|
حـكـمـة أوشـــو[1]
أنا لا
أنتمي إلى فكر ديني بعينه. أنا بداية وعي جديد للإنسان. لذا فأنا غير مرتبط بالماضي
الذي لا يستحق حتى أن نتذكَّره.
يقول أوشو[3]:
رسالتي
لك ليست معتقدًا أو دينًا تعتنقه، ولا هي بفكر فلسفي. إنها نوع من كيمياء الإنسان،
إنها علم التحول. لذا لن يستدعيها غير أولئك الراغبين في ملاقاة الموت على
أمل ولادة جديدة، غير أولئك الشجعان الذين هم على استعداد للإصغاء، على الرغم من
معرفتهم بما لهذه التجربة من خطورة. لهذا "الحكيم" (كما يسمونه) الكثير من المقالات والكتب المؤلَّفة. هو ذا يقول في إحدى مقالاته: أنا لا أدعوك إلى أن تصبح هندوسيًّا أو يهوديًّا، مسلمًا أو مسيحيًّا. أنا هنا لأساعدك لتصبح متدينًا تقيًّا. وقد عُرِفَ عنه إصرارُه على عدم رغبته في أن يُطلَقَ عليه اسمٌ أو توصيفٌ فكري معين، انطلاقًا من إيمانه بأنه لا توجد فلسفة تصف الحقيقة وصفًا مطلقًا. ففي إحدى محاضراته تحدث عن نفسه قائلاً:
أنا
أساعدك في إدراك السكينة في روحك. هذه ليست تعاليم ولا عقيدة، ولا حتى قانونًا
دينيًّا محددًا. لهذا أستطيع أن أقول أيَّ شيء، أستطيع أن أناقض نفسي في الليلة
الواحدة مئات المرات. يمثل أوشو ظاهرةً فريدةً من حيث مرجعيته الروحية. إذ على الرغم من نشأته في مجتمع يدين بمختلف الأديان إلا أنه جمع في تعاليمه الخلاصة الروحية للأديان والمعتقدات كلِّها: لا تخلو نصوصُه من الرجوع إلى إرث الصوفيين، بمَن فيهم كبير وجلال الدين الرومي وابن عربي؛ كما يعود إلى روحانيات السيد المسيح والبوذا وكرشنا وفلسفة الڤيدنتيين الموحِّدين.
أوشو (1931-1990) كثيرًا ما يُعرَّف بأوشو بالقول إنه لم يولد أبدًا ولم يمت أبدًا، لكنَّه زار هذه الأرض ما بين 11 كانون الأول 1931 و19 كانون الثاني 1990. إنه الصوفي المستنير. وإبان ثلاثين عامًا أمضى وجوده فيها عبر المحاورات – تلك التي تذكِّرك بأيام الفلاسفة الإغريق – مناقشًا أفكار الحكماء في العالم، مستمرًّا في محاولة طرح رؤية جديدة وحديثة حول جميع الأمور الخاصة والمحيطة بالإنسان. لقد ناقش معيدًا الحياة إلى الأوپنشاد الهندية، تعاليم گورجييف والأشتاڤاكرا والزرادشتية، كما تكلم على أفكار الحصيديين اليهود والصوفية المسلمين واليوگا والتنترا والتاو وغيرها. لقد جمع أطراف الحكمة التي راكمتْها الإنسانيةُ بعضَها إلى بعض، متجاوزًا بتعاليمه الفكر المؤسَّسي الديني والروحاني. ولقد حاول أن يساعد الإنسان على تلمُّس طريقه في الزمن الحالي، مؤازرًا سعي الفرد إلى معنى الحياة. وقد وضعت صحيفة Sunday Times البريطانية أوشو كواحد من أهم مئة شخصية شكَّلتْ القرن العشرين. أما أوشو نفسه فإنه قدَّم توجهاته على أنها محاولة للمساعدة في خلق مناخ لولادة نوعية جديدة من البشر ترتقي بأرواحها وتدرك وجودها وروابطها بهذا الكون. إن أوشو يسعى في جمع الخيوط التي تربط ما بين روحانية الشرق والفكر العلمي للغرب الذي طوَّره الإنسانُ الحديث. وقد طوَّر أوشو أساليب التأمل لتكون جزءًا من حياة الإنسان اليومية، هادفًا إلى الصفاء النفسي والروحي والانعتاق من ربقة الاستلاب والاغتراب. ولد أوشو في ولاية مادهيا پرديش في الهند. ومنذ بداية شبابه، راح يبحث عن الحقيقة انطلاقًا من تجاربه واختباراته، لا من خلال المفاهيم الدينية والاجتماعية السائدة في مجتمعه، ولا من خلال ما حاول بعضهم أن يلقِّنه من معارف ومعلومات. وما إن بلغ الحادية والعشرين حتى اكتملتْ خبرتُه الروحية. وبعد دراسة عميقة لپسيكولوجيا الإنسان المعاصر تعود إلى أواخر ستينيات القرن الماضي، شرع أوشو يطور تقنياته الدينامية لمساعدة "الإنسان المعاصر، المثقل بتفاهات التقاليد العتيقة، وهموم الحياة اليومية"، على اكتشاف ذاته من خلال التأمل والتحرر من الفرضيات والأفكار المسبقة وتطهير نفسه من رواسب المفاهيم البالية. في بداية السبعينيات من القرن الماضي، بدأ الغرب يتعرف إلى أفكار أوشو. وفي العام 1974، تأسست في مدينة پونا الهندية حلقة فكرية حول أوشو. ومنذ ذلك التاريخ والزوار يقصدونه للاستماع إليه شوقًا إلى التحول من عالم المادة إلى عالم الروح، ومن عالم الروح إلى عالم المادة. إذ لم يترك أوشو جانبًا من جوانب الحياة إلا وتحدث عنه، داعيًا إلى تفتح الوعي عند الإنسان والارتقاء بالنفس الإنسانية إلى ما هو أبعد من المفاهيم الثقافية السائدة، إلى التعرف إلى الحياة من خلال الممارسة اليومية واختبار مدى أهمية الذات الإنسانية في ذلك كلِّه. وتكمن أهمية فلسفة أوشو في أنه يخاطب الإنسان في جوهر كيانه بلغة بسيطة، عميقة، صادقة، ومفهومة. وفلسفته تصلح لكلِّ زمان ومكان؛ إذ كان يتمتع بقدرة عجيبة على إضاءة الأعماق المظلمة للنفس البشرية حيث يعشِّش الخوف والقلق. يوصلنا أوشو إلى حقيقة لا تستقيم الحياةُ من دونها، وهي: علينا أن نُظهِرَ وجهَنا الحقيقي، مهما كان الثمن. وهو يبين لنا، عبر أمثلة عديدة، أن الناس الذين يعيشون بأقنعة ويُظهِرون عكس ما يُضمرون يصابون مع الزمن بانفصام داخلي، تتدمَّر ثقتهم بنفسهم بالتدريج، ولا يعرفون معنى الهدوء والاستقرار الداخلي. فالصدق مع النفس، أولاً، ومع الآخر، ثانيًا، هو أساس بناء علاقات صحيحة في مجتمع سليم. ولكن كيف يمكن لنا أن نعرف ذاتنا الحقيقية؟! يبين لنا أوشو أن عملية البحث عن الذات أشبه برحلة شاقة. إذ يجب علينا إسقاطُ جميع الأفكار الموروثة عن أنفسنا. فالإنسان يجمع كلَّ ما يقوله الناس عنه ويتماهى معه: إننا ننسى صفاتنا الأصيلة ووجهنا الحقيقي، ويصير هدفنا هو نوال إعجاب الناس وتقديرهم ورضاهم. وللأسف فإن العالم الذي نعيش فيه ليس "متحضِّرًا"، كما يدَّعي، بل هو عالم همجي بدائي يمجِّد القوة التي غالبًا ما تكون وحشية وظالمة ومنافقة. باختصار، يدفعنا أوشو إلى المجازفة! يقول بإيمان: "جازف لتكون حقيقيًّا." فالوقت الذي نعيشه مستخدِمين الشخصية الزائفة هو انتحار بطيء نمارسه على أنفسنا. في كتابه الذي يتناول فيه موضوع الذكاء والإبداع، يعرِّف أوشو بالإنسان "الذكي" بأنه الثائر وبأنه الذي يمتلك القدرة على اكتشاف غير العادي في العادي. وهو يقول إن جميع أنواع الإبداع هي حدسية، وبأن معظم الاكتشافات العظيمة تحققت بواسطة الحدس، وليس الفكر. ويخصِّص أوشو فصلاً هامًّا لأهمية التأمل في الحياة، ويعرِّف بالتأمل بأنه القدرة على أن تكون سعيدًا وأنتَ وحيد، سعيدًا بنفسك سعادةَ الطيور في تحليقها! يحفزنا أوشو دومًا على اكتشاف آفاق جديدة للحياة، يجعلنا نفهم العالم من حولنا وكيف نتعامل معه. فنحن في الواقع لدينا نظريات عن الحياة، لكننا لا نعيش عمق الحياة الحقيقية. رؤوسنا مليئة بأفكار نعتقد أنها الحقيقة المطلقة، لكننا لا نفهم أن الحقائق نسبية. إن إنسان اليوم في حالة نفسية بائسة حقًّا: معظم حواسه معطل، يعيش في حالة جمود، متشبثًا بعقائد جامدة تعيقه عن التواصل الحقيقي مع الناس، عقائد جامدة، فارغة من الروح والحب. حتى حديث الناس بعضهم مع بعض فارغ: إذ إننا نستمع إلى بعضنا بعضًا بدافع اللياقة؛ وبالتالي، فإصغاؤنا ليس إصغاءً حقيقيًّا، إصغاء عقل لعقل وقلب لقلب. يساعدنا أوشو في كتبه القيِّمة على أن نترك أفكارنا البالية تتساقط كما يتساقط الورق اليابس عن أغصان الأشجار؛ يزيل "الصدأ" عن أفكارنا ومشاعرنا ويفتح مسامنا لنور الحقيقة. أوشو يدلنا على الأصالة الحقيقية الكامنة في نفوسنا التي ضيعناها بسبب ضغوط هذا الزمن الهائلة وبسبب خوفنا من الحياة. لذا نحتاج إلى ترميم قوانا المُخدَّرة بالخوف والقلق، المشلولة بالإحباط؛ نحتاج إلى فلسفة صادقة وعميقة، مثل فلسفة أوشو، تعيننا حقًّا على التصدِّي للزمن المشحون بشتى أنواع المشكلات والإحباط، وعلى خلق الفرح والأمل عنوة – إذ لا معنى للحياة من دونهما. تدعو أفكار أوشو الإنسان إلى التجذُّر في الوجود وفتح النوافذ عليه، بأن يذهب الإنسان إلى الله لا نتيجة للخوف، وإنما من خلال الحب. "المحبة" ليست مسيحية، ولا إسلامية، ولا هندوسية. وإذا كان القديس يوحنا يرى أن "الله محبة"، وإذا كان "نبي" جبران يعكس المقولةَ نفسَها في قوله: "لا تقل: الله في قلبي، ولكن قُلْ: أنا في قلب الله"، فإن أوشو يقول: "الحب هو الله." وفي هذا اقتراب من مفهوم ابن عربي لـ"دين الحب": "الحب ديني وإيماني". أحيانًا، نجد أنفسنا منغمسين في شيء ما. وفي لحظة التذكر، نخرج من ذواتنا، نعيد تركيب أنفسنا، فتزدحم الأفكار في رؤوسنا. يقول أوشو في ذلك: انتقِ الأفضل منها. ستكون أمامك على شاشة الوعي ثم تختفي. كن منتبهًا. هناك فيها ما هو جيد وما هو سيء. وسواء كانت طبيعيةً أو لم تكن، انظر إليها بعين العالِم. وذات يوم، فجأةً، لن تراها ثانية؛ وفي ذلك اليوم سيغمرك صمتٌ لم تتعرف إليه من قبل، سيبقى إلى جانبك، سيكون معك كنفسك، وإنه ليحرِّرك من عبودية الجسد. والحياة، في مفهوم أوشو، هدية من الله تعالى. وكذلك الولادة والحب والموت هدايا، على أن نعرف كيف نكون شاكرين لله – وإذ ذاك فكل شيء يتحول إلى هدية. الآخرون يفتقرون إلى الشعور بالشكران؛ ومن الناس مَن يدينون الآخرين دومًا ويتذمرون، ويطلبون المزيد والمزيد. النوع الأول من البشر فقط هو الذي يصبح ورعًا وشكورًا؛ على عكس الثاني الذي لا يستطيع ذلك، لأنهم اتِّكاليون، يظنون أن على الله أن يلبِّي طلباتهم كلَّها، ولذلك يكفرون أحيانًا إذا لم تُلبَّ طلباتُهم. وهؤلاء يشعرون دومًا أنهم مكبوتون وأن كلَّ ما يحدث باطل ومخادع: إذ لا شيء يلبِّي رغباتهم، لا شيء يملأ قلوبهم بالرضا؛ دائمًا تحدث الأمور الحسنة بعيدًا عنهم! إنهم يعيشون في بؤس وشقاء لأنهم يكنُّون دومًا الشكوى والحقد ونكران الجميل، كما لو أنهم مبعَدون عن شيء ما. كيف يستطيعون الشعور بالامتنان؟ فمن غير امتنان "ليس هناك صلاة، ومن دون الصلاة ليس هناك دين". هكذا هؤلاء، ومصيرهم الضلال. الصلاة في الحقيقة ضرورية: إنها شكر لله على ما أعطانا من نِعَم الحياة، مهما كانت. إنه موقف ينطوي على قول "نعم"، ولا يعرف الشك ولا الارتياب أو التشاؤم أو السلبية. العالم هو الجمال والروعة، حتى إنك لا تستطيع إلا أن تُبادَله الفرح والغناء! إنها – أي الصلاة – هدية لنا، ونحن جديرون بها. فنحن لا نستطيع أن نردَّ الجميل إلى الله إلا بها. فكل ما نستطيعه هو أن نشكر الله: "بالشكر تدوم النعم". يقول أوشو: اجعل الصلاة دربك. كن شكورًا بكلِّ الطرق الممكنة، لا تتذمر أبدًا، وأسقِط العقل الساخط. فالمسألة، فقط، قضية قرار. وما إن تقرِّر أن تُسقِط التذمر حتى تبدأ في إسقاط العادة القديمة. وينبغي، أيضًا، إسقاط حواجز الجسد. فنحن متماهون كثيرًا مع أجسادنا، نعتقد أننا أجساد، ونحن لسنا كذلك. هذه هي الفكرة الزائفة الأولى التي ينبغي إسقاطُها. هذه الفكرة الزائفة تولِّد أفكارًا زائفة أخرى. إذا كان الواحد منا متماهيًا مع الجسد فإنه سوف يكون خائفًا من الشيخوخة، المرض، الموت. هذا الخوف يخلق من هذا التماهي الالتصاق بالجسد. أنت الذي يدرك هذا الجسد، وأنت لست العقل أيضًا. ويتابع أوشو: ابدأ أولاً بالعمل على الجسد، لأن من السهل الابتداء بكلِّ ما هو محسوس؛ ثم تحوَّل نحو الأرقِّ والألطف: انظر إلى العقل باعتباره منفصلاً عن ذاتك، حتى تعي أنك لست الجسد ولا العقل. ستشعر بالحرية وبأنك بلا قيود أو حواجز. لن تكون هناك جدران، سيكون فقط الفراغ المطلق في الاتجاهات كلِّها. عندئذٍ ينبغي إسقاط الحاجز الأكثر شفافية، وهو المتعلق بالمشاعر. أي أن علينا، أولاً، أن نتحرر من الجسد، ثم من الفكر، ثم من القلب – وحتى نكون متنوِّرين علينا أن نتحرر من القلب. عندما نعرف أننا لسنا الجسد، ولسنا العقل، ولسنا القلب، سنعرف مباشرة مَن نحن، وما هو الوجود، وما هي الحياة بكلِّ معانيها، وسيرتفع الحجابُ مباشرة عن الأسرار كلِّها. جميعنا هنا "غرباء": هذا العالم ليس بيتنا؛ بيتنا في مكان آخر. نحن في أرض غريبة. أن نبقى خارج ذواتنا هو أن نبقى بلا منزل. وبرجوعنا إلى المنزل نعود إلى دواخلنا. فلنكرِّس جهودَنا كلَّها للعودة إلى الداخل؛ فلا شيء أكثر قيمة من هذا التوجه. لذا علينا المخاطرة والتضحية بكلِّ شيء؛ وماعدا ذلك يُعَد أمرًا تافهًا. نتعرَّف ولا نعرف هناك فرق بين المعرفة والتعرف. المعرفة هي معلومات وافية عن زمن مضى، بينما التعرف هو محاولة اكتساب معرفة جديدة؛ إنه عملية تحول تطوري. لذا، إذا كنَّا فعلاً راغبين في التعرف، علينا الاعتراف بأن كلَّ شيء قابل للتعرف والتحول. حتى اللغات التي نكتب بها اليوم أو نحكيها قطعت مراحل "تعرُّف" كثيرة حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم. ولهذا انقرضت لغات لأنها لم تتحول. فلا شيء في هذا الوجود ثابت؛ كل شيء في تحول دائم. لذا لا تقل "معرفة" بل "تعرف"، ولا تقل "الحب" بل "أنا محب ومحبوب في آن". المشكلة أننا تعوَّدنا على ترداد الأشياء كالببغاوات، فلا نزال نقول "النهر"، مع أنه جريان المياه وليس هو ذاته بين ثانية وأخرى. وكذلك الأشجار: مع أنها تنمو كلَّ لحظة وتتغير، تتساقط أوراقُها، ثم تعود فتورق من جديد. إذًا لا شيء ثابتًا في الوجود. أيها الإنسان، كن مع الحياة متحركًا ومتحولاً، ولا تكتفِ بالنظر إلى ما يجري دونما اهتمام، بل انظر بهدف التعرف إلى التحول الذي يصيب الأشياء. ولا تكتفِ بما عرفت، بل ثابرْ على اكتساب المعرفة؛ فهكذا ترى الأشياء واضحة. مهما عرفنا يبقى هناك الكثير من الأشياء والأمور التي عرفناها وتعرَّفنا إليها. ففي كلِّ لحظة ثمة شيء جديد؛ وحتى "أنا" الآن لستُ "أنا" بعد انتهائي من كتابة هذه الكلمة. أقول "الكلمة" وليس "الكلمات"؛ فالحياة مستمرة في التحول ولا تتآلف مع الغموض. والله لا يحل إلا في أولئك القادرين على التحول والراغبين في التعرف. فكيف يتم اكتشاف المعرفة، الحقيقة، الحكمة؟ إن ذلك يتم من خلال الوعي المنتبه: لا من خلال مراكمة المعلومات، بل من خلال الذهاب إلى داخل عملية التحول نفسها. الوعي المنتبه هو تحول داخلي جذري، ولادة جديدة. غالبًا ما يوجد المرء في حالة نوم: وعيه المنتبه في أدنى درجاته، يعمل بنسبة واحد في المئة وحسب أو بنسبة أقل من ذلك. ولكن ذلك يكفيك لعملك اليومي، يكفيك لتكسب خبزك ولتوفر ملجأك وليكون لك أسرة وأولاد؛ يكفيك هذا الوعي الضئيل لتحقيق ذلك، لكنه لا يكفيك لتحقيق ما هو أكثر منه. تسع وتسعون في المئة من وجودك تبقى في ظلام دامس! لكن هذا الظلام يمكن لك تغييره. في إمكان المرء أن يمتلئ بالنور. عندئذٍ يتعرف المرء إلى ثقافة العيش وإلى الغبطة الهائلة للعيش والحياة. منذ أن وجد الإنسان والعقلُ عاجز عن معرفة ماهية الحقيقة. إنه يعرف أشياء عنها، لكنه لا يعرفها في ذاتها. أن تعرف شيئًا عن الحقيقة أمر مختلف عن معرفتها. قد تكون قادرًا على التحدث عن الحب من دون أن تعرف ما هو. وحتى تتعرف إليه، يجب أن تمرَّ بخبرة الحب، يجب أن تكون عاشقًا. جمع المعلومات شيء، والوصول إلى الذات شيء آخر. في مقدورك حفظ ما قاله الفلاسفة وعلماء الدين، وكذلك نظريات العلوم وفرضياتها؛ ولكن ليس في مقدورك الادِّعاء بأنها أقوالك ونظرياتك وفرضياتك أنت. لا أحد ينكر أنها تعينك على تعميق وعيك – وهنا مكمن الخطر: لأنها تجعلك مدَّعيًا أنك تعرف كلَّ شيء. عليك دومًا معرفة أنك إنْ حفظت شيئًا فقد غابت عنك أشياء. عليك معرفة الشيء ونقيضه، وعليك الاعتراف أنك جاهل في أمور كثيرة. لماذا؟ حتى تبقى راغبًا في حبِّ الاستطلاع، في اكتساب المعرفة، حتى تبقى باحثًا عن الحقيقة، عن حقيقة المعرفة. وهكذا تمضي حياتك باحثًا عن الحقيقة، عن حقيقة الوجود، باحثًا عن الوعي الكلِّي الشامل، بهدف الوصول إلى الحقيقة واختبارها. الله معنا كلَّ لحظة. إنه في قلوبنا النابضة، في رئتينا حين نتنفس. لكن المشكلة هي أننا، أحيانًا، لسنا مع الله. نريده أن يكون معنا ولنا، في حين لا نحاول التقرُّب منه. لكننا حين نصبح مع الله، نعي أهمية الحياة، نعي أن علينا الشعور بالشكر والامتنان ونعي أهمية وجودنا. ليس في مقدورك الاستيلاء على الحقيقة، بل السعي إليها وحسب، بأن تفتح قلبك لها – ولن يكون هذا إلا بالتأمل، إلا بالاستغراق في التفكير، بجعل نفسك ممتلئةً بالنعمة، في أن تكون شاعرًا وليس عالِمًا، في أن تصلي من الأعماق وليس من الشفاه. صلِّ واثقًا أن الله يستجيب لدعائك وأنه سيكون معك. كن مصباحًا ينير ذاتك قبل إنارة غيرك. فلا أحد في مقدوره منحك المعرفة. فإن ظننت هذا فهذا يعني أنك لن تتعرف إلى المعرفة. فلماذا تبحث عن النور خارج ذاتك؟! الله أعطاك كلَّ ما أنت في حاجة إليه، مَنَحَك النور الداخلي؛ وهو دائمًا إلى جانبك ومعك ليساعدك على التمييز بين الصواب والخطأ، ليغمرك بغبطته ورضاه. لا تكن مثل أولئك المستلقين على قارعة الطريق بانتظار من يُقلُّهم معه – فهذا مضيعة للوقت وهدر للطاقة الكامنة فيك. أنا لن أقول لك ما عليك فعله، ولا كيف يجب أن تفعل هذا أو ذاك، بل أطلب منك أن تكون أنت أنت، ولا أحد غيرك. ثم، أخيرًا، لماذا لا تجعل حياتك حديقة أزهار، متعددة الأنواع والألوان، كل زهرة تسعى أن تعطي أكثر من الأخرى. إنه "استباق الخيرات". فلماذا لا نكون مثلها، نتنافس من أجل بلوغ التسامي؟ كثيرون من البشر يعانون انقسامات وصراعات داخلية، يحارون أيَّ طريق يسلكون، لأنهم ليسوا كتلك الأزهار التي توحدت في سبيل العطاء. بغير ذلك لن يشعر الإنسان أن حياته ليست مصادفة، بل هي مجموعات تخلَّت عن أنانياتها ونذرت نفسها لفعل الخير. فلا نعمة، ولا محبة، ولا سعادة إلا بتوحد الذات الإنسانية؛ إلا بتوحد ساعٍ للوصول إلى نعمة الله. * * *
"المستقبل" إن كلَّ ما أقوله ليس هو الشيء الذي أريد أن أقوله لكم. فكلُّ ما أقوله لا يفعل شيئًا مع الحقيقة لأن الحقيقة لا يمكن أن تُقال. كل ما أقول ليس إلاَّ طَرْقًا على الباب! وعندما تصبح واعيًا سوف ترى الحقيقة. ماذا أريد؟ أريد أن أرى القوة والسلام في كمالهما، أريد جمعًا وانسجامًا بين الدين والعلم. وبهذا يولد فردٌ مثالي لثقافةٍ مثلى. إن الفرد ليس جسدًا أو روحًا، إنه توحيدٌ للاثنين معًا. لذلك فإن أيَّ شيءٍ يعتمد على أحدهما بمفرده يكون ناقصًا. لستُ هنا لأجعلك تفهمني! أنا هنا لأساعدك على أن تفهم نفسك. عليك أن تراقب عن كثب أفعالك، علاقاتك، أحوالك ومزاجك، أن تراقب حالتك عندما تكون وحيدًا وعندما تكون مع الناس، كيف تتصرف، كيف تنفعل... هل ردود أفعالك شرقية أم غربية؟ هل هي نمط متحجِّر من الأفكار، أم أنك عفوي، تلقائي، مسؤول؟ راقب هذه الأشياء كلَّها، استمر في مراقبة فكرك وقلبك. هذا ما يجب أن تفهمه، هذا هو الكتاب الذي يجب أن تفتحه. أنت كتاب غير مفتوح بعد. الحياة كريمة جدًّا. كل ما عليك هو أن تكون مُتلقِّيًا. لكن لا تنتظر أية مكافأة! أريدك أن تكون بريئًا تمامًا من كلِّ فساد وتلوث فكري. ليكن عقلك صامتًا ومحبًّا، منتظرًا للمزيد أن يأتي. الحياة واسعة جدًّا، مهما اكتشفنا منها لن نستطيع أن نستنفدها أبدًا! فهي لامتناهية... والسر يكمُن في العمق، فوق الزمان وفوق المكان. أنا كلٌّ مع الأشياء كلِّها... في الجمال، في القبح، في الأشياء كلِّها. أنا لست موجودًا في الفضيلة فقط، بل في الرذيلة أيضًا أنا شريك. وليست الجنة فقط مسكني، بل الجحيم أيضًا. بوذا، المسيح، لاوتسو... من السهولة بمكان أن أكون تابعًا لهم! لكن هتلر وتيمورلنك وجنكيز خان أيضًا في داخلي! لا، لا أنصاف! أنا الجنس البشري بكامله، وكل ما هو إنساني يسكن فيَّ – الورود كما الأشواك، الظلام كما الضياء. وإذا كان الرحيق لي فلِمَن السم؟ السم والرحيق كلاهما لي... كل مَن اختبر هذه الأشياء جميعًا هو بنظري إنسان متديِّن. فعذابات جميع هذه الخبرات وحدها تستطيع أن تُحدِثَ انقلابًا جذريًّا في هذا العالم المجنون! كلما أوغل المرء بعيدًا داخل نفسه زاد نضجُه. وعندما يصل إلى مركز وجوده تحديدًا سيصبح ناضجًا تمامًا. ولكن، في تلك اللحظة، يختفي الشخص ويبقى وجودُه! تختفي النفْس ويبقى الصمت، تختفي المعرفة وتبقى البراءة. أنا أيضًا فلاح، وقد زرعتُ بعض البذور. لقد تبرعمَتْ هذه البذور وأزهرت الآن. حياتي بكاملها مليئة بأريج هذه الأزهار، وبسبب هذا الأريج أعيش في عالم مختلف. لقد أعطاني ولادة جديدة... وأنا، منذ الآن، لا أبدو كما ترى العيون العادية. لقد فَتح غير المرئي وغير المعروف أبوابه المغلقة. وأنا أرى عالمًا مختلفًا، لا يُرى بالعين، وأنا الآن أستمع إلى موسيقى لا تستطيع الآذان سماعها. كل ما وجدته وكل ما عرفته متلهِّف، يشبه شلالات الجبال وينابيعها التي تتدفق مندفعةً إلى المحيط. تذكَّر: عندما تمتلئ الغيوم ماءًا فلا بدَّ أن تُمطر، وعندما تمتلئ الأزهار عطرًا فإن عليها أن تهبه إلى الرياح لتنشره، وعندما يضيء المصباح فمن المفروض أن يشعَّ الضوء منه... لقد حدث شيء مشابه معي، وتقوم الرياح بحمل بعض بذور الثورة منِّي. ليست عندي أية فكرة في أيِّ حقل ستقع ومَن سيعتني بها. كل ما أعرفه أنني من مثل هذه البذور حصلتُ على أزهار الحياة والحياة الأبدية واقتربتُ من الله. وأينما هبطَتْ البذور، في أيِّ حقل، ستتحول تربة ذلك الحقل إلى أزهار الخلود. الخلود مخفيٌّ في الموت، الحياة كامنة في الموت – تمامًا كالزهرة التي تخرج من التراب. لكن الشيء الكامن في التراب لا يمكن له أبدًا أن يظهر في غياب البذور. البذور تجعل الخفيَّ ظاهرًا وتُعبِّر عن المعاني الدفينة. مهما كان لدي، ومهما كنتُ في حياتي، أريد أن أهب نفسي كبذور من الوعي المقدَّس. إن ما نحصل عليه عبر المعرفة والتعلم يُقدِّمه الحب في كَرَمٍ للجميع.
بمعرفة المرء نفْسَه يعرفُ الله، وبالمحبة يصبح الإنسانُ إلهًا في حدِّ ذاته. عندما تغيب منك الأفكار ويبقى ذهنك صافيًا، عندما لا يكون عندك خيار وتكون لأمر الله مسلِّمًا، عندما لا تكون هناك كلمات ويكون قلبك فاعلاً، عندئذٍ تدخل في الدين الحق. لستُ من الذين يخافون الله، بل أنا من عشَّاقه – فالخوف لن يأخذك إليه، بل سيؤدي بك إلى فراقهِ. ودون أن أشعر فأنا لست بمؤمنٍ ولا بمُعتقِدٍ أيضًا. فالاعتقاد أعمى! وكيف للأعمى أن يأخذك إلى الحقيقة المطلقة؟! مع احترامي للأديان كلِّها، لستُ بتابع لأيِّ دين! لأن الدِّين لا يمكن له أن يقسَّم ويُوضَع في مصنَّفات! إنه دين واحد، أبدي، لا يتجزَّأ، وهو التدين في القلب! والأديان كلها فيها روح واحدة، وهي توصلك إلى جوهرة واحدة. بالأمس، عندما قلتُ ذلك، سألني أحدهم: "إذًا أنت مُلحد؟" لستُ بمُلحدٍ ولا بمُؤمن! إنها مجرَّد اختلافات سطحية وفكرية فقط، لا علاقة لها بالكون أبدًا. فالوجود غير مقسَّم مثل عقلنا المليء بالتناقضات. فمن الفكر فقط تأتي جميع تلك الاختلافات. كلٌّ من الإيمان والإلحاد مصدره العقل ولا يصل إلى المستوى الروحي! الروح تسمو فوق كلِّ شيء إيجابي وسلبي، وتكمُن وراءهما في العمق. في عبارة أخرى، إن الإيجابي والسلبي شيء واحد على ذلك المستوى، وليس هناك خط فاصل بينهما. لا يوجد أي مفهوم فكري يعمل هناك. في الواقع، على المؤمن أن يُسقِطَ إيمانه، وكذلك على المُلحِد أن يُسقِطَ إلحاده... ومن المحتمل إذ ذاك أن يدخلا جميعًا إلى عالم الحقيقة والحق ويهتديا إلى الصراط المستقيم. الفكرتان كلاهما من استحواذ العقل عليك – والاستحواذ عبء مفروض قسريًّا. ليس علينا أن نقرِّر ماهية الحقيقة، لكن علينا أن نتذكرها بوصفها اللحظة التي ينفتح فيها المرءُ على نفسه. وعندئذٍ: "مَن عرف نفسَه فقد عرف ربَّه." مَن يقدر أن يرمي جميع قراراته الفكرية والمفاهيم المنطقية وجميع الافتراضات والهواجس يصل إلى براءة طفولية يفتح فيها نفسَه على الحقيقة كما تفتح الزهورُ بتلاتها على النور. وفي هذا التفتح، تصبح الرؤية الحقيقية ممكنة، ولن يرى المريد إلا نورًا في نور. وهكذا فإنني أُسمِّي الرجلَ بـ"المتديِّن الحق" إذا لم يكن مؤمنًا ولا ملحدًا. التديُّن هو قفزةٌ كبيرةٌ من فكرة التعددية إلى الوحدة والتوحيد، إلى رؤية الله في الأشياء والمخلوقات قاطبة. عندما تغيب الأفكارُ ويبقى ذهنك صافيًا، عندما لا يكون عندك خيارٌ وتكون لأمر الله مسلِّمًا، عندما لا تكون هناك كلمات ويكون قلبك فاعلاً، عندئذٍ تدخل في الدين الحقيقي. الخوف لن يأخذك إلى الله، بل الحب سيجلبه إليك. يا أخي الشجاع، هل تعرف أن الحكمة والشجاعة كلها تكمن في حبة الرمل التي تكاد لا تراها على شاطئ البحر؟! نعم، إنها الشجاعة الحقيقية النابعة من الثقة بالوجود وبالموجِد. تأمَّلْ رمال الشاطئ المتناثرة في موج البحر، كيف تروح جيئةً وذهابًا مع تلك الأمواج، من دون مقاومة أو خوف، بل بكلِّ سلام وتسليم، وكأن البحر يغازل حبة الرمل ويداعبها مع كلِّ موجة – إنه التناغم المطلق في الطبيعة، في كلِّ ذرة وكلِّ كون. هنا تجد الشجاعة الحقيقية في البحث عن الحياة ذاتها، لا بالعودة إلى الماضي الميت أو الغوص في وهم المستقبل. إنها الآن وفقط الآن، في هذه اللحظة الحاضرة التي تبدِّد الزمان والمكان إلى روح الإنسان، بأن تقول نعم للوجود الذي يحتضنك، كما يقولها الطفلُ لأمِّه، كما تقولها الشجرةُ للأرض والرياح والشمس، كما تقولها السمكةُ للمحيط... كل خلية في جسمك تقولها أيضًا؛ وأنت كذلك، من أعماق قلبك، كالعاشق الذي يفتح قلبه وروحه للمعشوق، فتزول الحواجزُ والحدودُ كلُّها، للاَّمحدود في هذا الوجود، وقبله، وبعده. إن جذور الإنسان ممتدةٌ عميقًا في الوجود كـ"شجرة مباركة". فلماذا تقاوم الحياة؟! لمن هذه الـ"لا"؟ أهي لأمِّك الأرض؟ أم للسماء الزرقاء التي تحلِّق روحك فيها؟ أم للشمس التي تغتسل بنورها؟ مَن يقاوم الحياة يَمُتْ رويدًا رويدًا. هذه الحياة تتدفق فيك مع كلِّ نَفَس، تنعش قلبك كلَّ لحظة وكلَّ آن... فكن ناي الحياة يعزف لحنًا إلهيًّا أبديًّا، يا صاحب المكان والزمان. الإنسان الشجاع ينظر حوله ويشعر بقلبه، ليرى بروحه أنه جزء من هذا الوجود الواحد، من هذا الكلِّ اللامتناهي، في هذه اللحظة وكلِّ لحظة، فيصمت فكرُه وتطمئن نفسُه في سكينة الساكن في كلِّ جسد وكلِّ أحد، يا واحد يا أحد، ليقولها بكلِّ محبة وثقة: نعم للحياة! إنه مستعد ليغامر بكلِّ شيء عَرَفَه طوال عمره لأجل هذه الـ"نَعم"، لأجل تلك اللحظات التي رشف بها قليلاً من نبع الحياة الأبدية، فيستسلم لماء النهر العذب الصافي الذي يجري رقراقًا، متلألئًا في ضوء القمر والشمس، إلى المحيط الواسع اللاَّمحدود. الشجاعة الحقيقية هي أن تكون حاضرًا لتغامر بنفسك أيضًا في سبيل نفحة من الحب الصافي. وتستمر المغامرة، حتى بتلك النفحات، إلى أن تفنى في المحبة. لأنك لن تعرف المحبة الحقيقية إلا عندما تذوب تمامًا وتتوحد مع المصدر، مع الأكوان والمكوِّن. هذا هو الفناء في البقاء. فلا تقف متفرِّجًا على الشاطئ مع تلك الكتب والخرائط والاعتقادات المعقَّدة. ارمِها بعيدًا واقفزْ في أحضان المحيط، أحضان الحياة. إن الإنسان يبحث عن الله أو الحياة ضمن حدود معينة، وينسى أنه يبحث عن اللاَّمحدود. فكيف تضع تصورًا مسبقًا أو حدًّا ما لبحثك؟! إنك لن تجده بذلك أبدًا، بل ستراوح مكانك، بتعاستك وبؤسك وقيودك التي تظنها حياةً، بصِلاتك التي تظنها صلةً وما أنت بمكفول ولا موصول، بل في بحور الشيطان تسبح وتجول! هل تظن أنك ستشتري الحياة بالمال الذي تنفقه على مَن تسمِّيهم فقراء ومساكين؟! وهل تحسب نفسك مغامرًا من الدرجة الأولى لمجرَّد ذهابك إلى الجوامع والكنائس؟! إنك تكون كذلك فعلاً عندما تنذر نفسك في سبيل الحياة، بأن تذبح أحلامك وأمنياتك وطمعك على مذبح الكنيسة أو أضحى الأعياد. ثمن الحياة باهظٌ جدًّا، وهو أبعد من معاييرك وحدودك وأفكارك كلِّها التي قيَّدتَ نفسك بها. فإذا كنت تعتقد بأن صَلاتك لدقيقتين قبل أن تنام في ليل أحلامك المكبوتة صلاة، أو بأن تكرارك لبعض الكلمات والأسماء كالببغاء من دون حياة ذِكرٌ، فأنت تضيع فرصتك الوحيدة بأن تتعرف إلى حقيقتك. أجل، "مَن عرف نفسه فقد عرف ربَّه". وإذا لم تتحلَّ بالشجاعة والإرادة الكاملة لخوض هذه المغامرة ستبقى ذاك المخادع الذي يخدع نفسه والآخرين دون أن يدرك ما يفعله، وكل ما يجنيه في النهاية وَهْم في وهم، كبرياء وتكبُّر، أنانية توحي إليك بسعادة زائفة مؤقتة. كل ذلك يسكن رأسك الذي يضيق بالأفكار والأدوار، حتى لم يبقَ لك دورٌ ولا دارٌ في الحياة الحاضرة ولا في الآخرة، ولا في هذا "الآن" المقدَّس الأبدي. يا أخي، الدين الحقيقي أو الصلاة الحقيقية تكون بالحضور والوصل – هذه الحضرة والوعي الصافي الذي يستمر كلَّ لحظة وكلَّ ثانية. المسألة ليست مسألة فعل أو القيام بشيء، بل هي مسألة تسليم وحضور في الآن. إن الأفكار والاعتقاد والانعقاد بالعقد يقطع تدفُّق الحياة – تلك الحياة التي تزهر في قلبك وتراها في عيون الآخرين، فتشاركهم بها بكلِّ حرية ومحبة. وهذا هو التدين الحقيقي والمحبة الحقيقية. وفي النهاية يقفز الشجعان في محيط الحياة، بينما يبقى الجبناء على رصيف الانتظار والدمار، حيث لا نمو ولا عمار. فمن أيِّ نوع أنت؟ لتعرف الوجود يجب أن تكون وجوديًّا. أنت لست كذلك، بل تعيش في الأفكار، تعيش في الماضي أو في المستقبل، لا تعيش هنا والآن. ولذلك يبرز السؤال: تظن أنك تعيش، لكنك لا تعيش، تظن أنك تحب، لكنك لا تُحب؛ أنت فقط تفكر في الحب، تفكر في الحياة، تفكر في الوجود. وهذا التفكير هو السؤال، هذا التفكير هو الحاجز. ارمِ الأفكارَ كلَّها وانظر: لن تجد سؤالاً واحدًا، فما يوجد هو الجواب فقط! لذلك أصرُّ دومًا أن البحث الحقيقي ليس عن الجواب، البحث ليس لكي تجد جوابًا عن سؤالك؛ بل يجب أن تفكر فقط كيف تطرح عنك الأسئلة، كيف ترى الوجود والحياة من دون تساؤلات الفكر. هذا هو معنى الثقة بالكون ومُبدعه، هذا هو أعمق معنى للثقة والتسليم: أن تنظر إلى الوجود بذهنٍ خالٍ من الأسئلة. أنت تنظر في بساطة، ليست لديك أية فكرة كيف تنظر إليه، لا تفرض عليه شكلاً معينًا، ليس لديك أي حكم مُسبَّق، تنظر في بساطة وبعينين مجرَّدتين، مكشوفتين، لا تغطيهما أية أفكار، أية نظريات، أية معتقدات، تنظر إلى الوجود بعينَي طفلٍ صغير. وعندئذٍ، فجأة، لا يوجد إلا الجواب. في الوجود ليست هناك أسئلة. الأسئلة تأتي منك أنت، وسوف تظل تأتي وتأتي... ويمكن لك أن تُكدِّس الكثير من الأجوبة كما يحلو لك. لكن تلك الأجوبة لن تساعدك. عليك أن تصل إلى الجواب؛ ولتصل إليه عليك أن تطرح عنك الأسئلة. عندما يخلو الذهن من الأسئلة تصبح الرؤية واضحة، وذهنك صافيًا، وأبواب البصيرة تصبح نظيفة ومفتوحة. وفجأة، يصبح كل شيء شفافًا. تستطيع أن تغوص في العمق حيثما نظرتَ؛ فنظرتك تخترق إلى المركز، إلى الجوهر. وهناك، فجأة، ستجد نفسك في كلِّ مكان. ستجد نفسك في صخرة إذا نظرت إلى العمق، العمق الكافي. عندئذٍ يصبح المُشاهِد هو المَشهود، والناظر يصبح المنظور، والعالِم يصبح المعلوم. إذا نظرت في عمق إلى صخرة، إلى شجرة، إلى رجل أو امرأة، وتابعت النظر في عمق، تصبح تلك النظرة حلقة، تبدأ منك، وتمر عبر الآخرين، وتعود إليك ثانية. كل شيء شفاف جدًّا، لا شيء يمنعه. الشعاع يذهب، يشكِّل حلقة، ويعود ليقع عليك. لذلك فإحدى أعظم العبارات في كتب الأناشيد هي "الحلقة كاملة": أي أن المتعبِّد مع الله واحد، الطالب مع المطلوب واحد، السائل هو نفسه يصبح الجواب. في الوجود لا توجد أسئلة! لقد عشتُ فيه زمنًا طويلاً حتى الآن، ولم أصادف سؤالاً واحدًا، ولا حتى تساؤلاً. للحياة جمالها الخاص: لا شكوك تبرز في الذهن، ولا ظنون تحيط بك. لا يوجد أي سؤال داخل كيانك. فأنت لست مجزَّأ، بل كلٍّي. البداية هي النهاية... والجمال كلُّه في البداية، لأنك حين تبدأ بالتحرك تكون النهاية – "السقوط في المحيط" – قد تقرَّرت. البداية كانت بين يديك، لقد كانت حريتك؛ لذا فإن الجمال يكمُن فيها. "السقوط في المحيط" ستكون له غبطة عظيمة، لكنه ليس في يدك. ما كان بين يديك هو البداية؛ وأنت استجمعت الشجاعة، وقفزت من حالة الركود والموت إلى حالة كائنٍ حي، يعيش، يغني ويرقص. فمَن ذا يهتم متى سيأتي "المحيط"؟! حسبك البداية، وهي أكثر من كافية – لأن "السقوط في المحيط" أصبح تلقائي الحدوث. لقد بدأت الرحلة. فابتهجْ بها، لا تفكِّر بالغد. اليوم، في حدِّ ذاته، يكفي. إنه هبة ونعمة وبَرَكة. أنت المحيط – فما الذي ستجنيه من السقوط في المحيط؟! الأمر، في بساطة، هو أن ندرك أن الماء، في قطرة الندى أو في أكبر محيط، من الطبيعة نفسها. كل قطرة ندى تحتوي محيطات بداخلها، والمحيطات كلها تكونت من قطرات الندى. المريد الحقيقي لا ينشغل بالهدف؛ المريد الحقيقي يهتم بالبداية الصحيحة. وأنت مُبارك لأن البداية الصحيحة قد حدثت. أما متى يصل القارب إلى الشاطئ الآخر فاعلم أنَّ لا وجود للشاطئ الآخر! ليس هنالك إلا شاطئ واحد. فالمسألة لا تتعلق بالوصول إلى مكان ما بقدر ما هي مسألة صحوة، الآن وهنا. يجب على الصحوة أن تكون دائمًا الآن وهنا. أما "القارب" الذي أتحدث عنه فهو في الحقيقة ليس بقارب. إنني أتحدث عن تحوُّلك إلى إنسان واعٍ، أي أن تصبح أنت القارب! عندما ننام نكون في المكان الذي نريده أو الذي قُدِّر لنا أن نكون فيه. البشر يحلمون بدخول الجنة، إلا أنهم يغطون في نوم عميق؛ وهذا ما يمنعهم من دخولها. ومع الوقت، تصبح تلك الأحلام هي الحقيقة في نظرهم؛ أما الحقيقة الصافية فهي تتلاشى وتتحول إلى كذبة. لستَ في حاجة إلى الذهاب إلى أيِّ مكان. فالتأمل ليس رحلة في الفضاء، ولا رحلة في الزمن، بل هو وعي آني. إذا استطعتَ أن تكون صامتًا الآن فهذا هو الشاطئ الآخر. إذا استطعتَ أن تُلزِمَ عقلك بالتوقف وعدم العمل فهذا هو الشاطئ الآخر. إلا أن العقل ذكي جدًّا ومخادع كبير: فهو يحرِّف التعاليم العظيمة كلَّها ويقفز فوق الكلمات ويمسك بها، ثم يبدأ بإعطاء معاني جديدة لها ليست في الواقع معانيها الحقيقية. نعم، لقد تحدثتُ مرة عن "الشاطئ الآخر"، وربما التقط عقلُك كلمتَي "الشاطئ الآخر"، إلاَّ أنك أسأتَ الفهم. كن واعيًا، وهذا "الشاطئ"، أي الوعي، سيصبح الشاطئ الآخر، وهذه اللحظة ستصبح الحياة الأبدية، وهذا المكان بالذات سيصبح الجنَّة. تذكَّر: الوعي ليس في حاجة إلى وقت، ليس في حاجة حتى إلى جزء من الثانية لكي يحدث. إنه يتحقق برغبة جامحة تظهر بداخلك، نوعية شديدة من الشوق يحوِّلك إلى نار ملتهبة لتحترق معها! ومن خلال تلك النار فإن القديم فيك سيذهب والجديد سيأتي، على الرغم من أن "القديم" لم يكن موجودًا أصلاً في داخلك، بل أنت فقط اعتقدتَ بوجوده! و"الجديد" كان في داخلك منذ الأزل، إلا أنك نسيت ذلك. لا وجود لحقيقتين في هذا العالم. إنها حقيقة واحدة موحَّدة. فلا تفر من نفسك، لا تذهب إلى كهوف الهماليا ولا إلى أيِّ مكان آخر، لأن عليك أن تصبح واعيًا في مكانك بالضبط. وفي الحقيقة، أسهل عليك أن تصبح واعيًا هنا من ذهابك إلى جبال الهماليا! لأنك إذا كنتَ تعاني في نومك ولاوعيك من كابوس ما فالصحوة تكون أسهل. أما إذا كنتَ تحلم أحلامًا جميلة فالصحوة ستكون أصعب بكثير: كمَنْ يحلم أنه مع مَن يحب، فيكون إيقاظُه صعبًا، حتى إنك قد تتحول في نظره إلى عدو! أما إذا كان نمرٌ مخيفٌ يطاردك ويريد افتراسك، وكلما اقتربَ منك شعرتَ به يعدو خلفك، عند ذاك تكون في منتهى التسامح والشكر لِمَن يوقظك! في كهوف الهماليا ستحلم أحلامًا جميلة. وهذا ما يفعله النساك في الصوامع: يحلمون بالله، بالملائكة والجنة، بالسلام الأبدي، بينما يتعذب البشر في العالم ويعانون من الكوابيس المزعجة، كوابيس المال والبورصات، كوابيس قوة السياسة والأعمال. لذا من الأسهل أن تصبح واعيًا هنا، وسط هذا المحيط من الناس. لأنك إنْ لم تستطع أن تصبح واعيًا هنا لن تصبح واعيًا في أيِّ مكان آخر. لكن تذكَّر – ودعني أكرِّرها: لا وجود إلا لحقيقة واحدة، لكن في إمكاننا رؤية تلك الحقيقة في مظهرين مختلفين: المظهر الأول: بعينين نائمتين حالمتين، بعينين مليئتين بالغبار – وعندئذٍ فإن كلَّ ما تراه سيكون مشوهًا؛ والوجه الثاني: الحقيقة نفسها يمكن لنا رؤيتها بعيون يقظة وبصيرة مفتوحة – وعندئذٍ مهما يكن ما ترى سيكون حقيقة. الحقيقة تُحرِّر... من أسماء الله الحسنى. ظاهريًّا، قد نرى القسوة في الحياة، لكننا لا نرى اللطف بأعيننا الحسية. عندما يبحث بعض الناس عن الله يقولون: "نريد أن نراه..." قد تشعر باللطف في قلبك، لكنك لا تستطيع أن تراه. بعينيك ترى القسوة والقوة؛ لكن، لترى اللطف، عليك أن تغلقهما. الله فيك، في داخلك. ولترى الله عليك أن تكون خارجه. لكنك فيه وداخله! لن تراه وتُدركه حتى تتحد معه، حتى تصبح أنت الله والله أنت: "وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبُّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها." (حديث قدسي) لكي تصل إلى حقيقة الأشياء، أول ما يخطر ببالك: المعرفة – أن تعرف عنها، عن حقيقتها، أن تعرف عنها ماديًّا بالعلم والمعلومات. فالزهرة، مثلاً، لو نظرتَ إليها بعين العلم المادي، حلَّلتَ كيمياءها وعرفتَ مكوناتها، فاسأل نفسك: هل عرفتها بعد؟ ألم يفُتْك شيءٌ ما لأنك لم ترى جمالها؟ لنسأل العالِم: "أين يكمُن الجمال في الزهرة؟" فيجيب: "ليس فيها جمال. أنتم تتخيلون ذلك، هذا من بنات خيالكم. لقد فتتُّها وحلَّلتها قطعة قطعة، وهاكم ما وجدتُ: هذه الجزيئات هي التي تشكِّل الزهرة. الذرات، فيها دقائق وشحنات، ولكن لا جمال فيها مطلقًا." من منَّا لا يرى الزهرة جميلة؟! حتى عالِمنا العظيم، في لحظة شاعرية، سيهدي زوجته زهرة! لن يهديها مواد كيميائية مرصوفة على شكل زهرة! سيهديها جمالاً كامنًا في الزهرة. ولكن عندما يتخذ دورَ العالِم يبدأ بالإنكار، لأن الجمال لا يُرى بالعين المجردة، ولا يساعدك المجهر على تقصِّيه، بل قلبك العاشق، يا إنسان! الشاعر يجلس قرب الزهرة، يغلق عينيه، يراها في داخله، ثم يصبح هو الزهرة ذاتها – وهكذا يعرف ماهية الزهرة! هذا هو الحب والعشق. عندما ترى امرأة، تراها من الخارج، ترى طولها وعرضها، وقد تسألها عن بلدها واسمها، لكنك لم تعرفها بعد. أما إذا عشقت هذه المرأة فستعرفها، ستعرف روحها، جمالها؛ عندما تحبها، لا يبقى أي شيء اسمه "أنت" أو "هي"، بل وجودكما المشترك. الله هو "اللطيف". فلا تبحث عنه بفظاظة، بل حاول بطُرُق جديدة، بطُرُق غير مباشرة، أن ترى الله كجمالٍ وحبٍّ مقدَّس. لا تكُن مفكِّرًا شكَّاكًا، بل شاعرٌ حساس؛ وبدلاً من تشريح الأشياء، اتَّحدْ معها لكي تفهمها. عند ذاك سترى الله! لن تراه بإرادتك، ولن تراه كشخص ماثل أمامك، بل ستُدرك أنه أنت، وأنك هو، وأن روحك جزء من نوره الصافي. لن تراه محيطًا بك فحسب، بل ستراه في قلبك وكيانك كلِّه، تحيط به ويحيط بك، فوق المكان وفوق الزمان، فوق إدراكنا المادي الضيق، وستصل إلى قول الحلاج: "أنا الحق" – هذه الأنا الكونية التي عبَّرت عن موت الأنا الصغرى واتحادها مع الخالق. كلُّ ما هو جميل في هذا الوجود هو الله. كلُّ ما فيه من بهاء وعظمة هو الله. أينما رأيتَ الجمال فهو مقدَّس؛ أينما رأيتَه فانحنِ واسجد تقديسًا له – فهذا من الله. "الله جميل ويحب الجمال." والجمال ليس حِكرًا على شيء دون آخر. قد تراه في وجه إنسان، في زهرة، في نجمة. فأينما وجدتَه وأحسستَ بروعته، بالعظمة الكامنة فيه، قِفْ قليلاً، خُذْ من وقتك لتتأمل فيه – وسيُفاجئك! كلما ازددتَ إدراكًا للجمال تزداد قُربًا من الله وترى البهاء في كلِّ مكان، ترى عظمة الخالق في كلِّ شيء. وفي الحقيقة هذه العظمة موجودة في كلِّ شيء وفي كلِّ مكان. حتى في الصخر الجامد تكمن العظمة، وهي تنتظرك لكي تكتشفها. عيناك اللتان تشعَّان بالحبِّ ستريان الحجر جميلاً وستكتشفان جماله الباطني. عندما تبحث عن الجلال والعظمة في الأشياء ستراها في كلِّ مكان وسيختفي القبح من حياتك تدريجيًّا. وفي الحقيقة، ليس هناك من شيء بشع، لأن الله – الجمال الصافي – هو الذي خلق كلَّ شيء، خلقه على صورته، على جماله. أما القبح فهو فهمنا الخاطئ؛ القبح هو سوء فهمنا للأشياء ونظرتنا السطحية إليها. عندما تبحث عن "ذي الجلال" ستراه في كلِّ مكان، ستراه في البرق، وستسمعه مع الرعد، ستحس به يغسلك بالمطر، ستسمعه في الصمت والصوت، وسترى الأمور على حقيقتها لأول مرة: لا إله إلا الله! المعبد والمسجد في قلبك. وأنت في هذا الكون، في المعبد الأكبر، تسجد في كلِّ لحظة لـ"ذي الجلال والإكرام". *** *** *** [1] على الرغم من تحفظاتنا العديدة على شخصية أوشو (بهگڤن شري راجنيش سابقًا) وعلى مسلكه في الحياة، لا يسعنا، دون الدخول في التفاصيل، إلا أن نحترم جرأةَ تعاليمه في مقاربتها تحريرَ الإنسان من الإشراطات الفكرية والدينية والنفسية والاجتماعية التي تكبل وعيه وتعيقه عن تحقيق كمونه المبدع: فمن شأن التماس مع هذه التعاليم أن يحرض لدى القارئ الأخلاقي الجاد فحصًا جذريًّا عن هذه الإشراطات، قد يصل إلى حدِّ نسفها من أساسها. – ومن هنا نشرُنا هذا المقال. (المحرِّر) [3] لا بدَّ لنا هنا من التنبيه إلى أن مصادر هذا المقال ومراجعه كانت كثيرة ومتشعبة، مما يصعب علينا ذكرها جميعًا. لذا نقدِّم اعتذارنا سلفًا لكلِّ مَن اقتبسنا منه ولم نذكر اسمه أو عنوان كتابه أو مقاله. (ف.م.)
|
|
|