البطل المخلِّص الزائف

في لحظات اليأس يحتاج الناس إلى "مخلِّص" سرعان ما يكتشفون أنه كان بطلاً زائفًا!

 

لقاء مع نصر حامد أبو زيد

 

بعد حادث 11 سبتمبر بدأ في الغرب التصعيد ضد الإسلام، وعادت إلى الظهور مرة أخرى نظريةُ صموئيل هنتنغتون في "صِدام الحضارات". إلى أيِّ مدى يمكن اعتبار ما يحدث الآن صراعًا دينيًّا وثقافيًّا؟ د. نصر حامد أبو زيد يجيب على هذا السؤال وعلى غيره من هولندا، ويرصد ما يحدث من ردود أفعال في أوروبا.

 

***

 

ن.ح.أ.ز.: سيكون من قبيل المبالغة غير المرغوب فيها النظر إلى ما يحدث وتقييمه على أساس مفهوم "صراع الحضارات" – وهو مفهوم نعلم جميعًا أنه مفهوم مختلَق، تمَّ إنتاجُه في سياق معروف ليمهِّد للسياسة الأمريكية اتخاذَ قرارات استراتيجية أمنية، ذات طابع اقتصادي سياسي عسكري، لتأمين سيطرتها المطلقة على النظام العالمي الذي نتج عن الفراغ الذي أوْجَدَه انهيارُ الاتحاد السوفييتي كقوة عسكرية وسياسية وإيديولوجية منافسة. وبصرف النظر عن العبارات الغبية على لسان بعض الساسة، فهُم يدركون جيدًا خطورة صياغة سياسات بلادهم على أساس مفهوم "الصراع"، ضد المسلمين بصفة خاصة.

أظن أن السيد بوش الابن أدرك الورطة التي وضع فيها نفسه وعرَّض بها الوضع الأمريكي كلَّه للخطر – أعني وضع المجتمع الأمريكي كبوتقة انصهار عرقية إثنية دينية. أما عبارات رئيس الوزراء الإيطالي فمن فرط غبائها يصبح الاعتدادُ بها وأخذُها مأخذ الجدِّ سذاجة مفرطة. الآن نرى "الإسلام" في خطاب بوش وتوني بلير دينَ التسامح والسلام والمودة والرحمة إلخ. ومن هنا المبالغة في الحرص على التمييز بين "الإسلام" و"الإرهاب" في سعيهم لخلق إجماع دولي مؤيِّد لحربهم ضد تنظيم "القاعدة".

ليس معنى هذا أنه ليست هناك مشكلات في العلاقة بين السياسة الأمريكية–الأوروبية وبين العالم الإسلامي، لكن علينا أن نحذر ابتلاع طعم "الصراع الحضاري" الذي يُختزَل إلى "صراع ديني"، الأمر الذي يفضي بنا – أو ببعضنا – إلى التورط دون قصد في تبرير الإرهاب وقتل الأبرياء باسم الإسلام. علينا دائمًا أن نناهض كلَّ محاولات تحويل الصراع السياسي الاجتماعي–الاقتصادي إلى صراع ديني، ولو تحت وهم "صراع الحضارات".

إذا لم يكن الأمر "صراع حضارات" فماذا يمكن لك أن تسمِّيه؟

ن.ح.أ.ز.: لا شك أن ما حدث يوم 11 سبتمبر قد تسبَّب في اقتلاع العقول من الأدمغة. فقد تمَّ تدمير أهم رمزين من رموز النظام العالمي الذي ظنَّ نفسه قد استقر إلى الأبد: الرمز الاقتصادي للعولمة = مركز التجارة العالمي، والرمز العسكري للقوة = البنتاغون. لم يدرك السيد بوش حتى الآن أن المظاهرات ضد العولمة الاقتصادية في أكثر من عاصمة أمريكية وأوروبية كانت تعبيرًا عن غضب أمريكي–أوروبي في المقام الأول، ورفضًا للنظام الذي يفرض الفقر على الشعوب والأفراد بوصفه قَدَرًا لا مفرَّ منه. لم يدرك صنَّاع السياسة الأمريكية أن السياسة الأمريكية في التعامل مع مشكلات البيئة ومشكلات التمييز العنصري ومحاولة فرض إرادتها على العالم قد تسبَّبت في حالة احتقان من شأنها أن تفرز كراهية للغطرسة والكِبَر الأمريكيين.

في حالة الشرق الأوسط والعالم العربي فإن أزمة المشاعر العدائية الشعبية ضد أمريكا وسياستها لها تاريخ أقدم، لم تنجح العلاقات السياسية الرسمية كلُّها (= علاقات "الصداقة" في التعبيرات الدبلوماسية) في التخفيف منها. ومنذ حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت من الغزو العراقي، التي لم تنتهِ بعد من تحقيق الهدف، بل تواصَلتْ لتدمير العراق، وما تزال تصر على قتل الأطفال وتجويع الرجال والنساء، تَفاقَم الغضب وتحوَّل إلى كراهية. ومع بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر من العام الماضي ومشاعرُ الغضب والكراهية تزداد حدة، لا بين الجماهير فقط، بل بين قطاعات واسعة من المثقفين والمفكرين والمحلِّلين السياسيين.

إن أحداث 11 سبتمبر التي كشفت عزلة أمريكا عن العالم – باستثناء أوروبا الرسمية – لم تُستوعَب بعد في عقل السياسي الأمريكي. من هنا ردُّ الفعل الميكانيكي، الذي تلقَّفتْه وسائل الإعلام لتزييف الوعي العام بحقيقة الصراع، الذي هو صراع ضد هيمنة وسيطرة القوة الأمريكية ضد شعوب العالم كلِّه.

إن حَصْرَ الصراع في "صراع الحضارات"، الذي يُختصَر في الصراع ضد الإسلام، أحبولة إيديولوجية للتعامل مع العالم الإسلامي والعربي بالضرورة في عزلة عن المحيط الدولي الأوسع المعادي، بنفس القدر، لمحاولات الهيمنة الأمريكية.

هل هي "الإسلاموفوبيا" كما أطلقتَ عليها من قبل؟

ن.ح.أ.ز.: في تحليلي لظاهرة "الفزع من الإسلام" – الإسلاموفوبيا – أشير دائمًا إلى حقيقة لا يريد أكثرُنا الاعتراف بها، وهي أن الظاهرة أُنتجَتْ أساسًا في الداخل. بدأ الإرهاب داخل العالم الإسلامي ضد المسلمين أنفسهم – وضد غير المسلمين بالمثل – من قوى أصدرت حكمًا بالكفر على مجمل المجتمع، لا على الحكومات وحدها. وأيًّا كان المصدر الأساسي للظاهرة – الكيان الصهيوني وتأسيسه لدولته على أساس ديني عنصري، أو عوامل الكبت الاجتماعي السياسي الداخلية الناتجة عن فشل مشروعات التنمية وغياب الحريات مع سقوط الشعارات – فإن الحقيقة تبقي ماثلة أن الإرهاب بدأ صناعة محلِّية. وحين أقول ""صناعة محلِّية" لا أقصد الفصل بين العوامل الداخلية والعوامل الخارجية: فالعلاقة بين الداخل والخارج هي علاقة تفاعُل لا تحتاج إلى شرح أو إيضاح. وتحليلي لخطاب السيد أسامة بن لادن يكشف عن التماثُل في منطق الاستدلال بينه، في إدانته للغرب السياسي واستحلاله قتل المدنيين على أساس أنهم مسؤولون عن انتخاب هؤلاء الساسة، وبين منطق أسلافه الذين كفَّروا المجتمع كلَّه لأن أفراده لا ينضمون جميعًا إلى تنظيماتهم لمحاربة الحكام الكفرة. هذا التماثُل بين المنطقين يجعل من قتل المدنيين في أمريكا هدفًا استراتيجيًّا لتحرير فلسطين ولتحرير الأرض المقدسة من الوجود الأجنبي.

أن تأخذ أجهزةُ الإعلام الغربية في تضخيم صورة الإرهاب حتى تجعله هو الممثل الرسمي للإسلام فهو أمر متوقَّع، خاصة إذا أدركنا أن جهاز الإعلام لا ينقل العادي والمألوف واليومي بقدر ما يهتم بغير العادي وغير المألوف. المثال المعروف أن الإعلام أشد اهتمامًا بقصة الرجل الذي عضَّ الكلب منه بالقصة العادية للكلب الذي يعضُّ الإنسان.

لكن من الضروري الإشارة إلى أن الاهتمام الرسمي الأمريكي بالإسلام، من منطلق خطورته على المصالح الأمريكية، بدأ في سياق نجاح الثورة الإيرانية بقيادة الخميني في اقتلاع عرش الطاووس وتأسيس الجمهورية الإسلامية. لكن نفس السياسة الأمريكية ليست لديها أية مشكلة مع نظام سياسي إسلامي "صديق" في بلد إسلامي مجاور لإيران؛ بل ولم يكن من المفاجئ أن تتعاون السياسة الأمريكية مع نظام قومي علماني، ضد إمبريالي في جوهره، إذا كان قادرًا على توجيه ضربات موجعة ضد الجمهورية الإسلامية. هل يمكن تقييم الموقف السياسي الأمريكي هنا بوصفه موقف عداء للإسلام؟ ليس من الضروري الإطالة في بيان أن التأييد الأمريكي–السعودي للجهاد ضد السوفييت لم يكن احتضانًا لمفهوم "الجهاد"، الذي هو الآن سلاح موجَّه ضد أمريكا والسعودية، بل وضد كلِّ الحكام العرب، بحسب آخر رسالة بثَّتها قناة الجزيرة للسيد بن لادن.

وما المخاطر التي يمكن أن تنتج من التصعيد ضد الإسلام في الغرب؟

ن.ح.أ.ز.: المخاطر الحقيقية تكمن في تأثير هذا التلاعب الإعلامي بصورة الإسلام، إنْ في بعض الخطابات الرسمية السياسية، أو في بعض البيانات غير المسؤولة هنا وهناك، على وعي المواطن العادي الأوروبي والأمريكي، حيث يمثل الإعلام مصدر معرفته الأساسية بالعالم الخارجي. وعلى الرغم من وجود المسلمين في الغرب بأعداد ليست قليلة، وعلى الرغم من وجود تجمعات ومؤسَّسات رسمية إسلامية داخل مؤسَّسات المجتمع المدني الأمريكي والمجتمعات الأوروبية، فإنها لا تمتلك الوسائل الكافية لمواجهة الشبكات الإعلامية العملاقة فيما تبثه، ليل نهار، من أحاديث وحوارات وأفلام روائية وتسجيلية وأفلام كرتون تشوِّه المسلمين وتصبُّ بالضرورة في قناة تشويه الإسلام. الخطر هنا يكمن في تشكيل وعي زائف مضاد لأية معرفة يمكن الوصول إليها من خلال مصادر أخرى عن الإسلام وتاريخه – وهي مصادر ليست قليلة هنا في الغرب نفسه.

إن جهود العلماء والناشرين الغربيين – نذكر مؤسَّسة بريل هنا في هولندا (ليدن)، على سبيل المثال – وما تتيحه من مصادر معرفية من خلال موسوعاتها عن الإسلام والقرآن، تبدو نقطة في محيط إعلامي موجَّه بمصالح الشركات الاقتصادية العملاقة العابرة للمحيطات في سياق قوانين للسوق معادية للمعرفة الحقيقية. وليست الإنترنت – أداة العولمة ووجهها المعلوماتي – مصدرًا للمعرفة كما يتوهم البعض، بل هي وسيلة لتبادل المعلومات الحقيقية والزائفة على السواء، التي لا تتحول إلى معرفة إلا بعد تحليلها تحليلاً نقديًّا يُخضِعُها لعمليات الاستنباط والتأويل العلميين. من هنا فإن كثرة صفحات الإنترنت عن الإسلام – وهي بالمئات – لا تعني وجود معرفة عن الإسلام. هذا هو الخطر الحقيقي، كما أراه من موقعي هنا: غياب معرفة بالإسلام وبتاريخه وبتجلِّياته السياسية والاجتماعية والثقافية المتعددة في العالم الإسلامي الراهن.

ولعلِّي هنا أقترح ضرورة وجود دور إعلامي عربي إسلامي، موجَّه للخارج أساسًا، بلغته وبمنطقه، لا ليقوم بدور سجالي أو اعتذاري، بل ليواجه التحدِّي الإعلامي مواجهة إيجابية، لا تخشى من الأسئلة، ولا تُناوِر في طرح الإجابات من خلال وجهات نظر متعددة. هذا، بالطبع، لا يعني أنني يائس من احتمالات أن تتحمَّل المكاتب الثقافية في سفاراتنا العربية والإسلامية دورًا في نشر الوعي الثقافي الديني للآخرين، بالإضافة إلى تنظيم أنشطة ثقافية أدبية وفنية، بدلاً من الاكتفاء بالإعلام السياسي الدعائي أو السياحي. إن الأمر في تقديري "تحدٍّ حضاري"، لا "صراع ديني".

ما التأثيرات الثقافية التي يمكن للحرب ضد أفغانستان أن تخلِّفها؟

ن.ح.أ.ز.: التأثير الأخطر والمشهود الآن أن هذه الحرب قد ساعدت بن لادن على النجاح في تحقيق هدف كان يسعى إليه منذ ظهر في أفق الحياة العامة منذ عقود، وفشل طوال تلك العقود في تحقيقه: أن يكون الممثِّل والوكيل العام للإسلام في عيون الجماهير وعواطفهم – بعد بداية القصف وليس الحرب؛ فمفهوم الحرب غير صحيح هنا. ظهر بن لادن معلنًا للجماهير أنه يدافع عن "فلسطين" وعن "طهارة" الأرض المقدسة وعن المسلمين كافة في العالم. لم أكن في أشد كوابيسي تشاؤمًا أتصور أنني سأشهد شبابًا يرتدون صورة بن لادن ويعلنون أنهم مستعدون للاستشهاد من أجل قضيته! لقد أهْدَتْ أمريكا لأسامة بن لادن "الإسلام" لقمة سائغة يزدردها؛ وهم الآن يحاولون قتله ليستردوا لنا إسلامنا من فمه! علينا أن نصدِّق الآن كم هم إنسانيون هؤلاء الزعماء الذين يسعون لحماية الإسلام والمسلمين، طبعًا من أمثال بن لادن وشركاه! وعلينا أن نسلِّم بمنطق زعماء الغرب أن القضاء على الإرهاب وتخليص الإسلام من الارتهان قد يستلزم التضحية ببعض الأرواح البريئة من المدنيين المسلمين الذين لم يحملوا سلاحًا ضد أحد، ولم يقتلوا أحدًا من المدنيين أو العسكريين الأمريكان. إذا كان عقاب صدام حسين قد أدى إلى اغتيال شعب وتدمير وطن، فلا بأس من تدمير وطن آخر عقابًا لأسامة بن لادن وأتباعه. هذه توابع معقدة لا يعلم إلا الله وحده إلى أيِّ مدى يمكن أن تنتهي!

وكيف يمكن ردم الفجوة التي حدثت بين الإسلام والغرب، أو على الأقل تضييقها؟

ن.ح.أ.ز.: علينا، مرة أخرى، عدم ابتلاع الطعم: فالفجوة موجودة بين عالمين سياسيين تتعارض مصالحُهما في السياق الحالي لأسلوب إدارة العلاقات الدولية. والمسؤولية الأساسية تقع على كاهل القوى الدولية في إعادة النظر في سياسات الهيمنة السياسية والاقتصادية. لكن علينا ألا نتوقع أن يحدث ذلك دون نضال واسع المدى من القوى المناهِضة لهذه السياسات كافة، في الغرب والشرق والشمال والجنوب على السواء.

وعلى المستوى الثقافي والفكري، علينا أن نصبح طرفًا فاعلاً في كلِّ منتديات الحوار في جميع المؤسَّسات التي تسعى لتوسيع دائرة الحوار وتحتضنه. علينا أيضًا ألا نترك مجال الحوار العام في الإعلام الغربي قاصرًا على ذوي النزعات الإقصائية الاستبعادية – وهم متوفرون على الجانبين.

ولقد ترددتُ كثيرًا خلال الأسابيع الأولى بعد 11 سبتمبر من المشاركة في أيِّ حوار أو عمل أيِّ لقاء صحفي: فقد كان إحساسي أن كلَّ ما يمكن أن يقال كان قد قيل، وأن العودة مجددًا إلى مناقشة كلِّ تلك الأسئلة عن الإسلام والغرب، والإسلام والسلام، أو الإسلام والعنف، إلخ، هو تكرار لا طائل وراءه. وقد كان وراء ذلك اليأس عاملٌ آخر، هو الحاجز اللغوي وما يؤدي إليه أحيانًا من سوء فهم: فالحوار الذي أجريه بالإنكليزية يُنشَر باللغة الهولندية التي لم أستطع بعدُ أن أجيد قراءتها أو التحدث بها. ومعنى ذلك أن حاجز اللغة حاجز مزدوج: من جانب المتكلِّم الذي لغته الأساسية العربية، ومن جانب المُحاوِر الذي لغته الأم هي الهولندية. ولكنني بعد التردد أحسستُ بأن المسؤولية الفكرية تقتضي المشاركة، على الرغم من احتمالات سوء الفهم. وأعتقد أن مساهماتي كان لها صدى طيب مقبول بشكل عام.

ورسالتي للمسلمين الذين يعيشون مثلي في أوروبا هي محاولة التخلِّي عن عقلية "الغيتو" والتجمعات المغلقة، وضرورة محاولة الاشتباك في الأنشطة الاجتماعية والسياسية، والمساهمة في الحوار العام، خاصة من جانب الذين يتقنون اللغة. من المؤسف أن الأنشطة الثقافية التي تنظِّمها بعض الجمعيات الثقافية العربية تتم، في أغلبها، باللغة العربية، الأمر الذي يحرم مَن لا يعرف العربية من المشاركة في هذه الأنشطة. هناك بعض الاستثناءات طبعًا، لكنها الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.

ماذا عن الوضع في هولندا؟ وهل رصدتَ أية تغيرات في الشارع والإعلام الهولنديين بعد حالة العداء ضد العرب والمسلمين في الشارع الأوروبي؟

ن.ح.أ.ز.: طبعًا هناك تغيرات تمَّ رصدُها في الشارع الهولندي، شأنه شأن كلِّ المجتمعات الأوروبية: سائق أتوبيس يرفض التوقف لفتاة مسلمة محجَّبة، وليست منقَّبة، أسئلة محرجة متحدِّية من الزملاء في العمل لزملائهم المسلمين، عدم تقبُّل أيِّ نقد للسياسة الأمريكية وتفسيره بوصفه مؤشرًا لتأييد الإرهاب والإرهابيين. وهولندا، مثلها كمثل إنكلترا، كانت قد منحت حقَّ اللجوء السياسي لبعض أعضاء الجماعات النشطة، وذلك من منطلق "حقوق الإنسان" والحماية من الاضطهاد السياسي. وبعض هؤلاء الأفراد ما يزالون ناشطين في العمل ضد حكوماتهم من منظور ديني مغلق؛ وهم، في استخدامهم للمساجد كمنبر إعلامي للترويج لأفكارهم، يخلقون حالة تتزايد من التوتر في جانب الهولنديين غير المسلمين.

ومنذ أكثر من خمس سنوات، حين وصلت إلى ليدن أستاذًا زائرًا، شاركت في حوار حول مسألة "تدريب الأئمة"، وهل يجوز أن تؤسِّس الحكومة الهولندية معهدًا لتخريج الأئمة، يجمعون بين معرفة "الإسلام" ومعرفة "الوضع الهولندي"، وذلك ليحلوا محلَّ الأئمة الوافدين من بلاد المهاجرين، مثل المغرب وتركيا، الذين لا يعرفون اللغة ولا الثقافة الهولنديتين. والسؤال ليس سهلاً: إذ إن إشراف الحكومة الهولندية على أيِّ تعليم ديني معناه مخالفة الدستور؛ هذا بالإضافة إلى أن التدخل في شأن المسلمين وتعليمهم دينهم أمر استنكره الجميع. كان موقفي واضحًا ضد أيِّ إشراف حكومي على تدريب الأئمة. ومنذ عدة سنوات أُنشِئَتْ "الجامعة الإسلامية" في روتردام، واستقبلت بعض الأساتذة من جامعة الأزهر، لكن المستوى الأكاديمي لبرنامجها تعرَّض لنقد شديد – هذا بالإضافة إلى الشكوك المعتادة في مصادر التمويل! ومنذ عدة شهور، حدث انقسام بين أعضاء مجلس إدارتها، فقام البعض بإنشاء "جامعة أوروبا الإسلامية"؛ ولا أحد يعلم يقينًا أسباب هذا الانقسام!

في السياق الراهن، يتطرَّف البعض، فيطالبون بإغلاق هولندا في وجه أيِّ مسلم؛ بل ويذهب البعض إلى حدِّ المطالبة بترحيل كلِّ المسلمين غير الهولنديين! لكن هناك من بين الهولنديين أيضًا مَن يتصدى بقوة للردِّ على مثل هذه الأفكار والدعوات، مدافعًا عن حقِّ المسلمين في المشاركة والاحتفاظ بهويتهم الدينية، ماداموا يحترمون القوانين. في المناقشات والمحاورات التلفزيونية، من واجبي أن أبيِّن أن أساتذة الدراسات الإسلامية والعربية، في ليدن وغيرها من الجامعات الهولندية، يمثلون خطَّ الدفاع الحصين ضد الدعوات العرقية المعادية للمسلمين.

بماذا تفسِّر هذا التعاطف في الشارع الإسلامي مع أسامة بن لادن وهذا الموقف "الضد" أمريكا في معظم دول العالم الثالث؟

ن.ح.أ.ز.: لا أعتقد أن ما تسمِّيه "الشارع الإسلامي" يناصِر بن لادن. إنه بالأحرى ضد السياسة الأمريكية؛ وهو الأمر الذي يمكن له أن يخلق حالة من "الشماتة" في هذا السياق. إن التأييد الجماهيري متوجِّه أساسًا للقضايا العامة التي يزعم بن لادن أنه يدافع عنها؛ ومن المؤسف أن يصبَّ هذا في خانة التأييد لأسامة بن لادن. هذا ما أسمِّيه "النجاح" الذي أهدتْه السياسة الأمريكية لبن لادن، فصار في عيون البعض "الوكيل" الرسمي للإسلام! ولكن علينا أن نتذكر أن شيئًا مثل هذا حدث لشخصية الخميني في أعقاب نجاح الثورة الإيرانية، فصار ممثلاً للإسلام الثوري. ولماذا نذهب بعيدًا، وقد حدث أن التفَّت الجماهير حول صدام حسين تأييدًا لأسباب معروفة. بل لقد سمعت بأذني من أحد المثقفين والمفكرين عبارة أن صدام حسين هو "صلاح الدين"، وذلك عشية حرب "عاصفة الصحراء"! وكان صاحب العبارة على يقين من أن صدام سيحقق انتصارًا ساحقًا في هذه الحرب. هكذا، في لحظات اليأس، يحتاج الناس للالتفاف حول "مخلِّص" سرعان ما يكتشفون أنه كان بطلاً زائفًا!

*** *** ***

عن أخبار الأدب

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود