|
علم نفس الأعماق
تمهيد يناقش
هذا المقال ظاهرة الدَّمْج identification
بوصفها التعبيرَ النفساني عن أبكر
ارتباط عاطفيٍّ يقيمه الطفل مع هوية شخص آخر.
ويقترن هذا الارتباط العاطفي الناشئ، بحسب
التنظير الفرويدي، بِصِلة لَبِيدية (نسبة إلى
اللبيدو libido)
موازية مع ذلك الشخص الآخر. سيبدأ
المقال النقاش حول مجموعة المعاني الجذرية
التي يتضمنها مصطلح "الدمج" من وجهة
النظر اللغوية، ويشدد على المعنى الجذري
المحدَّد، أي سياقه الانعكاسي أو
المطاوعي، الذي تمَّ تطبيقه في أدبيَّات
التحليل النفسي. بعدئذٍ، سيشرح المقال
المضمونين النفسانيين المتناقضين تناقضًا
مطلقًا لمصطلح "الدمج" في تلك الأدبيات:
المضمونَ الإيجابي الذي يشير إلى الشعور
بالإضفاء المثالي، والمضمونَ السلبي (أو
المَرَضي) الذي ينوِّه عن الشعور بالعدوانية،
كما في تنظير آنا فرويد اللاحق. سيتضح، إذن،
أن هذين المضمونين النفسانيين المتناقضين
ناشئان عن الطبيعة الازدواجية، أي
المتأرجحة، لظاهرة الدمج من حيث كونُها شكلاً
مشتقًّا من أشكال الطور الفمِّي في التطور
اللبيدي وتطور الأنا. وعلى فَرْض أن ظاهرة
الدمج تهيِّئ المحيط النفسي لظاهرة عقدة
أوديپ وتمهِّد السبيل لها – تلك الظاهرةِ
الأكثر ألفةً في التطور اللبيدي وتطور الأنا
–، سيشرح المقال، علاوة على ذلك، مساهمة
الدمج في العكس الآنيِّ لعقدة أوديپ، ومن
ثمَّ في تحطيمها الحتمي، بالإشارة إلى بضعة
أمثلة من الأعراض المَرَضية النفسية. بعد
ذلك، سيتطرق المقال إلى التمييز الذي وضعه
لاكان بين ما يُسمى بالدمج الخيالي
والدمج الرمزي، ذلك التمييز غير اليسير
إدراكهُ نظرًا للتغيرات النظرية الملحوظة
التي قد خضع لها مسبقًا في مؤلَّفاته. أخيرًا،
سيبيِّن المقال أن العلاقة المتبادلة بين
الدمج وعقدة أوديپ الآنفة الذكر لعلاقةٌ
متصارعة بين ضدَّين، علاقة تلقي الضوء على
النواحي التطورية للأنا بوصفها ماهيةً
نفسانية. ينتمي إريش فروم إلى أسرة يهودية متدينة. وقد تأثر مبكرًا بفكرة "المخلِّص الإلهي"، غير أنه تحرر منها بعد أن قرأ ماركس وسپينوزا وجون ديووي (1859-1952)، مثلما تأثَّر بآراء ماكس هوركهايمر (1895-1973) وثيودور أدورنو (1903-1969) وهربرت ماركوزي (1898-1979) بعد أن انتسب إلى مدرسة فرانكفورت النقدية في العام 1929. غير أن مسافة كبيرة كانت تفصل بينه وبين أعضاء مدرسة فرانكفورت، حيث كان معظمهم من المدرسة الفرويدية آنذاك. ومن أجل تقريب المسافة التي تفصله عنهم، بدأ بدراسة الطبيعة البشرية والاغتراب الاجتماعي، وأخذ يبلور اتجاهًا خاصًّا في التحليل النفسي ويضع مقدمات نظرية في "نسق الأخلاق" في إطارها الإنساني، موجهًا انتقاداته إلى الفرويديين الذين مازالوا يستخدمون طرقًا بيروقراطية قديمة في التحليل النفسي والپسيكولوجيا الطبيعية، محاولاً دمج التحليل النفسي بالنظرية الماركسية، على اختلافه معها. كذلك فقد انتقد تصورات علماء النفس حول "روح الجماهير" ورأى ضرورة عدم فصل الإنسان عن أوضاعه الاجتماعية. ولذلك وجد أن من الضروري دراسة الماركسية وفهمها وتحديد أسُسها، ومن بعدُ تطويرها انطلاقًا من مفهومَي الطبيعة الإنسانية والحرية.
إيجاد
تعريف بالعنف ليس بالأمر السهل، كما قد يبدو
للوهلة الأولى. العنف، لغةً، ضد الرفق. يقال:
عَنُفَ به وعليه عنفًا وتعنيفًا، لم يرفق به،
فهو عنيف (عبد الله البستاني، الوافي).
فالقوة غير المكظومة، الفالتة من عقالها (= من
"عقلها")، التي تتكلَّم عليها
التعريفاتُ الشائعة، تتبدى في مختلف مواقف
الحياة، بدءًا من الأسنان التي تخترق لثة
الرضيع فتعذِّبه، حتى فرخ الطائر الذي يكسر
قشرة بيضته لكي يبرز إلى جوٍّ يستطيع التنفس
فيه، مرورًا بالحَمَل الذي يرعى منتزعًا من
غير رحمة العشبَ من التربة التي كان ينمو فيها. إذا
أردنا أن نتكلم على حياة زيغموند فرويد
وأعماله، قد لا يكفي لذلك العديد من المجلدات.
وإذا أردنا الاختزال، نقول: "ولد ثم عاش ثم
مات"! ولكن إذا ألقينا نظرة على تأثير أفكار
الرجل في القرن العشرين، لا يختلف المفكرون
والأطباء على أنه كان من كبار رجال العصر، إذ
أعمل تفكيرَه في عمق البنية النفسية للإنسان
وكَشَفَ النقاب عن الكثير من الألغاز التي
كانت تقيد انطلاقة الفكر؛ بل إنه استطاع أن
يحرِّره من الموروث الخرافي ومن القيود
الاجتماعية التي كانت تكبِّله. ناهيك أن
خلاصة الأعمال هو ما استطاع أن يستمر، على
الرغم من تغير الأزمان والأجيال.
|
|
|