بضع خواطر في الصِّيام كرامةً لشهر رمضان!

 

ديمتري أفييرينوس

عضو أسرة تحرير معابر

http://www.maaber.org

 

الصِّيام، كما أفهمه، لا يتصل بالامتناع عن المأكول والمشروب والملذوذ إلا في هامش ضيق جدًّا. من هذا المنطلق، لكلِّ عضو من أعضاء الجسم وجهاز من أجهزته وجارحة من جوارحه "صيام" خاص. لكلٍّ من الحواس الخمس، مثلاً، صيامها: للعين صيامها، وللأذن صيامها، وللسان صيامه، ولليد صيامها، إلخ.

والأهم من صيام الحواس الظاهرة صيام الحواس والملَكات الباطنة: للفكر صيامه، بأن يمتنع عن الانقياد للخواطر الأنانية؛ وللعاطفة صيامها المتمثل في إبقائها ضمن حدود الشعور النبيل، بعيدًا عن الرغبة الجامحة والانفعال المفرط؛ وللإرادة صيامها، إذ تكبح العاطفة المهددة بالتحول إلى انفعال وتلجم الدافع السوي حين يتاخم الشهوة (كأن يتحول الجوع الطبيعي إلى "شهية" ودافع الجنس السوي إلى شهوة الجنس).

ثم إن مكمن الأخطاء التي يرتكبها الإنسان كافة هو في الفكر والنفس أولاً – في الخواطر الأنانية والشهوات العنيفة، التي تُترجَم، من بعدُ، إلى إحساس وفعل ماديين. من هنا فإن الصيام الحقيقي صيام كلي، يشمل الشخصية بأسرها، وليس بكبت أرعن لدوافع العطش والجوع والجنس وحسب.

لدى هذه المعاينة، أتساءل بكل جدية وإخلاص: ما فائدة الصوم للصائم إذا لم يكن امتناعه عن المأكول والمشروب والملذوذ ينسحب على الحواس والعاطفة والفكر والإرادة؟ ما فائدة صومه إذا لم يُعِنْه على صقل حواسه، وتهذيب مشاعره، وتنقية خواطره، وتعزيز إرادته؟ – وهي أمور ينبغي ألا تنتهي بانتهاء الصوم، لأن الصوم هو مجرد "مراس" عليها، يمهِّد لممارستها ممارسةً دائمةً في الحياة ككل. بل ما فائدته إذا اقتصر على عملية قمع أو كبت قسريٍّ للشهوة، يُطلَق بعده العنانُ لهذه الشهوة بعينها بصورة أعنف من ذي قبل؟! (ولن أتكلم على احتكار المواد الغذائية وغيرها وارتفاع أسعارها في رمضان؛ إذ إن لهذا الحديث مجالاً آخر.)

يُفترَض في الصيام، كذلك، أن يكون موسمًا سنويًّا لتنقية الجسم وتخليصه من السموم المبثوثة في الطعام والشراب، المتراكمة فيه خلال العام الفائت – فإذا بأغلب "صائمي" رمضان يتفننون في جرع المزيد من تلك السموم وازدرادها بمجرد سماعهم فرقعة مدفع الإفطار! وإذا بالتلفزيونات المحلية والفضائيات تكثف برامجها "المطبخية" ومسلسلاتها المكررة المواضيع حتى الإملال، مكافأةً للصائم و"ترويحًا عن نفسه" من عناء صومه – مع كلِّ ما يرافق ذلك من ملايين الدولارات التي يجنيها مَن يجنيها – وكأن مكافأة الصائم على صومه هي الكف عن التفكير!

الثواب الحقيقي على الصيام هو فعل الصوم نفسه، لكن أكثر الناس لا يعلمون!

*** *** ***

جواب عن استفتاء أجرتْه صحيفة Syria News الإلكترونية

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود