ما أعظمك أيها الحق؟!

 

رشا الصالح

 

1

حيث يقيم هناك...

حيث الماء الدامي، حيث النار والأقدار الملطخة بمعاني الغزاة وخطوات المطاردة. حيث طلقات العشوائية وقذائف الغرائز الهمجية تورق طغيانًا في أحشاء الحقيقة، تغدو كل طرائق الكلمات غير كافية لامتصاص هذه الحرائق في موطنه، فتشهق اللغة وتخلع عنها بعض أحرفها.

تبرأ من كثير من التسميات التي لصقت به، تبرأ من فضائحه من أشباه رجالاته واهتزازات كينونته وزلازل قواميسه التي لا رديف لها ولا صدر لها سوى وسادات الفناء وزفرات الثكنات التي تخط الجراح فوق كل ضلع، وفي نهاية كل تنهيدة غير آبهة بفضاءات هذا الزمن التليد، حيثما، وأينما ولى وجهه في أرجاء هذا العصر الهمجي الذي يدجج بساعات مطعمة، بقوارض لا راد ولا لاجم لها، سيلحظ طفلاً يجهش له ولهم: واأماااااااااااااااه، واأمتاااااااااااااااه:

أوقفوا هذا الإعصار، أوقفوا ثوان الدمار، فإني قد رأيت البارحة في هذه السماء التماعة نجوم لونت الفضاء، وكواكبًا ارتحلت لأجلي رصعت هذا المدى. لأحلم بالأفق، لأرسم قوس قزح، لأزغرد للعيد، لأنثر في خلاياه كل قناديل ضجيجي، لأزركش هذا الضياء. أعيدوا إليَّ كل الخيوط التي تمدني بهم: أهلي وكل الأوراق التي تصنع هواجس الطيران لأغني في سري أغنيتي المحببة، لأطلق لروحي العنان بالحياة (وطيري ياطيارة طيري ياورق وخيطان ... وينسانا الزمان).

2

حيث أقيم هناك،

في كل الطرق المؤدية إلى الصمود الوحيد، إلى العلو الكبير حيث يتوالد الحب، الحب الذي لانهاية له في ذرات الأبد تطل عاشقة تقرأ بشفتيها آيات الأبجدية بقبلة على فم الوطن لتذوب وإياه في صيرورة الألوهية، لتغرق في نهضة لا عودة منها إلا له، فتنتشي عطرًا يكذِّب كل ذاك الصمت القاتل ويجرح وجه ذاك الخذلان الهائل، لتنهمر أشعارًا تتغلغل في مسامات أنهاره، لتجسد روعة أحزانه، ليكشف هو الآخر لون وجعها القاني مصغيًا الى ترنح مواعيدها، إلى ترانيمها، إلى توالدها في إقصائه مقامات وقواف تصنع المستحيل، فينجبان العبق والجلنار، وبعدها يوشوش في أذنها: حبيتي صلي لأجلي، صلي لعشقي، ورتلي لنا الهيام، ليمحى الاستعار والنار رغمًا عن أنف الموت ورغمًا عن أنف الأنين، وتوالدي أحرارًا وتوالدي أحرارًا... وتوالدي أحرارًا.

3

حيث نقيم هناك،

كلنا برفقة جدنا التاريخ، ذاك الرجل الطاعن في الوجع الأبيض منذ مئات السنين، والذي تشهده يحفر بكلتا يديه الصحراويتين ربيعًا عربيًا آخر. يصل القريب بالبعيد، والبداية بالولادة، والربيع بالربيع. ليشق في الصخر عمق الأزل، تاركًا بذار الصحوة في أدمغة الحديد، في فوهات البوار، مناجيًا بما أوتي من قوة: أنقذوا هذه الأمة الثكلى، حيث البصر الأعمى، حيث لا مستبصر ولا بصير، حيث الدم الهجين بألاعيب المستوحشين، حيث جبهات النار تلون المطالع بمجسمات القلوب وخيالات البراهين. محرضًا بذاك ما نقيم في أرجائه ليتقمص هو الحق ويتقمصه، أبطالاً أطفالاً أحلامًا نساء وصناديد، ليرتجف من توحدهما الرعب ليولي ظهره ذاك الانقسام، ليندمج هذا الزمان قبائلَ وطوائف وعشائرَ وأهازيج، لينفض الوقت عن جبينه الغبار، صارخًا: كلنا أحرار.

ما أقواك أيها الحق، ما أعظمك أيها الربيع.

22-8-2012

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود