جنود الله لفواز حداد
لم يعد ابني نقيضي بل عدوي

 

جوزف باسيل

 

هل يحتاج الله إلى جنود؟ هل هو قائد عسكري يحتاج إلى جنود؟ هل يحتاج إلى أيٍّ كان؟ هل يحتاج إلى الإنسان أصلاً؟ هل احتاج يومًا إلى جنود؟ هل هو أرسل الحملات الصليبية إلى بلادنا؟ وهل هو يرسل اليوم الحملات الإسلامية إلى الغرب؟ يرجَّح أن تكون الإجابة عن هذه الأسئلة، بالطبع، لا.

ملخص فكرة هذه الرواية أن الإنسان يقوِّل الله ما يريد، ويؤول ما أوحى به الله، بما يرغب هو، ويقدم مصالحه على مصلحة الدين – وقد يسأل سائل وهل للدين مصلحة؟ -، وينسب أفعاله إلى الإرادة الإلهية. والله براء من ذلك كله، لأنه فوق كل ذلك، وفوق كل ما يمكن أن يفكر فيه الإنسان أو أن يفعله. كانت التقوى والرحمة الطريق إلى الجنة، فصار القتل والإرهاب هما الطريق! فهل يجوز أن يكونا من دعوات الله؟ بالتأكيد، لا.

يقول أحد هؤلاء مفتئتًا على الله: "نحن نخوض معارك الله على الأرض، معارك الحق والإيمان، وإذا كنا نضحِّي بأرواحنا، فلأن أمرها يعود إليه، هو خلقها وإليه مرجعها وعليه حسابها. نحن جنود الله، وموعدنا الجنة إن شاء الله". ينسى هؤلاء أن الله رفض القتل والانتحار، وإن من أجله، وهو لم يطلبهما من أحد قط. فالقرآن لا يحض على القتال ولا يشرِّع القتل ويمنع من ارتكاب الكبيرتين "قتل الغير وقتل النفس".

رواية فواز حداد جنود الله تعالج العلاقة الملتبسة دومًا بين الدين، بما هو تعاليم سموية، بمعنى توحيدية، وبين رجاله أو الناطقين باسمه. شكَّل هذا الالتباس اختلافًا فخلافًا، فتكوَّن أكثر من 70 فرقة، وكل فرقة تخوِّن الأُخرى، ولا حل لهذا الامر إلا بوقف تأويل كلام الله، كلٌّ بحسب مصالحه ورغباته، والامتناع عن الأفعال بإسمه.

كان الأب السوري بعيدًا من هواجس السياسة بعدما تخلى عن الفكر الماركسي الذي اعتنقه في شبابه، يعيش حياته الرتيبة بعدما طلَّق زوجته الأولى، وارتبط بأخرى، وخصوصًا أنه كان يشعر بخفة وطأة الحياة عليه، بعدما كبر ولده. لكن ابتعاده عن السياسة لم يبعده عن الفكر، فقد رأى من خلال مناقشاته، خصوصًا مع صديقه الصحافي، أن اتباع الإسلام الذين يصوِّرونه على أنه الحل، فيما يراه هو أنه المشكلة، يستخدمون القاموس الماركسي القديم مع بعض التحوير: "أصبحت الامبريالية هي الطاغوت والأنظمة الرجعية العميلة أنظمة ملحدة ومرتدة، والحزب الثوري الجيل القرآني الشاب، والكفاح المسلح هو الجهاد، أما العنف الثوري فهو الاستشهاد!". لقد تغيرت التوجهات، لكن ثمة تشابه في الأشخاص والهيئات والقاموس اللغوي. لكنه يدرك أنه لا يمكنه أن يحاور هؤلاء أو يناقشهم. ولكل مرحلة موضتها، كانت الماركسية في جيلنا، والآن الإسلام في الجيل الطالع. ذهب إلى العراق بحثًا عن ابنه الذي التحق بـ"القاعدة"، لكنه عاد خالي الوفاض مشلَّعًا في صندوق "بيك اب"، بعدما عانى الأمرِّين، ووصف أوضاع العراق في ظل الاحتلال الأميركي، حيث لا تجتمع الشعوب العراقية موحدة دينًا ومذهبًا وحزبية وإتنية إلا في المشرحة. وقد أظهرت حوادث العراق قصصًا متحركة دموية حيث القتل أكبر من القتال، كاشفًا عن الحملة الأميركية التي يقودها قس انجيلي متصهين يستغل صفته الدينية لأهداف سياسية مشبوهة. وفي ذلك إجابة عن سؤال ورد في المقدمة. تخطو الرواية في خطين ربطهما الراوي بعمل مخابراتي محبوك: البطل الرئيسي يفتش عن ابنه الذي انضوى في صفوف "القاعدة" في العراق. والثاني ميجر أميركي يبحث في حادثة تصفية أحد المشايخ مع عائلته في الضلوعية في العراق.

يفترض بالميجر أن يساعد الرجل السوري في مهمته، ما يفيده في اختراق صفوف "القاعدة" بعدما ورَّطه في مهمة البحث عن ابنه، لكنه ما لبث أن تورط هو في القضية الثانية التي شغلت وقته. وبين المهمتين تكرُّ المشاهد من وقائع الحرب العراقية ويومياتها.

اتخذت الرواية منحاها الدرامي، حين انعقدت حبكتها بتسليم الأب نفسه رهينة لعصابة من عصابات الخطف والمبادلة والقتل، بهدف تسليمه إلى "القاعدة" بغية لقاء ابنه، وفيما انحبكت مع السوري انحلَّت مع الأميركي عقدة قضيته، فبان لديه الحل، بمساعدة صديقه الصحافي جيمي، الذي كان عونًا له منذ البداية، ويكمن في ما سمَّاه "حمى الزرقاوي" وهي 25 مليون دولار مكافأة أميركية على رأسه، أطاحت كل الرؤوس رغبة في امتلاكها، فالأسطورة ثمينة ومكلفة في آن واحد. ماذا كانت نتيجة تحقيق الميجر ميلر مع المجموعة الأميركية الخاصة التي امتهنت القتل بكل أشكاله، بعدما اعترف القس بركلي المرشد الروحي للقتلة بفعلته؟ تلعب المخابرات لعبتها، وغالبًا ما يركِّز الكاتب على التنسيق الاستخباري بين سوريا والولايات المتحدة، فيكون الأب السوري طعمًا يرسل إلى العراق بالاتفاق بين الطرفين، والمخابرات هي هاجس الناس في سوريا، "مجرد أنني في مركز تابع للمخابرات جعلني اتيقن أنني لن أشعر بالارتياح". لفتني أن الاستجواب الذي جرى معه عن ابنه وتحركاته وتفاصيل مراقبة المخابرات له قبل ان يختفي، يشبه ما نشرته إحدى الجرائد اللبنانية عن استجواب "مجموعة العشرة الإرهابية" في بيروت.

يبث حداد أفكاره في ثنايا السرد، فتأتي في السياق منسجمة معه غير نافرة. تفترض الواقعية في الرواية أن تواكب الأفراح والأتراح الشخصية، تلك الجماعية. فالإنسان فرد ضمن مجموعة ينفصل عنها ويتصل بها كحبة رمل على شاطئ أو نجمة في السماء. البعض يذوب في الجماعة والبعض الآخر يستقل عنها، لكن الاثنين لا يستطيعان فكاكًا من تأثيرها ودورها، وبالتالي علاقته المروية بها. هذه هي حال العلاقات في المنظمات الأصولية.

أرى أن الجملة التي قالها الأب في نهايات الرواية تعكس حقيقة شعوره وتلخص مضمونها: "كنت أنا الخاسر الأكبر والمهزوم الأوحد، لم يعد ابني نقيضًا لي، بل عدوّي".

هل استشرف المؤلف ما آلت إليه الأمور في سوريا حاليًا، وخصوصًا أن السلطة توجِّه الاتهام إلى الإسلاميين؟

*** *** ***

النهار

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود