|
إبستمولوجيا
تقديم تعميمًا للفائدة، نقدِّم لقارئ معابر ترجمةً للنصِّ الكامل للمحاضرة التي ألقاها عالم الاجتماع الفرنسي المرموق إدغار موران في الرباط، بدعوة من وزارة التربية الوطنية والشباب، بتاريخ 6/2/2004. إن صيغة المحاضرة عادةً ما تُلزِم الباحث بتبنِّي نظام في العرض يتوخى الوضوح والعمومية في معالجة قضايا غالبًا ما تكون معقدة وتستند إلى تفاصيل يصعب على غير المتتبِّع لعمل الباحث أو المفكر أن يحيط بها و/أو يستحضر خلفيتها. وتشكِّل محاضرة إدغار موران نموذجًا لهذا التمرين الپيداغوجي [=التربوي] والفكري الذي يلخص مسار حياة كاملة، استغرقها النضالُ من أجل مستقبل أفضل، والبحث النظري والميداني، والتأمل الفلسفي في القضايا الكبرى للوجود الإنساني. وتأتي فائدة هذه المحاضرة من كونها تقدِّم المعالم الكبرى للمشروع التربوي الذي يدافع عنه إدغار موران، منذ سنوات، استنادًا إلى نتائج وتراكمات مسار طويل في البحث والتفكير والنضال من أجل مستقبل أفضل، يكون فيه الفهمُ والقرارُ في مستوى التعقيد الذي يحكم تداخُل المستويات والمرجعيات والآفاق. ويوجِّه موران سهام نقده القوي إلى هندسات الإصلاح كلِّها، العاجزة عن إدراك مطالب التعقيد، المؤمنة بالنفعية، والناسية – أو المتناسية – للشرط الإنساني. كما يظهر في هذه المحاضرة مدى أهمية – بل ضرورة – توفُّر رؤية شمولية لدى كلِّ مَن يطمح إلى إصلاح المنظومة التربوية، وكذلك مدى خطورة أصحاب النظرة التجزيئية والتقنية المحض إلى قضايا التربية والتعليم.[1] بقي أن أشير، في الآخِر، إلى أن مضمون المحاضرة يبقى متقدمًا على الأفق المعرفي للمنظومة التربوية المغربية الحالية، والعربية عمومًا، بحيث يمثِّل نوعًا من اليوتوپيا التي لا نعرف هل سيتمكن المجتمع العربي يومًا من أن يصل إلى أحد شواطئها أو يعيش أحد أزمنتها. وهو الأمر الذي يطرح سؤال القابلية الثقافية لنقل الأرضية المعرفية التي اقترحها موران في تقرير استشارته لصالح اليونسكو[2] إلى الواقع العربي أو لملاءمتها معه – وهو سؤال نترك أمر معالجته لمناسبة أخرى. م.ز. *** ... لحظةٌ من لحظات ارتقاء العقل البشري الظاهري للدخول إلى العقل الباطني الذي يتمكن من الاندماج مع نُظُم الكون العليا التي تتحكم في تغيير الثوابت الكونية، فتجري الأمور وكأن "معجزات" تحصل بقيام الوعي الإنساني الطبيعي بتغيير قيم هذه الثوابت، فتحصل التغييرات في المادة! ضمن الإطار القائل بأن الزمن والمكان لم يريا النور إلا مع حدوث الانفجار الكبير، يظل السؤال المطروح حول معرفة ما حدث قبل ذلك خاليًا من المعنى بنظر علماء الكونيَّات. ولكن لماذا ظهر الزمن والمكان فجأة؟ ومن أين تأتي قوانين الفيزياء؟ خلاصة: تقول نظرية الانفجار الكبير بأن منشأ الكون الذي نعيش فيه هو تلك اللحظة الفريدة، إذ أدى "تقلُّب كوانتي"، دون سبب مسبَّق، إلى ظهور زمكان، بطاقته ومادته اللتين نرصدهما اليوم. قبل ذلك، لم يكن يوجد "شيء"، مثلما لا يوجد شيء في شمال القطب الشمالي! الزمن، في حدِّ ذاته، منتهٍ، ولكن ليس له منشأ، بما أنه قد اتخذ بالتدريج الخصائص التي يتصف بها الآن، مستغنيًا عن الخصائص المتعلقة بالأبعاد المكانية. إن علماء الفيزياء، في محاولة منهم لإيجاد السلسلة التفسيرية للعالم، ينطلقون من قوانين الفيزياء التي يطرحونها على أنها لازمنية و"خارجة" عن الكون، غير أن طبيعتها العميقة هي موضع بحث يؤول إلى أهل الميتافيزياء.
مستمرة...
|
|
|