|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
ثمة سؤال يتكرر طرحُه من حين لآخر، فيما يشبه الاستفزاز: "لماذا يُنصح باللاعنف دومًا للمقهورين؟ ألا يجب بالأولى أن يُدعى إليه القاهرون؟" بدايةً، هل من اللائق "النصح باللاعنف" للمقهورين؟ يجدر بالمرء، أولاً، ألا يقف على منبر الواعظ، لأن الذي يحصي ضربات العصي ليس كمن يتلقاها. ومن بعدُ، هل من اللائق "دعوة القاهرين إلى اللاعنف"؟ وهل من الممكن أصلاً، في الواقع، تخيُّل قاهر لاعنفي؟ قطعًا، لو اتفق للقاهرين أن يهتدوا إلى اللاعنف لانعدم القهر إلى الأبد. لكن فرضية كهذه عبارة عن مثالية محضة ولا تصلح للإحاطة بالواقع في شيء. إن القاهر هو الذي يتحمل المسؤولية الأولى - المسؤولية الأصلية - عن العنف. فالقاهر - ولا ريب - هو المحرض الحقيقي على العنف، وإنْ يكن يتشبث بموقف الناكر لعنفه هو، إذ يزعم، واثقًا من حقِّه، أنه لا يستعمل إلا مقدار القوة الضروري كي يدرأ عن نفسه مقاومة المقهور. أما وأن الأمر كذلك، وبما أن القاهر عنيف بالطبع، يقضي المنطق الخالص بإلزامه أن يكون غير عنيف. لكن هذا السؤال، فيما يتعدى ظاهر هذا المنطق، سؤال موارب أساسًا، من حيث إنه يشي بأننا حيال جماعتين بشريتين تتخذان، في النزاع الناشب بينهما، موقعين متوازيين، الأمر الذي يجيز لنا مخاطبتهما باللغة نفسها بإسداء "النصائح" نفسها. لا شيء من ذلك طبعًا.
بعد أن تحدثنا من قبل عن عدد من القضايا الرومانتيكية حول معنى أخوية الوقفات الاحتجاجية والتضامن واتخاذ القرارات بالإجماع، سأتحدث في هذا الفصل عن النزاعات والشقاقات، وعن القوى التي كانت متواجدة والدافع الذي لعب دورًا في التعجيل فيها، وكيفية تعاملنا مع هذه الأمور في خضم هذه المعمعة، وكيف، ذات يوم ممطر في القدس، ذاب الإحساس الطيّب، مُنهيًا ثقة كنا قد بذلنا غاية الجهد لبنائها على مر السنين. لكن، لنبدأ بالأخبار السارّة. والذئب سيتساكن مع الحمل كيف تم الانسجام بين هاجر روبليف وعنات هوفمان في الوقفة الاحتجاجية نفسها؟
|
|
|