الكاثاريون

محاولة تأريخية وفلسفية

 

أكرم أنطاكي

 

1

أتوقف قليلاً – وقد قضيت الردح الأعظم من حياتي باحثًا عن "الطريق" وعن "الحقيقة" وساعيًا وراء "الحلم" – محاولاً، مرة أخرى، إعادة قراءة الأشياء بعينين أردتُهما جديدتين – عينين تبحثان عن الألوهة، ربما، ولكن من خلال بني الإنسان. أتوقف أمام ظاهرة مرَّت وتركت أثرًا صغيرًا في مملكة هذا العالم، لكنها استحوذت عليَّ. إنها قصة الكاثاريين.

الكثيرون، إن لم نقل أغلب أناسنا اليوم، لم يسمعوا حتى باسمهم. فالتاريخ مازال، حتى هذه الساعة – مع الأسف – يُكتَب من وجهة نظر متحزبة. والحزب السائد، حتى يومنا هذا، مازال يفضل طيَّ هذه الصفحة – وغيرها!  

2

في صيف العام 1209 حسب التقويم المسيحي كان جيش صليبي قادم من الشمال، تعداده ما يقارب الثلاثين ألف فارس وراجِل، بقيادة سيمون دُهْ مونفور، يكتسح كالإعصار، بأمر من رأس الكنيسة آنذاك البابا إينوسنت الثالث، بلاد اللانغودوك الواقعة جنوب فرنسا الحالية. والسبب المباشر لهذه الحملة كان أن رسولاً للبابا، يدعى بيير دُهْ كاستيلناو، قُتِلَ في 14 كانون الثاني 1208، هناك في "بلاد الهراطقة"، كما كانوا يسمونها، في ظروف غامضة. وهكذا اقتُرِفَتْ أول إبادة جماعية génocide بهذا الحجم في تاريخ أوروبا الحديث على يد حملة صليبية كانت الوحيدة من نوعها على الأرض الأوروبية، حيث دَمَّرتْ بلادًا واكتسحت مدنًا كانت مزدهرة في حينه، كبيزييه وبربينيان وناربون وكاركاسون وتولوز إلخ. وقد استمرت هذه الحملة سنين طويلة.

 

خريطة لجنوب غرب فرنسا الحالية تبيِّن المناطق التي ازدهرت فيها العقيدة الكاثارية

في العام 1218، في أثناء حصار تولوز، قُتِلَ سيمون دُهْ مونفور. لكن الحملة بقيت مستمرة، بشراسة مستميتة، حتى آذار العام 1244، تاريخ سقوط قلعة مونسيغور، آخر معاقل الكاثاريين تقريبًا وأهمها على الإطلاق. وأتوقف هنا قليلاً أمام ما يحدِّثنا به التاريخ عن تلك الأيام الأخيرة من المأساة.

  

قلعة مونسيغور كما تبدو اليوم

"ففي الأول من آذار، كما يقولون، استسلمت القلعة أمام الجيش الجرَّار الذي كان يحاصرها. وكان في داخلها 500 شخص، من بينهم حوالى 150 إلى 200 من "الكُمَّل" Parfaits. أما الباقون، فكانوا سيد القلعة وفرسانًا وجنودًا وعائلاتهم.

"وبدأت للتوِّ المفاوضات لتحديد شروط الاستسلام التي كانت، من جانب المنتصرين، في غاية التساهل. فكان عفوٌ عن الجنود وحاملي السلاح الذين سُمِحَ لهم بالانسحاب مع أسلحتهم وممتلكاتهم. أما الكُمَّل فما كان أمامهم سوى المثول أمام محاكم التفتيش، والاعتراف بضلالهم. وفي حال استنكروا ما كانوا يؤمنون به، كان في وسعهم البقاء أحرارًا – وإلا واجهوا الموت حرقًا.

 

طرد الكاثاريين من القلعة

"وطلب المحاصَرون مهلة خمسة عشر يومًا، أُعطِيَتْ لهم بسهولة مقابل بعض الرهائن. لكن المحاصَرين، الذين فضَّلوا الموت على التنكُّر لعقيدتهم، صرفوا تلك الأيام الأخيرة في الصلاة والاستعداد للموت. عشرون مقاتلاً نالوا في حينه الـConsolamentum وتحوَّلوا إلى كُمَّل. وانتهت الهدنة فجر الخامس عشر من آذار العام 1244، حيث واجه جميع أولئك الكُمَّل الـ200 الموت حرقًا، بكل طيبة خاطر."

 

اثنان من الكاثاريين "الكُمَّل" على منصة الإعدام

الجميع... تقريبًا، كما تقول الأسطورة. فقد هُرِّبَ فقط أربعة منهم كانوا يحملون، كما يقال، مخطوطات و/أو أسرارًا مقدسة!

3

لماذا كلُّ هذا العنف وكلُّ هذا الدمار؟ لماذا كلُّ هذا الإصرار، من جانب الحكام الناطقين حينذاك بلسان "ملك العالم"، على محو كلِّ أثر لهذه الظاهرة؟ هنا تبدأ قصتنا...

مع بدايات القرن الثالث عشر، لم تكن بلاد اللانغودوك، كما هي الآن، جزءًا من فرنسا؛ إنما كانت مقاطعة مستقلة، تتكلَّم لغة محلية وتمتلك حضارة كانت أقرب إلى تلك التي كانت سائدة آنذاك في ممالك مجاورة، كأراغون وليون وكاستيل شمال إسبانيا؛ وكانت تحكمها بعض الأسر النبيلة التي من أهمها أسرة كونتات تولوز وأسرة ترانسافيل. أما ثقافتها فكانت آنذاك من أرقى الثقافات في بلدان "العالم المسيحي" (إن صحَّت تسميته كذلك) قاطبة، لا تضاهيها، ربما، إلا بيزنطة. ففي تلك البلاد، وفي ذلك العصر الوسيط، كانت الفلسفة موضوع تقدير، وكان المجتمع الراقي يتعاطى فنون الشعر والغزل؛ كان "المثقفون" يدرسون اليونانية والعربية والعبرية، وكانت هناك مدارس باطنية، صوفية وقبالية. وأيضًا – وهذا هو الأهم – كان هناك تسامح فكري يتناقض مع ذلك التحجُّر العقلي الذي كان سائدًا في البلدان التي كانت خاضعة لكنيسة تلك الأيام. وأيضًا، في تلك البلاد، حيث كانت تسود علاقات اقتصادية واجتماعية وسياسية نسميها اليوم "إقطاعية"، كانت تتطور، بكل حرية، علاقات إنتاج اقتصادي أكثر ليبرالية، وبالتالي أكثر إنسانية.

كانت بلاد "هرطقة"، كما كانوا يسمونها. وقد أُطلِقَتْ عليها مسمَّيات كثيرة: عُرِفَ سكانها بالألبيجيين Albigeois غالبًا، وبالكاثاريين Cathares (من الكلمة اليونانية catharsis التي تعني "التطهُّر") خاصةً؛ وأحيانًا كانت تُطلَق عليهم تسميات تربطهم بهراطقة سابقين، كالآريوسيين، والمانويين، إلخ – وكلها تسميات للدلالة على واقع يقول، في النهاية، إنهم كانوا أصحاب معتقدات باطنية، سرَّانية، أفرزتهم من العقائد المسيحية التقليدية. فما هي الحقيقة؟

4

الحقيقة هي أنه كانت للكاثاريين فعلاً عقائد دينية ومفاهيم فلسفية متميزة. لكن هذه المفاهيم، أو لنقل هذه العقائد، لم تظهر فجأة على يد نبي ملهم و/أو داعية موهوب جمع حوله نواة من المؤمنين والأتباع؛ إنما كانت، كما تدل الدراسات اليوم، نتيجة تطور وتخمُّر لاتجاه فكري لم يكن مسيحيًّا تحديدًا وحصرًا. فمن المسيحية استعار الكاثاريون حتمًا الكثير من العناصر: بعض العقائد والطقوس، ربما، والكثير من النصوص، قطعًا. ولكن قراءتهم لها جميعًا كانت قراءة مختلفة. ومن اليهودية استعار الكاثاريون الكثير من المفاهيم أيضًا؛ وكذلك استعاروا من غيرها. لكن قراءتهم لجميع هذه المفاهيم والأديان كانت، كما يقولون، "مثنوية"...

والمذهب المثنوي dualisme هو ذلك الاتجاه الفكري الفلسفي، القديم قِدَمَ الحضارة الإنسانية، الذي كانت تنطلق منه المفاهيم الدينية للكاثاريين. وإذا حاولنا إعطاءه تفسيرًا أو تعريفًا مبسطًا قلنا إنه ذلك المبدأ الفلسفي الذي يردُّ، بشكل أو بآخر، كلَّ مظاهر الكون إلى صراع بين ضدَّين. لكن، هل يحق لنا أن نبسِّط إلى هذا الحد؟

إن الجواب بالنفي القطعي على هذا التساؤل هو ما يلزمنا. كما يلزمنا أيضًا، قبل متابعة بحثنا، التوقف قليلاً أمام بعض جوانب هذه الظاهرة، فنحاول تلمس أساسها الفكري، الذي منطلقه – حتمًا – هذا الإنسان البدائي، وقد بدأ، متحررًا من دوافعه البيولوجية، يتساءل عما حوله في عالم تسوده الثنائية الظاهرية – عالم تبدو فيه ظواهر الليل والنهار، والرجل والمرأة، والموت والحياة، والخير والشرِّ، وكأنها متناقضة ظاهرًا، لكنها متكاملة باطنًا وحقيقة – وكلا حدَّي التناقض و/أو التكامل وجهان لعملة واحدة.

ونلاحظ أن هذه "المثنوية" التي كانت موجودة، بهذا الشكل أو ذاك من العمق والوضوح، في كلِّ الفلسفات والميثولوجيات القديمة، ولكن بشكل ملفت للنظر في مصر الفرعونية وفي بلاد ما بين النهرين، قد انعكست، كما نعرف جميعًا، في كتاب العهد القديم (التوراة)، بدءًا من الأسطر الأولى لسفر التكوين. وقد استمرت هذه "المثنوية" من خلال تفاعلات الفكر اليهودي–المسيحي والفكر الهندي–الإيراني الذي هو، في الحقيقة، منبع الفكر اليهودي–المسيحي. ونؤكد هنا تحديدًا على المزدكية التي كانت الديانة الهندية الفارسية المنتشرة في هذا الجزء من العالم، من الألف الثالث ق م حتى العصور الهيلينية، والتي كانت تصور الإله المطلق (زيرفان) كإله كامن. لذلك، ولما كان الكمون بلا فائدة (هيغل)، فإنه من تحقُّقه تتولد تلك الحركة وهذا العالم الموجود من خلال تفاعلاتها. والمزدكية، التي طبعت الكثير من فلسفات وديانات العالم القديم، طبعت كذلك اليهودية (التي طبعتها أيضًا الديانة المصرية القديمة)، كما طبعت المسيحية. وهي كانت أساس تلك المثنوية النسبية، حيث لا وجود لمبدأي الخير والشر من حيث الجوهر لأنهما لا يتناقضان، إنما يتحققان كانعكاس لمبدأ سابق قديم وأحديٍّ هو الإله المطلق.

وهذا ما نجده أيضًا في العصور المسيحية الأولى من خلال المانوية التي كانت ديانة فلسفية بكلِّ معنى الكلمة: ديانة حاولت، حينئذٍ، انطلاقًا من التفسير المثنوي عينه، تقديم تفسير متسق لعالم يظهر وكأن الشرَّ فيه هو السائد. وهذا ما نجده أيضًا لدى البوغوميل Bogomiles أو البلغار في العصور المسيحية الأولى، وحتى العصور الوسطى – حتى الكاثاريين.

5

لم تكن الكاثارية، إذن، ديانة واضحة المعالم ذات مبادئ محددة ثابتة. فلم يكن عندها، على سبيل المثال، تنظيم متسلسل هرميًّا، كالكنيسة الكاثوليكية؛ إنما كانت توجد هناك، إن صح القول، مجموعة كنائس كاثارية، تلتقي غالبًا وتختلف أحيانًا، تضم أناسًا يدعون إلى مثنوية نسبية وآخرون يدعون إلى مثنوية "شبه" مطلقة.

وكمصادر متوفرة بين أيدي الباحثين لم يبقَ اليوم إلا النزر اليسير من الكتابات الكاثارية: هنالك كتابا صلاة، أحدهما باللغة الأوكسيتانية والثاني باللاتينية؛ وهناك بحث كاثاري مجهول المؤلِّف يعود للقرن الثالث عشر ويُنسَب لبارتولومي دُهْ كاركاسون؛ وهناك كتاب المبدأين Le livre des deux principes الذي يُنسَب إلى الإيطالي جان دي لوجيو؛ وهناك أيضًا بعض المخطوطات الأخرى المتفرقة المبعثرة.

من هذه المؤلَّفات، وعلى الأخص كتاب المبدأين، من جهة، ومن مقاطعة ما يَرِدُ فيها مع ما كتبتْه الكنيسة الكاثوليكية آنذاك حول الموضوع، من جهة ثانية، استطاع الباحثون تكوين فكرة عن فكر الكاثاريين ومعتقداتهم. وسنحاول بإيجاز توضيحها قدر ما يسمح به المجال.

إذن، كان هنالك، قبل كلِّ شيء، كاثاريون آمنوا بمثنوية نسبية يمكن ردُّها، ربما، إلى مبدأ أحدي. فمعتقدوها كانوا يقبلون فكرة الإله الواحد الأحد، أو لنقل الخالق الكوني الذي انبثقت منه كلُّ الأشياء، بما فيها الشر والشيطان والجحيم. ونلاحظ، فيما يتعلق بهذه النقطة، أنه لا يوجد تناقض كبير بين مفاهيم هؤلاء الكاثاريين والمفاهيم الكلاسيكية للكنيسة. فبحسبهما خلق الله الشيطان في البداية كروح طيبة؛ لكن هذا الروح فَسُدَ من بعدُ فتمرد على خالقه.

وهنا يبدأ، عند الكاثاريين، التمايزُ بين المفهومين: حين باشر لوسيفِر Lucifer (إبليس) بناء عالمه الخاص، متعاونًا في هذا أو منسقًا مع الألوهة التي أمدَّتْه ببعض الملائكة (أو لنقل سمحت له بإغوائهم) ليتجسَّدوا في أجسام مادية ويشكلوا الجنس البشري – هذا الجنس الذي بات عليه السعي من جديد، بمعونة الألوهة، للعودة إلى حالته الأصلية، أمدَّه الإله بابنه يسوع وبالروح القدس لإنقاذه من حالته "الساقطة" عن طريق "الكلمة" Verbum – وهذا لأن ابن الإله يسوع، بحسب الكاثاريين، لم يتجسَّد، إنما كان الكلمة بحدِّ ذاتها. كذلك، كان يوحنا المعمدان شيطانًا أو ملاكًا؛ وكانت العذراء مريم امرأة حقيقية وملاكًا لا جسد لها كيسوع. وهكذا، لن يكون هناك يوم قيامة جسدية، وإنما يوم حساب أخير يعود فيه الملاكان آدم وحواء اللذان تجسدا في أشخاص أخنوخ وإبراهيم ونوح والأنبياء، وحصلا على الخلاص في ملكوت السماوات عبر شخصَيْ سمعان وحنَّة. وهكذا، أخيرًا، سيتحلل هذا العالم (كخليقة شيطانية)، فيرجع إلى عناصره الأولى – إلى تلك الفوضى البدئية التي أخرجتْها الألوهة من العدم، حيث سيمكث الشيطان وزبانيته إلى ما لانهاية وسيكون الجحيم.

لكن، أيضًا، كان هناك كاثاريون آخرون آمنوا بمثنوية مطلقة، أو بالأصح، شبه مطلقة – مثنوية تقول بأزلية المبدأين: أزلية إله الوجود والخير، الخالق لكلِّ شيء حسن، واللامرئي، ولعالم الأرواح الطاهرة، الذي يقابله إله شرير مُفسِد وخبيث، وأزلي أيضًا، من خلال وجوده المادي والفوضوي. هنالك، إذن، أزلية خيِّرة، مستقرة ولا متناهية، وأزلية شريرة مادية، لامحدودة، ومستمرة التحول والتبدل والتناقض، تُعارِض الأولى وتحاربُها. وستبقى هذه هي الحال حتى نهاية الأزمنة، أي حتى يتم القضاء على بنيان هذا العالم الشيطاني الذي سيبقى مع عناصر الفوضى بعد أن يفقد كلَّ تأثير له على العالم الآخر، فيكون الجحيم الحقيقي الأزلي مقابل الأزلية الإلهية الحقيقية.

كلُّ شيء، إذن، مقدَّر سلفًا، لأن هذه المثنوية المطلقة هي، في نهاية المطاف، كما نرى، قدرية مطلقة. والتساؤل يبقى أنه مادامت النتيجة معروفة سلفًا، لِمَ، إذن، كلُّ هذا الصراع؟ والتساؤل يبقى أنه مادامت النتيجة المعروفة سلفًا هي انتصار إله الخير، أيُّ فرق يوجد، في نهاية المطاف، بين تفكير هؤلاء الكاثاريين المؤمنين بالمثنوية المطلقة وأولئك الآخرين المؤمنين بالمثنوية النسبية؟ – خاصة وأنه ستزول في النهاية كلُّ الثنائيات والأضداد ويعود الكلُّ إلى الأحدية.

وأفكر بأزلية ثنائية الخير والشر التي مازلنا نعيشها؛ وأفكر بتفاعلها – إن لم نقل بما تتضمنه من صراع أزلي؛ وأفكر بنهاية يجري تقديمها كقصة تبدو ظاهريًّا وكأنها أقرب لعقول العوام – حيث تستمر أزلية الألوهة (ونقيضها) وينعدم التفاعل. ونتابع...

6

... مع كتاب المبدأين الذي يحاول إعطاء تماسك فلسفي أكبر لهذه المثنوية المطلقة كما يلي:

1.    الخير والشر أزليان أزلية خالقيهما، وينبثقان منهما انبثاق الشعاع من الشمس.

2.    يطول الإفساد – النابع من إله الشر – كلَّ مخلوقات الإله الحقِّ: "حتى النجوم ليست طاهرة"، كما يقال.

لقد كانت هناك كوارث دائمة في العوالم العليا؛ والخطيئة طالت حتى السماء. ولكن قدرة الشر تبقى محدودة بفيض الخلق وأزليته النابعة من إله الخير وبقوانين الضرورة (فالشيطان لا يستطيع منع مَن أغواهم من تجاوز سلطانه من خلال التضحية). كذلك فإن إله الخير لامتناهي المقدرة من خلال خيره، وفي وسعه تعزيز كيانات بعض مخلوقاته السائرين على طريق الخلاص. فهكذا تمَّ حفظ المسيح طاهرًا من كلِّ إثم؛ وهكذا سيخلص من يختار طريقه. وأتابع، حيث لم أجد الجواب بعد...

7

إذ تبدو المثنوية "المطلقة"، إنْ نُظِرَ إليها كمفهوم فلسفي، "نسبية"، رغم ذلك، ومتفقة في النهاية مع تلك المثنوية "الأخرى" حول وجود مبدأين يحكمان عالمنا على المدى المنظور: "عالم خيِّر وعالم شرير"، "عالم ظلام وعالم نور... ومن الخير يلد كلُّ ما هو نور وتلد الروح. ومن الشر تلد الظلمات وتلد المادة...". وهذان العالمان يتفاعلان. ويعيدنا الكاثاريون، في هذا الخصوص، إلى تلك الفقرة من سفر التكوين التي تقول: "... لما ابتدأ الناس يكثرون على سطح الأرض وولدت لهم بنات، رأى بنو الله بنات الناس حسنات فاتخذوا لهم نساء من جميع ما اختاروا. فقال الربُّ: لا تحلُّ روحي على الإنسان أبدًا لأنه جسد وتكون أيامه مائة وعشرين..." (تكوين 3: 1-3) – مما يوحي بأن الشيطان قد أغوى "أبناء الألوهة" من خلال المرأة...

لأن الميثولوجيا الكاثارية تقول: "تسع ليال وتسعة أيام تتتالى، طويلة وثقيلة، أثقل حتى من الأعشاب وقطرات المطر، إلى أن يتساءل الله في النهاية عما يجري ويقرر أنه لن تعبر امرأة من الآن أبواب مملكة النور." ونفكر أن الكاثاريين كانوا، ربما، معادين للمرأة. لكن كيف حصل هذا وكان العديد من الكُمَّل نساءً، كما نعلم – حتى النهاية. ونفكر أن هذه الليالي والأيام التسعة ربما تكون رموزًا لأيام كونية (لقرون إن لم نقل لآلاف السنين)، كأيام براهما، بحسب أسفار الفيدا الهندية (حيث يساوي كلُّ يوم 4 مليارات سنة). ويعيدنا الكاثاريون هنا أيضًا إلى تلك الفقرة من سفر التكوين التي تقول: "... وقال الله ليكن جلد في وسط المياه. فصنع الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي هي فوق الجلد فكان كذلك..." (تكوين 1: 6-7). ونفكر بهذا الذي يربط الليالي والأيام التسعة الهابطة بقطرات الماء والعشب. ونجد أنفسنا أمام ذلك الفصل المعروف للسماء عن الأرض؛ أي، فلسفيًّا، أمام خلق مجال مختلف – مجال هو مجال الشيطان. وأقف حالمًا...

... أفكر بتفاسير علمية حديثة، حيث موقع الأرض على بعد 150 مليون كم من الشمس يضعها في موقع تسمح درجات الحرارة فيه بوجود الماء في حالاته الثلاث: الصلبة والسائلة والغازية – وهذا ضمن مجال لا يتجاوز الـ2% من النظام الشمسي. وأفكر أن وجود الحية والإنسان يرتبط بشرطين اثنين هما الماء، من جهة، والجاذبية الكونية، من جهة أخرى، وأن كلَّ الميثولوجيات القديمة تؤكد على أهمية الماء. وأسجل كيف تربط الميثولوجيا الكاثارية ظهور الحياة بسقوط الملائكة. وأتابع...

... مفكرًا أن الأسطورة لا تحلُّ الإشكال، إنما تطرح المزيد من التساؤلات غير القابلة للحل: كيف كان في وسع الشيطان المتمرِّد دخول مملكة النور؟ وهل كان إله الخير على علم بذلك؟ ونلاحظ أن إله الخير كان يستفسر عما يجري، ونتساءل: هل يا ترى كانت هذه الألوهة الخيِّرة مجرد شاهد عاجز، أم أنها كانت ترغب في وجود الشرِّ؟ ثم كيف يمكن للملائكة أن يخطئوا عندما لا يوجد شرٌّ في ذاتهم؟ ثم ما هي الخطيئة؟

ويعيدنا الكاثاريون، مرة أخرى، إلى سفر التكوين الذي يحدثنا قائلاً: "... وكانت الحيَّة أحيل جميع حيوان البرية التي صنعها الربُّ الإله فقالت للمرأة: أحقًّا قال الله لا تأكلا من كلِّ شجر الجنَّة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر الجنَّة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنَّة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمسَّاه لئلا تموتا. فقالت الحية للمرأة: لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر. ورأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضًا معها فأكل، فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان..." (تكوين 3: 1-7).

ويعيدنا الكاثاريون، أيضًا ونتيجة لذلك، إلى الربِّ يقول: "... هو ذا آدم قد صار كواحد منَّا يعرف الخير والشرَّ..." (تكوين 3: 22). وأقف حائرًا، لأنه لا الكاثاريون ولا سفر التكوين يعطيان تفسيرًا منطقيًّا – اللهم إلا إذا كان ثمة في سفر التكوين ولدى الكاثاريين تفسير باطني آخر لما سبق (وهذا هو الأغلب). لكن الكاثاريين لا يعطون علمهم لأيٍّ كان، لأن على طالب المعرفة أن يكون جديرًا بها، ويتجرد عن المادة، وفيما يتعلق بالكاثاريين، أن يصبح من الكُمَّل.

8

ونستعرض هنا بعض طقوس الكاثاريين، مبتدئين بالصلاة، لأن الصلاة عندهم تختلف عن تلك التي يردِّدها "الأطهار" وتلك التي يتلوها المؤمنون العاديون. وصلاتهم الوحيدة هي صلاة الأحد التي لا يمكن للإنسان أن يردِّدها ما لم "يتعلَّم"، لأنه ليس في وسع المؤمن العادي، وفق معتقدهم، أن يدعو الله وهو ما يزال أسير المادة وعبد الشيطان. "... لأنه حين سأل بيير ماروي الكامل بيليباست، أحد آخر الكُمَّل: "أية صلاة في وسعي أن أردد، ربما، إن لم تكن أبانا؟" أجابه هذا الأخير: "يجب عليك أن تطلب من سيدنا الرب الذي أهدى الملوك ملخيور وبلتشصر وجاسبار، عندما أتوا من الشرق للسجود له، أن يرشدك كما أرشدهم...".

وصلاة الكاثاريين الأساسية المخصصة للـ"معمَّدين"، أو صلاة الأحد، هي التي يعرفها المؤمن المسيحي بـ"أبانا"، كما تردِّدها الكنيسة – لكن، حينئذٍ مع ذلك الفارق الذي كان يتحدث عند الكاثاريين عن "الخبز الجوهري" عوضًا عن "خبزنا كفاف يومنا". وطبعًا فإنه يغلب على الكاثاريين، حين يتلونها، هذا المفهوم المثنوي "المتشائم" لمعاني تلك الصلاة الربانية. فحين يقولون، مثلاً: "ليأتِ ملكوتك" أو "لتكن مشيئتك"، فإنما يعنون أن لا هذا الملكوت ولا تلك المشيئة متحققان ههنا؛ وحين يقولون: "ونجِّنا من الشرير"، فإنما يعنون أن هذا الشرير هو السيد الفعلي لعالمنا؛ وهكذا.

ونعرِّج على طقس آخر هو "طقس السلام"، أو الـMelhorament، الذي كان المؤمن يعبِّر من خلاله عن إخلاصه للكنيسة الكاثارية؛ وهو عبارة عن سلام كان يلقيه المؤمن على الكامل حين يلقاه، فيطلب منه البركة والصلاة من أجله، إضافة لحقِّ الوصول لنعمة المعمودية – أو لنقل، لهذا الطقس الكاثاري الأساسي الموسوم بالـConsolamentum، فيَعِدُه الكاملُ به.

ونتوقف هنا قليلاً للتحدث بعض الشيء عن هذا الطقس الكاثاري، الذي هو المعمودية أو الـConsolamentum الذي سبقت لنا الإشارة إليه، لأنه عملية مسارَرة initiation كاملة تعطى لطالبي الكمال؛ وهي عبارة عن طقس تتم من خلاله المعمودية الروحية للمريد، لأن الكاثاريين كانوا يرفضون معمودية الماء (حسب يوحنا المعمدان) والكنيسة.

ويُدخَل مريد هذه المعمودية في المحفل، يرافقه الأقدم في مكان إقامته و/أو والده الروحي. ويلقي الجميع التحية التي تحدثنا عنها أعلاه، أو الـMelhorament، على رئيس المحفل. ثم، بما أن الطقس يستوجب من جميع أفراد المحفل أن يكونوا أطهارًا، يبدأ الرئيس بالاعتراف، طالبًا المغفرة، فيمنحه إياها أقدم الحضور. ثم يباشر الجميع الصلاة، فيردِّدون أبانا سبع مرات، طالبين الرحمة التي يمنحهم إياها هذه المرة رئيسُ المحفل.

وتبدأ طقوس المعمودية، فيركع المريد أمام منضدة صغيرة مستديرة يغطيها شرشف أبيض، وعليها شمعدانان وُضِعَ بينهما كتاب الأناجيل، وقد فُتِحَ عمدًا على بداية إنجيل يوحنا. ويسأل رئيسُ المحفل المريدَ عن رغبته الأكيدة في الحصول على المعمودية الروحية وممارسة كلِّ مكارم المسيحي الحق. ويطلب المريد المغفرة لخطاياه، فيحصل عليها من رئيس المحفل، الذي يحدِّثه من بعدُ عن ولادته الجديدة أمام كنيسة الله بدءًا من تلك اللحظة. ثم يضع رئيس المحفل الكتاب على رأس المريد؛ وبعد أداء الصلاة، يقرأ له مقدمة إنجيل يوحنا، حتى تلك الفقرة التي تقول: "أما النعمة والحق فباليسوع صارا..." – وتتم بذلك المعمودية.

وأقف حائرًا – لأن هذه الطقوس تذكِّرني، من خلال مطالعاتي، بطقوس أخرى لجماعات أخرى ما زالت مستمرة، وحيث لإنجيل يوحنا أيضًا مكانة خاصة.

9

وأتجاوز تلك الطقوس الأخرى، لأتوقف أمام بعض الأساطير والمعتقدات الكاثارية الملفتة للانتباه، لما تحويه من عمق باطني. وأولى هذه الأساطير هي أسطورة جمل الماء: البجع أو الـPelikan، رمز التضحية وأحد الرموز السرَّانية إلى السيد المسيح – هذا البجع الذي يقدم قلبه أو أحشاءه ليطعم أطفاله أو دمه ليعيدهم إلى الحياة، بعد أن قتلهم الشيطان، والذي تتحدث الأسطورة عن ملاحقته الشمسَ في طيرانه؛ وهو، كما نعلم أيضًا، رمز أساسي من رموز الصليب+الوردة Rose+Croix والماسونية الروحانية التأملية.

وأيضًا كان الكاثاريون يؤمنون بالتناسخ Métempsycose الذي من رموزه حدوة الحصان. والقصة الأسطورة الأقرب لمخيلة العامة تتحدث عن روح إنسان شرير، وقد مُسِخَت بعد وفاته بقرةً كان صاحبها يضطهدها، ثم حصانًا فقد حدوته ومات منقذًا راكبه، لتحلَّ هذه الروح في النهاية في جسد طفل، ولدًا لأسرة صالحة، فيربى تربية حسنة ويصبح كاملاً.

وأتابع، من خلال الأسطورة، متوقفًا، بصفة خاصة، أمام رمز كاثاري لفت انتباهي منذ فترة، ومازلت أتابعه، ألا وهو رمز "الكأس الأقدس" أو الـSaint Graal، الذي وصلنا من خلال الأسطورة والأغنية الشعبية للمنشدين الشعراء في العصور الوسيطة Troubadours – تلك القصيدة الملحمية الرمزية ذات الرموز الباطنية التي تدعى برتسيفال Perzival مثلاً – وفيها يحدثنا الظاهر عن مريد هو برتسيفال، يبحث عن قصر سرِّي يحتفظ فيه ملكٌ جريح بكأس مقدسة يحرسها ملائكة ليسوا أخيارًا ولا أشرارًا – فأجد مسارًا وقصة ورموزًا تذكِّرني بأخرى جاءت بعدها وتتحدث عن العرس الكيميائي لكريستيان روزنكرويتس، حيث الصحيح يختلط بالمزيف، ودعوة واضحة تُفهِم المريد أن عليه اختيار طريقه بنفسه. وأقرأ ما يكتبه المحلِّلون عن كأس هي، في النهاية، رمز سلالة إله ينبثق نورُه من هذه الكأس التي يلمحها برتسيفال. حقًّا لقد كان الكاثاريون إجمالاً، ومن خلال بعض كُمَّلهم تحديدًا، من مريديها.

 

الملك آرثر وتسعة من فرسان المائدة المستديرة، يتجلَّى لهم "الكأس الأقدس" وسط المائدة

10

وأعود إلى التاريخ، حيث لم يزل الكثير من النقاط الغامضة المتعلقة بالكاثاريين ملفتًا للنظر بشكل صارخ. فحينئذٍ، في أثناء الحملة الصليبية ضد الألبيجيين (الكاثاريين)، كان موقف فرسان الهيكل Templiers محايدًا، إن لم نقل إنه كان متعاطفًا ضمنيًا مع الكاثاريين. وقد واجه فرسان الهيكل، من بعدُ، على يد الكنيسة، مصير الكاثاريين نفسه. والتاريخ الباطني يتحدث عن اهتمام كبير لملك فرنسا لويس الرابع عشر بلوحة للرسام بوسَّان، تدعى رعاة أركاديا، صودرت وأخفيت حينذاك، وتصوِّر رعاة يتأملون في قبر موجود إلى اليوم في بلاد الكاثاريين قرب قلعة مونسيغور، وقد كُتِبَتْ عليه العبارة اللاتينية التالية: ET IN ARCADIA EGO. هذا، ويلفت المؤرخون النظر إلى أمور غريبة تتعلق بهندسة هذه القلعة وتوجيهها نحو شروق الشمس – مما يجعل بعضهم يعتقدون أن هذا القصر المنيع كان، ربما، من خلال إحدى وظائفه، معبدًا شمسيًّا.

 

تكريس أحد فرسان الهيكل

11

وأشعر بأني أغالي في التحليق، ربما، وأني بدأت أفقد روحي النقدية، فأتحفَّظ قليلاً، وأعود إلى التفكير – ولو بشيء من القسوة – فيما حصل في تلك الأيام. وأفكر أنِّي، كقارئ مشكِّك، أنجرُّ، ربما بحكم ثقافة وتربية سابقين، إلى ذلك المنزلق الذي يتعاطف، بعقل اليوم، مع مَن يُعتقَد أنهم كانوا ضحايا ذلك الزمان. و أفكر أن الكاثاريين ربما كانوا كسواهم، وأن ما حصل لهم كان، في منطق تلك الأيام، عاديًّا. فالمجتمع الأوروبي، المنظم يومذاك بحسب مفاهيم القرنين الثاني والثالث عشر الميلاديين، كان قائمًا على أساس مفاهيم الملكية المطلقة، ويستند إلى كنيسة راسخة ومسيطرة لم يكن في وسعها، في ذلك الحين، قبول النموذج الكاثاري الذي كان، سواء كفكر و/أو كمشروع نموذج اقتصادي، يتهدَّد أسُس السلم السياسي والاجتماعي القائم.

وذلك لأنه، بمنطق هذه الأيام – وقد بدأنا نقبل، أو هكذا نعتقد، ما ندعوه بالتسامح الفكري – تبدو محاكم التفتيش وممارسات كنيسة تلك الأيام مستنكَرة ومرعبة. ولكن، أتراها لم تكن، بمنطق تلك الأيام، مبرَّرة تمامًا – وكلُّ المظاهر المحيطة بنا تدلُّ أننا لم نكتشف بعد معنى التسامح الحق، وأننا ما زلنا – كبشرية – من الناحية الإنسانية، مجرَّد رُضَّع!

12

ربما أيضًا لأننا هكذا... ربما لأنه، مذ ذاك إلى اليوم، ليس في وسع إنسانيتنا أن تتحمل بعدُ عمقَ ظواهر قد تهز أركان ما نؤمن به. لكننا، مع ذلك، لا نستطيع تجاهُل الكاثاريين وشطبهم من التاريخ – والكاثاريون قد ذُبِحوا يومذاك؛ أو هكذا اعتقد من ذبحهم من حكام عالم تلك الأيام. والكاثاريون كانوا يحملون معتقدات وأسرارًا مازالت، إلى اليوم، غامضة لمعظمنا – أسرارًا ومعتقدات كانت واستمرت، ويتعلق بعضُها حتى بشخص السيد المسيح. وأعود إلى هذه النقطة التي مازالت تؤرقني...

... حيث كان الكاثاريون يؤمنون بمسيح ينتمي إلى عالم الملائكة، وجاء ليوقظ النفوس النائمة: مسيح غير مادي، يقابله آخر أرضي مات على الصليب وعاش حياته المادية الأرضية كسواه – والمادة كانت بالنسبة لهم هي مجال الشيطان. حول هذا الموضوع يقول أرنو بوست في كتابه حول الكاثاريين ما مفاده أن المسيح الواقعي وُلِدَ وصُلِبَ في عالم لا مرئي، عالم أعلى، ليس هو السماء، إنما ساحة تلك المعركة الحقيقية الدائرة بين الخير والشر. وأتساءل...

13

فالموضوع يبقى غامضًا جدًا – ومن هنا يأتي جمالُه. وهو يستدعي التفكير ويستدعي التأمل، لأنه يتعلق، في النهاية، بهذا السعي الإنساني العميق، على مرِّ العصور وحتى يومنا هذا، نحو ألوهة مطلقة لا يمكننا إدراكُها عقلاً. وهو يتعلق بروعة هذا السعي من قبل نخبة هذه الإنسانية؛ وهذا مازال – وسيبقى – مستمرًا ما بقيت هذه الإنسانية. سيبقى يتقدم، من خلال أبنائه، شاقًّا طريقَه إلى الأمام بين الصخور الوعرة نحو ما يبدو وكأنه اللانهاية!

لذا – ولمن يقول أو يعتقد في عصرنا، مستنتجًا الدروس والعِبَر من مأساة الكاثاريين ومن واقع أن إنسانية اليوم ميؤوس منها لأنها كانت دائمًا – وستبقى – أسيرة شهواتها المادية – أقول – أيضًا من خلال الكاثاريين – أن للحقيقة الإنسانية دائمًا وجهين، ليسا بالضرورة متعارضين...

حيث إذا كان، كما يقول الشاعر الإنكليزي وليم بليك في "لوحته الإلهية"...

للقسوة قلبُ إنسان

وللحسد وجهُ إنسان

وللعنف شكلٌ إلهي وإنساني

وللتقية ثوبُ إنسان...

فإنه أيضًا – وهنا تكمن الروعة...

للتسامحِ قلبُ إنسان

وللرحمةِ وجهُ إنسان

وللحبِّ شكلٌ إلهي وإنساني

وللسلام ثوبُ إنسان.

 

الشاعر أدونيس (في الوسط) يشارك في رقصة في قلعة مونسيغور، معقل الكاثاريين الأخير (1987)

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود