العلم على عتبة قرن جديد

 

موسى ديب الخوري

 

تغمرنا اليوم ونحن نلج قرنًا بل وألفية جديدة مئات الأفكار العلمية الجديدة التي يتصدر بعضها أخبار الإعلام بشكل يومي. وعلى الرغم من أن الانتقال الاصطلاحي من قرن إلى قرن لا يعني شيئًا على مستوى التطور، لكنه يعطينا الفرصة لتأمل التسارع الرهيب للنظريات العلمية وتطبيقاتها التقنية على حد سواء. نحن اليوم نعيش لحظات ستصبح متميزة في التاريخ المستقبلي. لقد عمل الإنسان خلال القرون القليلة السابقة على تعديل حياته بشكل سريع نسبيًا، وخلال بضعة قرون تغيرت معالم مدنيتنا كما ونفسيتنا واختلفت طرائق تفكيرنا وسلوكنا وتبلورت معاييرنا ومنظوماتنا الفلسفية والعقائدية. لكن العقود القليلة الماضية وتحديدًا ربع القرن الأخير، حمل لنا ما يفوق ما حملته لنا الإنجازات البشرية على مدى التاريخ! وهذا اليقين لا ينبع فقط من التحولات الكبيرة في طريقة تناولنا للظاهرات وتفسيرها، بل وفي إدراكنا للإمكانيات التي تنفتح أمامنا في تغيير العالم والإنسان. بعبارة أخرى، يقترب الإنسان من بلوغ مرحلة ينتهي فيها وجوده على الأرض كطفل يحبو ويكتشف ويلعب أحيانًا مستفيدًا أو مدمرًا. فهو الآن يقف على قدميه وينظر إلى الأفق ويفكر كيف يريد أن يصبح بمستوى عظمة هذا الكون الذي اكتشفه لتوه. كان الإنسان القديم قد بنى أساطيره على المعرفة البسيطة، والمغلوطة غالبًا، التي كان يشكلها عن الطبيعة والكون. أما اليوم، فإن الإنسان يبني أسطورة معرفية حقيقية بما هي مفتوحة باستمرار على التجدد والتطور.

كان نيوتن قد وضع أسس العلم الحديث بعد أن كان بيكون قد أسس للمنهجية العلمية. وعبر مسيرة الفلسفة العملية في القرن الثامن عشر ثم في القرن التاسع عشر انزاحت براقع كثيرة من أمام الفكر البشري. واتضحت ملامح القوانين التي تحكم الظاهرات الطبيعية. لكن العلم كان بحاجة لأدوات أدق وأكبر وأكثر تطورًا بكثير ليستطيع الإنطلاق قدمًا في طرح برنامج علمي شامل معرفي وتقني معًا. وكان له ذلك خلال النصف الأول من القرن العشرين. ومع ذلك بقي العلم أمام تساؤلات كبرى. ولم تستطع نظرياته الفيزيائية أو الرياضية أو البيولوجية وغيرها سبر الأعماق البعيدة للوحدة الجوهرية للطبيعة على الرغم من تلمس العلم منذ فترة بعيدة لوحدة القانون الطبيعي. ويبدو أن التحول الكبير بدأ خلال الربع الأخير من القرن الفائت مع التراكمات النظرية والتطبيقية الكثيرة في شتى الميادين العلمية والتي أدت إلى تلاقي العلوم وتمازج تطبيقاتها وترابط وتعاضد تفسيراتها.

لقد اكتشف الإنسان خلال القرون الثلاثة الأخيرة نظريات وقوانين أساسية قربته كثيرًا من فهم عدد كبير من الظاهرات الطبيعية. لكن العقود الثلاثة الأخيرة كانت بمثابة إعادة نظر في كافة المعلومات والنظريات والتطبيقات، كما وأعطت أفكارًا جديدة كل الجدة واكتشافات يبدو أنها تعد لتحولات عظيمة على مدى القرن القادم. فلعلنا نشهد اليوم ثورة علمية أشبه بتلك التي بدأت منذ ثلاثة قرون، وتُوجت منذ نحو نصف قرن أو أقل بإنجازات أقل ما يقال فيها إنها كانت عظيمة، على المستوى النظري (النسبية العامة والميكانيك الكمومي ونظرية الألعاب واللانهايات والتطور وغيرها) وعلى المستوى العملي والتقني (الهبوط على سطح القمر والمراكب والمسابر والفضائية والأمصال والعمليات الجراحية الفائقة الدقة والناقلية الفائقة وغيرها). ولهذا فقد نتساءل وماذا بعد؟ ماذا أكثر من ذلك؟ كان بعضهم قد بدأ يقتنع بأن العلم وصل إلى ذروته، كما كان الحال في نهاية القرن التاسع عشر قبل نظرية النسبية واكتشاف الذرة. لكن سرعان ما وافتنا الاكتشافات الكبيرة والأسئلة الكبيرة خلال العقود الثلاثة الأخيرة فغيرت هذا المنظور وفتحت باب العلوم من جديد على مصراعيه.

مما لا شك فيه أن العلم تمرس خلال النصف قرن الأخير في المعارف التطبيقية والصناعية مما ساعد كثيرًا على بلورة وإثبات الكثير من الأفكار النظرية. وكان لظهور المؤسسات العلمية والصناعية العملاقة، أكانت حكومية أو خاصة، دور كبير في تسارع الاكتشافات التطبيقية وبالتالي حتى النظرية في كثير من الأحيان. وهكذا وجدنا أنفسنا فجأة أم فيض هائل من الاختراعات والتطبيقات لم يسبق له مثيل على مدى تاريخ البشرية. فلكأننا اليوم نسارع إلى استخلاص كافة نتائج علومنا ومعارفنا في نهم إلى إنجاز مستحيلات جديدة!

مما لا شك فيه أن العلم سيطبع القرن المقبل بطابعه بشكل كامل. ذلك أن التحولات الكبرى التي شهدها قرننا الفائت، وخاصة التحولات الجوهرية التي شهدناها في الربع الأخير منه والتي لا تزال غير ملحوظة تمامًا، مهدت بشكل أكيد لعصر جديد تختلف فيه الأولويات والمعارف والحياة الإنسانية بما في ذلك القيم والمعتقدات والفلسفات والمناهج واللغات وإن كنا نؤكد على أن القرن المقبل سيحمل لنا مفاجآت غير متوقعة فذلك لأن بوادرها قائمة في حاضرنا اليوم.

* * *

الماضي القريب للعلم

لنحاول أن نلقي نظرة سريعة جدًا على ما قدمته لنا العقود الثلاثة الأخيرة في محاول منا لاستشراف المستقبل القريب للعلم. وإن كانت هذه المحاولة ستظل ناقصة، إذ يستحيل أن نحيط في عجالة ولو ببعض ما تم في هذه الفترة الزمنية القصيرة، فإننا سنكتفي بما يمهد لاستنتاج الاتجاهات الممكنة للعلم خلال القرن المقبل.

في مجال الكونيات الرصدية إن صح التعبير أثبت العلماء أن أصل العناصر الخفيفة في الكون مثل الليتيوم والبور والبيريليوم ليس باطن النجوم بل هي نتيجة تفاعل بين الغازات المحيطة بالنجوم والأشعة الكونية عالية الطاقة أو قد يكون مصدر بعضها النجوم المعروفة بـ"النوفا". وبذلك يكون العلماء قد قطعوا شوطًا يكاد يكون أخيرًا في معرفة أصل العناصر في جدول مندلييف. وتلك لعمري خطوة جبارة لا تقل عن الإنجازات الكونية الأخرى. ولا شك أن القرن القادم سيحمل معه تركيزًا أكبر على مكونات هذه العناصر أي على الأجسام الأولية الدقيقة مع تطور المسرعات والمصادمات الضخمة وزيادة دقتها. كذلك لا ننسين أن معرفتنا بأصل العناصر الخفيفة يأتي ضمن سياق فهمنا للنظرات الكوزمولوجية الكبرى، مثل الانفجار الكبير والتوسع الكوني. ومما لا شك فيه أن علم الكونيات انفصل نهائيًا عن الخرافات الموروثة عن بنية الكون. وسيكون القرن المقبل فترة حاسمة في إعادة بلورة كافة مفاهيمنا القديمة عن الكون. إن علم الكونيات سيكون أحد المفاتيح الأساسية الفعالة جدًا في تغيير علاقتنا بالكون، وسيكون بالتالي أحد أهم ركائز البنية المعرفية القادمة. من جهة أخرى لا تقل أهمية في مجال الكونيات الاكتشافات المذهلة التي تمت لجزيئات تتفاعل وتتعقد في قلب الغبار ومن بينها جزيئات متعضية هي أسس الكائن الحي. وإن لم تكن الاكتشافات حتى الآن قد وصلت إلى اكشتاف حموض أمينية في الكون لكنها تثبت أن المحيط النجمي يحمل الكثير من المكونات مثل الفورمادلهيد والأسيتون والكحول الأتيلي وغيرها. ولا شك أن وجود ظروف بيئية مؤاتية مثل جو الأرض قبل مليارات السنين يفتح لهذه الجزيئات الإمكانيات واسعة للتعقيد والتطور. أما الاكتشاف الهام أيضًا والذي لا يزال في بداياته ويتسارع بشكل كبير مع تقدم المراصد الضخمة فهو العثور على كواكب خارج المجموعة الشمسية بأعداد كبيرة مما يزيد بشكل كبير احتمالية وجود حياة بل و"حياة متطورة" في الكون.

لقد سمح اكتشاف النواقل الفائقة الحديثة بتطورات مدهشة على الصعيد التقني والعلمي. فمما لا شك فيه أنه لم يكن من السهل تشكيل المواد التي تمت عليها التجارب. وقد أدى ذلك إلى تطورات كبيرة. فمن جهة كان التطور الأول يخص نقل الطاقة بواسطة الكابلات: فتم استخدام أسلاك فائقة الناقلية بدرجات حرارة عالية من أجل تغذية مولدات فائقة الناقلية مع الحد من الخسارة في الطاقة. ويتم الآن بناء كبل تجريبي من هذا النوع لتطبيقه عمليًا في تغذية مدينة كاملة بالكهرباء في الولايات المتحدة. أما النمط الثاني من التطبيقات فيتعلق بالاتصالات: فاستخدام النواقل الفائقة يسمح بتصنيع فلترات ذات تواترات أقل تشويشًا. ويتم استخدامها بخاصة في الرادارات والأقمار الصناعية.

في عام 1999 خلق باحثون في جامعة برنستون فئرانًا محولة مورثيًا أذكى من الفئران العادية: وكانت هذه الفئران تسبق أقرانها في معظم اختبارات التعلم. قبل ذلك بثلاثين سنة فقط كان أحد العلماء يخشى من أن الذكاء البشري لن يستطيع تخطي حدود مورثاته ولهذا كان يطالب باستخدام مؤثرات كيميائية ليستطيع تخطي حواجز بيولوجيته. إن السؤال الأساسي بين المكتسَب والموروث لا يزال مطروحًا اليوم حتى بعد إعلان العلماء عن وضع الخارطة المورثية المبدئية الكاملة للإنسان. كان جاك مونو يرى أن المسألة الكبرى واللغز الحقيقي هو أصل الشيفرة المورثية وآلية بنائها، وأعتقد أن العلم بدأ يحل هذا اللغز بجدارة. إن مسألة الصدفة والضرورة التي طرحها مونو هي في الجوهر مسألة درجة الريبة في المعرفة، بل وربما في الطبيعة والكون. ولعل الإنسان سيكون خلال القرن المقبل مسؤولاً إلى حد كبير عن الصدفة والضرورة على حد سواء فيما سيقوم به ويفعله.

قبل استنساخ دولي بـ 27 سنة تنبأ دوبزانسكي بإمكانية تعديل عمل الخلايا مهما كانت في الجسم من أجل تطوير جنين منها، بل تخيل حتى الطريقة التي اتبعت في الاستنساخ لأول مرة. وها نحن ننظر إلى المستقبل القريب ونحن نرى الإنسان على عتبة الإستنساخ ونتساءل: أي شكل من الكائنات سيستنسخ الإنسان؟ وكيف ستكون مفاهيمنا عندها عن المكتسَب والموروث طالما أن المورثات نفسها أصبحت مكتسبة أو محولة؟

ومن المسائل التي تصب في إطار هذا السؤال مسألة اللغة. قد نتساءل، هل توجد بنى أولية للغة، أم أن اللغة هي في أساسها نتاج التعلم؟ كان تشومسكي قد طرح نظريته الشهيرة في وجود أساس ينيوي في الإنسان لتعلم اللغة. ومنذ نحو نصف قرن وتشومسكي يحاول تبيان وجود لغة قواعدية أساسية موجودة في الإنسان. وهذه القواعد هي التي تبني في آن واحد اللغة والفكر. فدراسة القواعد العالمية الموجودة في كافة اللغات وفق هذا المبدأ هي دراسة لطبيعة القدرات الفكرية الإنسانية. وهو يرى بالتالي أن هذه القواعد يجب أن تُبنى وفق قواعد رياضية. فوجود مبادئ محددة للقواعد العالمية يجعل من الممكن إعداد ألسنية رياضية. إن هذه الأفكار العميقة التي طرحها تشومسكي ستجد آفاقًا حقيقية لتطويرها مع تقدم الدراسات الرياضية اللغوية. ومنذ الآن نلحظ هذا الدفق من الفرضيات والأطروحات التي تدرس لغة الأطفال والشعوب البدائية كما ولغة المرضى العقليين بل واللغات الحيوانية إضافة إلى اللغات البشرية المتنوعة. ومن جهة أخرى فإن تطور الدراسات المعلوماتية سيطرح علينا في المستقبل القريب لغات جديدة كليًا لسنا ندري إلى أي حد يمكن لنا أن نقبل بها وفق منظور القواعد العالمية!

إن الترابط الذي نلحظه بين العلوم يتعمق أكثر فأكثر مع تقدم الرياضيات والعلوم النظرية الأخرى. لهذا لن ندهش عندما نرى أن علمًا مثل الاقتصاد انغمس خلال ربع القرن الأخير في النظريات العلمية بل وولد نظريات رياضية هامة جدًا. فمن أجل معالجة مسألة اقتصادية بشكل رياضي يجب أن ننمذجها. لكن تتدخل عندها مصادر للخطأ في النمذجة. ومنذ منتصف القرن الماضي ظهرت نظرية الألعاب من خلال هذه الدراسات الاقتصادية. وتُطبق نظرية الألعاب اليوم في مجالات كثيرة متنوعة مثل الاقتصاد والإستراتيجيات العسكرية والعلوم السياسية والرياضة والبيولوجيا والمورثات وغيرها.

نشأت نظرية الفراكتال عند ماندلبروت من دراسة البورصة والاقتصاد! ففي دراسة الأسعار لم يكن ثمة فارق جوهري بين التغيرات الحاصلة على المدى القصير أو البعيد. فيمكن مثلاً وصف تغيرات سعر سلعة ما مثل القطن على مدى عدة أسابيع أو عدة سنوات كظاهرتين متطابقتين باستثناء أنهما يتمان على مستويين مختلفين. وكان ذلك يناقض الأفكار السائدة التي تقول إن التغيرات اليومية تعزى إلى المضاربات، في حين أن التغيرات على المدى البعيد ترجع إلى القوانين الأساسية في الاقتصاد. وبتطوير هذه الفكرة أمكن لماندلبروت أن يبني نموذجًا رياضيًا ويرسم تغيرات للبورصة تخيلية تمامًا إنما محسوبة وفق هذا المبدأ. ولم يستطع الخبراء أبدًا تمييزها عن المخططات الحقيقية للبورصة. وسرعان ما تحول ماندلبروت عن الاقتصاد ليتفرغ لدراسة الضجيج والتدومات. ووجد أنه يوجد تشابه حقيقي بين هذين المجالين. وقد توصل إلى أن الظاهرات تجتمع على أنها غير قابلة للتوقع. فالطقس من هذه الناحية يشبه البورصة في أنهما غير قابلين للتوقع. ووجد التعبير الرياضي على ذلك من خلال مصطلح ابتدعه بنفسه هو التماثل الذاتي الهندسي. والتماثل الهندسي هو الخاصية التي يملكها شكل هندسي حيث يكون كل جزء فيه صورة مصغرة للكل. والفراكتال هو عبارة عن صورة مبنية من تكرار شكل بسيط عددًا كبيرًا جدًا أو لانهائيًا من المرات مما يعطي صورة طبيعية أو معقدة لا تنم عن أصلها البسيط. وهكذا عرف ماندلبروت أن التماثل الذاتي يمكن أن يُتَرجَم رقميًا ببعد كسري. وكان الرياضيون يعرفون الفراغات ذات الـ n بعدًا حيث n عدد كسري، لكنهم كانوا يعتقدون أنه لا يمكن أن ينفع في شيء وأنه مرتبط برياضيات بعيدة عن الواقع الحقيقي. إن الصور التي كان يحسبها بواسطة نظريته الرياضية كانت تشبه إلى حد كبير الواقع الطبيعي. فإن كانت الصور تستطيع تقليد الطبيعة فهذا يعني أن ماندلبروت كان قد وجد أحد أسرار الطبيعة. وينص هذا المبدأ على أن التشكيلات الطبيعية يمكن أن تُبسط إلى أشكال أولية يؤدي تكرارها إلى ظهور التعقيدات الطبيعية الشواشية المظهر غالبًا. واليوم فإن البرمجة الرقمية والمماثلة على الحاسوب لا تنفك تتطور بشكل متسارع، من علم المناخ إلى السينما مرورًا بالعلوم البيولوجية والفيزيائية والإجتماعية وغيرها. وتدخل الفراكتال في معظم هذه المماثلات كإمكانية فعلية لمقاربة الطبيعة ودراستها. وهي تفتح المجال واسعًا اليوم أمام الفهم النظري الأعمق للظاهرة الطبيعية كما وأمام التطبيقات الكثيرة المستوحاة منها.

يمكن أن ننتقل هنا للحديث عن الجواذب الغريبة فأحيانًا يصبح السلوك الديناميكي لمنظومة طبيعية مشوشًا، وتسمح المعالجة المعلوماتية للمسألة بالكشف عن جاذب غريب. نصادف كثيرًا في الفيزياء والبيولوجيا والكيمياء منظومات يؤدي تطورها مع الزمن إلى ظاهرات غير منتظمة وغير دورية تسمى شواشية. فلو تأملنا مثلاً دخانًا متصاعدًا من سيجارة مشتعلة فإننا نلاحظ على ارتفاع معين ظهور تموجات معقدة لا يبدو أن ثمة إمكانية لفهمها أو لضبطها في قانون. إن القوانين التي تحكم التطور الزمني لمنظومة ما هي قوانين معروفة ومحددة تمامًا، لكن يبدو أن المنظومة تصبح خاضعة لقوة خاصة تجعلها تسلك سلوكًا معقدًا وغريبًا جدًا. وقد حاول علماء من كافة الاختصاصات، من رياضيين وفيزيائيين وكيميائيين وبيولوجيين وغيرهم، تفسير وفهم هذه الحالة. وساعدهم على ذلك مفهوم الجاذب الغريب واستخدام الحاسوب. والجواذب الغريبة هي كائنات رياضية مجردة، أعطتها الحواسيب أشكالاً حية وجعلتها قريبة لفهم الناس عمومًا. وقد وُلدت هذه الجواذب من رغبة إنسانية قديمة ألا وهي فهم سلوك المنظومات الطبيعية. وتعتمد المحاولة هنا على نمذجة الظاهرات الفيزيائية والبيولوجية والكيميائية وغيرها بتحديد حالات المنظومة المدروسة من خلال عدد من المتحولات.

إذا كانت القيم البدئية معرضة دائمًا كما هو الحال في كافة التجارب أو المنظومات الطبيعية إلى تخلخلات أو أخطاء، فكيف سيتطور الخطأ الذي سيشكل الجاذب في النهاية؟ لا شك أن الإجابة تتعلق بالمعادلات وبالقيم البدئية للتجربة أو للحدث. هناك جواذب رياضية كثيرة وضعها العلماء، ومنها ما سمي بأسمائهم. ويتطور بعضها وفق شكل أسي، ونقول عندها عنها إنها حساسة للشروط البدئية. وإن كنا لم نعرّف حتى الآن الجاذب الغريب تعريفًا رياضيًا بحتًا فذلك لسبب بسيط جدًا: فالنظرية الرياضية للجواذب الغريبة معقدة جدًا ولم تكتمل حتى الآن. ومع ذلك، إذا كان تطبيق مكرر لمتحول ما يُنتج نقاطًا س1 وس2 إلخ، وكانت هذه النقاط تتراكم على مجموعة أ، نقول إن أ هي جاذب غريب لهذا التابع. وبشكل عام، فإن الجاذب الغريب يعطينا من هذا المنظور إمكانية لوصف الظاهرات الطبيعية المتعددة التغيرات.

إن هذه التطورات تطرح غالبًا مسائل ذات نمط منهجي. إذ كيف يمكن الحفاظ على الشروط التجريبية الثابتة والقيام بقياسات دقيقة؟ ومع ذلك فإن معرفة دور الجواذب الغريبة في العديد من المسائل الطبيعية أو التجريبية على حد سواء يعتبر تقدمًا كبيرًا على المستوى النظري. فالتغيرات غير الدورية لمنظومة ما لا تشير بالضرورة إلى تجربة خاطئة أو غير ناجحة ناجمة عن قوى عشوائية غامضة، بل غالبًا عن منظومة ديناميكية ذات جاذب غريب يمكن أن نحاول فهمه. من جهة أخرى تصبح هذه الجواذب يومًا بعد يوم ذات انتشار كبير من خلال المعادلات المبسطة التي تُطرح في برمجيات الكومبيوتر، والتي تعطي أشكالاً جمالية رائعة تطرح علينا مزيدًا ومزيدًا من الأسئلة. ولعل أحد أهم هذه الأسئلة على الإطلاق، على الرغم من جرأته، هو هل أن جاذبًا غريبًا هو الذي يشد تطورنا فعلاً كما حاولت أن تثبت ذلك العالمة آن دامبريكور مالاسي؟ وهل أن الجواذب الغريبة قد تحكم توجهنا المعرفي أيضًا، بما في ذلك معاييرنا الفكرية والنقدية ومفاهيمنا العقدائية؟ أفلا يعني ذلك عندها أن تنوع أفكارنا هو أحد محركات هذه الجواذب الغريبة للظهور ولشدنا إلى إمكانيات إبداعية جديدة تتجاوز حدود أفكارنا الحالية؟ ثم، هل أن الجواذب في ظهورها تنتج وفق قوانين وحالات محدد؟ أم هي نفسها تخضع أيضًا لشواش الحالات البدئية؟ وهل توجد جواذب للجواذب؟

يقودنا ذلك إلى الحديث عن ترموديناميك الحياة فعلى عكس فكرة التكوُّن في الترموديناميك فإن فكرة التطور في البيولوجيا ترتبط بنمو المتعضية وليس بتفككها وبتشكل البنى والوظائف الأكثر فالأكثر تعقيدًا. ووفق المبدأ الثاني في الترموديناميك: لا يمكن لأية منظومة جهارية أن تتطور إلا مع إزدياد الإنتروبي، أي مع تحلل النظام الذي يميزها. ولهذا بحث العلماء وعلى رأسهم إيليا بريغوجين عن وجود وصف ترموديناميكي لصيرورات تطور منظومة حية، حيث أن هذه الصيرورات ترتبط بحالات هي خارج التوازن الترموديناميكي.

إن النظام البيولوجي الذي يقوم بعملية الاستقلاب يتكاثر ويتبادل الطاقة والمادة مع محيطه، وبالتالي فهو يعمل مثل منظومة مفتوحة. فعمل المنظومات البيولوجية يحقق كما يبدو الشروط الضرورية من أجل ظهور البنى المبددة. إن أحد أهم الأبحاث حاليًا في البيولوجيا هو تحليل آليات النمو. ويحاول العلماء معرفة ما هي هذه الآليات، وكيف تتحكم المتعضية بأدق تفاصيل النمو عبر الزمان والمكان، وكيف يتم التمايز بين الخلايا والنسج والأعضاء ذات الوظائف والأشكال المختلفة. إن الإجابة على ذلك يتطلب فهم آليات الاتصال والارتباط بين الخلايا. لقد درس العلماء حالة تجمع وحيدات خلايا في متعضيات كثيرة الخلايا مثل أحد أنواع الأميبا. وبيّن العلماء أن الفعل الذي يولّد هذا التجمع عن طريق إفراز مادة كيميائية هو أمر ناتج عن لاإستقرارية للتوزع المتجانس للخلايا الفردية. فإنتاج المادة الكيميائية عملية تتم بطريقة لاعكوسة أي بعيدة عن التوازن الترموديناميكي. وبعبارة أخرى، يمكن تفسير المراحل الأولى من التجمع كبنية مبددة في الفضاء. وبالنتيجة، فإن الحياة تبدو وكأنها تنسجم مع قوانين الفيزياء مع نوع من المرونة يرجع إلى طبيعتها الكيميائية وإلى القوانين الحركية التي تنتج عنها. ومع ذلك لا بد من أجل فهم البنى البيولوجية من الأخذ بعين الاعتبار أن الظواهر البيولوجية توجد بعيدًا عن حالة التوازن الترموديناميكي. وهذا يعني أنه توجد عتبة من نوع ما بين الحياة واللاحياة. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ لا نتكلم عندها عن حالة لاإستقرارية بل عن تتابع من اللاإستقراريات التي سمحت بالمرور من اللاحياة إلى الحياة. إن التموج أو التغير الذي يسمح للمنظومة بترك المواقع القريبة من التوازن الترموديناميكي يمثل العنصر العشوائي في هذه العملية. في حين أن اللاإستقرارية في المرحلة الإنتقالية وواقع أن هذا التموج سوف يكبر وينمو يمثلان ضرورة. وهذا يعني أن الصدفة والضرورة يتلاقيان في استمرارية الحياة ونموها. من جهة أخرى لا شك أن الحياة في الكون وعلى كواكب أخرى يمكن أن تختلف طالما أن البنى المبددة تحفظ ذكرى التموجات أو التغيرات التي أدت إلى ولادتها.

هناك مثال أخير مدهش أحب ذكره أخيرًا على أحد الإنجازات الهامة خلال العقود الأخيرة. وأهميته تتأتى من كونه مثالاً هامًا على الفهم المتعمق أكثر فأكثر للأبحاث العلمية. وأقصد اكتشاف مورثة فائقة للعين. لا شك أن توماس مورغان الذي كان أحد رواد علم المورثات في بداية هذا القرن كان سيُدهش اليوم عندما يرى حشرته المفضلة التي كان يجري عليها تجارب الاختبار وهي ذبابة الخل تصبح في نهاية القرن العشرين مصدر اكتشاف فائق الأهمية. ذلك أنه تم إثبات أن العين تملك مخططًا مورثيًا متطابقًا عند الحشرات والثدييات، على الرغم من أن العين المركبة عند الحشرات مبنية بشكل مختلف جذريًا عن العين عند الثدييات! لقد استطاعت إحدى الباحثات التي كانت تبحث عن مورثة معينة عند ذبابة الخل أن تجد هذه المورثة نفسها الموجودة عند الثدييات عند هذه الحشرة. وكانت هذه المفاجأة مثيرة إلى درجة هزت العالم العلمي. فهذا يعني أن مورثة واحدة هي التي تحكم وتضبط نمو العين عند الحشرات وعند الثدييات على حد سواء. ويعارض ذلك الاعتقاد السائد الذي لا يزال يُدرَّس في الكثير من كتب البيولوجيا الذي يقول إن بنيتي عين الثدييات وعين الحشرات المركبة تطورتا بشكل منفصل على مدى التاريخ.

إن الأبحاث الجديدة تثبت أن عين الحشرات وعين الفقاريات تطورتا ابتداء من نموذج بدئي واحد. ولا شك أن هذا النموذج البدئي تعدل من خلال تشوه ما. وبعد التمايز الأولي هذا أمكن لعملية تأقلم أن تنتج عيونًا متشابهة البنية عند أنماط حيوانية مختلفة كالفقاريات والحبار على الرغم من أن هذين النمطين من العينين ينموان وفق صيرورتين مختلفتين تمامًا. إن هذه النظرية الجديدة تردم فجوة هامة في تاريخ التطور المورثي للعين وتثبت وجود مبدأ واحد لنمو العين عند كافة الكائنات.

أخيرًا أطرق نقطة تتعلق بتاريخ الإنسان وأفكاره! قلة من العلماء المختصين بالديانات القديمة أو بما قبل التاريخ تجرأوا على طرح المسألة الدينية. مع ذلك فإن علماء كبار مثل أندريه لوروا غوران وجاك كوفان وغيرهما عملا على تتبع ولادة الفكر الديني عند الإنسان القديم، من المغائر القديمة وحتى بدايات الزراعة والتحضر واختراع الآلهة وصولاً إلى الفكر الديني الأخلاقي. لقد استطاع علماء الآثار وما قبل التاريخ إعادة بناء تاريخ البشريات وتطورها وتطور فكرها واختراعاتها. ولا شك أن الاكتشافات القادمة ستقدم المزيد من الدقة لنظرية التطور وللمعلومات التاريخية، لكن الأساس الذي وُضع حتى الآن أصبح راسخًا. والعلم سيقدم لنا المزيد من المعرفة ليس عن تاريخنا فقط من خلال الماضي بل سيعمل لا شك خلال القرن المقبل على بلورة فهم مستقبلنا من خلال هذا التاريخ. ومع تطور الإمكانيات لا شك أن الإنسان سيصبح أكثر قدرة على توجيه تطوره، ربما للأفضل وربما للأسوأ!

* * *

ماذا عن المستقبل القريب للعلم؟

كيف يمكن أن نستشف الاتجاهات العامة والخطوط الكبرى لتطور العلم المستقبلي؟ لا شك أن العلم سيحمل لنا باستمرار مفاجآت مدهشة. لكن أليست المفاجأة الكبرى هي تلك التي تصدمنا لأننا كان يمكن أن نتوقعها ولم نفعل؟ إن مسيرة العلم الحالية تبني أسسًا راسخة لاستمرارية بعيدة المدى للمنهج العلمي المعرفي والتطبيقي. ويمكننا الاعتماد على هذا الأساس في التطلع إلى الأمام قليلاً.

رحلات الفضاء

لقد خطا الإنسان خطوته الأولى إلى الفضاء، لكنها خطوة تبدو بسيطة نسبيًا منذ الآن أمام ما يتطلع إليه خيال أطفالنا. مع ذلك، يبدو من المؤكد أن الخطوة الثانية ستكون باتجاه المريخ. إلا أن التطور الأهم في مجال الفضاء سيكون في اعتقادي تطور التقنيات المستخدمة على مستوى المجموعة الشمسية في الاتصالات. ومنذ الآن يتم وضع مشروع بناء منظومة اتصالات معلوماتية كالانترنت إنما ما بين الكواكب والأقمار الصناعية والمحطات الفضائية والمراكب الفضائية. وهذه المنظومة تتطلب تقنيات فائقة إضافة إلى رياضيات عالية جدًا. من جهة أخرى ستتركز الأبحاث أكثر على بناء مراصد فضائية واستكشاف المجموعة الشمسية وخاصة الأقمار الخاصة بالمشتري وزحل ولعل أهمها تيتان. ومن يدري، فلعل نهاية القرن المقبل ستحمل لنا مشاهد مختلفة جدًا عن البيئة المعزولة اليوم للأرض، وربما يتكلم السياسيون عندها عن عولمة المجموعة الشمسية! إن بناء مستوطنات ومحطات فضائية على المريخ أو القمر سيكون خطوة أولى للبدء بحياة بشرية جديدة خارج الكرة الأرضية!

الاستنساخ

إن المعارف الحديثة في مجالات البيولوجيا والموروثات وتقنيات الاستنساخ وغيرها تفتح أمام خيالنا آفاقًا لا تزال بكرًا. هل سيستنسخ الإنسان الكائنات؟ هل ستنشأ أشكال جديدة من الحياة على الأرض من "صنع" الإنسان؟ هل سيستنسخ الإنسان الإنسان؟ هل سيستطيع علم المورثات حل مشاكل التشوهات الخلقية أو الأمراض المتوارثة؟ الأسئلة كثيرة، ولن يدهشنا أن الإجابة المبدئية عليها هي نعم. بلى سيستطيع العلم تحقيق ذلك، بل وأكثر من ذلك. لعلنا نخاف أن نطلق لخيالنا العنان. لكن، الحقيقة أن العلم أثبت على مدى فترة ليست بالقصيرة أنه قادر على تحقيق المعجزات.

النظريات العلمية الكبرى

مع غرق الفيزيائيين في بحر الجسيمات الدقيقة الجديدة والتي تبدو لانهائية، يبدو أن بحثهم عن توحيد القوى الأساسية في الطبيعة لا يزال بعيدًا عن التحقق. ومن يدري، فقد يكون الاتجاه كله قابلاً للتعديل، خاصة مع الحديث اليوم عن قوة خامسة يمكن أن تحل ألغازًا كثيرة في الفيزياء مثل مسألة المادة السوداء في الكون وانحناء الفراغ. إن النظريات الفيزيائية الكبرى لم تنته بعد، بل هي تتحضر بالتأكيد لانطلاقة جديدة مع تراكم المعطيات الرصدية في فروع كثيرة منها. ولن تمضي فترة طويلة قبل أن تظهر أفكار جديدة تزيح جانبًا جديدًا من أسرار الكون.

المعرفة التقنية العالية

لعل المعارف التقنية ستكون هي سيدة القرن العشرين بلا منازع. فالنمذجة المعلوماتية أصبحت طريقًا شفافًا جدًا أمام الخوض في أصعب النظريات والتطبيقات على حد سواء. ويبدو أن القرن المقبل سيحمل لنا مفاجآت لا تنتهي في مجال التقنيات. وأرى منذ الآن كيف سيؤثر ذلك على تغيير نمط حياة الإنسان في منزله وعمله وعلاقاته وتفكيره وذوقه. من جهة أخرى فإن التقنيات الدقيقة المطبقة في الطب أو الصيدلة أو الفضاء أو الطاقة أو الذكاء الصنعي ستسمح خلال عقود قليلة بتدارك الكثير من مطبات الأخطاء الصناعية. ولا بد لنا أن نأمل بتقنيات تتساوق مع الطبيعة والبيئة الأرضية.

الطب والطب البديل

إن تقدم المعرفة الطبية سيرجع بلا شك إلى الخبرة الطويلة التي تراكمت لدى الإنسان في الصحة. ومنذ الآن يدعو العلماء إلى توازن الصحة مع الحاجات النفسية والفكرية. ولهذا فإن الطب خلال القرن المقبل سيفتح بابًا جديدًا للتوازن الإنساني على أكثر من مستوى. وسيركز الإنسان على الغذاء أكثر من الدواء والوقاية أكثر من العلاج. ومن جهة أخرى فلا شك أن الطب البديل سيتآلف مع الطب الغربي، لكن دون أن يقلل من قيمة الإمكانيات الهائلة التي يفتحها البحث الطبي الحديث أمام فهم الوظائف الجسمية والتدخل بها. ونرى منذ الآن تدخل الكومبيوتر في العمل الطبي بدءًا من المورثات وحتى العمليات الصعبة جدًا. ومع الوقت، سيختلف المشهد الطبي اختلافًا جذريًا بوجود التحاليل المورثية قبل الجماع وقبل الولادة. إن الحصول على أدوية أو علاجات لأمراض مستعصية يبدو قريبًا منذ الآن. ومع ذلك فإن التحديات ستظل مستمرة طالما بقي التلوث والتخلخل الناجم عن تدخل الإنسان الاصطناعي.

الفلسفة المستقبلية للعلم

ما هي فلسفة العلم المقبلة؟ لا أحد يعرف بالتأكيد. هناك فارق جوهري بين ما يجب أن يكون وما يمكن أن يكون. ما نريده من العلم كأفراد عاديين ننتمي للإنسانية، وبين ما يريده أصحاب القرار الذين يوجهون التطورات العلمية إلى درجة كبيرة من خلال التمويل والضغط السياسي. ولهذا، فإن الفلسفة العلمية القادمة ستحتاج إلى فرصة لقول كلمتها بعيدًا عن المؤثرات الخارجية عنها.

لا شك أن العلم سيكرس أكثر فأكثر الفكر المتجرد والحر ويفصله عن المقولات غير المثبتة. وهذا يعني أن القرن المقبل سيشهد صراعًا كبيرًا بين السلفية والأفكار العلمية التي تزعزع أكثر من أي وقت مضى العقائد الضيقة والتصورات المحدودة. إن العلم سيعطي بلا شك الفرصة لفهم أفضل لعلاقة الإنسان بالطبيعة. وسنشهد مزيدًا من تشابك العلوم مع بعضها بحيث تظهر على خلفية التخصصات الدقيقة علوم متعددة تكون أساس فهم جديد وأساس أسئلة جديدة.

* * *

خاتمة

لعلي حاولت أن أطرح بعض القضايا العلمية الحالية وما يمكن أن تؤول إليه في المستقبل القريب. إن العلم يعدنا بالكثير. وقد بدوت متفائلاً لا شك فيما وصلت إليه. وعلى الرغم من معرفتي الوثيقة بما يحمله التطور التقني من ويلات للإنسان لكنني أعرف أن السبب فيها ليس العلم بذاته وإنما الإنسان الذي يستخدم نتائج العلم. لهذا، لم أشأ الخوض في احتمالات الكوارث التي قد تنزل بالإنسان، ولا الويلات الناجمة عن تدهور البيئة، ولا في الضعف الكبير الذي يمكن أن يحل بنفسانية الإنسان. فكل ذلك نعرفه وسبق أن تحدثنا عنه. إن ما أريد أن أختم به هذه المحاضرة هو التأكيد على فكرة المشاركة في البحث العلمي.

إن مجتمعنا العربي هو مجتمع قادر على المشاركة في العلم إذا أراد ذلك. ولا بد لنا أن نعرف أن الفرصة لم تعد كبيرة لمن يريد مواكبة العلم الحديث والمشاركة فيه. فخطوات العالم المتقدم تزداد اتساعًا وبعدًا عن واقعنا. ولا شك أن من سيتخلف عن المشاركة سيجد نفسه خلال القرن القادم خارج إطار الحضارة على الكرة الأرضية. ولست أتحدث هنا بالتأكيد عن العولمة! فليس الاستهلاك للفكر الغربي والأمريكي تحديدًا هو الذي ندعو للمشاركة فيه. بل ندعو للمشاركة في العلوم الأساسية، وهي علوم على عكس ما يظن كثيرون بمتناولنا في جزء كبير منها. فلا ننسين أن الرياضيات والبرمجة هي علوم نظرية بحتة، وكافة تجهيزاتها متوفرة لدينا. أما الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا فلسنا بعيدين عن المشاركة فيها وفي علوم نظرية أخرى من خلال قدرات مبدئية بسيطة نسبيًا. إن الأفكار الجديدة والعظيمة لا وطن لها، ولعل مادتها الأساسية هي في الجوهر التحرر من الأفكار المحدودة والخاطئة.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود