووعيًا وفاعلية. هذه الوحدة الكلِّية
التي تلحم الأشياء بعضها إلى بعض لا تقتصر على
المستوى المادي للوجود، بل تتعداه إلى
المستويات النفسية والعقلية التي يحكمها
منطقُها الخاص الذي يقول بأن كلَّ فعل وعي
يتحقَّق على المستوى الفردي يعمُّ، من حيث
نشعر أو لا نشعر، على الجماعة التي ننتمي
إليها، وعلى الإنسانية جمعاء. كيف استطعتِ أن تعبِّري عن هذه
المقولات من خلال أعمالكِ؟ هل لكِ أن تعطينا
أمثلة على ذلك؟ من واجب الكاتب أن يصقل خبراته الشخصية
ويرفدها بخبرات وأفكار من يتوافق معهم في
الرؤية والفهم. من هنا تراني دائمًا أحاول أن
أوسِّع أفق ثقافتي النفسية والفكرية
بالاطلاع على كلِّ ما يتوفر لي من مؤلفات في
الفلسفة وعلم النفس والتاريخ والسياسة إلخ –
بالإضافة طبعًا إلى الأدب؛ ثم أترك لهذه
المعطيات أن تعتمل في داخلي وتتفاعل وتتراكب،
بحيث ينتج عنها نوعٌ من الخلاصة التي
أستوعبُها وتتمثلها نفسي. وعندما أكتب، لا
بدَّ أن تفعل هذه الخلاصة فعلها في وعيي
الشخصي الذي تشكِّله أيضًا اختباراتي
الشخصية في الحياة وكلُّ ما أمرُّ به أو يمرُّ
بي من أحداث. دوري في هذا كلِّه هو إيجاد الشكل
الفني – قصةً كان أم رواية – الذي يناسب
وعاءً لصبِّ كلِّ هذه التفاعلات السابقة.
وأخيرًا يأتي دورُ فكري الذي ينقِّح ويشذِّب
ويصوِّب، هنا أو هناك. هناك
دائمًا في أعمالي شخصيات، كما قلت، يسكنُها
الهمُّ الوجودي والدافع الصادق إلى مشاركته
الآخرين. في قصصي القصيرة أسلِّط الضوء على
حالات إنسانية حدِّية، بمعنى أنها واقعة في
مأزق وجودي أو حياتي، لا تجد لنفسها مخرجًا
منه إلا بوعي موقفها الإجمالي، والوقوف أمام
نفسها موقف المواجهة والصدق التام الذي
يبدِّد من أمامها الضباب الذي يحجب الرؤية،
ويجعلها تبصر بوضوح إفلاس معتقدها السابق،
مثلاً، أو فداحة غلطها، ويدفع بها إلى تصحيح
مسارها الإنساني. أما في الرواية فأحاول
تقديم نماذج من شخصيات في طور التفتح
الداخلي، فأضعها في مواقف صعبة وأجعلها تختبر
أمورًا تحرِّض فيها هذا التفتح، وبذلك أمسك
بيدها من أول العمل إلى آخره، بحيث ينطلق
وعيُها من حالة الكمون إلى حالة التحقق،
ببعديه الذاتي والاجتماعي. من الأمثلة على
ذلك شخصية سلمى في زهرة اللوتس وشخصية ثرى
في التوق، وكذلك نظيرتاهما من الجنس
الآخر، أحمد وغيث.
هل تظنين أن القارئ الحالي
للأدب يمكن أن يستسيغ مثل هذه الأفكار، لا بل
أن يجعلها "خيطًا" مرشدًا له في حياته
الغارقة في التفصيلات اليومية المستهلِكة؟ إذا كنت تقصد عدد القراء الحاليين الذين
يتذوقون هذا المنحى في الفكر، لا أكتمك بأني
غير متفائلة. والمشكلة، أساسًا، هي في تدنِّي
عدد القراء إجمالاً، وفي انحطاط سوية الفكر
المقروء. غير أن الرجاء الذي أعقد عليه آمالي
هو في أن الأدب أو الفكر الذي يتبنَّى
التحوُّلَ في الوعي أساسًا للتحول على صعيد
المجتمع لم تستسغْه تاريخيًّا وتنقِّب فيه
إلا قلة مسكونة بالهمِّ الوجودي وبضرورة
التحوُّل الروحي. كم عدد الذين يقرؤون اليوم
لدوستويفسكي وبلزاك وغوته وجلال الدين
الرومي أو لهرمان هيسه وجبران وغيرهم في
مجتمعنا وفي العالم عمومًا؟ لا شك أنهم
قلَّة، بالقياس إلى جمهرة القراء المأخوذين
بالأدب الذي يكرِّس تأليه الشخصية الإنسانية
السطحية، بنزاعاتها الداخلية، وشهواتها
وتناقضاتها، وكأن هذا الواقع النفسي الذي
يتخبط فيه الإنسان "مكتوب" عليه، بحيث لا
يستطيع أن يجد مخرجًا منه. إن ما يفعله هذا
النوع من الأدب – بصرف النظر عن إحكامه الفني
– لا يتعدى تكريس الحالة الراهنة للإنسان
وكأنها غير قابلة للتجاوز إلى أبعاد أخرى. محطُّ رجائي هو أن عدد القراء المهتمين
بالتحوُّل الداخلي ليس اعتبارًا حاسمًا.
فالنوع والسوية الروحية هما الأهم، وليس الكم
أو العدد. إن حفنة من القراء المخلصين
لأنفسهم، وللإنسان بصورة عامة، لا بدَّ أن
يتلقفوا هذه الأفكار التي ليست بالنسبة لهم
إلا بمثابة المحرِّض على تحول داخلي
مقوِّماتُه موجودة فيهم أصلاً، وعلى انتهاج
عمل على الذات منظَّم دؤوب من شأنه تفعيل
الوعي فيهم أيضًا، بحيث يصبحون دعامة للكاتب
وعونًا له، من حيث يعي أو لا يعي. وبذلك تتشكل،
من اجتماع جهود الكتَّاب الجادين وقرائهم
الواعين، نويَّاتُ وعيٍ تكون بمثابة خميرة في
عجين المجتمع، تدفع به إلى التحول التدريجي
باتجاه المزيد من التطور. فكرة "الرُّشيم" تنطوي على
مفهوم التفتح والولادة. ولقد لحظتُ أنكِ
غالبًا ما تعبِّرين فيما تكتبين عن حالات
مختلفة من الولادة: ولادة إنسان جديد بفكره،
وقيمه، ومبادئه، ومعنى حياته. فما نوع
الولادة التي تتحدثين عنها في مجموعتكِ
القصصية الرُّشيم؟
إذا نظرنا إلى منطق الطبيعة فإننا نجد أن
كلَّ حالة نموٍّ تقوم على انطلاق من حالة
انغلاق. بعبارة أخرى، فإن النبتة التامة
النمو انطلقت من البذرة؛ أي أنها كانت كامنة
في البذرة حتى وجدت ظرفًا مناسبًا لنموِّها.
غير أن استحالة البذرة إلى نبتة لا تتم بغير
موت البذرة. إذن،
كلُّ ولادة جديدة، في حالة جديدة، يجب أن
يسبقها أو يوازيها موتٌ عن حالة سابقة؛ كأنْ
يموت الجنين عن حياة الرحم ليحيا في العالم
خارج الرحم. كلُّ شيء في الكون خاضع لثنائية
الموت والولادة، حتى النجوم في الكون الأكبر.
وما يحدث في الطبيعة ينطبق بالضرورة – لأن
النفس من ثمار الطبيعة – على الحياة النفسية
للإنسان؛ بمعنى أنه حتى يتفتح على مستوى جديد
من مستويات المعرفة (ولا أقصد بالمعرفة هنا
المعلومات التي يختزنها في ذاكرته، بل الخبرة
الوجودية الحقيقية) يجب أن يموت عن مستوى سابق.
والإنسان أبدًا في حياته – إذا هو أمعن النظر
فيها – بين موت وولادة. في الرُّشيم
حاولتُ أن أرصد حالات متنوعة يمكن أن تندرج في
جدلية الولادة–الموت تلك، سواء أكان ذلك على
مستوى الجسد، أو على مستوى العواطف، أو على
مستوى الفكر أو المجتمع، أو – وهذا هو جوهر
المسألة – على المستوى الشعوري العميق الذي
يتاخم الخبرة الروحية. فحتى يتطهَّر جسدنا من
أدرانه يجب أن يموت عن مادته الخشنة ليولد نحو
حالة جديدة من النقاء؛ وحتى يتطور المجتمع
يجب أن يموت عن عطالته والمعوقات التي تحول
دون بلوغه حالة جديدة من الانتظام؛ وحتى يحقق
الإنسان الوعي يجب أن يموت عن حالته الأنانية
الراهنة. يولد الإنسان اجتماعيًّا
بالفطرة، وطيبًّا بالفطرة – هذا ما تعلَّمنا
في علم الاجتماع. والإنسان الظالم أو السيئ في
قصصكِ لم يولد هكذا، بل أمسى على ما هو عليه
نتيجة ظروف أثَّرت فيه. يحتاج هذا الإنسان إلى
ولادة جديدة، في فكره وقلبه وقيمه، حتى يعود
إلى الحالة الأولى التي وُلِدَ عليها. كيف
تكون هذه الولادة برأيكِ؟ وماذا يضمن لنا أن
قهر السنين لن يؤثِّر في المولود الجديد كما
أثَّر فيه سابقًا، فيعود إلى ما كان عليه من
ظلم وشرٍّ – مادامت الظروف هي الظروف
والإنسان هو الإنسان على مرِّ الأزمان؟ لا أدري من أين جئتَ بأن الإنسان يولد على
الفطرة! وأنا هنا لا أنفي أن مدرسة معينة في
علم الاجتماع قالت بذلك، مثلما قال به روسو.
غير أني لم أقلْ به في أيٍّ من كتاباتي، على ما
أذكر. أنا لا أنفي بأن في أعماق الإنسان فطرة،
هي وعي كامن، إذا جاز التعبير، ينتظر التفتح.
لكن في الإنسان أيضًا، على ما أرى، جملة
استعدادات كامنة يؤدِّي احتكاكُه بعالم
الواقع وظروفه المتنوعة إلى تفعيلها من
الكمون إلى الحركة. الإنسان الظالمُ ظالمٌ
لأن فيه استعدادًا للظلم وَرِثَه عن ماضي
حياته (في أعمار سابقة ربما)؛ وانبساط العمر
يضع هذا الإنسان في جملة ظروف تحرِّض هذا
الاستعداد. والظلم من "الظلمة"؛ أي أن
الظالم يفعل ويقول ويفكر ما من شأنه أن يجعل
نفسه "مظلمة"، بما يحول دون تعبير "فطرته"
عن نفسها. الولادة الجديدة التي أتكلَّم عليها في
كتاباتي ليست مجرد تأثُّر سطحي مؤقت، يعود
بعده الإنسان إلى ما كان عليه. إنها تحوُّل
يجري في عمق كيانه، بحيث يتحول مركز هذا
الكيان، مرة واحدة وإلى الأبد، من الأنا
السطحية إلى الذات العميقة. والمطلوب عندئذٍ
هو تغذية هذا المولود الجديد والسهر على صحته
سهرًا مستمرًا، بحيث ينمو نموًّا صحيحًا غير
قابل للانتكاس من جراء الظروف الخارجية.
وبدهي أن هذا الثبات على الموقف الجديد
يتطلَّب طاقة هائلة لا يستمدُّها الإنسان إلا
من دخيلة نفسه. جاء في قصة "العاصفة"
العبارة التالية: "ليس أجمل من أن ينطلق
النور من داخلك فيطغى على حواسك كلِّها." هل
الثقافة والوعي هما نور الإنسان الذي يتغلغل
في الأعماق فيزيل العتمة منها؟ وهل هذا النور
حكرٌ على فئة معينة؟ أم أن الإنسان الفقير،
البسيط، العادي، الذي لم تساعده ظروفه على
التعلُّم، يستطيع أن يبلغ النور الذي
تقصدينه؟ وإذا كان يستطيع فكيف؟ سؤالكَ هذا متعلق مباشرة بالسؤال الذي
قبله. "النور" في العبارة التي ذكرتَها
هو نور الوعي الذي ينطلق من الكمون إلى الفعل.
وهو ليس تراكميًّا، بمعنى أنه لا يجيئنا من
الخبرات التي نمرُّ بها، بل هو بالأحرى ينبثق
من أعماقنا القصية ليزيل العتمة من أذهاننا
ونفوسنا. من هنا لا توجد علاقة سببية بين
الثقافة وبين هذا الوعي؛ أي أنه لا يُشترَط أن
يختبر هذا الوعيَ الإنسانُ المثقف وحده. بل
إنه في كثير من الأحيان تكون الثقافة
التراكمية، غير المهضومة، عائقًا يحول دون
انبجاس هذا الوعي. من هنا، يمكن أن نقع في
الحياة على "فلاسفة" كبار بين بسطاء
القوم، غير المتعلِّمين، إنما الذين "ثقَّفتْهم"
الحياة بتجاربها وظروفها وأنضجتْ عقولهم
ونفوسهم بما سمح للوعي أن يعبِّر عن نفسه من
خلالهم توازنًا وبصيرة وحكمة وبُعدَ نظر
وقدرة غير محدودة على مساعدة الآخرين. الثقافة الرفيعة، غير التراكمية، يمكن أن
تكون أداة ممتازة لصقل التعبير الفكري عن
اختبار الوعي، بما ييسِّر نقله للآخرين من
خلال الكلام المطبوع، أو الفن بصوره المختلفة.
وبدهي أيضًا أن الإنسان الخيِّر، شأنه شأن
الظالم، ليس خيِّرًا إلا لأنه يأتي إلى
العالم وفيه استعداد أصيل لتحقيق هذا الخير،
سواء امتلك الأداة الثقافية أم لم يمتلكها. وَرَدَتْ
في قصة "الشمس النازفة" الجملة التالية:
"الشمس لا تفرِّق بين ظالم ومظلوم، لأن
قلبها واسع سعة الكون، يدمى من أجل المظلومين
حبًّا ومشاركة، ومن أجل الظالمين ألمًا لما
سينزل بهم من عقاب في أعمارهم التالية."
أفهم من ذلك أن تؤمنين بالتقمص فعلاً، على
حدِّ ما جاء في كلامكِ؟
لا أعتقد بأن مسألة التقمُّص مسألة "إيمانية"،
بمعنى أن بوسع المرء أن يؤمن بها مثلما يؤمن
بمسألة بعث الأجساد يوم القيامة. الاعتقاد
بالتقمُّص عندي لا يحتاج إلى إيمان، لأنه
نتيجة اختباري الشخصي للروابط السببية التي
تشدُّني إلى ماضٍ يتاخم الأزل وإلى مستقبل
يشرف على الأبد. وأعني أن الإنسان يمكن أن يعي
ويشعر في أعماق كيانه أنه ليس وجودًا
مستقلاً، أي "أنا" مقذوفة في الوجود،
تتحكم بها إرادة اعتباطية مستقلة عنه، بل هو
جزء لا يتجزأ من سيرورة كلِّية هي تعبير هائل،
غير محدود، عن تفتُّح الحياة الدائم وتجددها
من حالة الكمون إلى حالة الانطلاق. ولما كنت ممَّن يحدسون أن الحياة سيرورة
تعلُّم مستمر بقصد ديمومة هذا التفتُّح فإنه
ليس من منطق الحياة أن نتصور وجودنا محدودًا
بعمرنا الأرضي، طال أم قَصُرَ، بحيث نُثاب أو
نُعاقب بعده بحكم قوانين لا نعي أبعادها
والحكمة منها. في مقابل هذه النظرة المقيِّدة
للإنسان، أراهن على منظور أوسع يفسح للإنسان
المجال، بمقتضى سببية كونية تنسحب على
الأبعاد المادية والنفسية والعقلية للإنسان،
أن يواصل تطوره على الكرة الأرضية مادام لم
يستنفد إمكانيات التعلُّم فيها، فيعود إليها
كيانُه الروحي ليتقمَّص "أقمصة" فكرية
ونفسية ومادية، ويواصل اختبار الحياة باتجاه
المزيد من الكمال. وبين كلِّ عمر والذي يليه
يمرُّ الإنسان بمرحلة تطهُّر يعرف فيها ما
ارتكب من أخطاء وما مارس من فضائل؛ تليها
مرحلة "هضم" لكلِّ هذه الخبرات لدمجها في
كيانه الروحي. والقصد النهائي من كلِّ ذلك هو
خروج الإنسان من انغلاقه على "أنا"،
تتوهم أنها مركز الوجود، إلى "ذات" ترى
نفسها في كلِّ شيء وترى كلَّ شيء فيها – بدون
أن يعني ذلك فقدان الإنسان لأصالته الذاتية
وتعبيره الأوحد عن تلك السيرورة الكلِّية
التي ذكرنا. هل تشيرين في قصتكِ "المرآة"
إلى أن هموم الحياة ومشاكلها وقصر ذات اليد
تُحدِث أحيانًا شروخًا في النفس البشرية قد
لا يراها إلا صاحبها؟ لا ريب في أن تكالُب هموم المعيشة يؤدي
إلى نوع من التفتت في النفس البشرية، بحيث
تهتم فُتاتة منها بهمٍّ من الهموم، وأخرى
بهمٍّ آخر، وهكذا دواليك. إن هذا التشظِّي في
النفس فيه هدرٌ مرعب للطاقة الداخلية فيما هو
طارئ وثانوي بالقياس إلى الهموم الإنسانية
الحقيقية. لذا فإن الموقف الواعي، الساعي إلى
لملمة هذه الشظايا وإعادة اللحمة فيما بينها
في شخصية متماسكة، هو ما حاولتُ أن أبيِّنه في
قصتي، بحيث إن هذا التماسك يعبِّئ الطاقة
الإنسانية من جديد سعيًا نحو استثمارها بصورة
أجدى وأكثر فعالية. المهم هو أن يجرؤ الإنسان
على النظر في مرآة نفسه بلا خوف، ويوظِّف ما
تبقى من طاقته لإعادة التماسك إليها من جديد.
وقلة هي التي تستطيع ذلك. لقد أشرتِ إلى أن الإنسان في
المدينة تائه، غارق في صخب الحياة، أسير
لأمور شتى، يلجأ إلى الريف ليغتسل ويعبُّ من
صفاء النفس حتى يعيد إليها توازنها. ماذا يفعل
الإنسان المتعَب ليعيد إلى نفسه هذا التوازن
إن لم يستطع اللجوء إلى الريف؟ سؤالي هو: كيف
يغسل نفسه المتعَبة عندئذٍ؟ الإنسان، شئنا أم أبينا، ابن الطبيعة.
وهذه المقولة لا تقتصر على بنيته المادية
وحسب، بل تنسحب على جهازه النفسي والعقلي أو
الذهني. وهنا لا أعني بالطبيعة مفهومها
المادي وحسب، بل الطبيعة بكافة أبعادها،
المادية والنفسية والروحية. من هنا فإن
الإنسان الذي يعزل نفسه عن الطبيعة هو كمن
يقطع جذوره بيده؛ بينما الإنسان المتواصل
فعلاً مع الطبيعة يستقبل النسغ الحيوي الذي
تضخه باستمرار. بيد أن الإنسان أيضًا لم "يتحضَّر"
إلا عندما بدأ يبتني لنفسه مدنًا. لقد كان
بناء المدن تعبيرًا جماعيًّا عن نضج نفسي
للإنسان تمثَّل بنضج فكره. قطعًا لقد نأى ذلك
بالإنسان عن الطبيعة، إلى حدٍّ كبير أو صغير،
لكنه أكسبَه القدرة على تفتيح ملكاته الذهنية
والفكرية التحليلية التي سمحت له بتطوير
أدواته المادية والفكرية لمعرفة الطبيعة
واستثمارها. المشكلة هي في أنه غالى غلوًّا
شديدًا في إعمال فكره، القائم أساسًا على
ثنائية الذات والموضوع، أي العقل والطبيعة.
وقد أدى هذا إلى اتساع الشرخ السابق بحيث صار
الإنسان يسوِّغ لنفسه استغلال الطبيعة
والسيطرة عليها، وعمَّم هذه النظرة على
استغلال الإنسان الآخر والسيطرة عليه. المطلوب الآن هو إنسان مالكٌ لزمام فكره،
بدون أن يكون منقطعًا عن جذوره النفسية
العميقة التي تربطه بالطبيعة، حتى يعيد إلى
نفسه توازنها المفقود ويردم الهوة التي حفرها
مع الطبيعة. المطلوب، إذن، هو التوازن بين
الفكر التحليلي والطاقة النفسية العميقة في
الإنسان؛ وبلغة علم النفس: التوازن بين العقل
الواعي واللاوعي الكلِّي أو الجمعي (يونغ).
وبدهي أن هذا العمل يحتاج إلى طاقة كبيرة لا
تستطيع أن تنهض لها إلا فئة خاصة جدًّا من
البشر، فئة طليعية تعي جذورها العميقة
ووحدتها مع الطبيعة، حتى وهي تقيم في المدينة
(لأن الطبيعة حاضرة فينا من خلال لاوعينا
الجمعي)، فيما هي تُعمِل طاقتها الفكرية
بأقصى ما يمكنها. امتازت بعضُ قصص الرُّشيم
بالرمز أحيانًا، لاسيما في الجزء الأول من
الكتاب، فابتعدتِ عن الأسلوب المباشر في طرح
القضايا الإنسانية. ألا تعتقدين معي أن الرمز
أحيانًا يُتعِب القارئ، بل حتى إنه قد يمل
القراءة (وهذا ما لا تريدينه قطعًا!). بِمَ
تفسرين هذه الطريقة في الكتابة، ولاسيما أن
أسلوبكِ لم يكن كذلك فيما سبق من مؤلفاتكِ؟ هل
تفكرين بالقارئ عندما تكتبين، أم أنك تنسابين
في حالة الكتابة، فتعبِّرين عما يجول في فكرك
فقط؟ الرمز
ليس عنصرًا مُقحَمًا على حياة الإنسان
الطبيعية والنفسية والفكرية، لأن المعرفة
الإنسانية، في جوهرها، تعتمد القياس – بمعنى
أنه يمكن للمرء أن يفهم القانون الذي يحكم
عالمه النفسي، مثلاً، بالقياس إلى القانون
الذي يحكم العالم الطبيعي؛ والرمز هو الجسر
أو الوسيط في عملية القياس هذه. مثال ذلك أنه
يمكن أن نرمز إلى الأنوثة والذكورة في حياة
الإنسان البيولوجية والنفسية بالليل
والنهار، أو بالسلب والإيجاب، أو بالانفعال
والعقل، إلخ. من
هنا يلعب الرمز دورًا أساسيًّا في إيصال
أفكار ومشاعر دقيقة تعجز اللغة المنطوقة عن
إيصالها. إن الإيحاءات التي يمكن لكلمة مثل
"ظلمة" أو "شجرة" أو "مرآة" أو
"رحيل" أو أسماء علم من نحو "غيث"،
"ثرى"، "شاهر"، إلخ، أن تنقلها،
بالقياس، إلى فكر المتلقي وشعوره العميق غنية
جدًّا في نظري. إنها جملة من التداعيات يصعب
شرحها من خلال السياق اللغوي وحده. ولأن
الرموز في النهاية – وأقصد هنا الرموز
الحقيقية غير المفتعلة – هي بُنى مستقاة من
الطبيعة، ولأن النفس البشرية هي أيضًا بنت
الطبيعة، فإن الرمز يلامس النفس البشرية أكثر
بكثير من اللغة المجردة التي هي نتيجة تطور
فكري–منطقي معين. وقوة اللغة – أية لغة، بما
فيها اللغة المنطوقة – تكمن في قدرتها
الإيحائية الرمزية، وليس في تماسكها المنطقي
وحده. من هنا، ومن حيث إني إنسان يخاطب
إنسانًا يشترك معه في الطبيعة الإنسانية
بكلِّ رموزها، فإن قارئي حاضر فيَّ عندما
أكتب – وإن لم أعِ ذلك كلَّ الوعي دائمًا. ذكرتِ في قصة "الرشيم"
عبارة: "في البدء كان الكلمة." تردَّدتْ
هذه الجملة أكثر من مرة في المجموعة. هل
تقصدين بها أن الإنسان، عندما ينطق أول كلمة
في حياته، يضع قدمه على أول طريق للمعرفة؟
كذلك يفعل عندما يبدأ بقراءتها أو كتابتها. هل
هذا ما تقصدين؟ أم أن لهذه العبارة لديك
مدلولات أخرى؟ "الكلمة"، بالمعنى الفلسفي، مصطلح
يشير إلى المبدأ العقلي الفاعل الذي انبثق
عنه الوجود وفاض. إنه نقطة البدء التي تنطوي
على كافة الأفعال التي تظهر من خلال "تحريض"
ما يُسمَّى فلسفيًّا "النفس الكلِّية".
الكلمة "يحرِّض" كمونًا في النفس
الكلِّية، فينبثق إلى الوجود مظهرٌ معين من
مظاهره. وما يحصل على مستوى الوجود الكوني
يحصل أيضًا في النفس الإنسانية، المتصلة
بالنفس الكلِّية، أو التي هي نموذج مصغَّر
عنها. إذ يحرِّض العقل في الإنسان إمكانيةً
كامنة في النفس، فتظهر هذه الإمكانية كوجود
موضوعي. يمكننا، على سبيل التشبيه، أن نمثل للنفس
بالكهرباء الكامنة في البطارية التي لا تظهر
إلى حيِّز الوجود إلا من خلال وصل قطبيها
الموجب والسالب بسلك. وهذا هو العقل الذي يلعب
دور الوسيط الفاعل المحرِّض لإمكانيات النفس
المنفعلة. من هنا فإن "الكلمة"، سواء على
الصعيد الكوني أو على الصعيد الإنساني، هو
بدء كلِّ شيء، بمعنى أنه المحرِّض على إظهار
الموجودات الكامنة كإمكانيات في النفس، إنْ
على الصعيد الكوني أو على الصعيد الإنساني
مرة أخرى. ذكري لعبارة "في البدء كان الكلمة"
في قصة "الرُّشيم" إشارة إلى فاعلية
الشخصية التي أرمز بها إلى العقل في تحريض
الشخصيات الأخرى المجتمعة في المأتم (رمز إلى
النفس الميتة التي تظلُّ إمكانياتها هاجعة
فيها) التي تمثِّل الإمكانيات المختلفة
الكامنة في النفس. *** *** *** أجرى اللقاء: أحمد تموز تنضيد: نبيل سلامة
|
|
|