|
إبستمولوجيا
مكانة الفينومينولوجيا كمنهج بحث وفلسفة صارمة: تشغل الظاهراتية أو الفينومينولوجيا La phénoménologie حيزًا مهمًا في الفلسفة المعاصرة من حيث أنها منهج بحث، فهي ليست فكرًا مدرسيًا scolastique كما كان سائدًا في أوروبا فترة العصور الوسطى، كما أنها ليست كالفلسفات الحديثة (الوضعية المنطقية Positivisme logique والماركسية مثلاً) فلم تقدم على ما يبدو هذه الفلسفات إلا فكرًا مدرسيًا. وأكثر ما يميز الفلسفة المدرسية هو وجود مبادئ عامة تحدد آراء المنتمين لهذه الفلسفة حيث أنَّ أي تراجع عن أي مبدأ من هذه المبادئ يعتبر تنازلاً عن العقيدة الأساسية. أما الظاهراتية فهي تشكل تيارًا فلسفيًا قام بقطيعة إبستمولوجية عن الفكر السائد في القرن التاسع عشر، أضف إلى ذلك أنَّ الظاهراتية، باعتبارها منهجًا لوصف ما هو معطى، تبتعد عن عمل أي تقييم محاولة الوصول بذلك إلى أكبر قدر ممكن من الموضوعية.
بعد بضع لحظات من الانفجار الكبير شهد الكون الوليد مرحلة من التوسع الأسي عرفت بالتضخم. واليوم، بعد نحو ربع قرن من الجدل، بدأ العلماء يقبلون بهذا التصور. ويمضي أندريه ليند أحد آباء هذه النظرية إلى أبعد من ذلك، فهو يضمن هذه المرحلة ضمن تاريخ كون أبدي ولانهائي بلا شك. ولكن كيف انطلقت نظرية التضخم؟ في نهاية السبعينات كان معظم علماء الكونيات يقبلون بنظرية الانفجار الكبير في نموذجها المعياري. فالكون كان في ماضيه السحيق فائق الحرارة والكثافة. وقد توسع وتبرَّد تدريجيًا، وتشكلت المجرات فيه، ثم بعد بضعة مليارات سنة ظهر الإنسان على كوكب صغير يدور حول نجم على طرف مجرة من مجرات الكون. والعديد من البراهين كانت تدعم هذا السيناريو: فالمجرات تتباعد عن بعضها بعضًا بحيث تكون سرعتها أكبر كلما كانت مسافتها أبعد كما لو كانت في كون متوسع؛ والخلفية الإشعاعية للكون التي تعود إلى 380000 سنة بعد الانفجار الكبير كانت قد رصدت في عام 1965 على يد كل من أرنو بنزياس وروبرت ويلسون؛ والتناسبات التي تم التنبؤ بها لمختلف العناصر الخفيفة في الكون كانت تتوافق مع الأرصاد. ومع ذلك ظلت أسئلة عديدة مطروحة دون أن تجيب عليها النظرية المعيارية.
لقد بيَّن التحليل العميق لعملية المراقبة في الفيزياء النووية أنْ لا معنى للجسيمات تحت الذرِّية ككيانات منعزلة، لكنه من الممكن فهمها من خلال العلاقات التي تربط بين التحضير للتجربة وبين ما يلحقها من قياس. وهكذا بيَّنت النظرية الكوانتية الوحدانية الأساسية للكون. ففيما يتعلق بإطارها الرياضي، خضعت النظرية الكوانتية لعدد لا يحصى من التجارب وأصبحت اليوم مقبولة عالميًا، وتقدم شرحًا دقيقًا ومتماسكًا للظاهرة الذرِّية ككل. لكن، من جانب آخر، ما زال تفسيرها اللفظي، أو لنقل ميتافيزياء النظرية الكوانتية، يستند على أرضية أقل صلابة بكثير. وفي الحقيقة، لم يتمكن ما يزيد عن أربعين سنة من الفيزياء من تقديم نموذج ميتافيزيائي واضح. (كابرا، 1975) لكن ميتافيزياء الفضاء والحركة والهيكلية الموجية للمادة تقدِّم الآن هذا "النموذج الفيزيائي" الواضح؛ ففهم الجزيء وما نجم عنه من مفارقة بين "الجزيء وبين الموجة" شكَّل مشكلة كبيرة. وقد ولَّدت هذه المشاكل، خلال السبعين سنةً الماضية، ارباكًا كبيرًا في الفيزياء الحديثة، كما بيَّن كلٌّ من هايزنبرغ وديفيز وكابرا. حيث أنه...
مستمرة... |
|
|