نزيف الروح والوطن في تلك نجمة عراقية للقاصة المبدعة لمياء الآلوسي

حسين عجة

 

في وطن الخراب والموت اليومي، المُفزعِ، المتواترِ والذي لا يبدو بأنَّ هناك ما يمكنه إيقاف نزيف دماء الأفراد والجماعات فيه؛ عبر الاختناق الجحيمي المُطبق، منذ عقود وحتى اليوم على حياة، سماء وأرض العراق، كنَّا وما زلنا نتساءل عمَّا يمكن أن يتولَّد من فعل أو ردَّة فعل أدبية إبداعية حيال مناخه الملغوم. إلى هذا الحدِّ من الرعب والجنون المجاني، لا لأنَّ الحروب، أشكال الحصار الجائرة، طوابير الجثث والتشويهات، الجسدية والروحية، التي لحقت بمنابع الحياة فيه، ونشفت نسغها من الداخل، بمقدورها وحدها تقديم إجابة، أو القيام بردَّة الفعل تلك، فنحن نعرف بأنَّ "النيات الحسنة وحدها لا تُنتج أدبًا عظيمًا".

لكن ذلك السؤال، وبالرغم من كلِّ شيء، ظلَّ يلحُّ على ضمائرنا، لأننا نعرف جيدًا، كما يعرف غيرنا الثراء الإبداعي في ذلك البلد، قبل حدوث أيٍّ منْ تلك المصائب، الكوارث التي نتحدث عنها. لقد قال فؤاد رفقة، الشاعر والكاتب اللبناني المتفرِّد، مرَّة بأنَّ للعراق ثلاثة أنهار: دجلة، الفرات ونهر الشعراء.

لا تقتصر مفردة "شعراء"، بطبيعة الحال، على ناظمي القوافي والإيقاعات المرهفة، أو أصحاب القامات العالية في مجال تشكيل الشعر العربي فحسب، بل وأيضًا ما يزخر فيه هذا البلد من طاقات خلاقة، لا تنضب، في جميع المجالات التي ترتكز على عطاءات الكلمة، كارتكازها على غيرها من صيغ وأشكال الفنِّ المبدع: القصَّة، الرواية، المسرح وحتى السينما.

نحن، إذًا، في حالة ترقُّب، تكاد تصل حدَّ التشويق واليقظة الدائمة، لأيَّة إشارة، لأيَّة حركة أو انحناءة بالأحرى يقوم بها المبدعون العراقيون من فوق ركام القهر، المذلَّة، الإجحاف والشَّلل العام؛ الذي يوسم الموقف العام الدامي في وطنهم، ويجعل من مسألة عيشهم اليومي وقدرتهم على التنفس البسيط إشكالية، أو أمرًا مستحيلاً بحد ذاته. ومع ذلك، وبالرغم من هذا، لا يخامرنا الشك، ولو للحظة واحدة، بأنَّ حاضر الوجع، ضراوة العبث، السياسي، الأخلاقي والاجتماعي، وغيرها من أصناف العصاب والخبال الشامل الذي يغلفهم؛ لا يخامرنا الشك بأنهم سيتمكنون، في هذه اللحظة أو تلك، من صياغة ليس ملاحم أسطورية إبداعية، كما هو الأمر سابقًا، ولكن أعمال فنية عصرية، جديدة ومجددةً قد يحالفها الحظُّ في الارتقاء إلى مصاف ذلك الوجع وتخطيه، من ناحية، ولكي تظهر، من ناحية أخرى، هول معاناة المبدع وهو يواجه لا الخراب الوجودي العام وحده، لكن أيضًا عملية تحويل وتفجير "كل" تفاصيل المُعاش، ومن ثم تبريزه، عبر العمل الفني، لكميَّات القيح، التي تفوق المُتخيل، والمنتشرةِ على طول وعرض جسده.

لقد اضطررت لكتابة مقدِّمة مشحونة كهذه، لا لكي أعرض أمام القارئ، أو أتظاهر بأنَّ نفس وذات الألم والرعب الذي يعيشهما المبدع العراقي في الداخل، أعيشهما أنا أيضًا، ككاتب منفي، منذ أكثر من ثلاثة عقود في قارَّة لا يمكنها أبدًا أن تلمس، ولو من بعيد، نوعية وحدة ذلك الخراب. كلا، لقد أرغمتني مجموعة القاصة العراقية المتميزة لمياء الآلوسي على الغوص في ذلك العذاب المُحيِّر والقاتل، وهي التي جعلتني أكتب بمثل هذه الطريقة.

كنتُ قد كتبت عن قصتين من قصص تلك المجموعة، ألا وهما يوم في ذاكرة امرأة ومنذ قيام الوجد؛ كذلك كنتُ قد وعدت نفسي والقارئ بمواصلة الكتابة عن بقية قصص المجموعة. لكن تلك نجمة عراقية، التي جعلتها القاصَّة عنوانًا لمجموعتها؛ والتي تحتلُّ المرتبة الثالثة من المجموع العام للكتاب، قد وضعتني، دفعة واحدة، ضمن مناخ الفزع، التشتُّت، حالات العصاب، النزف والتداخل المتواصل والذي لا يمكن تمييزه عن الدماء، الدموع، الانكسار، الإحباط والمقاومة الإبداعية معًا. لذا، ألتمس من القارئ عدم الاندهاش أو اتهامي بالمبالغة؛ إذا ما قلت بأنَّ هذه القصَّة وحدها، التي لا يتجاوز حجمها الكتابي ثلاث صفحات، تحتاج، بل تشترط أن يتمَّ تناولها، بمفردها، عبر أكثر من قراءة واحدة، مهما كانت عميقة وتفصيلية. وتلك هي أيضًا رغبتي: الكتابة عنها تفصيليًّا، مقطع بعد مقطع تقريبًا؛ الوقوف الطويل والمتأني، إذا ما استطعت ذلك، عند كلِّ انفجار من انفجارات عالمها الذي يكاد لا يحصى. بالرغم من "أسلوب" التكثيف الشعري الذي اختارته الكاتبة لسرد فواجع الواقع التي تعيشه هي، أو تعيشه شخوص قصتها.

لكن، قبل أن تشرع قراءتي لهذا العمل، لا بدَّ لي من ذكر ملاحظتين أساسيتين، على الأقل بالنسبة إلي:

الأولى، تتمثَّل في القول بأنَّ فنَّ القاصة الآلوسي، في قصصها السابقة، كان يسعى لتوزيع العواطف، الانفعالات والحوادث على مجموعة من الكائنات، النسوية والذكورية، مع غياب شبه مطلق للكاتبة نفسها. ومع أنَّها كانت تستخدم صيغة "الأنا" أو غيرها من الأفعال التي تدلُّ على الشخص الأول المفرد، غير أنَّ تلك "الأنا" كانت دائمًا صوت شخصية تتحدَّث عن نفسها، أو عن غيرها كونها فردًا يدخل ضمن التشكُّل العام للقصة، أي أنها شخصية مُتخيَّلة، مهما كان قربها ومجاورتها للنموذج الواقعي؛ أمَّا في تلك نجمة عراقية، ومن المقطع الأول لكتابتها، توحي لنا بأننا إزاء القاصَّة نفسها، لمياء الآلوسي، بحياتها اليومية ككاتبة، بمعاناتها وتشتُّتها كمبدعة، وكأنَّ تلك نجمة عراقية هي بمثابة نوع من الاعتراف المباشر، الذي تحرَّر تقريبًا من كلِّ عوائق الحديث وتقنياته، عن الذات عبر الآخرين. تلك هي الملاحظة الأولى، والتي سنحاول الكشف عن أهميَّتها الوجودية. أمَّا الملاحظة الثانية، فهي تتعلَّق برمز خاص، يكاد لا يفارق كلَّ ما كتبته لمياء الآلوسي: البيت، الدَّار العراقية، مساكن أو منازل الناس الفقراء في العراق؛ لكن هذا الرمز المحلي، المكتظ بالدلالات والإيحاءات التاريخية، الحضارية، الإنسانية والعاطفية يأخذ مع تلك نجمة عراقية أبعادًا أخرى ترتبط بعمق وحرارة بفعل الكتابة ذاته.

فوق منضدتي الخشبية الصغيرة، حاولت لملمة أوراقي المبعثرة، لم أكن أعرف أني كتبت ذلك كلَّه وسط شعور بهذيان بهيج، هكذا يكون الإنسان عندما يتخلَّى عن ذاكرة الآلهة، نبيًا منعتقًا من جحيم الخيال، ويصبح نافرًا بلا لجام، يصبح غير مأمون الجانب وكأنَّه مهرة مجنونة!

ما نكتبه أولاً، نعثر عليه في النهاية. ونعثر عليه بغتةً، "كهذيان بهيج". تلك هي عملية الخلق المحضة. الكتابة الأدبية، التي تتميَّز غالبًا عن بقية أنماط وأشكال الكتابة الأخرى بملمح واحد، بنقطة واحدة، سلبية في الظاهر: عدم المعرفة، ليس "بموضوع" الكتابة فحسب، بل أيضًا عمَّا تولد وتمَّ إنتاجه عبر ذلك الفعل: "لم أكن أعرف أني كتبت ذلك كلَّه…". لماذا؟ ذلك لأننا حيال فعل تحرُّر، بسيط وخالص، مهما كانت الجروح التي تلهب الخاصرة، ومهما كانت الندوب المُتجمِّعةِ والمُتخثِّرةِ في الذاكرة : "هكذا يكون الإنسان عندما يتخلَّى عن ذاكرة الآلهة...". التخلي "عن ذاكرة الآلهة" يعني، بعفوية وسذاجة حتى، زحزحة للمكان وللغة اللذان شكلا عمق وقعر الذاكرة، كهوفها الميتةِ، أسرها القاسي والشامل لفعل التمرُّد، الذي يقبل ولا يقبل الانفصال الموضوعي والمفتعل ما بين الواقعي والمتخيَّل. مصدر "هذيانه البهيج". أي ما يخرجه، بالدقة، من دونيَّته المتوارثة؛ ذاكرة الآلهة، لكي يصبح، هو نفسه: "نبيًا منعتقًا من جحيم الخيال...".

تلك نجمة عراقية عمل أوركسترالي، إذا ما جازت العبارة، ينبغي التعامل معه برهافة. حتى وإن أرغمنا، في البداية، على التسليم له بـ "جحيم الخيال"، الذي لا نوافق على نعته بهذه الصفة. ذلك لأننا لا نرى أية ضرورة، أو حتى مسوغ في أن يكون ثمن "التخلي عن ذاكرة الآلهة" أن يصبح المرء، الكاتب أو الكاتبة "نبيًا منعتقًا من جحيم الخيال".

فنحن لسنا بحاجة إلى أنبياء جدد، وليس لدينا أيَّة رغبة في الانعتاق من الخيال، المتخيَّل، الذي هو بالدقة فعل الإبداع نفسه؛ اللهم إلا إذا كان ذلك "الخيال" ينحو باتجاه تحوُّله، لكي "يصبح نافرًا بلا لجام، ويصبح غير مأمون الجانب، وكأنه مهرة مجنونة"! تلك هي الخطوط الأولى من هذه اللوحة التشكيلية التي يتداخل فيها صوت الكاتبة بصوت شخصية أخرى، تكاد تكون ظلَّها الذي لا يفارقها:

في ذلك الذوق المفروش بالعوسج، في ظهيرة يوم عراقي مليء بالخوف والترقُّب، وحيث الدُّخان يدخل إلى القلب ليخدر الحياة فينا، كان صوتها يصلني، فيدفع أفكاري كأبخرة تتصاعد لتتبدَّد.

"الذوق المفروش بالعوسج" هو المرارة، العلقم أو السَّقم الجماعي، في "يوم عراقي مليء بالخوف والترقُّب...". متى؟ سيكون من البطر الإشارة إلى زمن أو عهد بعينه، ما دامت أزمنة وعهود ذلك الوطن كلها، إلى جانب ما فيها من أفراح نادرة وأتراح أزلية، تمتلأ "بالخوف والترقب" وحيث "الدخان يدخل إلى القلب ليخدر الحياة فينا...". لكن لمن ينتمي ذلك "الصوت"، الذي تقول الكاتبة عنه "كان صوتها يصلني، فيدفع أفكاري كأبخرة تتصاعد لتتبدد"؟ هل هو صوت مجهول يرتقي المرء وكأنه إنعكاس لملايين الأصوات الغريبة التي تُشتت ما في الأفكار من مادَّة، وتحيل أنفاسها لمحض أبخرة تُضيَيع وتُتبدد في فراغ وفزع المكان؟ في هذا العمل السمفوني، من جانب موسيقى لغته وتعابيره الحادَّة، ولكن أيضًا من جانبه التشكلي، الذي تتناظر فيه الخطوط وتتنافر تارة، وتتداخل فيما بينها تارة أخرى، سيأتينا الجواب فورًا، في المقطع الثاني منه:

ما عدت قادرة على الاحتمال في هذه الأجواء المشحونة، فبيوتنا التي بنيت منذ عهد بعيد تتماهى فيما بينها وتتلاصق، حتى يصبح الهمس مشتركًا والألم واحدًا، فلقد كنا نسكن في تلك المنازل المُنضدةِ على التلال المطلة كالأثداء على ضفاف النهر...

وهكذا يقتحم صوت الكاتبة، أو ثقلها الوجودي والحياتي، الذي يعبر عنه فعل عدم "الاحتمال"، المجال العام حيث يصبح "الهمس مشتركًا والألم واحدًا"، كنتيجة مباشرة لذلك المناخ المكتظ "بالخوف والترقب". لكننا، ومع الهزة التي احدثها فينا فعل "اللاتحمل" ذلك، نعثر على رمز لمياء الآلوسي الكبير: البيوت التي "تتماهى فيما بينها وتتلاصق...". "المنازل المُنضَّدةِ على التلال المطلة كالأثداء على ضفاف النهر...". هنا يحدث اللقاء السمعي واللوني بين "الهمس" و"الألم الواحد"، فيما تنفتح الرؤية على التلال المطلة على النهر، كتعبير واضح وجلي عن تشكل الثابت والمتحوِّل في حياة الفرد والجماعة.

ومع ذلك، هل لنا التشبُّع أكثر بصورة أو كينونة تلك البيوت، تاريخها وانتماؤها الروحي والجغرافي مثلاً؟ وهل يمكننا، ثانية، الإصغاء مليًا لتداخل وتنافر الصوتين، صوت الكاتبة والصوت الآخر، التي لم تفصح بعد القصة عن صاحبه أو صاحبته:

بيوت شرقية صغيرة، أسيجتها العالية تهرأت بمرور الزمن، وأصبحت تنبئ بخجل، أن هناك أسوار بيننا بما تبقى فيها من حجارة، لكن ما بيني وبين جارتي وابنتها ليس سوى علب الصفيح الصدئة عملنا معًا على ملئها بالطين، وغرزنا فيها بعض النباتات المشتركة التي كنا نتناولها بحميمية مع أقراص الخبز الطازجة، كلما أوقدت تنورها الطيني، وأوقدت معه حكايات شجية وكثيرًا ما تدعو للاستزادة لغرابتها، لكنها لا تلبث أن تبترها فتتركني فريسة لتذمري أو لإشفاقي.

بعد هذا الاقتباس الطويل لمقطع الكائنات والبيوت، لأزمنتها وحجارتها، للنباتات التي تشير، دون تردُّد، على أمل "غرز" الأمل والحياة في ربوعها، هل يمكن للعين أن تخطيء في رؤية ذلك المجال الفسيح الذي يُغلف "الكلَّ" ويضع أصبعه على جرح الحاضر النازف؟ وكيف يمكن التغافل عن "أسوار بيننا" و"ما بيني وبين جارتي وابنتها ليس سوى علب الصفيح الصدئة"؟ وكذلك: "النباتات المشتركة بيننا نتناولها بحميَّة مع أقراص الخبز الطازجة، كلَّما أوقدت تنورها الطيني، وأوقدت معه حكايات شجية، كثيرًا ما تدعو للاستزادة لغرابتها". كذلك نحن، كقراء، نتطلع لمثل تلك الزيادة في غرابة وفزع الموقف، لا لأن عذابات هذه الكائنات تذكرنا بأدميتنا المسحوقة، ولكن لأن "الحكايات الشجية" هي فعل الإبداع بحد ذاته، بالرغم من المسحة القاتمة التي تحيطه.

تنطوي تلك نجمة عراقية، كواحد من أبعادها الكثيرة، على دراما ذاتية لامرأة تفقد كل ما يمكن أن يسند وجود إنساني ويمنحه إمكانية الحفاظ على ما تبقى من ركام وأشلاء الزمان والمكان؛ والتي تجعلنا وكأننا حيال "مصير" أو حتمية ظلامية، لا يمكن الإفلات منها؛ فهي قد تلقت جميع الضربات الفاجعة، فقدان الزوج وموت الأبناء الستَّة وحتى مخالطة وجدنها بشبح الجنون والانهيار الكلي:

- ستة أولاد أردتهم أن يطهروني من هذه الدنيا، ذهبوا جميعًا (صفقت بكلتا يديها وأزاحتهما عاليًا) وتركوني للوحشة، ستة أولاد مع أبيهم وهذه المسكينة". قالتها وهي تشير إلى ابنتها الجالسة في الزاوية البعيدة، منتحبةً تلطم صدرها العاري.

تلك شهادة الكائن في عريه الأكثر قسوة، والذي يدفعه للتساؤل أو الإنشداه:

-       تتصوَّر أنَّني مجنونة!

منذ متى حدثت فاجعة كهذه، قد نسأل بدورنا:

-       منذ أن رأت سحب الدُّخان.

سحب الدًّخان؟ ما الذي يمكننا فهمه من تعبير ملتبس وصارخ كهذا؟ لا شيء، أو:

-       لكنها تعرف جيدًا أنَّ ذلك بسبب الانفجارات وهذا ليس جديدًا علينا.

أمَّا إذا ما كان تزاحم الأحداث، الانفجارات والفواجع يتيح لنا بعد كل ذلك السؤال عن الصدمة التي خلقتها عند تلك المرأة كارثة فقدانها لأبنائها الستة، فسوف لن ننتظر طويلاً لتلقي إجابة لا تقل بفجيعتها، نزفها وعبثيَّتها عن طريقة المرأة في سرد قصَّتها: "أين هم الآن؟ تناثرت أشلاؤهم وأضحت الأرض تنحني أمام عالمها السماوي...".

في خضم انهيارات ذاتية متلاحقة كهذه، وبالرغم عنها، إذا جاز التعبير، يأتي، في اللحظة الأخيرة، صوت القاصة لكي يخلق مناخات، عوالم وطقوس جديدة ربما كنا قد عشناها معها، بهذه الطريقة أو تلك، دون أن ننتبه كفاية لما تنطوي عليه من شراسة وتشبث بالمستحيل حيال الخراب العام:

كان علي أن أغوص في وسط النهر فترطمني أمواجه، تسحقني لكني أتشبث بالطين، بغرينه لكي أجمع ما جرفه رغم إحساسي بما يشبه اليقين بعض الأحيان أنني أصبحت من بين ما يجرفه – كان يمنحننا هداياه، فنتشبث بكل شيء حتى القشة الصغيرة، فإن تركناها سيأخذها جيراننا الذين جاءوا بعدنا!

"التشبث بالطين"، "بغرينه"، ولكن أيضًا "بنجمته العراقية"، ذلك ما أطلق عليه ردَّة فعل الأديب والمبدع العراقي، حتى وإن كان "إحساسي بما يشبه اليقين بعض الأحيان أنني أصبحت من بين ما يجرفه..."!

ما الذي يجعلنا نتمتع بمثل هذه الثقة بقدرة المبدع العراقي على التشبُّث بالمستحيل على مقاومة العبث الكوني الذي يحيط به، يغلفه ويسعى لخنق أنفاسه؟ الإجابة، التي لا توحي بها تلك نجمة عراقية فحسب، بل وأيضًا تطرحها أمامنا بقوَّة ودون الالتفات تقريبًا لحساسيتنا الذاتية، المرتبكة والتي تحاول، من حين إلى آخر، أن تلوذ بذريعة الدمار العام، هي التالية:

نهضت ثم عادت إلى النهر ورفعت هذه المرة فوطتها ثم ألقتها إلى النهر:

-        لو كانوا هنا لما حدث ذلك كله.

مع "هذه المرَّة" يتولد وينبثق، عبر وخارج أية نية واعية أو إرادية، نهار المبدع العراقي، قراره بعدم الانجراف مع "طين" و"غرين" النهر، فيما يشكل فعل رمية "الفوطة" إشارة أو بشارة الخروج من "ذاكرة الآلهة".

*** *** ***

الأوان، الجمعة 17 آب (أغسطس) 2012

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود