الجدار في المرآة

 

يانيس ريتسوس

 

الأساسيات

يخيط الأزرار إلى معطفه
بإبرةٍ ثخينة وخيطٍ ثخين.

يكلِّمُ نفسه:
هل أكلتَ خبزك؟ هل نمتَ جيدًا؟
هل استطعتَ أن تتكلم، أن تمدَّ ذراعك؟
هل تذكرتَ إطلالةَ النافذة؟
هل ابتسمتَ حين سمعتَ قرعًا على الباب؟

إذا كان الموت حاضرًا على الدوام، فإنه ثانيًا يأتي.
الحرية دائمًا هي الأولى.

***

آخر الملاحظات اليوم

كلُّ شيء سرّ:
ظلُّ الحجر،
مخلبُ العصفور،
بكَرةُ الخيطان،
الكرسي،
القصيدة.

*

هذا الغثيان
ليس مرضًا.
إنه جواب.

***

منزل ذو ثلاثة طوابق وقبو

في الطابقِ الثالث يقيم الطلبةُ الثمانيةُ الفقراء.
في الثاني الخياطاتُ الخمس وكلباهُنَّ.
في الأول مالكُ البناء وابنتهُ المتبنَّاة.
في القبو السِّلالُ والجرارُ والجرذان.
الطوابقُ الثلاثة تستخدمُ السلَّمَ ذاته.
الفئرانُ تتسلّقُ الجدار.
في الليل، حين يعبرُ القطار، تصعد
الجرذانُ عبر المدخنةِ إلى السطح، وتنظرُ
إلى السماءِ والغيومِ وسياجِ الحديقة
وأنوارِ المطاعم،
بينما الخياطةُ الكبرى تغلقُ الشبابيك
وفمها مملوءٌ بالدبابيس.

***

الثالث

جلسوا ثلاثتهم أمام النافذة ينظرون إلى البحر.
تحدَّثَ أحدُهم عن البحر. أنصتَ الثاني. الثالث
لم يتكلّمْ ولم يستمِعْ؛ كان مستغرقًا في البحر، سابحًا.
وراء بلُّورِ النافذة كانت حركاتهُ بطيئة، واضحة

في الزُّرقةِ الرقيقةِ الشاحبة. كان يستكشفُ سفينةً غرقَتْ.
قَرعَ جرسَ الموتى ليتفرَّجا عليه؛ تصاعدتْ فقاقيعُ صغيرة
متفجِّرةً بصوتٍ ناعم – فجأة،
سألَ أحدهما: "هل غرق؟"؛ قال الآخر: "لقد غرق".
عديمَ الحيلة نظرَ الثالثُ إليهما من قاعِ البحر،
كما ينظرُ المرءُ إلى الغرقى.

***

قبل النوم

رتَّبتِ الفوضى، وغسلتِ الصحون.
كلُّ شيء هادئ. الساعة الحادية عشرة.
خلعتْ حذاءَها لتذهبَ إلى الفراش.

تُرجئ ذلك. تتلكَّأ عند طرفِ سريرها.
هل نسيتْ شيئًا لن يدعَ يومَها ينتهي؟

البيتُ إذن ليس مربَّعًا، ولا السريرُ ولا الطاولة.
ساهمةً ترفعُ جوربَها أمام المصباح

لكي تجدَ الثقب. لا ترى شيئًا. لكنها واثقةٌ من وجودِه،
لعلَّه في الجدار، أو في المرآة؛
عبر هذا الثقبِ تسمعُ شخيرَ الليل.
ظلُّ الجوربِ على الشرشف شبكةٌ
في ماءٍ بارد تعبرها سمكةٌ صفراء عمياء.

***

طريق الخلاص

الليالي. عواصفُ عاتية. المرأةُ الوحيدة تسمعُ
الأمواجَ ترتقي الأدراج. إنها تخشى
بلوغها الطابقَ الثاني، ستطفئُ الفانوس،
ستبلِّلُ عيدانَ الثقاب، ستشقُّ طريقَها إلى السرير. عندئذ،
سيكون الفانوسُ في البحر مثل رأسِ غريق
تضيئهُ فكرةٌ صفراءُ واحدة. وهذا ما ينقذها.
تسمعُ الأمواجَ تنحسرُ مرة أخرى. ترى الفانوس
على المنضدة – وقد غشى الملحُ بلّوره بغمامةٍ صغيرة.

***

حول البئر

جلستِ النساءُ الثلاث حول البئر ممسكاتٍ بأباريقهنّ.
تساقطتْ على أكتافهنّ وشعورِهنّ أوراقٌ حمرٌ عريضة.
شخصٌ متوارٍ خلف شجرِ الدلب رمى حجرًا.
انكسرَ الإبريق. لم يندلقِ الماء؛ ظلَّ واقفًا
يلتمعُ، ناظرًا إلى حيث كنَّا مختبئين.

***

هجران

كثُرَ أطباءُ الأسنان في ضاحيتنا الفقيرة،
ومثلهم الصيادلةُ وصنّاعُ التوابيت. المساءات
مصابيحُ خضرٌ فوق أبوابٍ تقشَّرَ طلاؤها،
شرائطُ طويلةٌ من النور. نُسي صنبورٌ
ظلَّ مفتوحًا طوال الليل في شارعِ كراو الفرعي
أمام بائعِ الأزهار ومحلِّ الحلاق. شخصٌ ما
يمسحُ حذاءَهُ أمام الباب مستغرقًا وقتًا طويلاً
كأنه على وشكِ الدخول إلى قاعةٍ خالية
أرضيتها من رخامٍ صقيلٍ برَّاق،
الجوُّ ليس أليفًا،
ومثلهُ الخطواتُ التي يخطوها، الحركةُ،
غيابُ النوافذ، الصمت، المفتاح، المنديل.

***

الفتاة التي عثرت على بصرها

آه – تقول – إني أرى من جديد.
كانت عيناي غريبتين عني كلَّ هذه السنين،
غاصتا فيَّ؛ كانتا حصاتين مكسوَّتين بالأشنَّة
في ماء كثيف معتم-ماء أسود. والآن،
أليست تلك غيمة؟ وهذه... وردة؟ أخبروني؛
وهذه ورقة، أليست خضراء؟ خ ض ر ا ء
وهذا، صوتي – أجل؟ وهل تسمعونني أتكلم؟
الصوت والعينان – أليس هذا ما يُسمَّى الحرية؟
نسيتُ في القبو صينيةَ الفضة الواسعة،
صناديقَ الكرتون والأقفاص وبكرات الأسلاك.

ترجمة: جولان حاجي

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود