الديانة اليهودية: نشأتها وتطورها

 

باسم محمد حبيب

 

المقدمة

رغم الدراسات العديدة التي تناولت نشأة الديانة اليهودية إلا أن الغموض ما زال يلف الكثير من جوانب هذه النشأة والكثير من مراحل تطورها، إلى درجة يصعب معها إعطاء رأي قطعي بشان أصول أو منابع الديانة اليهودية وحقيقة الكثير من القصص التي تتضمنها، ناهيك عن أفكارها وفقهها وتعاليمها ومما يدخل في نطاق اللاهوت اليهودي.

ومما لا شك فيه أن سبب هذا الغموض لا ينحصر في ارتباك المعلومات التي تقدمها المصادر الأصلية لهذه الديانة كالتوراة والتلمود بقسميه البابلي والفلسطيني، بل وحتى في المراجع التي تناولت مسيرة هذه الديانة وأصولها وفروعها، لارتباطها بمرجعيات بعضها معادٍ وبعضها الآخر صديق لليهود[1] الأمر الذي قد يمنح دراستنا جدوى معينة، وقد يخرجها، إذا ما توخينا المنهج العلمي بشكل دقيق، من دائرة الدراسات المكررة التي يكون الهدف منها في الغالب تعليمي أو اختباري محض كديدن معظم الدراسات التي يقدمها الطلبة أو الأكاديميون المبتدئون.

فما ننشده من دراستنا هو المساهمة، ولو بشكل بسيط، في حل هذا اللغز الذي اختلف حوله المؤرخون – لغز الديانة اليهودية التي خرجت من رحمها ديانات ومذاهب عديدة، ولا يهمنا بعد ذلك أن تكون هذه الديانة من أصول رافدينية أو مصرية أم أرمنية[2] أم جزيرية عربية[3]، فهل نستطيع أن ننجح؟ يهمنا أن نعرف ذلك بعد أن نكمل هذه الدراسة ونمضي بها إلى النهاية معتمدين في تحقيق ذلك على فهم الطريقة التي تكونت فيها هذه الديانة، وكيف أصبح لها أتباع ومريدون؛ محاولين قدر الإمكان اعتماد التحليل والمقارنات في نقد الخبر التوراتي وربطه بمعلومات علمي الآثار والتاريخ القديم. ومن الله التوفيق.

المبحث الأول: نواة الديانة اليهودية

لا يمكن بأي حال القبول بأن الديانة اليهودية تمتد بعمرها إلى الزمن المفترض لعصر إبراهيم الخليل الذي ربطه المؤرخون بالعصر البابلي القديم أوائل الألف الثاني قبل الميلاد، كما لا يمكننا بأي حال القبول بصلةٍ ما تربط إبراهيم بموسى[4]، لأن هذا مما أضيف أثناء تدوين التوراة في بابل، إذ من المرجح، وفق آراء المؤرخين، أن التوراة الأخيرة كتبت في بابل وأن كاتبها هو عزرا مستشار الملك الاخمينشي للشؤون اليهودية[5]، وقد وجد أن قصة إبراهيم تمثل إحدى القصص الشهيرة المتداولة في ذلك العهد فقام بإضافتها كجزء من سيرة الديانة اليهودية. ثم اخترعوا سلسلة طويلة من الآباء يملئون الفجوة الزمنية بين موسى وإبراهيم ليصلوا بأصولهم إلى أبعد مد بالزمن، ويربطوها بالأرض التي اعتقدوا أنها تمثل مركز الكون وقلب العالم وهي أرض الرافدين، وإلا فإن بداية اليهود الحقيقية لا يمكن أن تقرن بأبعد من وجودهم في مصر، وعلى الأرجح يمثل أسلاف اليهود جماعات مختلفة من بينهم بقايا الهكسوس الذين بقوا في مصر بعد خروج الحكم من أيديهم خلال عهد الأسرة الثامنة عشر (1580 - 1320 قبل الميلاد). ومن المحتمل أن يكون هؤلاء هم من الأسرى الهكسوس الذين أصبحوا عبيدًا لدى المصريين المنتصرين[6]. لكن هناك من يربط اليهود بجماعات الهابيرو أو العابيرو، وهؤلاء على ما يبدو من الجماعات التي تعيش على الارتزاق والعمل لدى الحكام سواء في الأعمال المدنية أو في الجيش مقابل أجور معينة[7]. وهذا الرأي مهم ووجيه وربما يحل الكثير من المشاكل التاريخية المستعصية حول موضوع اليهود. لكن هذا الرأي الذي يتحمس له كثيرون يواجه تساؤلاً مهمًا وهو: ما علاقة هؤلاء بالجماعة الهاربة من مصر، والتي يؤسس عليها اليهود انطلاقتهم التاريخية؟ وهل هناك عابيرو في مصر، أم نستطيع أن نجمع بين الرأيين ونقول إن الشعب العبري هو مزيج من الهاربين من مصر، وهم أتباع آتون أو بقايا الهكسوس، وجماعات العابيرو التي انضمت لهم عند دخولهم إلى فلسطين؟ يبدو من سياق الأحداث أن الهكسوس الذين يميلون إلى التوحيد بفعل أصولهم الهضبية قد أثروا في أحد ملوك الأسرة الثامنة عشر، وهو الملك امنوحتب الرابع (أخناتون)، ربما من خلال عمل بعضهم في القصر الفرعوني، وقد أشارت التوراة إلى وجود اليهود في قصور الفراعنة كما هو الحال مع النبي موسى الذي أصبح ربيب الملك[8]، فأخذ امونحتب الرابع فكرة التوحيد منهم، أو ربما من البابليين بعد أن سمع من مصادره الدبلوماسية بدعوة التفريد التي وضعوا بموجبها الإله مردوخ فوق الإلهة الأخرى بعد أن فرضوا زعامتهم على شعب سومر وأكاد[9]. مع أن هناك رأيًا مهمًا يشير إلى أن دعوة التوحيد ليست غريبة عن مصر لأن الديانة في مصر تميل إلى التوحيد منذ قديم الزمان[10]، وكل ما فعله أخناتون أنه غيَّر الإله السائد في الديانة وجعله آتون بدل أمون، وهذا الرأي ينفيه واقع الحال وما تذكره النصوص عن وجود عدد من الإلهة إلى جانب الآلهة الكبرى وعلى رأسها آتون[11]. ومما يبدو أن أخناتون قد نقل هذه الأفكار الدينية إلى بلده بعد أن طورها بما يناسب وضع مصر، ثم طبقها أثناء حكمه فوافقه قسم من المصريين وعارضه قسم آخر. ومن المحتمل أن الهكسوس استفادوا من هذا التحول وحازوا على قدر من حريتهم، والملاحظ أن آتون، الإله الذي دعا إلى عبادته أخناتون، ليس مألوفًا لدى المصريين لأن إله الشمس لدى المصريين هو "رع"[12]، ما يطرح احتمال استيراد هذا الإله من بلد آخر حيث يمكن ربط هذا الإله بإله الشمس لدى العراقيين المسمى "اوتو"[13]، إلا أن من الصعوبة بمكان معرفة الطريقة التي وصلت بها هذه العبادة إلى مصر، لأن المصريين بما يمتلكونه من إرث حضاري وتاريخ عريق قد يجدون غضاضة في الإيمان بإله أجنبي، لكن مثل هذا الأمر ممكن الحدوث في تلك الآونة، وربما يمكن ربطه، كما أشرنا قبل قليل، بازدهار العمل الدبلوماسي الذي بلغ أوجه خلال الحقبة الكشية في العراق، وحكم الأسرة الثامنة عشر في مصر، وبشكل خاص حكم أخناتون ووالده امونحتب الثالث، حيث تم العثور في تل العمارنة، عاصمة أخناتون، على مئات الرسائل التي تم تبادلها بين ملوك وحكام ذلك العصر، وهي مكتوبة باللغة الآكدية أحد اللغتين الرئيسيتين في العراق القديم[14]. ومن المحتمل أن أخناتون الذي عاش في أجواء هذا النشاط الدبلوماسي الكبير قد تأثر ببعض الأفكار الأجنبية التي صادفت هوى في نفسه أو وجدها تلائم فكرته في تحقيق إصلاح ديني في مصر يتخلص من خلاله من سطوة كهنة آمون الذين ينازعون ملوك مصر نفوذهم، وربما أراد إيجاد ديانة تجمع تحت سقفها عموم سكان مصر الذين يعتقدون بديانات مختلفة. وبما أن غالبية سكان مصر من المزارعين فقد كان لزامًا عليه اختيار إله الشمس الذي يتعبد إليه المزارعون في العادة لارتباطه بواقعهم الحرفي، على عكس البدو الذين يميلون إلى عبادة إله القمر لارتباطه بالليل وقت الصفاء لدى البدوي والذي يقيه حر الشمس. ويبدو أن أخناتون لم يرد اختيار اسم إله مصري ربما نكاية بكهنة آمون أو حتى لا يعطي الأفضلية لجماعة دون أخرى. لكن إصلاحه الديني لم يكتب له النجاح فترة طويلة فسرعان ما عاد نفوذ كهنة آمون عقب وفاة أخناتون وتولي أخيه (توت عنخ آمون) السلطة، الأمر الذي خلق محنة دينية لأتباع آتون جرت عليهم الويلات حيث أشارت لها التوراة في تناولها لمحنة اليهود في مصر[15].

هروب أتباع آتون من مصر

على إثر الاضطهاد الذي رافق عودة ديانة آمون هربت أعداد كبيرة من أتباع آتون إلى خارج مصر، وكان يقود هؤلاء شخص اسمه موسى[16] تمكن من إنقاذ الهاربين من مطارديهم، ومن ثم تمكنت الجماعة من الوصول إلى أرض كنعان بعيدًا عن نفوذ فرعون مصر. ونظرًا إلى الدور الكبير الذي قام به هذا الرجل أثناء محنة المطاردة فقد خلَّده أتباع آتون بأن قدَّسوه، وربطوا حياته بالكثير من الأساطير التي أُضيفت في أوقات مختلفة، لاسيما خلال وجودهم في بابل، عندما قرنوه بأول فاتح عراقي شهير (شاروكين الآكدي) وقصة مولده التي تتطابق مع ما تذكره التوراة عن قصة مولد موسى[17]. كما أضيفت إلى حياته، وربما في بابل، أيضًا قصة تبليغه بالرسالة بعد لقاءه بالله الذي تمثَّل له على شكل نار، حيث نلاحظ الشبه الكبير بين تبليغ يهوه موسى بالرسالة وتبليغ هوارمزدا لزرادشت، الأمر الذي يطرح، ربما، احتمال استيراد اليهود لهذه القصة من الزرادشتيين[18] الموجودين في بابل آنذاك، إذ إن اليهود مشهورين باقتباس الأساطير والأفكار وتهويدها أي صبغها بالصبغة اليهودية. وكذا الحال بالنسبة لقصة سنوحي المصرية[19] والتي يحتمل اقتباسها في وقت سابق قبل مجيء اليهود إلى بابل، فأصبحت سيرة موسى جماع ثلاث قصص تعود إلى حضارات مختلفة.

بعد أن استقر أتباع آتون في بلاد كنعان (فلسطين القديمة) ازداد عددهم بتأثير انضمام جماعات أخرى إليهم معظمهم من بدو فلسطين، الأمر الذي وسمهم بالسمة البدوية، ولا يعرف الوقت الذي تحولوا فيه عن عبادة آتون إلى عبادة يهوه أو جاهوفة. لعل ذلك حصل قبل سبيهم إلى بابل بوقت طويل. لكن فلسطين شهدت تغييرات سياسية بالغة الأهمية حيث زالت عنها السيطرة المصرية وتعرضت لغزو شعوب البحر وأبرزهم البيلستيين، وهم من الأقوام القادمة من الأرض الإيطالية والتي حملت البلاد اسمهم[20]، الأمر الذي دعا اليهود إلى خوض الحرب لدفع الخطر البيلستي، ولتأسيس كيانهم المستقل الذي تم لهم بقيادة طالوت وداود حيث حكم داود مملكة تضم كل اليهود في فلسطين، وكذا الحال بالنسبة لابنه سليمان الذي حاز على شيء من المقدرة العسكرية ليقرن كجزء من الأسلوب اليهودي في المبالغة والتضخيم بشخصية الفرعون المصري تحتموس الثالث أشهر فاتح مصري معروف[21]، بمملكته من النيل إلى الفرات وبحروبه ونفوذه الذي وصل إلى بلاد بونت "الصومال الحالية". ومن المحتمل أن تكون الملكة بلقيس هي نفسها الملكة المصرية حتشبسوت التي قهرها الفرعون تحتمس الثالث بعد أن حاولت الهيمنة على العرش مستغلة صغر سن الملك، فليس هناك الكثير من الأدلة التي تتناول شخصية ملكة حكمت في اليمن أو حتى في منطقة القرن الأفريقي، كما يزعم البعض، معاصرة لعهد سليمان، فكل ما لدينا حول ذلك حتى الآن هو مجرد افتراضات وتكهنات[22]، وبالتالي قد تكون الملكة المقصودة هي حتشبسوت، الملكة المصرية، ولكن صيغت برؤية جديدة لتلاؤم الحدث التوراتي. وبعد وفاة سليمان انقسمت مملكة إسرائيل إلى مملكتين شمالية وعاصمتها السامرة ويطلق عليها دولة إسرائيل والجنوبية وعاصمتها بيت المقدس ويطلق عليها دولة يهوذا، حيث تم القضاء عليهما على يد الآشوريين والبابليين على التوالي[23].

المبحث الثاني: إبراهيم الخليل وعصر الآباء

هناك سؤال مهم يشغل بال مؤرخي تاريخ اليهود وهو: هل من صلة تربط اليهود بإبراهيم الخليل؟ وهل نقبل بما جاء في التوراة من أن إبراهيم الخليل هو الجد الأعلى لليهود، أم أن هذا الربط هو من بنات أفكار مدوني التوراة أثناء إقامتهم في بابل خلال الأسر؟ لقد أجاب الكثير من المؤرخين على هذا السؤال بشكل يتفق مع ما جاء في التوراة، ربما انسجامًا مع شعورهم الديني، وقد بيَّن بعضهم أن جماعة إبراهيم التي كانت تقطن في أور الكلدانيين بحسب التوراة هي جماعة بدوية تعيش على الرعي، وأن نزاعًا ما هو الذي دفع الجماعة إلى الهجرة بعيدًا عن موطنها على عادة البدو[24]. لكن هناك من شكَّك في انتماء إبراهيم الخليل إلى أور وطرح أمكنة أخرى ربما انطلقت منها دعوة إبراهيم كأرمينيا[25] أو غرب الجزيرة العربية[26] مستندين في ذلك على بعض الحجج. وسواء كانت الرحلة الإبراهيمية قد انطلقت من سومر أو من سواها فإننا نواجه الرأي ذاته الذي يعطي لإبراهيم مكانًا في سلسلة النسب اليهودية، ولذلك يطرح آخرون أن تكون هناك صلة ما ولكن ليست بالضرورة صلة قرابة أو نسب بل انتماء من نوع ما، على أساس أن إبراهيم من جماعات العابيرو التي سبق ذكرها وأنه ربما هاجر لسبب من الأسباب من موطنه السابق إلى فلسطين ليقود جماعات العابيرو هناك[27]. إلا أن هذا الرأي تنتابه نقطة ضعف مهمة وهي أنه لا يوجد أي دليل على وجود جماعات العابيرو في العراق في أي فترة زمنية، ولم يرد لهم ذكر خلال الزمن الذي افترضه المؤرخون لوجود إبراهيم الخليل، أي النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد. لكن قد يتسنى لنا الافتراض أن الجماعة الإبراهيمية ليست من جماعات العابيرو، بل جماعة مستقلة انضمت فيما بعد إلى جماعات أخرى ولتكن جماعات العابيرو لتكون الجماعة اليهودية، وهذا الرأي يتبناه الأستاذ فيلبي الباحث في التوراة، إذ يشير إلى أن إبراهيم هو ملك بابلي اسمه (يثع – أيل) أقصته حركة انقلابية دعته للهرب في اتجاه الغرب، ويستدل على صحة رأيه بترجمة اسم الملك حيث تبين أن معناه خليل الله أي اللقب نفسه الذي أُطلق على إبراهيم[28]. أما الرأي الأخر فهو الذي يشير إلى أن معظم عناصر قصة إبراهيم الخليل المعروفة لنا ربما أضيفت خلال عملية تدوينها الأخيرة في بابل، وأنها ربما تعود في الأصل إلى قصة هندية كانت شائعة آنذاك في العراق القديم بتأثير وجود بعض الأقوام الهندو-أوربية كالفرس أو بقايا الكشيين، وهي قصة الرامايانا[29]، ولعل ما يسند هذا الرأي وجود هذه القصة ضمن عقائد الصابئة الذين وجدوا في العراق خلال تلك الفترة أو بعدها بقليل ما يدل ربما على أنهم استقوها من مصدر واحد[30]. لكن من الممكن مع ذلك التفريق بين القصة وشخصية إبراهيم، فإذا كانت القصة مأخوذة من تراث الهند أو لها صلة بجماعة دينية كانت ساكنة في العراق آنذاك فهذا لا يعني أن شخصية إبراهيم ليست حقيقية، بل كل ما في الأمر دمج بعض عناصر قصة الرامايانا مع سيرة إبراهيم لتبدو أكثر تشويقًا وإثارة على عادة ما يفعله الرواة في الغالب. وفي الإمكان وفق ذلك تصور أن الجماعة الإبراهيمية المشار إليها آنفًا هي جزء من الجماعة الكشية الحاكمة في العراق خلال الألف الثاني قبل الميلاد في أعقاب حكم سلالة بابل الأولى، وأن السبب في تميز الجماعة تمسكهم بدينهم الأصلي ذي الجذور الهندو-أوربية، على خلاف الغالبية التي اختارت التحول إلى الديانة الرافدينية انسياقًا مع وضعها كجماعة حاكمة حريصة على التلاؤم مع عقلية المحكومين، وهو ما دفع الجماعة إلى الهجرة حفاظًا على دينهم وتخلصًا من الاضطهاد الذي ربما رافق ذلك التحول. وربما لهذا السبب نجد بعض المعتقدات التي ليست لها صلة بمعتقدات سكان المنطقة وقد أصبحت جزءًا من ديانة جديدة تبلورت أخيرًا إلى الديانة اليهودية، كعقيدة الآخرة ومفهوم الكتاب المقدس... إلخ، بعد أن امتزجت بعقائد الشعوب التي عاشت بين ظهرانيها. إلا أن هذا الرأي تعوزه الأدلة ناهيك عن أن هذه العقائد ربما تكون تطويرًا لعقائد المنطقة وليست بالضرورة من جذور أجنبية، حيث شهدت عقائد المنطقة تغييرات مهمة وصلت حد التفريد في الديانة الرافدينية[31] والثنوية في العقائد الفارسية[32] والتوحيد في الديانة المصرية[33]، وليس هناك ما يمنع ظهورَ عقيدة تجمع بين هذه العقائد أو تتبنى بعض أفكارها. أما بالنسبة إلى الشخوص الأخرى في سلسلة النسب اليهودية، أي إسحاق ويعقوب ويوسف، فهناك إضافة إلى الطرح التوراتي رأي آخر يشير إلى كونها شخصيات مستقلة لا رابط بينها، وإنهم رُبطوا ببعضهم البعض في فترة التدوين الرئيسية بعد أن مضى على اتحاد جماعاتهم قرون عدة، وقد يكونون من زعماء جماعات العابيرو[34] التي اتحدت فيما بينها مع جماعات أخرى وكونت جماعة واحدة هي الجماعة اليهودية في فلسطين، ثم جرت إضافة أحداث من قصص شائعة إلى سيرهم لتبدو أكثر تشويقًا وإثارة كما هو الحال مع قصة إبراهيم الخليل، وسنقوم هنا بتناول كل شخصية على حدة إتمامًا للفائدة.

1.    إبراهيم الخليل

فيما يخص شخصية إبراهيم الخليل هناك ثلاثة آراء: أولها الرأي الذي يقبل بكل ما جاء في التوراة حوله أو يعتبر معلوماتها عنه صادقة إجمالاً[35]، فيما يرى رأي آخر عكس ذلك تمامًا أي أن شخصية إبراهيم لا وجود لها في الواقع، وهي إجمالاً من نسج خيال اليهود أو كتبة التوراة لمد جذور ديانتهم إلى أعماق الزمن بما في ذلك احتمال أخذهم القصة من شعوب أخرى[36]، أما الرأي الثالث الذي نرجحه هنا هو أن شخصية إبراهيم شخصية حقيقية أضاف إليها الرواة أو كتبة التوراة بعض الأحداث التي تثير التشويق وتبعث على الإثارة، وهي مأخوذة من ميثولوجيا الشعوب التي احتكوا بها، ومن الممكن أن يكون اليهود قد اعتمدوا على قصة الرامايانا الهندية في إثراء السيرة التي أعدوها لشخصية إبراهيم الخليل أو العكس، أي أن قصة إبراهيم الخليل هي التي انتقلت إلى الهنود لتؤلف منها ملحمة الرامايانا الشهيرة، فلو طالعنا القصتين، أي قصة إبراهيم الخليل الموجودة في التوراة وقصة الرامايانا، سنجد الكثير من أوجه الشبه، إذ تتمحور القصتان حول جملة من الإحداث المركزية أهمها تأخر الإنجاب بالنسبة للملك (داسارتا) في الرامايانا ونظيره إبراهيم الخليل، والغيرة التي اضطرت الملك (داسارتا) إلى نفي ابنه راما في الرامايانا حيث يشبه هذا الحدث اضطرار إبراهيم إلى نفي ابنه إسماعيل نزولاً عند طلب زوجته سارا، مع الأخذ بالاعتبار اختلاف الأدوار إذ لم يتقيد الناقل القديم بالإحداث الأصلية وتصرف بها بما يتناسب مع متطلبات روايته، أو أن الرامايانا القديمة كانت مختلفة بعض الشيء عن الرامايانا الأخيرة فحصل هذا اللبس في الأدوار بين الأب والابن: (في النص التوراتي: ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم يمزح فقالت اطرد هذه الجارية وابنها لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق)[37]. (النص الهندي: لقد وعدت بان تمنحني هبتين وأقسمت على ذلك باسم راما ابنك العزيز، والآن سأذكر ما في ذهني وإذا رفضت طلبي فلسوف تكون أول شخص من جنس اكشفالو السلالة العظيمة لإله الشمس ذاته لا يفي بوعده من أجل مصلحته الخاصة. انفِ راما إلى الغابات مدة أربعة عشر عامًا وتوِّج بارانا واحتفل باعتلائه العرش بالترتيبات نفسها التي أعددتها فعلاً)[38]. كذلك نجد تشابهًا في موضوع المحرقة مع وجود بعض الاختلافات: (النص التوراتي: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق واذهب إلى أرض المرايا واصعده هناك محرقة على إحدى الجبال، فلما أتيا إلى الموضع الذي قال له الله بنى هناك إبراهيم المذهب ورتب الحطب ثم مدَّ إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه، فناداه ملاك الرب من السماء وقال إبراهيم، فقال إبراهيم ها أنذا، فقال لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئًا)[39]. (النص الهندي: يلتقي الملك داسارتا بالحكيم فيسوا ميترا ويسأله الملك عن شيء يستطيع إن يفعله له، فيجيبه الحكيم بالإيجاب ويطلب منه إرسال راما معه من أجل إن يقيم محرقة قبل حلول البدر، ويشعر الملك بالضيق خوفًا على راما، لكن في النهاية يخضع لمشيئة الحكيم)[40].

إما بالنسبة لزوجتيهما فهناك بعض الشبه أيضًا، ويكفي أن نشير إلى أن تعرض سيتا، زوجة راما، للخطف من قبل الشياطين يشبه إلى حد ما أخذ الفرعون لسارا، زوجة إبراهيم الخليل، ومحاولة إرغامها على الزواج منه. (يقول النص التوراتي: لما دخل إبراهيم مع سارا أرض مصران المصريون رأوا المرأة أنها حسنة جدًا ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى الفرعون، فأخذت المرأة إلى بيت فرعون فصنع لإبرام خيرًا بسببها...[41]. (وفي النص الهندي قام رافانا ملك الشياطين باختطاف سيتا زوجة راما بعد أن سمع عن حسنها من شقيقته).

2.    إسحاق

يعد إسحاق وفق سلسلة النسب اليهودية ابن إبراهيم وأب يعقوب، ومن هؤلاء الثلاث انحدرت الجماعة اليهودية، ورغم أن هناك من بين المؤرخين المعاصرين من يؤيد هذا النسب إلا أن هناك في المقابل من يشك فيه أو يتحفظ عليه، حيث يرى البعض أن لا علاقة لهؤلاء ببعضهم البعض، وأن كتبة التوراة هم الذين وضعوهم في سلسلة نسب واحدة بعد أن انصهرت هذه الجماعات مع بعضها البعض وأصبح ينظر لها على إنها جماعة واحدة. وبالتالي يرى البعض أن إسحاق هو زعيم لجماعة من العابيرو كانت تسكن حول بئر السبع ولها علاقات متذبذبة مع سكان المناطق المجاورة كمملكة جرار وحاكمها أبي مالك، ويبدو أن سبب ضم إسحاق إلى النسب الإبراهيمي ناجم من انضمام جماعة إسحاق إلى الجماعة اليهودية الأم والذي جرى في عهد داود على الأرجح[42].

3.    يعقوب

ليعقوب مكانة مهمة في الحدث التوراتي، وهو وفق التسلسل النسبي ابن إسحاق. لكن، كما قلنا قبل قليل، هناك من يعتقد أن لا صلة ليعقوب بإسحاق أو إبراهيم، وهو ربما استنادًا إلى دلالة التوراة ذاتها من سكان منطقة شمال سوريا، وعلى الأرجح من سكانها الآراميين، بدليل ما يشار إلى اعتقاده بأيل الذي هو من الأرباب الآرامية حيث اضطرت جماعته تحت وطأة الغزوات الآشورية إلى ترك موطنها والهجرة جنوبًا إلى فلسطين، ثم وبعد اتحاد الجماعات التي تكونت منها الجماعة اليهودية فيما بعد أضيف اسم يعقوب إلى سلسلة النسب اليهودية[43].

4.    يوسف

بالنسبة إلى يوسف الذي تعطيه التوراة منزلة كبيرة بين إخوانه وتربطه بإحدى القصص المعبرة يبدو أنه أيضًا من الزعماء المهمين لدى اليهود، فهناك إضافة إلى الرأي التوراتي الذي يؤيده بعض المؤرخين المعاصرين حول موقعه في سلسلة النسب اليهودية ومكانته كنبي ورجل سياسة، هناك آراء أخرى تجعل يوسف شخصية مستقلة لا علاقة له بمن عُدُّو آبائه في سلالة النسب اليهودية، بل هو بحسب هؤلاء زعيم أو جد رمزي لقبيلة عبرية كبيرة ربما عاشت محنة الاضطهاد في مصر لكونها من قطنة الأراضي المصرية، ثم يعتقد أنها هي بطلة الهجرة الشهيرة في التوراة هربًا من مطاردة الفرعون المصري مرنبتاح أو سواه، وتحالفوا عند وصولهم إلى فلسطين مع بني يعقوب حيث أُخذ يشار لهم ببني إسرائيل الذي هو ربما اسم لقبيلة يوسف نفسها[44]. لكن بإمكاننا أيضا الافتراض أن جماعة يوسف هي واحدة من جماعات الهكسوس التي هربت من مصر في أعقاب فشل دعوة التوحيد الأخناتونية، وبالتالي نستطيع أن نفسر ما تشير إليه التوراة من تولي يوسف أحد المناصب السياسية في مصر بكونه نابع من انتمائه إلى مجموعة الحكام الهكسوس أو إلى حاشيتهم المقربة. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فعلى ما يبدو، وهذا ما نرجحه، أضاف الكتبة اليهود لسيرة يوسف أحداثًا استقيت من قصص أخرى، وعلى الأخص قصة جلجامش، حيث نلاحظ شبهًا مهمًا بين بعض تفاصيل القصتين لا سيما نص الإغراء الذي أخذ حيزًا مهمًا من أحداث القصتين، ففيما يخص الأوصاف الشخصية تميز يوسف بوسامته الشديدة[45] ولعل مشهد تقطيع النساء لأصابعهن عند مروره بهن هو أبلغ تأكيد لهذا الوصف.

ولو طالعنا ملحمة جلجامش لوجدنا الشيء نفسه، حيث تصف الملحمة جلجامش بأنه كامل الجمال والقوة: "حباه شمش السماوي بالحسن وخصه ادد بالبطولة، جعلت الآلهة العظام صورة جلجامش تامة كاملة"[46]، ومثلما وقعت امرأة العزيز في حب يوسف وراودته عن نفسه بالترغيب والترهيب، فعلت إينانا (عشتار) ذلك وهي إلهة الحب عند العراقيين القدماء: "لما رأت عشتار جلجامش ورمقت جماله نادته تعال يا جلجامش وكن حبيبي"[47]، ومثلما رفض يوسف عروض امرأة العزيز وتجاهل تهديدها فعل جلجامش ذلك، فقد أشارت الملحمة إلى أن جلجامش لم يكتفي برد طلب إينانا (عشتار) بل وصمها بشتى النعوت السلبية والشتائم: "أي خير سأناله لو أخذتك زوجة، ما أنت إلا الموقد الذي تخمد ناره بالبرد... أنت فيل يمزق رحله، أنت قير يلوث من يحمله، أنت قربة تبلل حاملها... أنت نعل يقرص منتعله"[48]، وهي جرأة كبيرة كلفته الكثير بعد ذلك حيث عوقب بموت صديقه الذي يمكن مضاهاته بتعرض يوسف للسجن. لكن هناك في المقابل قصة مصرية تبدو أكثر شبهًا بقصة يوسف بحيث يمكن عدها من الأصول التي استقى منها التوراتيون أحداث قصة يوسف، حيث تحكي عن أخوين يعيشان في بيت واحد، حاولت زوجة الأخ الكبير إغراء الأخ الأصغر، وبعد أن صدها ادَّعت لدى أخيه الذي هو زوجها أنه هو الذي حاول إغرائها، وأنها بعد الآن لا تستطيع العيش معه تحت سقف واحد، ولما سمع الأخ الأصغر بذلك فضل الهرب حتى يتجنب غضب أخيه، وبعد فترة خدمته الظروف فتمكن من اعتلاء عرش مصر[49].

المبحث الثالث: تطور الدين اليهودي

للديانة اليهودية أركان عديدة ساهمت في تطورها عبر العصور أهمها:

1.    الجماعة اليهودية

قد تكلمنا فيما مضى من البحث عن الكيفية التي تشكلت من خلالها هذه الجماعة، حيث بينا أنها ليست من نسل واحد كما تشير الروايات التوراتية، بل هي نتاج اتحادات وتحالفات عديدة تكوَّن معظمها خلال فترة الاضطرابات التي شهدتها فلسطين في أعقاب انحسار النفوذ المصري وبداية غزوات شعوب البحر التي انحرفت عن مصر بعد هزيمتها أمام رعمسيس الثالث من الأسرة العشرين حدود 1190 قبل الميلاد[50]، فوجدت هذه الجماعات المختلفة أن من الضروري لمواجهة هذا التحدي التحالف فيما بينها، والذي تحول فيما بعد إلى علاقة نسب وصلات دم كما يحصل في العادة في التحالفات العشائرية التي تمتد لفترة طويلة[51]، حيث توسع الاتحاد أخيرًا لتتشكل منه الدولة اليهودية الموحدة برمزيها الكبيرين: النبي داود وابنه النبي سليمان، والتي انقسمت فيما بعد إلى دولتين شمالية وعاصمتها السامرة وتسمى دولة إسرائيل وجنوبية وعاصمتها أورشليم وتسمى دولة يهوذا، حيث تعرضت الأولى للسقوط على يد الآشوريين سنة 722 قبل الميلاد وعمرت الأخرى حتى مجيء الدولة البابلية الحديثة لتسقط على يد نبوخذ نصر البابلي سنة 587 قبل الميلاد. لكن الوجود اليهودي في فلسطين لم ينتهي تمامًا بل لقد بقي لهم بعض النفوذ السياسي حتى مجيء الفرس الهاخمينشيون، الذين سمحوا لليهود بالعودة إلى فلسطين، وقد تمكَّن اليهود من استعادة استقلالهم السياسي عن السلوقيين خلفاء لاسكندر المقدوني بعد ثورة المكابيين الشهيرة، فحكمت الأسرة الحسمونية من 160 إلى 63 قبل الميلاد عندما أسقطها الرومان أثناء احتلالهم لسوريا على يد بومباي. ولكن اليهود احتفظوا بقدر من الحكم الذاتي في ظل حكم الأسرة الهيرودية، ولمَّا جاء الإمبراطور هادريان أراد تحويل منطقة فلسطين إلى مستعمرة رومانية فهاج اليهود وقاموا بثورة ضد الرومان سرعان ما قُمعت بشدة، حيث قتل الرومان آلاف اليهود ودمروا مئات القرى وهجروا الآخرين بحيث يمكن القول إن عام 135 م كان عامًا مصيريًا بالنسبة لوجود اليهود في فلسطين، حيث انتهى وجودهم السياسي والاجتماعي ولم تبق لهم إلا جالية صغيرة انحصرت في مناطق محددة، وبالتالي كان لهذه الدول تأثير مباشر على تطور الديانة اليهودية لأنها أصبحت تحت رعاية الحكام اليهود وتوجيههم وبما يخدم أغراضهم السياسية[52].

2.    التوراة

تعد الكتب الدينية اليهودية ركنًا مهمًا من أركان الديانة اليهودية، لا سيما بشكل خاص التوراة التي يمتد عمرها إلى ما يقرب من ثلاث آلاف سنة، ما يجعلها واحدة من أقدم الكتب في العالم. ونظرًا إلى أهمية التوراة ككتاب ديني فقد اختلف المؤرخون على طبيعتها، فمنهم من عدها إحدى الكتب المنزلة من الله بغض النظر عن انقسام هؤلاء بين مجموعة ترى أن الكتاب الحالي هو نفسه الكتاب القديم ومجموعة ترى أنه غيره أو محرَّف عن ذلك الكتاب، كذلك ترى جماعة أن التوراة ليست سوى كتاب كتبه البشر ثم نسبوه إلى الله ليعطوه أهمية أو قدسية، وهؤلاء بالتأكيد من منكري الدعوات السماوية. لكن أيًّا كانت طبيعة الكتاب فإن له أهمية خاصة كونه يمثل مصدرًا لتاريخ حقبة مهمة من تاريخ المنطقة، على الرغم مما فيه من خلط وتغيير للحقائق، وهو لا يمثل مجرد كتاب يسرد التاريخ بل كتابًا تضمن الكثير من المعلومات الاجتماعية والقصص والأساطير، التي أُخذ معظمها من تراث المنطقة ثم أحيطت برؤية يهودية ترتبط بديانتها التوحيدية. ولقد أثبت علماء التاريخ أن الكثير من القصص والشرائع الموجودة في التوراة تعود إلى موروث المنطقة الحضاري، لا سيما بشكل خاص حضارة وادي الرافدين التي مثلت أهم المصادر التي استقى منها اليهود فكرهم وديانتهم، فقد تبين أن شريعة اليهود وعناصر من قصة الخليقة وخلق آدم وقصة قابيل وهابيل وولادة موسى وقصة الطوفان وقصة أيوب والحكيم لقمان مأخوذة من التراث العراقي القديم، هذا بالإضافة إلى ما أخذوه عن المصريين والكنعانيين[53]. ولم يقتصر النقل الذي قام به مؤرخو التوراة على إضافة عناصر من قصص شهيرة على سير الشخصيات التوراتية، بل على اقتباس قصص كاملة وإسباغها بالرؤية التوراتية حتى بدت هذه القصص ولقرون عدة على أنها قصص توراتية محضة. على أننا لا يجب أن ننسى أن هذا الأمر هو الذي أبقى هذه القصص حية ومتداولة بعد انهيار حضارات أصحابها، حيث بدت التوراة وكأنها صوت العالم القديم الذي بقي يتردد في أعماق الزمن ليذكر الناس بأمجاد الأولين. إلا أن ما يحسب على مدوني التوراة أنهم لم ينسبوا هذه القصص لأصحابها الأصليين بل أعطوها صفة يهودية، الأمر الذي أخفى حقيقة هذه القصص ولم تظهر حقيقتها إلا مع بداية التنقيبات الأثرية الحديثة، التي كشفت وبشكل حاسم أصول تلك القصص وإن بقي الجدل مثارًا حول بعضها إلى الآن.

الخاتمة

في ختام بحثنا المتواضع هذا نستطيع أن نوجز ما توصلنا إليه حول الديانة اليهودية بما يلي:

-       إن اليهود شعب من جماعات مختلفة جمعت بينهم الديانة اليهودية، وإنهم نتيجة اتحاد بين جماعات العابيرو التي نشطت في فلسطين خلال النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد وجماعة آتون الهاربين من الاضطهاد في مصر، ومن المحتمل أن جماعة أخرى أضيفت لهم ربما لها علاقة بالكشيين في العراق بعد تحول الكشيين إلى الديانة الرافدينية.

-       الشخصيات الرئيسية لهذه الديانة ليست بالضرورة من نسل واحد أو من أصول يهودية، فقد يكون لإبراهيم علاقة بالجماعة الكشية التي افترضنا هجرتها من العراق منتصف الألف الثاني قبل الميلاد وبقصة راما الهندية أو العكس، فيما يحتمل أن يكون موسى من المصريين أتباع ديانة أخناتون الشهيرة، هرب وجماعته من الاضطهاد بعد انحسار ديانة آتون. هذا بالإضافة إلى إسحاق ويعقوب ويوسف الذين يحتمل كونهم من قبائل مختلفة، وإن الربط النسبي فيما بينهم تم من قبل كتبة التوراة من أجل زيادة اللحمة بين الجماعة اليهودية بعد أن مضى زمن طويل على اتحادها، وهو يتناغم مع طريقة اليهود في كتابة التاريخ وطرحه بما يتناسب مع وضعهم العام.

-       اعتمد اليهود في تطوير عقيدتهم على موروث المنطقة الثقافي بعد أن صبغوه بالصبغة اليهودية، حيث تغيرت الأسماء وحرفت التفاصيل بما يتناغم مع المعتقد اليهودي، فأصبحت التوراة مصدرًا مهمًا من مصادر تاريخ المنطقة بعد أن كانت المصدر الرئيس لقرون خلت.

-       جاء تطور الديانة اليهودية من خلال مزجها لمعتقدات الشعوب التي جاورتها، فالتوحيد هو نتيجة من نتائج دعوة أخناتون المصرية التي ربما لها علاقة بمعتقدات الهكسوس حكام مصر السابقين أو بتأثير حركة التفريد الرافدينية التي أعقبت تبوأ بابل الزعامة على بلاد سومر وأكد. أما الاعتقاد بالآخرة (الجنة والنار) فيبدو أنه من ثمرات الانتقال إلى بابل واحتكاكهم ببعض الديانات الشرقية هناك، لأن هذا الاعتقاد كان غائبًا طوال فترة وجود اليهود في فلسطين بالرغم من مجاورتهم للمصريين الذين يعتقدون بالآخرة أيضًا.

-       ساهمت الدول التي أسسها اليهود في فلسطين في زيادة تطور الديانة اليهودية، لأن هذه الديانة أصبحت ولأول مرة تحت رعاية سياسية بعد أن كانت تعد من الديانات المطاردة أو المحاربة من قبل مختلف الدول التي عاشت في كنفها.

وأخيرًا، يجب أن نثني على اليهود لأنهم ساهموا في نشر موروث المنطقة وإعطائه صفة العالمية ناهيك عن دورهم في مسار الأخلاق والديانة.

*** *** ***

المصادر

-       سيد القمني، النبي إبراهيم والتاريخ المجهول، القاهرة، 1990.

-       كمال الصليبي، خفايا التوراة، بيروت، 2006.

-       أحمد سوسة، العرب واليهود في التاريخ، بغداد.

-       أسامة أبو نحلة، نقد نماذج لدراسات العهد القديم، مقالة منشورة على الموقع الالكتروني لمؤسسة فلسطين للثقافة.

-       اندريه لومير، تاريخ الشعب العبري، ترجمة: أنطوان الهاشم، بيروت، 1999.

-       هنري فرانكفورت وآخرون، ما قبل الفلسفة، ترجمة: جبرا إبراهيم جبرا، مراجعة: محمود الأمين، دار مكتبة الحياة، بغداد، 1960.

-       سيد القمني، رب الثورة اوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة، الطبعة الثانية، رسالة دكتوراه، المركز المصري لبحوث الحضارة، مصر، 1999.

-       خزعل الماجدي، الدين المصري، عمان، 1998.

-       خزعل الماجدي، المعتقدات الامورية، عمان، 2002.

-       طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج1، بغداد، 1971.

-       ارنولد توينبي، دراسة التاريخ، ترجمة طه باقر، بغداد، 1955، ص 42.

-       رمضان عبده علي السيد، معالم تاريخ مصر القديم، القاهرة، 1986.

-       سامي سعيد الأحمد، تاريخ فلسطين القديم، جامعة بغداد، 1979.

-       محمد بيومي مهران، دراسات في الشرق الأدنى القديم، مصر، 1999.

-       عصام الدين حفني ناصف، اليهودية بين الأسطورة والحقيقة، بيروت، 1985.

-       رشيد الخيون، الأديان والمذاهب في العراق، مطبعة سبحان.

-       الرامايانا، ناريان، ترجمة دار المأمون، بغداد، 1987.

-       طه باقر، ملحمة جلجامش، الطبعة السادسة، بغداد، 1986.

-       سيد القمني، مدخل إلى فهم دور الميثولوجيا التوراتية، نشر الكتروني.

-       يوسف القاضي، أصل العبرانيين، حاورته هناء العمري، مجلة آفاق عربية، السنة الخامسة عشر، آب، 1990.


 

horizontal rule

[1] على سبيل المثال إحدى الدراسات التي تنتمي إلى هذا الاتجاه طرحت أن اليهود من أصل غجري. انظر: يوسف القاضي، أصل العبرانيين، حاورته هناء العمري، مجلة آفاق عربية، السنة الخامسة عشر، أب، 1990.

[2] انظر: د. سيد القمني، النبي إبراهيم والتاريخ المجهول، القاهرة، 1990، ص 171.

[3] انظر: كمال الصليبي، خفايا التوراة، بيروت، 2006، ص 9.

[4] د. احمد سوسة، العرب واليهود في التاريخ.

[5] د. أسامة أبو نحلة، نقد نماذج لدراسات العهد القديم، مقالة منشورة على الموقع الالكتروني لمؤسسة فلسطين للثقافة.

[6] د. احمد سوسة، مرجع سابق، ص 283.

[7] اندريه لومير، تاريخ الشعب العبري، ترجمة أنطوان الهاشم، بيروت، 1999، ص 10.

[8] التوراة، سفر الخروج 2: 10.

[9] هذا ما تطرحه أسطورة الخليقة بنسختها البابلية حيث خاطب الآلهة مردوخ قائلين: "لقد وهبناك الملك والسلطان على كل شيء فاجلس في مجمعنا ولتكن كلمتك هي العليا". انظر: هنري فرانكفورت وآخرون، ما قبل الفلسفة، ترجمة: جبرا إبراهيم جبرا، مراجعة: محمود الأمين، دار مكتبة الحياة، بغداد، 1960، ص 211.

[10] سيد القمني، رب الثورة اوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة، الطبعة الثانية، رسالة دكتوراة، المركز المصري لبحوث الحضارة، مصر، 1999، ص 91.

[11] المرجع السابق، ص 92.

[12] خزعل الماجدي، الدين المصري، عمان، 1998، ص 30.

[13] خزعل الماجدي، المعتقدات الامورية، عمان، 2002، ص 72.

[14] طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج1، بغداد، 1971، ص 459 – 462.

[15] التوراة، سفر ارميا، 31 و44.

[16] موسى لفظةٌ مصرية معناها الطفل، وقد تسمى بها عدد من الملوك المصريين مثل (اح موسى) و(تحت موسى)... إلخ. انظر: احمد سوسة، مرجع سابق.

[17] يرى المؤرخ توينبي عكس ذلك أي أن زرادشت هو نسخة عن موسى وربما من أتباعه حيث قطن اليهود الأنحاء الفارسية بتأثير حملات التهجير الآشورية والبابلية. دراسة التاريخ، ترجمة طه باقر، بغداد، 1955.

[18] قد يعترض البعض على هذا القول على أساس أن زمن موسى أسبق من زمن زرادشت، ولا بد أن يكون مرد هذا التشابه إلى انتقال القصة من اليهود إلى بلاد فارس موطن الزرادشتيين وليس العكس. لكننا نفسر الأمر بأن هذه الإضافة تمت أثاء وجود اليهود في بابل حيث جمعوا بعض القصص وأضافوها إلى قصة موسى الأصلية.

[19] احمد سوسة، مرجع سابق، ص 31.

[20] د. سامي سعيد الأحمد، تاريخ فلسطين القديم، بغداد، 1979، ص 165.

[21] د. رمضان عبدة علي السيد، معالم تاريخ مصر القديم، القاهرة، 1986، ص 374 – 401.

[22] د. محمد بيومي مهران، دراسات في الشرق الأدنى القديم، مصر، 1999، ص 356 – 369.

[23] طه باقر، مرجع سابق، ص 512 وص 549 – 550 على التوالي.

[24] سامي سعيد الأحمد، مرجع سابق، ص 109.

[25] سيد القمني، مرجع سابق، ص 69.

[26] كمال الصليبي، مرجع سابق، ص 9.

[27] اندريه لومير، مرجع سابق، ص 12.

[28] سيد القمني، مرجع سابق، ص 38.

[29] عصام الدين حفني ناصف، اليهودية بين الأسطورة والحقيقة، بيروت، 1985، ص 131 – 132.

[30] رشيد الخيون، الأديان والمذاهب في العراق، مطبعة سبحان، ص 50.

[31] وهو اعتبار مردوخ ملك الآلهة بحسب أسطورة الخليقة التي حورت في عهد زعامة بابل فأصبحت الآلهة الأخرى دونه في المستوى.

[32] الإيمان بقوتي النور والظلام.

[33] ثورة اخناتون التي مر ذكرها.

[34] اندريه لومير، مرجع سابق، ص 11 – 14.

[35] وهو رأي المؤمنون بالديانات السماوية الثلاث.

[36] هامش 25.

[37] التوراة، سفر التكوين: 18.

[38] الرامايانا، ناريان، ترجمة دار المأمون، بغداد، 1987، ص 80.

[39] سفر التكوين: 22.

[40] الرامايانا، مرجع سابق، ص 26 – 27.

[41] سفر التكوين: 12.

[42] اندريه لومير، مرجع سابق، ص 11- 12.

[43] المرجع السابق، ص 12.

[44] المرجع السابق، ص 13 – 14.

[45] التوراة، سفر التكوين: 39.

[46] طه باقر، ملحمة جلجامش، بغداد، 1986، ص 77.

[47] المرجع السابق، ص 108.

[48] المرجع السابق، ص 109.

[49] احمد سوسة، مرجع سابق، ص 203.

[50] د. رمضان عبدة علي السيد، مرجع سابق، ص 506 – 507.

[51] سيد القمني، مدخل إلى فهم دور الميثولوجيا التوراتية، نشر الكتروني، ص 3.

[52] اعتمدت في تناول الحالة السياسية لليهود على المصدر التالي: محمد بيومي مهران، دراسات في الشرق الأدنى القديم، ص 273- 470.

[53] . للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع انظر: احمد سوسة، العرب واليهود في التاريخ، ص 179- 225.

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود