من مبدأ الحلال والحرام

 

نديم خوشابا كيوركيس

 

بعد وصوله إلى المنزل وضعَ الأكياس جانبًا، وتفقدَ المبلغ الذي أعاده له الصانع في محل الحلويات الذي يملكه أحد الأغنياء المعروفين في المدينة. يبدو أنه قد أخطأ في الحساب نتيجة الازدحام في المحل، إذ أعاد له الصانع (50 ليرة) إضافية عن استحقاقه. ومن مبدأ "الحلال والحرام"، ولأنه بدأ يشعر بوخزات الضمير، قرر إعادتها مباشرة، لكن الوقت كان قد تأخر والمسافة بين منزله ومحل الحلويات ليست بقليلة. وهكذا تم تأجيل المشروع إلى يوم غد.

جلس مع أفراد أسرته إلى مائدة العشاء، وبدأ كل واحد يقدم فتواه الخاصة في قضية الـ (50 ليرة):

-       من مبدأ "الحلال والحرام" كان عليكَ إعادتها مباشرة.

-       وإن كان المبلغ بسيطًا لا يحق لكَ الاحتفاظ به.

-       كون صاحب المحل شخص غني هذا لا يبرر احتفاظك بالمبلغ.

-       إن احتفظت بالمبلغ فأنت كمن يسرق ولكن بطريقة لبقة، السرقة سرقة وإن اختلفت أساليبها.

-       قولكَ بأنك ستتصدق بالمبلغ على أحد المحتاجين لا يجدي نفعًا.

-       لا تتصدق على الناس من مال غيرك.

-       ما هذا الاقتراح الخطير؟!! كيف ستتبرع بها للكنيسة، إن فعلت ذلك تكون قد وضعت خميرة "حرام" في غلة حلال. وهكذا يكون ذنبك أعظم وخطيئتك لا تغتفر.

-       كيف ستنام الليلة وفي حوزتك شيء ليس لك.

-       لهْ لهْ لهْ، أيعقل أنك تفكر في إعطاء المبلغ لابنك الصغير!! ستطعم أولادك مال حرام؟!!

وهكذا توالت عليه الانتقادات والفتاوى ليأوي إلى فراشه في آخر الليل وقد جافاه النوم بعد أن عضه ضميره مئات العضات المؤلمة التي جعلته يظنُّ بأنه قد ارتكب أشنع الخطايا.

في صباح اليوم التالي هرع مسرعًا إلى محل الحلويات. ردَّ الـ (50 ليرة) و شرح لصاحب المحل حيثيات الموضوع ، ثم أقفل عائدًا إلى منزله مرتاحًا وكأن جبلاً ضخمًا يضاهي "جبل عبد العزيز" قد أزيح للتو من على ظهره. وحينما وصل إلى المنزل كان لا يزال تحت تأثير جملة (الله يكثر من أمثالك، صحيح إنك ابن حلال وأصلك طيب) وهكذا نال استحسان ورضى أفراد العائلة، وقرر أن لا يحيد أبدًا عن مبدأ "الحلال و الحرام".

بعد ثلاثة أيام، وبينما كان يتجول في السوق صادف ذلك الصانع الذي لن ينسى وجهه أبدًا لارتباطه بموقف مميز ترك بالغ الأثر في نفسه. تفاجأ كثيرًا عندما أخبره الصانع بأنه قد طُردَ من محل الحلويات بعد أن عمل فيه لأكثر من ثلاث سنوات وهو الآن يبحث عن عمل جديد ليكسب به رزقه ويؤمن لقمة أولاده.

تعاطف صديقنا معه كثيرًا وسأله عن السبب فقال الصانع: حسب زعم صاحب المحل الجشع لقد قمت بتبذير وارد المحل بسبب أخطائي الفادحة في الحساب. ولقد اكتشف هذا الشيء بعد أن أعاد له أحد "أبناء الحلال" مبلغ (1000 ليرة) ادعى أنني قد أرجعته له نتيجة حساب خاطئ، وهذا كلام عار من الصحة... آه لو يقع هذا الشخص عديم الضمير والوجدان بين يديَّ لأمزقه إربًا إربًا. لقد قطع رزقي فليقطع الله عنقه.

بَلَعَ صديقنا ريقه بصعوبة وتلمس عنقه خائفًا وهمَّ بالمغادرة. يبدو أنه بحاجة إلى الكثير من الشجاعة في هذا الموقف ليقول من مبدأ "الحلال والحرام" أنه هو الشخص الذي تسبب بقطع رزق الصانع.

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود