النضال اللاعنفي وكسب التأييد
(مادة تدريبية)
أقامت معابر بالتعاون مع ملتقى سوريات يصنعن السلام ورشة تدريبية تحت
عنوان "النضال اللاعنفي وكسب التأييد"، عُقدت الورشة في دمشق 20- 21
تشرين الأول 2014.
شارك في الورشة مجموعة متدربين من محافظات: السويداء - حلب – طرطوس –
حمص – بالإضافة إلى دمشق، وهم ناشطو وناشطات عمل مدني من خلال فرق
عملهم التي تعنى بنشاطات وقضايا محلية مختلفة.
أدار الورشة كل من السيد حسن حميدوش والأنسة أميرة مالك حيث كانا
بمثابة ميسرين للجلسات والتمارين التفاعلية ومدربين من خلال خبرتهم
ومعلوماتهم في هذا المجال والناتجة عن العمل الفعلي في الواقع السوري
الحالي خلال العامين الماضيين، بالإضافة إلى ثقافتهم اللاعنفية، إضافة
إلى السيدة منى هلال.
تجدون هنا ملخصًا عن الخطوط العريضة ومحاور التدريب والنقاش.
***
أميرة مالك وحسن
حميدوش
اللاعنف ليس برهانًا على المحبة، إنما برهان على القوة
مارتن لوثر كينغ
المحور الأول: تعريف اللاعنف والنضال اللاعنفي
ما هو اللاعنف:
-
سلوك مسالم وهادئ يجنح نحو التفاهم والود والانسجام مع الآخرين، ويتجنب
القوة والصدام مع المناوئين والخصوم، حتى ولو كلف ذلك بعض الخسائر
المادية والاعتبارية للطرف الذي يتوخى التهدئة والسلام.
-
سلوك عقلاني يهدف إلى تفادي الصراع مع طرف معين أو أطراف محددة، بغية
إحلال السلام والوئام والانسجام مع الجهات التي قد تكون سببًا من أسباب
التوتر والقلق، وإقناع الآخرين بأن النزاع والحروب يؤديان إلى الكثير
من الخسائر المادية والبشرية.
-
سلوك لا ينطوي على حبِّ من يحبوننا فقط؛ بل يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث
إن اللاعنف يبدأ من اللحظة التي نشرع فيها بحب من يكرهوننا.
-
ممارسة حضارية تفرض على الجهة التي تعتمدها في حلِّ مشكلاتها وصراعاتها
مع الآخرين انتهاج أساليب إنسانية سلمية، تعتمد على التهدئة والمهادنة
والتنازل عن بعض الحقوق في سبيل التوصل إلى حل النزاعات التي تحقق
طموحات ومصالح الأطراف المتخاصمة دون اللجوء إلى العنف كخيار لحل
المشكلات والأزمات.
ولا بد هنا من التفريق بين مفهوم اللاعنف كفلسفة، وبين أسلوب النضال
اللاعنفي كنهج عمل، والذي يعد خيارًا ثالثًا يتم انتهاجه بدلاً من
الخنوع والاستسلام أو اللجوء إلى العنف كخيار غير مجدٍ للتغيير، حيث
يستند نهج النضال اللاعنفي إلى فلسفة اللاعنف.
تعريف النضال اللاعنفي (حرب اللاعنف):
-
هو وسيلة من وسائل العمل الاجتماعي السياسي، ويقوم العمل اللاعنفي على
استخدام العديد من وسائل العمل النفسية والاجتماعية والاقتصادية
والسياسية، من دون استخدام العنف الجسدي.
-
ضرب من ضروب الوعي الاجتماعي والثقافي الذي يجعل الفرد يعترف بحقه وحق
الآخرين عليه، ومثل هذا الاعتراف هو الذي يقدح شرارة اللاعنف التي تضع
حدًا للاستغلال والاحتكار والنزاع والحرب.
-
سلاح اللاعنف سلاح القوي. اللاعنف سلاح قوي وعادل، وهو يقطع دون أن
يجرح ويجعل من الإنسان الذي يستخدمه نبيلاً، إنه سيف يشفي.
-
لا يعني اللاعنف القعود دون عمل، وهو ليس نقاشًا فقط، كما أنه ليس
للخجول أو الضعيف؛ إنه عمل جاد، فهو الرغبة في التضحية، وهو الصبر
على الانتصار.
الصراع اللاعنفي لا يُستخدم فقط ضد السلطة السياسية، قد يكون لأغراض
بيئية أو اجتماعية.
***
المحور الثاني: نشأة مفهوم النضال اللاعنفي وأهميته
نشأة مفهوم النضال اللاعنفي:
هناك أمثلة على استخدام النضال اللاعنفي ترجع إلى العصر الروماني، ففي
عام
494
قبل الميلاد ثارت الجماهير في الدولة الرومانية
القديمة على ظلم القناصلة الذين كانوا يحكمونها، ولم تلجأ الجماهير إلى
قتل القناصلة بهدف رد المظالم؛ بل انسحبوا من المدينة إلى تلٍّ سُمي
بعد ذلك
"الجبل
المقدس"،
وظلوا هناك عدة أيام رافضين المشاركة في الحياة المدنية حتى تم إصلاح
الأوضاع والموافقة على مطالبهم.
وفي حادثة مشابهة عاد الجيش الروماني عام
258
قبل الميلاد بقيادة
"تيودور
مومسين"
من ميدان المعركة ليجد الاقتراحات التي قُدمَتْ من
أجل إجراء العديد من الإصلاحات قد تمت عرقلتها في مجلس الشيوخ، وبدلاً
من استخدام الحرب العسكرية تقدم الجيش واحتل
"الجبل
المقدس"، وهدد بإقامة مدينة
رومانية جديدة بديلة لروما، وعلى إثر هذه الحادثة تراجع مجلس الشيوخ
ووافق على الإصلاحات.
وقد كان الفيلسوف الأميركي هنري دايفيد ثورو أول من ابتكر مصطلح
"العصيان
المدني"[1]، وذلك في مقال شهير
نشر عام 1849، وقد كتبه عقب امتناعه عن دفع ضرائب الحرب احتجاجًا على
العبودية والقمع والاضطهاد والحرب التي كانت تخوضها الولايات المتحدة
ضدَّ المكسيك.
وكذلك لجأ كارل ماركس إلى هذه الفكرة حين حاول أن ينظم حملة لإقناع
الأوربيين بعدم دفع الضرائب خلال الثورة التي اجتاحت أوروبا عام 1848.
نحو مجتمع لاعنفي:
في إطار التحول إلى اللاعنف سارت العديد من الدول في هذا المسار، ومن
أمثلة ذلك:
-
أكثر من سبعين دولة ألغت عقوبة الإعدام منها: أستراليا – النمسا –
بلجيكا – فرنسا – بريطانيا – إيطاليا – ألمانيا – هولندا – السويد -
جنوب إفريقيا – جيبوتي – موزامبيق – فنزويلا.
-
صدر قرار في أكثر من 45 دولة بإلغاء التجنيد الإجبار منها: أستراليا –
بلجيكا – البرازيل – روسيا - جنوب إفريقيا – فرنسا – ألمانيا –
بريطانيا - الولايات المتحدة – يوغوسلافيا.
-
تشكل المادة الرابعة من القانون الأساسي لعام
1949
في جمهورية ألمانيا الاتحادية أكثر الحقوق
الليبرالية لثقافة اللاعنف، حيث تؤكد هذه المادة على: "لا يمكن إلزام
أحد أن يقوم بخدمة الحرب بأسلحة ضد قناعته وضميره".
-
وجود 27 دول لا تمتلك جيوش منها: كوستاريكا – بنما – المالديف –
موناكو – آيسلندا – هاييتي.
أهمية النضال اللاعنفي:
يظهر التحليل الذي يغطي الفترة ما بين عام 1970 و2005 أن 67 تحولاً من
نظام استبدادي نحو حكومة ديمقراطية قد حدث عبر العالم.
50 حالة من أصل 67 من هذه التحولات اعتمدت بشكل أساسي على استراتيجيات
لاعنفية وعلى العصيان المدني.
ويوضح الجدول التالي العديد من الحالات التي نجح فيها النضال اللاعنفي
نجاحًا كليًا أو جزئيًا:
-
ينتج عن النضال اللاعنفي تغيير أكثر استقرارًا من التدخل العنيف.
-
يغير النضال اللاعنفي الطريقة التي ينظر فيها المشاركون إلى أنفسهم.
-
عموم الناس لا تتجاوب مع فكرة العنف، فتخسر الحركات العنفية التأييد
الشعبي.
-
يمثل العنف الملعب الأفضل للخصم.
***
المحور الثالث: أسلحة النضال اللاعنفي
1.
الاحتجاجات والإقناع:
يشمل ذلك نشاطات مثل العرائض والمطويات والامتناع عن العمل وعرض
الشعارات وأغاني الاحتجاج والمظاهرات ومسيرات الاحتجاج، بالإضافة إلى
الأعمال الرمزية مثل حملات إضاءة أو إطفاء النور الجماعية وهذه الفئة
هي ذات طابع رمزي، ونادرًا ما تغير العالم نتيجة لأعمال رمزية لوحدها،
وبغض النظر عن مغزاها (بالرغم من أنها يمكن أن تكون فاعلة للغاية،
ولكنها محفوفة بالخطر إن طبقت في بلدان يحظر فيها القانون النشاط
السياسي أو التجمهر).
الغرض الأول لنشاطات الاحتجاج والإقناع هو نقل رسالة بأن هناك خطب ما
وبأن الناس راغبون في عمل شيء ما لإصلاحه، وذلك عبر نقل رسالة الحركة،
فإن مثل هذه الأعمال يمكن أن تعزز آلية التحويل ضمن بعض المجموعات أو
المجتمعات المحلية.
2.
عدم التعاون:
هو أسلوب يعتمد على أشكال عدم التعاون الاجتماعي والاقتصادي والسياسي،
مثل النبذ الاجتماعي والإضرابات والمماطلة وسحب الأرصدة من الحسابات
البنكية والبقاء في البيت إضافة إلى المقاطعة من قبل مجموعات مختلفة
مثل المستهلكين والعمال والتجار والإدارات. يعني عدم التعاون التوقف عن
إظهار الالتزام ومنع الدعم عن نظام سيطرة الخصوم. بالنسبة لبعض من هذه
الأساليب، فإن الأعداد الكبيرة مطلب مهم للنجاح. لأخرى، (مثل مقاطعة
المستهلكين أو المماطلة) فإنها تفتح الإمكانية نحو قطاعات اجتماعية
واسعة (شباب وكبار في السن، نساء ورجال، الخ...) لأن تشارك بشكل فاعل
في الصراع عبر أعمال بسيطة وذات مخاطر محدودة. عند وضع الشروط المسبقة
بشأن المشاركة الواسعة للجمهور، فإن أساليب عدم التعاون قد تثبت بأنها
السلاح الأكثر فاعلية.
3.
التدخلات:
وتشمل نشاطات مثل الاعتصام العام والاعتصام على الطرق والتسبب بضغط على
نظام الاتصالات أو أية منشآت أخرى ذات مهام محددة، وإنشاء هيئات موازية
(بديلة)، واحتلال المباني وأعمال العصيان المدني أو التسبب بالاعتقال
الطوعي. كل هذه الأساليب تحول مباشرة دون أن يعمل نظام الخصم بشكل سلس.
المخاطر تكون عادة عالية جدًا: ففشل هذا النشاط يمكن أن يضر بشكل كبير
مصداقية الحركة، ويمكن أن يرد الخصم بإجراءات مضادة غليظة. من جهة
أخرى، فإن أساليب التدخل اللاعنفي تعطي أحيانًا نتائج قوية جدًا بوجود
عدد قليل جدًا نسبيًا من المشاركين. بسبب المخاطر المترتبة على الأعمال
اللاعنفية، يتم عادة اختيار أفضل أعضاء الحركة وأكثرهم تدريبًا للقيام
بهذه المهام والذين يكونون عادة جاهزين للتضحية أكثر من غيرهم.
***
المحور الرابع: استخدام نشاط المعضلة والفخ في النضال اللاعنفي
نشاط المعضـلة
هي مرحلة وضع الخصم في حالة تقلص حريته في الاختيار بين البدائل
المختلفة، وتجعل كل هذه الخيارات تنتهي بخسارة ما.
انتقال الخصم من حالة الاختيار الحر بين البدائل إلى حالة الاختيار
الحذر بين التضحيات، المعضلة حالة تجعل أيًا من الخيارات والبدائل تصب
في صالح النضال اللاعنفي.
إن أول خطوة في تصميم حركة المعضلة هي في مراجعة سياسات الخصم والتي
تضع القيود على النشاطات اليومية للسكان.
أمثلة ناجحة عن نشاط المعضلة
-
نشاط لاعنفي يقوم ببساطة على لبس قبعة، والتي حظرها النظام بصفتها
"تخريبية" وبالتالي شكلت معضلة للسلطة العسكرية الحاكمة (SLORC). فإن تم توقيف
الأشخاص الذين يلبسون قبعة عادية، فستخسر السلطة مصداقية إضافية في
صفوف البورميين، وإن لم تفعل السلطة العسكرية الحاكمة شيئًا، فتكون قد
سمحت للناس بلبس قبعة بلا عقوبة، وبالتالي فإن السكان يمكنهم عندها أن
يعارضوا بشكل مفتوح النظام!
-
في ربيع عام 1930 بدأت حملة العصيان بقيادة غاندي للمطالبة باستقلال
الهند، كانت بريطانيا تسيطر على احتكار إنتاج الملح، حيث فرضت ضريبة
على هذا المنتج الأساسي. أطلق غاندي مسيرة من 300 كيلو متر تهدف للوصول
إلى البحر لغلي مياهه واستخراج الملح.
كان لغاندي أيضًا
فكرة فريدة حين أراد أن يدعو لإضراب يوم 6 أبريل، لم يطالب الناس
بالتوقف عن العمل بل طالب الهنود بالخروج للصلاة.
-
خلال عام 1999 في صربيا، قامت حركة الشباب اللاعنفية اوتبور (وتعني
"مقاومة" باللغة الصربية)، بسلسلة من النشاطات التحريضية ضد النظام
سميت "فلس للتغيير"، حيث استخدمت الشارع كمسرح للاستهزاء بالدكتاتور
سلوبودان ميلوسوفيك وزوجته غير الشعبية، ميرجانا ماركوفيك. هذه
النشاطات استطاعت بذكاء أن تخلق معضلة مع الشرطة، والتي كان أمامها
خيارين غير مواتيين – اعتقال الشباب الشعبي والسلمي أو عدم إطاعة
الأوامر لوقف "إهانة" الدكتاتور وعائلته.
إن الغرض من كل هذه النشاطات – في أماكن مختلفة من العالم ولأشكال
مختلفة من الصراعات – كان التسبب بمعضلة للخصم – وذلك في حال أصبحت
سياساته غير متوافقة مع المعتقدات المنتشرة أو رغبة الناس. وعبر نشاطات
المعضلة، فإن بإمكان استراتيجي أن يجبر الخصم على أن يخاطر بخسران
الدعم إما عبر منح أو حظر طلبات المعارضة اللاعنفية!
صناعة الفخ
أن تعطي خصمك الشعور بحرية الاختيار، مما يجعله يتقبل أمرًا كان ليرفضه
بشدة لو فرض عليه، وبالتالي يقوم باختيار خيار يعتقد أنه يقع في مصلحته
ويخدم أهدافه وإذ به فخ قام به الطرف الأخر ونتيجته تصب في مصلحته.
خصائص الفخ:
-
أن يكون جذابًا ومغريًا.
-
أن يظن الخصم أنه سيحقق من ورائه مكاسب، وأن مقاومته فيها مشكلة
حقيقية.
-
قدر ضئيل من التحدي بحيث لا يتجنبه الخصم.
-
أن يشعر الخصم أنه اختاره بمحض إرادته من بين مجموعة خيارات.
-
ألا تقع الحركة اللاعنفية نفسها فيه.
***
المحور الخامس: أسس النضال اللاعنفي
الأساس الأول: مقاومة لا احتجاج
لما كانت حرب اللاعنف تمثل التجسيد الحقيقي للفعل السياسي في ظل نظرية
القوة متعددة المصادر، فإن هذا يعني أنها تقوم على العصيان والتمرد لا
على الطاعة والإذعان، هذا العصيان الذي لا يكتفي بالاحتجاج ولكن
بالمقاومة.
فالاحتجاج قد يكون مجرد تعبير عن موقف ثم العودة والإذعان، أما
المقاومة فتسعى إلى إلغاء القرار، وتحدي القانون.
الأساس الثاني: الفوز بالطرف الثالث
ليست حرب اللاعنف حربًا محدودة قائمة بين حركة التغيير والنظام
المستبد؛ ولكنها حرب شاملة، لابد فيها من تعبئة جميع مصادر قوة المجتمع
بهيئاته ومؤسساته وأفراده ضد الأنظمة المستبدة وبنيتها التحتية ومصادر
وأدوات قوتها.
ومن هذا المنطلق فإن حرب اللاعنف لا يحسمها عادةً أي من طرفي الصراع
المباشرين النظام والحركة المقاومة، بل إن عنصر الحسم هو قدرة أحد
الطرفين على الفوز بالطرف الثالث في الصراع والتأثير فيه، هذا الطرف
الثالث هو المجتمع.
فلا سبيل أمام حركة المقاومة لعزل الحاكم عن مصادر قوته وإصابته
بالمجاعة السياسية إلا عبر التأثير في الجماهير والمؤسسات والقوى
الداعمة وإقناعها بسحب تعاونها معه.
ولا سبيل أمام النظام لكسب تأييد الجماهير في حملته ضد المقاومة إلا
بالتأثير فيها عبر صياغة المبررات الأخلاقية والقانونية لضرباته
الموجهة إلى الحركة التغييرية، أو عبر الترهيب من عواقب الانخراط في
صفوف المقاومة.
الأساس الثالث:
تشير طبيعة الصراع إلى وجود مسارين رئيسين لحسم الصراع المسار الأول هو
المسار البارد، الذي تستخدم فيه آليات الحوار والتفاوض والانتخابات
والاستفتاءات الجماهيرية وغيرها. أما المسار
الثاني فهو المسار الساخن،
الذي يتضمن كلاً من العنف وحرب اللاعنف.
والوسائل أو المسارات الباردة تسلك في مجملها مسارات دستورية، ومن ثم
يحرص من ينتهجون تلك المسارات أو يعتمدون نهج النضال الدستوري على عدم
مخالفة الدستور أو انتهاك القوانين، وهو ما يبدو واضحًا في الأحزاب
والهيئات والمؤسسات في المنظومة الغربية الديمقراطية.
أما المسارات الساخنة فتلجأ إليها الأحزاب والحركات في الصراعات
الصفرية، حين تكون المسارات الدستورية خاضعة لسيطرة الخصوم المعاندين
وللأنظمة الديكتاتورية بشكل كامل.
فعندما تكون الأنظمة المستبدة قادرة على لي عنق الدستور والقوانين أو
عدم تطبيقهما، وصياغة ما يناسبها من قوانين، وإلغاء وتجاهل ما يهدد
وجودها واستقرارها من الدساتير؛ تصبح المسارات الدستورية غير مجدية،
وحينها تلجأ قوى التغيير إلى المسارات الساخنة
"فوق
الدستورية".
ففي المسار الساخن العنيف كالانقلابات العسكرية وحروب العصابات لا شك
أن الحركات المقاومة تنتهك القوانين، وفي المسار الساخن اللاعنفي
"حرب
اللاعنف" تعمد
الحركات إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية عبر انتهاك القوانين الجائرة
والظالمة، ومحاولة نزع الشرعية عن النظام المستبد، فحرب اللاعنف يمكن
نعتها بأنها نضال فوق دستوري.
وهذا التقسيم يفيدنا في الفصل بين المسار الساخن والمسار البارد، حيث
تعتقد أحيانًا حركات التغيير أن النضال الدستوري والدخول في الانتخابات
البرلمانية يمكنها من أن تحدث التغيرات المطلوبة، بينما حرب اللاعنف لا
تسلك عادة النضال الدستوري، ولا تعتمد على الإجراءات القانونية
القائمة، لذلك لا تصنف الانتخابات من وسائل حركة اللاعنف، فالانتخابات
وسيلة باردة تستخدم في النظم المتحضرة، وهي السبيل إلى التنافس على
السلطة حين يضمن الناخب ألا يُسرق صوته.
وقد تكون الانتخابات أحيانًا ثمرة لحرب اللاعنف، أو مناسبة لشنِّ حرب
اللاعنف، حيث تخطط حركات اللاعنف لشن حملات لاعنفية تكون في نهايتها
فرصة للدخول في معركة الانتخابات، بعد أن يتم تهديد قبضة الديكتاتور
على السلطة، وضمان حرمانه من سرقة الأصوات.
هذا التمييز بين الوسائل الباردة والساخنة والنضال الدستوري وفوق
الدستوري في غاية الأهمية، حيث يؤدي اللبس بينهما إلى استخدام وسيلة في
غير موضعها وفي غير ميدان فاعليتها.
الأساس الرابع: العلنية
هذه المقاطعة يجب ألا تكون سرية أو في الخفاء، وليس ضروريًا أن نلبسها
ثوب حرب العصابات، بل يجب أن تكون علنية وأن تقوم بها جماهير كثيرة دون
لجوء لأي عنف.
مارتن لوثر كينغ
إذا كان جوهر حرب اللاعنف هو العصيان، وكانت الحركات التغييرية تسعى
للفوز بالطرف الثالث (الجماهير)، فإن المقاومة ينبغي ألا تعرف السرية.
فلكونها تسعى إلى أن تُعلِّم الناس التمرد
والعصيان؛ فإنها لا تتخفى عن أعين الناس، والمشاركون لا يتعمدون إخفاء
أنشطتهم عن السلطة، فالهدف هو حشد أكبر عدد ممكن من الجماهير للمشاركة
في الأنشطة، والجمهور بصفة عامة لا ينخرط في أعمال سرية، لذلك فالعلنية
تعد إحدى الركائز المهمة في أسلحة اللاعنف، التي تسعى إلى خلق حوار مع
الجمهور، ولذا فإن كتابة شعار سياسي أو رسالة ما على حائط أو جدار ما
تحت جنح الظلام يعتبر نوعًا من أنواع
الاحتجاج وليس المقاومة، حتى لو جاء بنتائج سياسية مرضية.
الأساس الخامس: الالتزام بمبدأ اللاعنف
القوة هي المقدرة على تحقيق الهدف.
مارتن لوثر كينغ
عندما يستشعر النظام خطر قوى التغيير، لا يجد بدًا من اللجوء إلى القمع
لإجبار المجتمع على القبول ببقائه وشرعيته.
وفي مرحلة القمع يحتاج النظام في صراعه مع القوى الوطنية
–
وهو صراع يفترض أن يكون مدنيًا دستوريًا - إلى
المبررات التي تسوغ لجوؤه إلى القوة لإقناع المجتمع الدولي والمواطنين،
وهذه المبررات تنقسم إلى نوعين:
-
مبرر أو غطاء أخلاقي، وهو ضرورة إنسانية (ضرورة ضميرية) مثل التبرير
بحماية الشباب من التغرير بهم، وغسل عقولهم، وحماية المجتمع من الحركات
المشبوهة التي تستعين بالجهات الخارجية وبالتمويل الأجنبي لتدمير
المجتمع وإضعافه.
-
مسوغات قانونية أو غطاء عقلي، وهي ضرورة للتقبل العقلي (ضرورة عقلية)
من قبيل مخالفة القوانين، والاعتداء على الممتلكات العامة، وتعطيل
مصالح الجماهير، والانتماء لتنظيمات محظورة.
وفي إطار مواجهة الهجمة الشرسة للأنظمة المستبدة تجد الحركات التغييرية
نفسها أمام خيارين:
-
الأول: الاستمرار
في شن الحملات اللاعنفية على النظام الديكتاتوري.
-
الثاني: اللجوء إلى العنف اعتقادًا بأنه السبيل الوحيد المناسب للتعامل
مع تلك الأنظمة العنيفة.
وهنا لا بد من الرجوع إلى المقارنة بين نتائج استخدام العنف أو
اللاعنف، وذلك في إمكانية تحقيق التغيير المنشود، أو في المحافظة على
هذا التغيير نفسه، فنجد أن:
-
المنتج النهائي لحرب اللاعنف يصعب تحقيقه من خلال العنف، هذا المنتج هو
المجتمع الحر صاحب الرسالة الحضارية، الذي يعاد فيه توزيع القوة، ليصبح
للشعب دورًا فاعلاً في اتخاذ القرار، الأمر الذي يصعب تحقيقه بقلة
تمكنت من السيطرة على الحكم.
-
المجتمع القوي يدار فيه الصراع بشكل مدني بعيدًا عن العسكرة، فلا ينتصر
فيه من يملك قدرًا أكبر من الأسلحة، وإن تم التغيير بقوة السلاح فإن
هذا المنهج سيصبح مشروعًا لكل راغب في التغيير، فالمسار التغييري يشكل
الذاكرة السياسية للمجتمع، ويصبح مرجعية تاريخية وشرعية له، يستند
إليها وقت الأزمات.
-
تكلفة العنف عالية في الأرواح، ويخلق نتوءات في المجتمع، وجراحات
وثارات يصعب التحكم فيها إلا بعد حين، وبذلك يؤثر العنف في البنية
الاجتماعية تأثيرًا سلبيًا، بينما اللاعنف يخلق مجتمعًا متماسكًا حتى
وإن اختلف سياسيًا.
-
العنف قلما يأتي بحكم ديمقراطي، بل يزيد الديكتاتورية، حيث إن العنف
يعتمد على استبدال مولد الطاقة في المجتمع بآخر، وقلما نجحت التجارب
العنيفة في إقامة حكم ديمقراطي. حيث يدَّعي دائمًا حملة السلاح أحقيتهم
بالحكم، فهم من ضحوا وبذلوا وناضلوا نيابة عن الشعب، بينما اللاعنف
يعتمد على إعادة تعريف القوة وردها إلى الشعب، فيصبح كل شخص مشارك في
التغيير، وبالتالي يشعر بحقه في المشاركة في اتخاذ القرار في مرحلة ما
بعد التغيير.
-
عموم الناس لا تتعاطف أو تتجاوب أو تدعم فكرة العنف في التعامل مع
قضايا الاستبداد الداخلي.
-
العنف لا يقابل بدعم معنوي أو مادي دولي، بل يتم محاربته كإرهاب، خاصة
إن لم يكن التغيير على هوى النظام الدولي، وهو ما يعطي الحكومة شرعية
وأد الحركات العنيفة. وانطلاقًا من نظرية تعدد مصادر القوة فإن الدعم
الخارجي للديكتاتوريات يعد شريان حياة أساسي لتغذية النظام، واستخدام
العنف يضمن ديمومة تدفق هذا الشريان، بينما حركة اللاعنف تسعى لأن تخفف
أو تعزل الدعم الخارجي عن النظام، لذلك تهتم بأن تظهر أمام العالم
كحركة متحضرة.
-
يمثل العنف الملعب الأفضل للخصم حيث تتوافر فيه كل إمكانياته، فالنظام
يعتمد على المركزية وعلى طاعة الجمهور، وعلى استخدام القمع، ويلعب وفق
قواعد تتيح له استخدام هذه الأدوات، ومن ثم فإن الدخول إلى مسرح العنف
يعني تفوق الخصم في الإمكانيات وشرعية مقاومة المتمردين، لذلك يعتمد
اللاعنف على إجبار الخصم على الدخول في لعبة جديدة وفق قواعد جديدة لا
يتقنها، هذه اللعبة هي لعبة اللاعنف.
كيف تنجو الحركات من الانزلاق نحو العنف:
-
وعي مجتمعي كبير بفلسفة حرب اللاعنف واستراتيجياتها وتكتيكاتها.
-
وعي لدى الحركات بأسلوب حرب اللاعنف. بالإضافة إلى وعيها بالعنف.
فاختيار اللاعنف ليس عن جهل، وإنما عن وعي بشروط نجاح العنف وعواقبه
على بنية المجتمع.
-
وجود قيادة متمسكة بالمسار، ويسمع لها، ولديها القدرة على التحكم في
الحشود الضخمة. وهذا لا يخالف اللامركزية في العمل، فالقيادة تضع
السياسات العامة.
-
تحول الحركات إلى مسار العنف، ثم تكبد خسائر فادحة (شعبيًا وحركيًا)،
مما يدعوها للتفكير في مسارات بديلة. فقد تبدد لديها وهم أن العنف
سيأتي بنتائج سريعة.
-
وجود حركات لاعنفية ملتزمة بالمسار وقادرة على تحقيق إنجازات ولو
محدودة، وابتكار وسائل أكثر إيلامًا.
-
وفي حالة غياب وعي مجتمعي، أو غياب قيادة مركزية تدعو لضبط النفس، فإن
الحالتين الأخيرتين تعملان معًا. فتتجه حركات ومجموعات للعنف، وتخفق في
مسارها، ويتزامن مع ذلك وجود حركات ومجموعات لاعنفية، مصرة على
الالتزام بالمسار، وقادرة على توليد بدائل فعالة تلفت الانتباه.
***
المحور السادس: التخطيط للحملات الاجتماعية اللاعنفية وكسب التأييد
لهذه الحملات
يعرف المجتمع من خلال وجود مشاريع مشتركة فيه (هدف مشترك، رؤية مشتركة)
التزام متبادل (علاقاتنا الشخصية، طرقنا في تنظيمها) وذخيرة مشتركة
(مكونة من أشياء أخرى نابعة من تاريخنا الجماعي).
نحن بحاجة لبناء حلم مشترك نستطيع من خلاله التعرف على مقترحات ورغبات
حركتنا. حيث تصبح الأهداف الجماعية موردًا للتعبئة، وبمجرد أن لدينا
مستقبل بديل نسعى إليه، يمكننا أن نبدأ في التخطيط والتكتيك والتحرك
لجعل هذا الحلم واقعيًا.
يتم التغيير في النضال اللاعنفي باستخدام وسائل متنوعة تم ذكرها في
محور سابق، إلا أن الحركات الاجتماعية تعتبر من أهم سبل وأدوات هذا
النضال.
يمكن للحملة الاجتماعية الناجحة أن تقوم بإحداث التغيير المطلوب،
ويعتمد نجاح هذه الحركات على الإعداد الجيد لها من خلال مرحلتين:
التخطيط الاستراتيجي للحملة الاجتماعية:
هو ترجمة وتحويل حلم والهدف البعيد للفريق الراغب بالتغير إلى مجموعة
من الأهداف المحددة والقصيرة مع وضع مسارات تنفيذية لتحقيق هذه
الأهداف.
الحلم أو ما يسمى رؤية: هي عبارة جوهرية وتصور معلن
تظهر ما سوف تقوم به الفريق، ومن أجل من ولماذا. تحمل الرؤية صفات لها
بعد مستقبلي، تحمل معانٍ إيجابية، لا تتناول تفصيلات لتدخلات بعينها.
الأهداف:
الأهداف الذكية أو
SMART هي جملة
مركبة من حروف لتسهيل عملية تذكر صفات الهدف الصحيح. أول من استخدم هذه
المصطلح هو الدكتور جورج دوران في مقال له في إحدى المجلات الأكاديمية.
يستخدم هذا المصطلح في وضع الأهداف سواء على مستوى الشركات، المشاريع،
وحتى الأفراد.
-
أن يكون الهدف دقيقًا ومحددًا
S - Specific
-
أن يكون قابلاً للقياس
M - Measurable
-
أن يكون قابلاً للإنجاز
A - Achievable
-
أن يكون واقعيًا
R - Realistic
-
أن يكون له بعد زمني
T – Time
تحليل
SWAT:
هو أداة تحليلية تجمع بين التحليل الداخلي والخارجي لأي حملة:
-
الفرص: احتمالات للتعاون - مجموعة مستهدفة جديدة.
-
التهديدات: أوضاع محيطة - تغير في السياسات الحكومية.
-
نقاط القوة: الموارد - خبرات فريق العمل.
-
نقاط الضعف.
كسب التأييد للحملة الاجتماعية:
يعتبر كسب التأييد علم لأنه يتَّبع خطوات منظمة وتخطيط علمي.
يعتبر كسب التأييد فن، لأن العاملين فيه قادرين على إبراز القضايا بشكل
يحث الآخرين ويحفزهم على القيام بعمل ما.
العاملون على كسب التأييد فنانون، لأنهم يدمجون الإبداع والأسلوب
وأحيانًا الدعابة في أنشطة كسب التأييد من أجل جذب انتباه الجمهور
وأجهزة الإعلام لقضاياهم.
لا يمكن تعليم فن كسب التأييد من خلال دورة تدريبية، إلا أن التدريب في
مجال كسب التأييد يوفر الأدوات وعلى المشاركين أن يكون لهم إضافاتهم
الشخصية.
تعريف كسب التأييد: هو مجموعة من التحركات موجهة نحو صنَّاع القرارات
لمساندة وحلِّ قضية معينة، تهدف إلى جذب انتباه المجتمع ومنظمات
المجتمع المدني إلى تلك القضية من أجل إحداث التغيير.
يعتبر كسب التأييد فن التأثير على الأفراد أو القرار الجماعي أو صنع
السياسة لإحداث تغيير إيجابي في قضية أو موقف معين.
لا يمكن لأي حركة اجتماعية لاعنفية النجاح إلا من خلال كسب التأييد
والحشد، لأن الكم العددي في مثل هذه الحملات مهم جدًا ليكون أداة ضغط
على صنَّاع القرار.
*** *** ***