ديوان القصص الشعبي

 

محمود الزيباوي

 

جديد "دار الجمل" كتاب موسوعي عنوانه القصص الشعبي أعدَّه الروائي المصري الراحل خيري عبد الجواد. يتألف الكتاب من ثلاثة أجزاء، أولها "القصص الأنبيائي"، وثانيها "القصص الصوفي"، وثالثها "مغازي الإمام علي". تضم هذه الموسوعة مجموعة كبيرة من النصوص تعود إلى طبعات شعبية غير محقَّقة كانت تُباع على الأرصفة، "وهي نصوص كانت في الأصل شفوية وتُنشد في الموالد والمناسبات الدينية المختلفة، ثم استقرت وطُبعت بطريقة نطقها شفويًا"، كما جاء في المقدمة.

أحبَّ خيري عبد الجواد الأدب الشعبي، وساهم في التعريف بكنوزه حتى وافته منيته المبكرة منذ سنتين عن سبعة وأربعين عامًا. على مدى ربع قرن من الزمن، انصبَّ الكاتب على جمع التراث الشعبي واستلهم روحه في كتاباته الخاصة منذ نهاية الثمانينات، كما حقَّق سيرة شعبية للظاهر بيبرس في أربعة مجلدات، وسيرة شعبية مجهولة للفيلسوف الطبيب ابن سينا نشرتها "دار الجمل" في العام الفائت، بعد وفاة محقِّقها.

            

البراق، رسم طباعي معاصر                                              الملك سليمان الحكيم

تشكل مجموعة القصص الشعبي خلاصة هذا المشوار، وهي مختارات من نصوص لا تحمل اسم مؤلفها في غالبية الأحيان، جمعها خيري عبد الجواد وصنَّفها في ثلاثة أبواب. وضع الكاتب مقدمة لهذه المجموعة هي أشبه بشهادة ذاتية، وفيها يستعيد طفولته في حي "بولاق الدركور" عند أطراف القاهرة، واكتشافه عالم الأدب في أوائل السبعينات عند خروجه من حدود هذا الحي إلى أفق العاصمة. بدأ الفتى مشواره مع القصص والروايات على الجسر الواقع على ترعة الزمر، وعلى هذا "الكوبري" رأى للمرة الأولى قصص "سارة والخليل وهاجر واسماعيل"، و"الجمل والغزالة" و"قميص عثمان"، ودخل "إلى عالم من السحر يُسمى التراث الشعبي، عالم زاخر بالعجائب والغرائب والسحر والقصص والحكايات والأساطير والأهازيج". وقع خيري عبد الجواد في غواية هذا العالم منذ اللحظة الاولى، وسلَّم نفسه له "من دون مقاومة أو حتى مجاملة".

          

الإمام علي وسط الحسن والحسين                                    الإمام علي مقاتلاً رأس الغول

عرف الكاتب طريقه "إلى باعة الكتب القديمة والأكشاك التي كانت ملاصقة لسور الأزهر أو بالقرب من جامع الحسين أو ضريح السيدة زينب ومن الموالد المختلفة في كل أنحاء مصر"، وجمع على مدى السنوات كتيِّبات مطبوعة في ملازم صغيرة من الورق الأصفر كانت تباع بثمن بخس، وقد انقرضت هذه الكتيبات اليوم بعد اختفاء المكتبات التي كانت تقوم بطبعها، ولم تجد من يهتم بها ويعيد طبعها، وأهملها الباحثون ولم يسعوا إلى تصنيفها ودراستها "باعتبارها ركيكة لا ترقى إلى مستوى الدرس". يختم الكاتب شهادته الذاتية بقوله:

أتصور أن هناك سحرًا خاصًا لمن يعرف كيف يتذوقه، ولمن يدرِّب نفسه على تذوقه من خلال هذه الركاكة المحببة وهذا الإبداع العفوي الذي ظهر نتيجة حاجة الجماعة الشعبية إليه.

ويمكن القول إن سحر الغالبية العظمى من هذه النصوص يكمن في هذه "الركاكة المحببة" وفي هذه التعبير العفوي الذي يطبعها. في المختارات التي جمعها، استبعد الكاتب النصوص التي تعود إلى كتب تراثية معروفة، وحفظ الحكايات التي كانت في الأصل شفوية، ولم يشأ التعليق عليها. يجد القارئ نفسه أمام بحر من النصوص لا يعرف تاريخها أو أصولها، لكن هذا النقص لا يقلِّل من قيمة هذا العمل. جمع الأديب خيري عبد الجواد نصوصًا سحرته، وترك للبحاثة مهمة التفحُّص والتشريح والتحليل، مكتفيًا بطرح الأسئلة في مقدمة ثانية جاءت تحت عنوان ديوان القصص الشعبي.

القصص الأنبيائي

تأتي هذه المختارات في ثلاثة كتب. الكتاب الأول خُصِّص للقصص الأنبيائي وفيه أربع وعشرون قصة، منها النثري المطوَّل، ومنها المختزل شعرًا في مجموعة من الأبيات. أولى هذه القصص قصة الأنوار ومصباح السرور والأفكار وذكر نور محمد المختار، قصة طويلة تُنسب إلى أبي الحسن أحمد بن عبد الله البكري، وهي رواية "صعبة" تستند بشكل أساسي إلى مبدأ "النور المحمدي" الذي خلقه الله في البدء، وهو النور الذي كان

يُرى في وجه آدم مثل نور الشمس المضيئة في حال كونها في قبة الفلك، وكنور القمر المضيء إذا تجلَّى في حال تمامه وسط السماء، وقد نارت من نوره السماوات والسرادقات والعرش والكرسي.

القصة الثانية عنوانها انشقاق القمر في معجزات سيد البشر، "جمعها أحد كبار العلماء ووضعها في القالب القصصي محمد علي أحمد"، وتحوي أربع عشرة حكاية. القصة الثالثة هي الإسراء والمعراج للإمام ابن عباس، معروفة ومتداولة في سائر أنحاء العالم الإسلامي، على رغم رفض العلماء لها وتشديدهم على تكذيب نسبتها إلى ابن عم الرسول. القصة الرابعة شعرية، قصة الجمل والغزالة، وفيها قصتان، والبطل المشترك فيهما هو النبي العربي. تتوالى القصص المحمدية، وهي تباعًا قصة اليتيم المظلوم، قصة عامر اليهودي عابد الأصنام، قصة حبيب بن مالك وما حصل لبنته السطيحة على يد النبي، قصة قميص النبي مع الأعرابي، قصة الأعرابي، قصة الرحاء، قصة الصحابي الجليل معاذ بن جبل. تلي هذه المجموعة المحمدية سلسلة من قصص الأنبياء، أولاها قصة سارة والخليل وهاجر وإسماعيل، ثم قصة أيوب لما ابتُلي، والقصتان من النوع الشعري.

يوسف وزليخا

القصة الثالثة مخصصة لـ سيدنا سليمان بن داود الذي وهبه الله بساطًا "من حرير الجنة، من الديباج الأخضر، منسوج بالذهب الأحمر، وكان طوله سبعين ميلاً وعرضه كذلك". بعد هذه القصة، تأتي قصة مناجاة كليم الله، وفيها يسأل موسى ربَّه: "يا رب من أحب إليك أنا أم محمد؟"، فيجيبه الخالق: "أنت كليمي ومحمد حبيبي، والحبيب أفضل من الكليم". القصة الخامسة شعرية، تغلب عليها اللهجة العامية المصرية، بطلاها مريم وابنها عيسى، وفيها تتكرر الدعوة إلى لعن اليهود، كما في القسم الأكبر من هذه القصص، وتثير هذه الدعوة المتكررة في نفس القارئ سؤالاً لا يملك الإجابة عنه. يعود عيسى بن مريم في قصتين. في الأولى، يشفي روح الله ابن امرأة عجوز تُدعى أم معبد، ويحييه بعد الموت ثلاث مرات. في القصة الثانية، يجد في طريقه جمجمة، ويسألها أن تنطق "بقدرة من يقول للشيء كن فيكون"، فتنطق وتتحدث عن أهوال الجحيم، وتطلب من عيسى أن يدعو الله إلى الحياة الدنيا كي تعبده حق العبادة. تعود الروح إلى الجمجمة، ويعود الميت "كما كان شابًا عظيم الطلعة مليح الوجه".

تأتي قصة النبي يوسف في "قصيدة" مطولة من ثمانية وثلاثين بابًا، وتليها قصة نثرية قصيرة عنوانها وفاة آدم، وهي خاتمة "القصص الأنبيائي": يدخل آدم باكيًا إلى حواء "كبكائه يوم خرج من الجنة"، وتسأله المرأة عن الموت، فيقول لها إنه "أشد من الطبخ في القدر ومن النشر بالمنشار". تقول: "انقطعت حياتك عن الدنيا وأُخرجنا من الجنة فإذا أُمتنا فأين نذهب؟". يجيبها: "إلى التراب"، فتصرخ صرخة عظيمة تبلغ الجبال والبراري. يطلب آدم من ملاك الموت أن يرفق به، ويسأله أن يدعه يبكي مع حواء ساعة واحدة. يعود الملاك، ويذكِّر آدم بأنه قرأ: "كل نفس ذائقة للموت". يشهق الرجل، ثم يرفع رأسه إلى السماء ويقول: "يا ربُّ خفِّف عن أولادي المؤمنين وطأة الموت".

القصص الصوفي

الكتاب الثاني مخصص للقصص الصوفي، وفيه سبعة عشر نصًا تتفاوت في الشكل والطول. أولها قصة أصحاب الكهف وجذرها قصة قرآنية نسج حولها الرواة العديد من القصص. القصة الثانية بطلها الصحابي تميم الداري الذي أمضى سبع سنين من عمره "تحت الأرض"، "عند الجان". تلي هذه القصة العجيبة قصتان "شيعيتان" بامتياز: قصة نور العين في مشهد الحسين، وقرَّة العين في أخذ ثأر الحسين. القصة الخامسة موضوعها أرض البهنسا المصرية، وهي في ثلاثة فصول، وحوادثها معروفة في كتب التراث، وتتناول فضائل البهنسا، ودخول عيسى إليها طفلاً وعودته إليها قبل رفعه، ثم دخول البهنسا في الإسلام في زمن الفتوحات. القصة السادسة قصيدة شعرية تتحدث عن وفاة أبي بكر الصديق. القصة التالية شيعية الطابع، وتحكي "ما وقع للحجاج بن يوسف مع الغلام زين العابدين بن الحسن بن علي بن أبي طالب بن فاطمة الزهراء بنت سيدنا ونبينا محمد"، وتليها قصة السيد محمد بن الحنيفة وما جرى له مع الحجاج بن يوسف، ثم قصة هند بن النعمان مع الحجاج. تتوالى بعدها قصص الأولياء، وأبطالها تباعًا فضلون العابد، أحمد البدوي، إبرهيم الدسوقي، الحسين بن منصور الحلاج، ورابعة العدوية. تأتي سيرة شهيدة الحب الإلهي على شكل قصيدة بالعامية المصرية، وختامها:

ورابعة كانت ياما عملت كرامات/ وقتها كانت هدايات
وحاجات كتيرة يا ناس وحاجات/ متمسكة بالله والدين
وجات في آخر أيامها/ حبَّت تحقق أحلامها
عايزة الإله كده قدامها/ وتبقى هية من الناظرين
كانت أي حاجة بتطلبها/ الله يلبي لها طلبها
والرؤية آخر مطالبها/ وقصدها الرؤية بالعين
ورابعة مرضت بعديها/ طلباتها مين حيلبِّيها
والرؤية دي عزيزة عليها/ ماتت وكانت من الصالحين

يختم خيري عبد الجواد كتاب القصص الصوفي بنص نهي الناهين، وضعه الشيخ أبو بكر الزصامي في القرن التاسع عشر، وفيه استعادة لعدد كبير من القصص في الزهد والتجرد، منها قصة تقول إن عيسى

اشتد عليه المطر والبرق يومًا، فجعل يطلب شيئا يلجأ إليه، فوقعت عينه على خيمة من بعيد فأتاها فإذا فيها إمرأة فحاد عنها، فإذا هو بكهف في جبل فأتاه، فإذا فيه أسد فوضع يده عليه وقال: يا إلهي جعلت لكل شيء مأوى، ولم تجعل لي مأوى. فأوحى الله إليه: مأواك في مستقرِّ رحمتي.

مغازي الإمام علي

يبقى الكتاب الثالث، وهو مخصص لـ مغازي الإمام علي، ويحوي مجموعة من القصائد والحكايات أبطالها آل البيت. وضع خيري عبد الجواد لهذه المختارات مقدمة رأى فيها أن هذه النصوص

إنما تعكس أثر التشيع للعلويين، ذلك التشيع الذي كان له أثره العميق في كل نواحي الثقافة الإسلامية، ومن هذا المعين اغترف القصاصون والرواة ما شاء لهم الهوى والخيال مئات القصص والروايات.

رسخت الدولة الفاطمية منزلة آل البيت في مصر خلال حكمها، وبقيت هذه المنزلة راسخة بعد قيام الدولة الأيوبية التي جعلت من المذهب السني مذهبًا رسميًا،

ويتجلى ذلك في الاحتفالات الدينية والمواسم والأعياد المختلفة، وما يصاحبها من طقوس وعادات وشعائر ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالفاطميين.

كان علي كما هو معروف فارسًا شجاعًا، وتربَّى في حجر الرسول وحضر معه كل غزواته، لذا فقد تمحورت حوله وعنه تركة ضخمة من السير والقصص الشعبي الغرائبي والعجائبي ينتمي للخيال أكثر من انتمائه للواقع.

تغنَّى الرواة بفتوة علي على مدى قرون من الزمن، وتناقل أهل القصص هذه الحكايات في كتب كثيرة، منها "المغازي التي يضمها هذا الكتاب وهي إحدى عشرة قصة"، وتحتاج هذه القصص "إلى دراسة مقارنة من قبل الباحثين تبين العلاقة بين النص الشعبي الشفوي والمكتوب".

*** *** ***

النهار

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود