رباعيات الحب والخوف

 

علي جازو

 

أنظرْ إلى عينها الأخرى،
إلى سرَّتها ذات الحافة المدورة،
أنظرْ إلى الندبة التي تركتها
زهرةُ انفصالها عن أمِّها.

*

كنْ هادئًا. هذا حجرُ وقتكَ.
لا طريق لتعبر. محض ظلال،
محض ذكريات لم تكن،
سوى كلمات خوف وحبّ.

*

في الصباح أتذكركِ،
في المساء أتذكرك.
ماذا أفعل بفمي،
بعينيّ ولساني؟

*

أشعر بكِ
كما لو كنت حلمًا.
لا أرغبك حقيقية، كالساعات
حقيقية، حزينة كثيرة، وضائعة.

*

ليس للحب صلة بالحلم.
إنه يريد أن يكون سائلَ نفسه،
مثل ضوء غروب يرقق الصخور،
أو مثل ماء تحت التراب.

*

لتترفقي بي،
لا تأكلي شيئًا من جسدي.
إذا أردتِ قبلة أو عناقًا صافيًا،
فانظري إلى مياه بحيرات بعيدة.

*

حسنًا. عبرْنا الليل إذن،
وهاهو ضوء النهار.
اتركي فمك صامتًا،
مثل شارع خنقته رائحة الزهور.

*

نجمُكِ خلف صدرك.
ارفعي قميصك،
لحمَكِ انزعيه،
انظري إلى طفلكِ الأزرق.

*

طيشي طمأنينتي.
حالما أهدأ يضربني الخوف بيدين ملوثتين،
لم أكن ابن الطموح ولا العقل الحذر،
لم أجد غير ندوب الحب على وجهي.

*

خضتُ أرصفة المساء متحمسًا مستاءً،
كانت الأشجار كلمات ود صامتة،
وعندما فكرت بساكني البيوت خلفها،
لم أر سوى الظلام.

*

لست واحدًا من جيلي الضباب الشاكي،
لست ابنًا، ولا ابنة أحد.
أنا عينٌ مفتونة بجثث ضاحكة،
أنا أذنٌ تسمع نحيبَ الشوارع.

*

لا أطيق التفكير بالمستقبل ثانية واحدة.
كل لحظة لانهائية،
كلمة واحدة تربكني.
أصمت كمن فقد عقله في تذكركِ.

*

ليس لي سوى جسدي المحبّ،
في النهار أبدده بيقظة خائفة،
وفي الليل أزيل عنه تعبَ الجليد،
كما لو كان ابني، فراشتي البيضاء.

*

سئمتُني أجوع ولا أصرخ.
عندما أنظر أنسى،
عندما أفكر أحزن،
وحين أحب لا أجد فمي.

*

ليت الصباحَ مكانُ حياتك.
ليته حجرة داخل عينك،
أو حديقة تحت قدميك،
أو شارع طويل بلا نهاية.

*

تعالي لأقبل كاحل قدميك الصغيرتين،
لأدفن لساني في سرَّتك الناعمة،
تعالي لأكلمك وأعانقك.
لأشربكِ كنقطة ماء على فمك.

*

خُلقتُ لأكتبَ أو أموت،
لأتلوى أسفل شاشات عروض ضخمة،
لأجلس وأصمت، لاعنًا نفسي، لأحبَّ كمتسول،
لأحترق وأهانَ، لتنقبض يداي كيدي مصروع!

*

أهلي في غم مرهق،
الأيادي التي يسقطها العقلُ
في العمل،
لا تعرف القلبَ
الذي يرفعها بالهواء.

*

هاهنا؛ الليل مثل حذاء ممزق
قرب عتبة صلدة باردة،
والحبق في أوان صدئة،
يلمع تحت مطر الليلة الماضية.

*

كم من الزمن سيمضي
حتى تعود هذه البرهة،
مثل قبلة لا تخفي آلامَها،
وكم من الموتى عليَّ أن أعرف!

*

أسيرُ وأنظرُ، كأنني أحتضرُ
مثل ريشة سوداء لامعة،
أو
كمحض ظلٍّ، محض ظلّ
بين جذور الحبق الصغيرة!

30-1-2008

***

 

رباعيات الشهر الثاني

عليَّ الجلوس بين مقصّات الرِّياح،
إذا كنْتُ غبارًا فسأنجو،
إذا كنْتُ غيمةً أو ورقةً فسأنجو،
وإذا كنْتُ كلمةً عن الحبِّ!!

*

كم هي لطيفةٌ حبيبتي، كم هي مبهجة!
كأنَّ جسدَها هواءٌ يحملُ جسمَها،
كأنها الآنَ انحدرتْ من أريجِ زهورٍ بريَّةٍ،
كأن عيناها لا تعرفان سوى قلبها!!

*

كان عليَّ أن أصمت لأرى خراب هذه الليلة،
كان علي أن أسمع نحيبَ قرى الأكراد،
حيث ليلة واحدة، ألْفُ ألْفُ عام،
حيث شفتاي تتوسلان أحجارَها!!

*

وإذا ما رأيت الشيطان قريبًا كناصية بيت جارتي الأنيقة
فسأبادله رداء الحفلات الزاهية، أكمام كلاب الحراسة السود،
نخْبَ حياةٍ  تزحفُ تحت حجر أخرس، تقضي ولا تمضي أبدًا!
وليكن قريبًا حقًا، مريضًا مثل أكواز شجيرات القطن المدوَّدَة!!

*

أراه قلبي ذا البتلات السود المنكمشة،
أتبعه الآن، لمعان الإسفلت القذر،
أتذكره الآن، نهارًا أعزل طويلاً،
مرآة تعكس أوراق شجرة طائرة!!

12-شباط-2008

*** *** ***

 

رباعيات أخرى من الشهر الثاني

أفكِّرُ في الليلِ الغريب،
الليلِ الذي يرافقُ النهارَ مثل عقابٍ حزين.
أفكِّرُ في الأزهار التي لمحتُها الربيعَ الماضي،
غافيًا قرب أيادٍ لا تعرفُ سوى عبادة الساعات!

*

مضيتُ مثل غيمةٍ فوق الجبال،
وكانت الجبال قلبي المنتهي بجمجمتي!
قرأتُ وجهَ الحب الصاخب المتسرع
وكان وجهُهُ خِزْيَ عقلي، أكذوبةَ أملي!

*

ماذا تريد هذه المدينة مني؟
عمّا أبحثُ داخل شوارعها الشريرة!!
لي كلمةٌ هناك بين رئاتِ أصدقائي الصامتين،
وأنا ماضٍ لأنتزعها مثل قبلةٍ من فم حبيبتي!

*

لكنني بلا يد الآن، بلا قلب، بلا فم مثل التراب،
لكنني وحيد وفقير وقذر مثل أهل مدينتي،
وإذا ما صدقت أنني حقًا أبحث عن الرجاء،
فلتكن المقبرة دربي، وليكن غناء طويل!

*

سوف يلمع فكرٌ آخر، وسيكون بلا جدوى،
سوف أحظى برفاق جدد، وستكون الخيبة نهايتي.
لكنني لن أتوقف عن حرث قلوب النجوم الذائبة،
وإن كانت حديدًا ساخنًا، وإن كانت زهورًا كاذبة!

19-شباط-2008

***

 

رباعيات الشهر الثالث

بين الوجوه التي التهمت ابتساماتها،
والأيادي المحروسة بحقد غبي،
حطمتني قاعات الدروس الباردة
لأجلها...لأجلها تختنق عيناي بالدموع!

*

ومع ظلال الورود التي لا يرافقها أحد
ومع وجه المدخل الواطئ المعتم،
أسمع وقع خطوات السيدة البدينة،
وأرى فجأة ألف شعلة خضراء صدئة!

*

كان علي العودة إلى الحيوانات الضعيفة،
إلى كلبي الأبيض في قريتي العارية،
لكن الأخرس الذي هو قلبي،
لم يسمع غير الخوف، غير الخوف!

*

أتلفني وجهي الساعة،
أتلفني وجهي،
بين حمالات النقود النهدية،
ودخان سيارات الإسعاف الهادرة!

*

هما عيناي، هما عيناي المتصابيتان،
لم تحظيا من الخدمة غير الجوع والعهر.
وحينما حضرتا حفل الموسيقى الجنائزية،
هالهما منظر المغنية الصارخة!

*

لأن عشب جبل الشجرة لم يكن سوى براز،
ولأن سندس السفوح الثلجية انتصر للكذب،
وعلى جروفه بالت معزات التلة ذات أشجار التوت
وحبات الكرز المطعونة بأظافر الجنود المجنونة!!

*

من كل مكان سطعت أحذية سوداء رطبة،
وبين شفاههم تلوّى بزاق القادة المملين،
حملوها على أكتافهم نجومًا وطيورًا وسيوفًا
صفراء حمراء عديمة الحياء!!

*

وعلى صدر  ك  ي  ص  المتخيَّلة،
رأيتُ لسان الحب العنيف،
فمَ الشعب يلتهم قلوب أطفال القرى،
مبلولين، بلاعون، بلا رأفة!!

*

خيمتي مبولة، خيمتي مطبخ، خيمتي
مستودع أسلحة لن أستعملها أبدًا،
فيها جلست مع رجل انتحر ابنه،
ومنها هرَّبتُ أقداح الشاي للمساجين!!

***

 

رباعيات ذوات عيون واحدة

إنهم يردمون شارع الصباح،
عليه تُرِكَ قلبُ الصبية المنغولية الشرهة.
في الستائر المغلقة نور يرتعش،
وعيون مثل جداول عكرة تخفي لوعتي!!

*

إنهم يكرهون الصور الغامضة:
قرية الطائر ذي المنقار الأزرق،
ظل الحجر البني،
وابتسامة غيمة مزقت الليالي جفونها.

*

وإن كنتُ حزينًا مثل واد بلا صديق،
وإن كنت ميتًا مثل صنوبرة مقصوفة،
فلسوف أحمل الغضب والحب،
الحبّ والصمت، والأسى!

*

لأنني ابن الصباح والمساء،
لأنني عبد الفجر البطيء،
لا الطيور تعرف اسمي،
وقلبي لا يمدُّ لي يديه!!

*** *** ***

 

رباعيات الشهر الثالث

إلى السيدة الشابة أ. ش

سأحطم رغبتي في الليالي القادمة،
فالبذور المحدثة تمضي من دوني،
وهي عيون لا تعرف الكلمات،
وهي كلمات لا تحس بالأجساد.

*

لأن الماء الذي ملأني بالذعر والحب
هو القبلة الشبيهة بعاطفة الجبال،
هو المرآة التي رأيتُ فيها
غصنًا يحمل ورقة وحيدة خضراء!

*

ما ليس معي الآن
ذكرى أنتظرها طوال حياتي،
حياتي التي هي ذكرى أخرى
لكائن سعيد لا تغضبه الأزمنة الرديئة!

*

هذا البحر داخل فمي هو قلبي،
هذا الفم داخل وجهي هو محنتي،
وهذا الصوت الضعيف يشبه يدي:
لا أرفعها، لا أحملها، لا أحبها، لا أراها!!

*

وإذا كان لي وجه ما،
فليكن الغروب ذا السكاكين الحادة اللامعة،
ليكن كهفَ الجوع، القبر المنقسم مثل لحظة،
بين انتظار قبلة وبروق زهور عاصفة!

*

وأقول إنكِ شجرة نائية.
وهذا محض خيال فقير!
لكنك قلبي، لكنكِ قلبي،
والنهارُ في وجهكِ بلا وجه!

*

كنتِ هناك في الشرفة، هناك
رأيت النهار والليل معًا،
شبحَ الأسى: عاطفةٌ رثائية،
ومذاقُ عبير يدوي!!

*

أكنت حقًا تفرحين بصورة الطفل ذي العين الصغيرة؟!
لماذا لم تعصري وجهي بين نظراتك المرحة إذنْ!!
وإذا ما سحبَ الظلامُ فمي من ثديك،
ما الحبُّ يا فؤادي الصغير، ما كلمةُ حبُّكِ لي!!

25-آذار-2008

***

 

ثلاث رباعيات أخرى لأجل ابتسامة واحدة

يا لحياتي اليابسة!
أيتها البذرة الصغيرة العذبة،
وأنت تتحولين، وأنا أهدرك،
لأقبض على جوهرك النغميّ الملتاع!!

*

ما زلت راغبًا في الموت والحب،
في ثمرتي الخاوية العجيبة.
أنا من يسمع أصواتًا كثيرة،
أمضي، دون أمل، أمضي!

*

كل شيء مؤلم!
الساعات التي بصمت تنتحب،
والأشجار التي مفزوعة تطير،
كل شيء مؤلم.

15-3-2008

***

 

رباعيات الشهر الرابع

ادَّخرْتُ وجهي في لُعابِ فمي،
سحقْتُ قلبي بعظام الغضب الناتئة،
وفي الجحيم كلَّمْتُ نفسي
مثلما يغطي ثلجٌ أسود جبالَ المساء!

*

لا شيء يهمني سوى هذا الهواء النتن،
ولا درب في لحم قدمي البغيضة.
ما من ارتعاش يضرب عقلي المريض،
سوى العشب، سوى حجر العميان!

*

أنا لا أبكي قدر ما أخشى الحماسة السرية،
لا أتقدم بل أنظر مليًا في حجرة صدري المتألمة،
لا أطمح، لا أفكر؛ لا أريد ما أدرك..!
فقط أنقِّي رغبتي:؛ باصقًا روحي على شبابي الرديء!!

3-نيسان-2008

***

 

نافذتي وصبري وصمتي، وجهي وعنائي وطموحي!

اليومَ، بوابةَ نيسانَ الخفيضَ، أعبرُ.
مثل ريشةٍ، مثل غضبٍ فاتر، تراني السماء.
السماءُ الواسعة، اللصيقةُ المهانَةُ، كنبض وجهي،
كلوعتي المتكسرة، مثل زجاجةٍ تحت حذائي!!

*

وليكنِ الربيعُ سُمًّا جديدًا. لتكنْ جبهةُ النهار شعلةَ
الخزْيِ الضامر المشاع! ماذا عني، أيتها الطبيعة؟؟
أكنْتِ تهزئين فقط! الحجرُ في فمي، هو قلبي،
يَنْحتُني الآن مثل هوائك العكر أيها العالم!

*

لا زهْدَ، لا رغبةَ، لا ضغينةَ، ولا انتظارَ!
يخفِّفُ الزمنُ جرعاتِ الحنين المرة، وهو طفلٌ،
وهو زهرةٌ حمراءُ بين صلابةِ تحوُّلاتِكِ،
ومشيئة الأعمى الذي ضيَّعَ الطرقَ كلَّها!!

*

نهارٌ آخر إذنْ؟ لتكن الكذبةُ ألمعَ مثل صفحة أولى
عن المستقبل والنشيد، وأظافر الحرمان الحادة!
هذرٌ في هذرٍ، مثلما من زمنٍ آخر،
كتبَ عمرُ الخيّام: غبارٌ في غبار!!

*

لكنها المخاوفُ: نقمةٌ أم طحْنٌ أم تهيؤٌ للقتل!
صداقةٌ أم كهْفٌ عظميٌّ، أم طفْحٌ جلديٌّ قذرٌ!!
والوداعاتُ، الوداعاتُ كأنها يتْمٌ جديدٌ.
عصفٌ في سقْمِ الأملِ يتلف فتوَّةَ يأسي!!

*

نافذتي وصبري ونومي، بؤسي - تَحَوُّلي،
وجهي وعنائي، ترددي وصمتي وطموحي.
كلُّها بين ساعات العَوَز الضاري،
وَبَرِ الطفولةِ الكاذب.

4-نيسان-2008

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود