حول آراء البابا بنديكتوس السادس عشر ومعلوماته

آية "لا إكراه في الدين" مدنيَّة لا مكيَّة

 

جون إسپوزيتو·

 

لم يكن الهدف والرسالة الأساسيان من وراء خطاب بنديكتوس السادس عشر في ريغنسبرغ، ألمانيا، الإسلامَ المشار إليه في أربعة مقاطع فقط من محاضرته المؤلَّفة من ثماني صفحات. ومع ذلك، تحولتْ كلمة البابا أمام جمهور جامعيٍّ مناسبةً للاحتجاج الدولي في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

سحب المغرب سفيره في الفاتيكان، وعبَّر رؤساء دول، من تركيا إلى إندونيسيا، عن انتقادات، وانتقد شيخ الأزهر "جهل البابا بالإسلام"، وطالب قادةُ منظمات إسلامية باعتذار علني. وقد سبَّبت الحادثة أيضًا تظاهراتٍ عامةً وإحراقَ تمثال للبابا في الپاكستان وأعمال عنف ضد مسيحيين وكنائس مسيحية.

أعلن البابا في وضوح أن هدفه الأساسي هو مناقشة "مسألة الإيمان والعقل". وقد فعل هذا كردِّ فعل على موضوع أساسيٍّ يشغله، وهو تجاوزات العولمة المفرطة: انتصار العلمنة والضعف المتزايد للمسيحية والكنيسة الكاثوليكية في وطنه الأم ألمانيا وأوروبا في شكل عام، ومحاولات إقصاء الدين من عالم العقل.

على الرغم من أن الفاتيكان أعلن أن البابا لم يقصد الإهانة، أثارت ملاحظاتُه في الواقع غضبَ عدد كبير من المسلمين. والإهانة الأكبر في نظر المسلمين كانت الملاحظات التي اقتبسها عن إمبراطور بيزنطي من القرن الرابع عشر بشأن النبيِّ محمد: "أرِني ما الجديد الذي قدَّمه محمد، تجد فقط أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل نشره الإيمان الذي كان يبشِّر به بحدِّ السيف."

محمد مبجَّل في الإسلام الذي يعتبره خاتمةَ أنبياء الله والأسوة الحسنة للحياة التي يجب أن يعيشها المسلم. كما أن القول إنه نشر الإسلام بحدِّ السيف غير دقيق. لقد أقرَّ القرآن ومحمد بالحقِّ في الدفاع عن الإسلام وأمَّة الإسلام عبر قتال أهل مكة الذين كانوا يهددون الإسلام ويعادونه.

وما يثير إشكاليةً بالدرجة نفسها هو قول البابا إن الآية القرآنية "لا إكراه في الدين" (البقرة 256) أُنزِلَتْ في السنوات الأولى من نبوءة محمد في مكة، وهي فترة "كان محمد لا يزال فيها عاجزًا وتحت [التهديد]"، لكنه فوجئ لاحقًا عندما حكم المدينة المنورة بـ"تعليمات طُوِّرت لاحقًا ودُوِّنت في القرآن تتعلق بالحرب المقدسة". لكن كلا القولَين غير صحيح: لم تُنزَل الآية القرآنية من سورة البقرة في السنوات الأولى من بعثة محمد في مكة، بل هي من الحقبة اللاحقة في المدينة المنورة. ولا يساوي القرآن بين "الجهاد" و"الحرب المقدسة"؛ إذ لقد تطور هذا التفسير للجهاد بعد مرور سنوات عدة على وفاة محمد عندما بدأ الخلفاءُ يستعملونه لتسويغ حروب التوسع التي خاضوها وحُكمهم باسم الإسلام.

بنديكتوس السادس عشر هو عالم لاهوت كاثوليكي متميز، لكنه ليس خبيرًا في الإسلام. كان للفاتيكان في الماضي القريب باحثون في الإسلام من الدرجة الأولى، يخدمون البابوية بصفة مستشارين. وقد كان في الإمكان تفادي الإشارات غير المناسبة إلى الإسلام في خطاب ريغنسبرغ بكلِّ سهولة.

إذا كان هدف البابا الأساسي التطرق إلى مسألة العلاقة بين الإيمان والإكراه، من جهة، وبين الإيمان والعقل، من جهة أخرى، يقدِّم التاريخ المسيحي أمثلةً وافرة (محاكم التفتيش، غاليليو، ومسائل أخرى يأتي على ذكرها، العنف والتطرف، الحروب المقدسة) دون اللجوء إلى مقاطع مستمَدة من جدليات مشتركة.

هل بالغ المسلمون في ردِّ فعلهم على كلام البابا؟ يجب فهم ردَّات فعلهم في سياق عالم ما بعد 11 أيلول، حيث يتفاقم الاستقطاب ويزيد كره الإسلام زيادةً مثيرة للقلق. يشعر مسلمون كثر أنهم محاصَرون. يشير استطلاع آراء عالمي world poll أجرتْه مؤسَّسة Gallop وشمل نحو 800 مليون مسلم، من المغرب إلى إندونيسيا، إلى استياء واسع النطاق مما يعتبره المشاركون في الاستطلاع "تحقيرًا للإسلام والعرب والمسلمين" في الغرب.

فقد أظهر الجدل حول الرسوم الكاريكاتورية في أوروبا مخاطر كره الأجانب وكره الإسلام وحجم الغضب والاستياء. بناءً عليه، من السهل فهم الأسباب التي جعلت المسلمين يعبِّرون عن خيبة أملهم وسخطهم ويطالبون باعتذار وحوار، تمامًا كما ألح زعماء يهود في المطالبة بعقد اجتماعات مع البابا أو زعماء آخرين في الكنيسة بسبب تعليقات أو أفعال مهينة. فهذا ما فعله زعماء الجالية اليهودية الأمريكية قبل الزيارة البابوية في العام 1987 بعدما اجتمع البابا يوحنا بولس الثاني بكورت فالدهايم. وكما ألمع قادة مسلمون بارزون في أثناء الجدل حول الرسوم الكاريكاتورية في أوروبا وفي الوضع الحالي، لا يعوق التعبيرُ عن القلق أو الغضب النقاشَ والحوار، ومن المؤكد أنه لا يبرِّر أبدًا أعمال العنف.

لقد اعتذر البابا بنديكتوس، لكن يمكن فعل المزيد. يستطيع البابا أن يدعو الزعماء والفقهاء الدينيين المسلمين إلى الاجتماع ومناقشة المسائل التي أثارتْها كلمتُه وسماع همومهم وآرائهم حول تعليقاته على الإسلام والنبيِّ والجهاد. يستطيع أن يدعوهم إلى الانضمام إليه في لغة مقبولة من الجميع للتعبير عن القلق من العنف باسم الدين وانتهاك حقوق الإنسان. يمكن أن تشكِّل زيارة البابا المقبلة إلى تركيا فرصةً ليُظهِر في خطبه العامة احترامه للإسلام والمسلمين ورغبته في مواصلة الإنجازات الكبرى التي حقَّقتْها الكنيسة الكاثوليكية منذ المجمع الفاتيكاني الثاني في الحوار الكاثوليكي–الإسلامي.

آن الأوان للمضي قُدُمًا. لقد اعتذر البابا، ويجب أن يعود المسلمون والكاثوليك (وجميع المسيحيين في شكل عام) الآن إلى المسار الصحيح ويعزِّزوا الإنجازاتِ المهمةَ التي تحقَّقت في الحوار بين الأديان في العقود الماضية.

في القرن الواحد والعشرين، سيكون عمل البابا بنديكتوس السادس عشر والكاثوليك مع نظرائهم المسلمين من أجل تخطِّي الجهل والعداوة، وكذلك تهديد العنف واللاتسامح في العالم، أساسيًّا للعلاقات بين الكاثوليك والمسلمين.

*** *** ***

ترجمة: نسرين ناضر

عن النهار، الأربعاء 20 أيلول 2006


· أستاذ جامعي ومؤلِّف ما يجب أن يعرفه الجميع عن الإسلام وحرب غير مقدسة: رعب باسم الإسلام.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود