|
حقوق الإنسان بين إعلان الأمم المتحدة والإسلام - الجزء الأول [1]
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم إن أصبنا فيما توصلنا إليه فمن عندك وإن جانبنا الصواب فمن عند أنفسنا واهدنا لأن نعود إلى جادة الصواب مقدمة كثر الحديث قبل سنوات عن حقوق الإنسان في العالم الإسلامي والعربي، وذلك بعد وصول الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن إلى سدة الرئاسة الأمريكية ممثلاً لليمين الأمريكي المدعوم من الحركات المسيحية المتصهينة الجديدة، وذلك في محاولة لتقليد النجاح الذي حققه سلاح حقوق الإنسان الذي أشهره الغرب بوجه المعسكر الشرقي حيث أجبر القيادة الشيوعية في نهاية الأمر، وتحت الضغوط الشعبية والاقتصادية، على منح الشعوب السوفيتية كمًا بسيطًا من الحرية التي ما لبثت أن شكلت تيارًا جارفًا أطاحت بالنظام الشيوعي وبالدولة المركزية على أهون سبيل. لقد أشهرت الإدارة الأمريكية سلاح حقوق الإنسان في وجه الدول الإسلامية كلها بدون استثناء، حيث وضعت هدف تطبيق حقوق الإنسان في الدول الإسلامية على نفس السوية من هدفها في محاربة ما يسمى بالإرهاب وبنزع أسلحة الدمار الشامل. وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى ست سنوات مضت لوجدنا أن الحرب على الأفغان ابتدأت بادعاءات عدم احترام الأفغان لحقوق الإنسان متمثلة في تحطيم تماثيل بوذا وفي معاملة طالبان للمرأة، وذلك قبل أحداث الحادي عشر من أيلول التي أعطت المبرر للضربة العسكرية لأفغانستان. كذلك في العراق كان سلاح حقوق الإنسان مشهرًا بالتوازي مع تهمة حيازة أسلحة التدمير الشامل، إن لم يكن قبله، وكان النظام الفردي وقمع الحريات هي من ضمن المرتكزات التي اعتمدت عليها الإدارة الأمريكية للحصول على المبرر الأخلاقي لإعلان الحرب على العراق. كما أننا نذكر ما تردد على لسان السلطة الأمريكية من مطالبات بضرورة تطبيق حقوق الإنسان في كل من السعودية والسودان والصومال وإيران وغيرها من الدول الإسلامية، كما أننا لا ننسى أن الإدارة الأمريكية السابقة في عهد رولاند ريغان قد شنت حربًا على الصومال بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان ولوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان من قبل الفصائل المتصارعة هناك. إلا أن الإدارة الأمريكية قد تراجعت في الآونة الأخيرة عن المطالبة العلنية بتطبيق حقوق الإنسان في الدول الإسلامية لعدة أسباب منها أن الإدارة الأمريكية ترفض تطبيق حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المتعلقة بها على معتقلي غوانتينامو، كما أن فضائح سجن أبو غريب في بغداد قد أظهرت للعالم مدى التزام أمريكا بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان التي تطالب العالم الإسلامي بالالتزام بها، وجاءت فضائح وجود المعتقلات الأمريكية السرية التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية في دول أوروبا والمغرب العربي لتفضح التناقض الأمريكي بين ما تدعيه وتطالب المجتمع الإسلامي به وبين ما تطبقه على المسلمين. ولعل من أهم أسباب تراجع الإدارة الأمريكية عن الاستمرار في استعمال حقوق الإنسان كسلاح في وجه الدول الإسلامية هو أن الدول الإسلامية الصديقة لأمريكا هي من أكثر الدول التي تنتهك شرعة حقوق الإنسان، ولا يمكن لأمريكا البقاء في المنطقة الإسلامية بدون هؤلاء الأصدقاء وممارساتهم المخالفة لشرعة حقوق الإنسان. إن هذا التراجع عن استعمال حقوق الإنسان كسلاح هو في رأيي تراجع مؤقت وسرعان ما سوف نرى أن الإدارة الأمريكية الجديدة، وخاصة مع توقع عودة الديمقراطيين إلى الحكم، ستسارع إلى استعماله لعدة أسباب منها أن الشعوب الغربية قد أصبحت متشبعة بأفكار الحرية والمساواة وتعتقد بشكل جازم أن الرخاء والتقدم اللذان تتمتعان به هو ناتج بشكل رئيسي عن تطبيق مبادئ الحرية والمساواة والحياة الكريمة، وبالتالي فهي عندما تطالب بانتشار الحرية والمساواة في العالم فهي إنما تقوم بعمل الخير وبما يمليه عليها ضميرها ومبادؤها، وأن الأنظمة والحكومات التي تقف في وجه تطبيق هذه المبادئ يجب أن تزال من الوجود وتستبدل بأنظمة وحكومات تحترم الحرية والمساواة. إضافة إلى أن الحكومات الغربية تبدو ظاهريًا على الأقل مقتنعة بأن حركات الإرهاب في العالم الإسلامي هي ظاهرة يقف وراءها الإحباط الذي تشعر به معظم شرائح الشعوب الإسلامية، وخاصة الشباب، من حالة انعدام الحرية والمساواة والعيش الكريم السائدة في الدول الإسلامية، لذلك فإن انتشار مفاهيم حقوق الإنسان سوف تؤدي في النهاية إلى إنهاء ظاهرة العنف والإرهاب. ولعل السبب الأهم في اعتماد سلاح حقوق الإنسان من قبل الإدارة الأمريكية مستقبلاً هو أن هناك تيارات سياسية واجتماعية في الدول الإسلامية تتوق إلى تطبيق مبادئ الحرية والمساواة والعيش الكريم، وهي في معظمها تيارات غير ملتزمة إسلاميًا وبعيدة في تنظيماتها القيادية عن التوجهات الإسلامية، سوف تستغلها الإدارة الأمريكية لإحداث صدام إيديولوجي بينها وبين الحركات الإسلامية والبنى الإسلامية التقليدية بحجة أن الإسلام هو السبب الرئيسي لكل مساوئ أنظمة الحكم في الدول الإسلامية، وأنه السبب المباشر وراء التخلف والاستبداد وهضم الحقوق الأساسية للمواطنين، وخاصة النساء. لهذه الأسباب، وخاصة للسبب الأخير، فإن الواجب يقتضي أن يتم إلقاء الضوء على موقف الإسلام من مسألة حقوق الإنسان ومن ثم محاولة تقديم تصور لمعالجة نقاط الاختلاف بين الرؤية العالمية لحقوق الإنسان وبين الرؤية الإسلامية. إن هاتين النقطتين تشكلان الخلفية لهذا البحث الفكري الذي سوف يقتصر على دراسة النظرة الإسلامية لحقوق الإنسان كما فهمتها شخصيًا من مصادر التشريع الإسلامي الأساسية، أي القرآن أولاً والسنة النبوية ثانيًا وممارسات الصحابة ثالثًا. ومن هنا فإن هذا البحث يعبر عن رأي شخصي وخواطر فردية ولا يعبر إطلاقًا عن أي وجهة نظر فقهية لأي مذهب أو جماعة معينة. إن هذا البحث لن يتطرق إلى التطبيقات العملية أو ممارسات المسلمين أفرادًا أو جماعات أو أنظمة حكم لمفهوم حقوق الإنسان على مدى التاريخ الإسلامي منذ الفتنة الكبرى إلى وقتنا الحاضر. تاريخ حقوق الإنسان لعل أول وثيقة لحقوق الإنسان بالمفهوم الحديث تعود إلى العام 1101 في انكلترا، والتي أعلنها الملك هنري الأول نزولاً عند إلحاح النبلاء والبورجوازيين فيما عرف بشرعة الحريات Charter of Liberties. ثم جاء بعدها في انكلترا أيضًا في العام 1215 عقب ثورة الشعب والإكليروس ضد استبداد الملك جان بلا أرض Jean sans Terre ما عرف بالوثيقة الكبرى Magna Carta. وفي العام 1628 وفي انكلترا أيضًا صدرت عريضة الحقوق Petition of Rights بعد صراع مباشر بين الملك شارل الأول والبرلمان إثر محاولة الملك فرض ضرائب جديدة على الشعب دون الحصول على موافقة البرلمان. في العام 1776، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، صدر بيان إعلان الاستقلال متضمنًا مبادئ مثل المساواة بين الناس، وتمتعهم بحق الحياة، والحرية، وطلب السعادة، فكان من أهم الإعلانات لحقوق الإنسان في الغرب، وقد صاغها الرئيس جيفرسون متأثرًا بآراء الفلاسفة الأوروبيين أمثال جون لوك وروسو وفولتير. في فرنسا، وبتاريخ 26 آب 1789 وبعيد انتصار الثورة الفرنسية، ظهر الإعلان الفرنسي المسمى إعلان حقوق الإنسان والمواطن Declaration des droits de lhomme et du citoyen، والذي استمدت أفكاره من المفاهيم المتجددة التي كان فلاسفة عصر الأنوار وعلى رأسهم روسو وفولتير ومونتسكيو قد طرحوها، وقد ركز إعلان حقوق الإنسان والمواطن على السلطة وطريقة ممارستها، والحريات العامة والفردية التي تساهم بتطور المجتمع. وانطلاقًا من هذه الإعلانات الغربية فقد نصت معظم الدساتير الغربية الحديثة على تثبيت حقوق الإنسان بعبارات وصيغ متشابهة، فأقرت المساواة، وحق التعليم المجاني، وحريات الفكر والتعبير والاجتماع والتظاهر والنقابات، والحرية الشخصية وحرية المنزل، والمراسلات، وحق اللجوء السياسي للأجانب المضطهدين. ثم كان التطور الكبير على طريق تقنين وتدوين حقوق الإنسان والمتمثل بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان Universal Declaration of Human Rights، الذي أقرته الأمم المتحدة في جمعيتها العامة في العاشر من شهر كانون الأول سنة 1948، وقد تم التصديق على هذا الإعلان بأكثرية ثمانية وأربعين صوتًا مقابل ستة، امتنع أصحابها عن التصويت، وهم الاتحاد السوفيتي، وأوكرانيا، وروسيا البيضاء، وبولونيا، وأفريقيا الجنوبية، والمملكة العربية السعودية. وقد دلَّ عدم الإجماع هذا، على عمق التباينات الإيديولوجية التي كانت قائمة في حينه بين الأنظمة السياسية المختلفة. بعد ذلك، وتطبيقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، جاء العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية International Covenant on Civil and Political Rights والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية International Covenant on Economic, Social and Cultural Rights الصادرين عن الأمم المتحدة، واللذان وضعا في 16 كانون الأول 1966 ودخلا حيز التنفيذ في العام 1976، عندما بلغ عدد الدول المصدقة عليهما النصاب المطلوب، أي بعد ثمان وعشرون سنة على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبذلك أصبح القانون الدولي لحقوق الإنسان حقيقة واقعة. بعد نشر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بدأت الإعلانات الإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان بالظهور، ومن أهمها الاتفاق الأوربي على حماية حقوق الإنسان ومبادئ الحرية في العام 1950 وبروتوكولاته الإثنتا عشر European Convention for the Protection of Human Rights and Fundamental Freedoms، والاتفاق الأوربي لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبات غير الإنسانية أو المهينة European Convention for the Prevention of Torture and Inhuman or Degrading Treatment or Punishment وملحقيه. وكذلك صدر الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي صادق عليه مؤتمر رؤساء منظمة الوحدة الأفريقية في العام 1981 ودخل حيز التنفيذ في العام 1991 وتبعه عدة اتفاقات إجرائية منها تشكيل محكمة خاصة بحقوق الإنسان والشعوب الأفريقية. على الصعيد الإسلامي جاء رد الفعل متأخرًا، وخاصة على الصعيد الرسمي، فقد جاءت أول محاولة لإصدار بيان عن حقوق الإنسان من المنظور الإسلامي من قبل رابطة العالم الإسلامي في العام 1979 بإصدار "إعلان حقوق الإنسان وواجباته في الإسلام"، ثم صدر "البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان"، عن المجلس الإسلامي الأوروبي في لندن سنة 1980. وتلاه في العام 1981 صدور "البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام" عن المجلس الإسلامي الدولي للعالم، وهي منظمة غير دولية تعمل في أوروبا ومركزها باريس، وقد أعد البيان أربعون شخصية دينية وحقوقية إسلامية. بعد ذلك بدأ التحرك الإسلامي على الصعيد الرسمي فصدر "مشروع وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام" عن مؤتمر قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في الطائف سنة 1989. و"مشروع حقوق الإنسان في الإسلام"، الذي قدم إلى المؤتمر الخامس لحقوق الإنسان في طهران، في كانون الأول 1989. وتلا ذلك صدور ما عرف بإعلان القاهرة عن حقوق الإنسان في الإسلام The Cairo Declaration on Human Rights in Islam الصادر عن مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي بتاريخ 5 آب 1990. وتبع ذلك صدور "إعلان بشأن حقوق الطفل ورعايته في الإسلام"، في المغرب سنة 1994. أما على الصعيد العربي فقد تم بعد مخاض طويل استمر من عام 1994 إلى عام 2004 اعتماد "الميثاق العربي لحقوق الإنسان" بتاريخ الرابع من آذار 2004 من قبل مجلس وزراء خارجية الدول العربية بعد أن تم تضمينه بنودًا سلبته مصداقيته وشموليته، فقد ربط معظم الحقوق بالقوانين الخاصة بكل دولة، وأسهب في شرح الاستثناءات التي تحد من حقوق الإنسان عند استعمال قوانين الطوارئ. وما زال الميثاق ينتظر موافقة حكومات الدول العربية ليصبح ساري المفعول على الدول الموافقة عليه فقط وعلى النقاط التي لم تتحفظ عليها. (اعتمدت سوريا المعاهدة بتاريخ 27/12/2006). من الملاحظ أن كافة الإعلانات العالمية من عام 1101 إلى عام 1948 قد جاءت نتيجة لصراعات دموية كبيرة جرت فيها من الفظائع ما حرك نفوس الأحرار لمحاولة وضع أسس لاحترام حقوق الإنسان، أما إعلانات حقوق الإنسان الإسلامية والعربية فقد جاءت لتتلاءم مع السياسات العالمية والضغوطات الدولية ولم تأت مع الأسف نتيجة لتطلعات الشعوب الإسلامية أو تطبيقًا لمبادئ الإسلام في الحرية والمساواة والعيش الكريم. تعريف موجز بنظرية الحقوق 1. التعريف اللغوي: الحقوق، جمع حق ولم ترد هذه الصيغة في القرآن الكريم. وكلمة الحق في اللغة تأتي بمعاني متعددة، فالحق أولاً اسم من أسماء الله تبارك وتعالى قال عز وجل في القرآن الكريم: - "فذلكم الله ربُّكم الحقُّ فماذا بعد الحقِّ إلاَّ الضَّلال فأنَّى تصرفون". (يونس 32) - "هنالكَ الولايةُ لله الحقِّ هو خيرٌ ثوابًا وخيرٌ عقبًا". (الكهف 44) - "فتعالى الله الملك الحقُّ ولا تعجل بالقرآنِ من قَبلِ أن يقضى إليك وَحيُهُ وقل رَّبِّ زدني علمًا". (طه 114) - "فتعالى الله الملك الحقُّ لا إله إِلا هو ربُّ العرش الكريم". (المؤمنون 116) ومن معاني الحق أنه صفة للدين الإسلامي كقوله تعالى: "يومئذٍ يوفِّيهم الله دينهم الحقَّ ويعلمون أنَّ الله هو الحقُّ المبين" (النور 25). ومن معاني الحق، الثبات والوجوب؛ يقال: حقَّ الله الأمر حقًا أي أثبته وأوجبه، ويقال: حقَّ الشيء، أي، ثبت ووجب. وجاء هذا المعنى في القرآن الكريم في اثنا عشر موضعًا منها قوله تعالى: "فريقًا هَدَى وفريقًا حَقَّ عليهم الضَّلالةُ إنهم اتَّخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنَّهم مُّهتدونَ" (الأعراف 30). والحق ضد الباطل، وقد ورد ذلك في القرآن في أكثر من مائتي مرة منها قوله تعالى: "ولا تَلبِسُوا الحقَّ بالباطلِ وتكتموا الحقَّ وأنتم تعلمون" (البقرة 42). والحق ما يقابل الواجب، يقال: الحقوق والواجبات بمعنى ما يترتب للمرء وما يترتب عليه. وقد ورد في القرآن في مواقع قليلة منها قوله تعالى: - "وآتِ ذا القربى حقَّه والمسكين وابن السَّبيل ولا تبذِّر تبذيرًا" (الروم 26) - "فآت ذا القربى حقَّهُ والمسكين وابن السَّبيل ذلك خيرٌ للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون" (الروم 38) - "والذين في أموالهم حقٌّ معلومٌ" (المعارج 24) - "وفي أموالهم حقٌّ للسائل والمحروم" (الذاريات 19) وتستعمل بمعنى العدل كقوله تعالى في الآية رقم 22 من سورة ص: "إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعضٍ فاحكم بيننا بالحقِّ ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط". وتطلق أيضًا على النصيب فيقال: حقه أي نصيبه. 2. تعريف الحقوق عند علماء الغرب رغم ما لكلمة الحق من وضوح في أذهان عامة الناس، فإن علماء القانون قد اختلفوا في تعريف الحق اختلافًا واسعًا، ويقال بأن تعريف الحق من أكثر المسائل التي ثار الاختلاف بشأنها. ويمكن تحديد الاتجاهات العامة لتعريف الحق عند رجال القانون في الغرب بثلاثة مذاهب لكل منهم نظريته التي تستند إلى القيمة التي وجد أنها أجدر بالأخذ بعين الاعتبار. وهذه النظريات هي:
وقد نتج عن هذه المذاهب الثلاث ظهور خمسة تعاريف للحق: - التعريف الأول: الحق قدرة إرادية يخولها القانون لشخص معين: وهذا التعريف هو المعتمد عند أصحاب نظرية الإرادة، أو النظرية الشخصية، وقد سميت بالنظرية الشخصية لأن أصحابها يعرفون الحق بالنظر إلى صاحبه، لأن القدرة الإرادية صفة تلحق بالشخص صاحب الحق. - التعريف الثاني: الحق مصلحة يحميها القانون: وهذا التعريف هو المعتمد عند أصحاب النظرية الموضوعية، أو نظرية المصلحة، وسميت بذلك الاسم لأن أصحابها يعرفون الحق بالنظر إلى موضوعه، وموضوع الحق هو المصلحة. - التعريف الثالث: الحق مصلحة يحميها القانون، عن طريق قدرة إرادية لشخص: وهذا التعريف لأصحاب النظرية المختلطة الّذين غلبوا عنصر المصلحة على عنصر الإرادة. - التعريف الرابع: الحق قدرة في خدمة مصلحة ذات صفة اجتماعية، وتباشر بواسطة إرادة مستقلة: وهذا التعريف لأصحاب النظرية المختلطة الذين غلبوا عنصر الإرادة على عنصر المصلحة. وكل نظرية من هذه النظريات لا تخلو من النقد. - التعريف الخامس: الحق ميزة يمنحها القانون لشخص ويضمنها بوسائله، وبمقتضاها يتصرف في قيمة منسوبة إليه باعتبارها له، أو مستحقة له: وهذا التعريف الأخير منسوب للفقيه القانوني البلجيكي جان دابان، وهو تعريف جديد حاول أن يتجنب فيه النظريات السابقة، وما وجه إليها من نقد، ونال هذا التعريف استحسانًا من قبل الفقهاء لاسيما فقهاء القانون في مصر. 3. تعريف الحقوق عند علماء الشريعة الإسلامية من الملاحظ بالرجوع إلى كتب الفقه والأصول أن العلماء المسلمين لم يعطوا تعريفًا كاملاً شاملاً للحقوق، وإذا ما وردت بعض التعاريف له، فإنما ترد قاصرة عن تحديده تحديدًا كاملاً، شاملاً، ولعلهم رأوا أن فكرة الحق معروفة، فلا تحتاج إلى تعريف. ولم أجد في كتب الفقه السني كتابًا مخصصًا يبحث في موضوع الحقوق بشكل موسع أو مجمل إلا أنني وجدت في مراجع الشيعة كتابًا موسعًا هو رسالة الحقوق للإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام اشتملت على كافة الحقوق الفردية والعامة الواردة صراحة أو ضمنًا في القرآن والسنة، ولعل هذا الكتاب هو أول كتاب أو بحث إسلامي يعالج موضوع الحقوق في الإسلام. وقد حاول بعض الفقهاء والباحثين المسلمين المعاصرين إعطاء تعريف إسلامي للحق يأخذ بعين الاعتبار المفاهيم الإسلامية، ذات العلاقة بمسألة الحق، وهي تختلف إلى حد ما عن المفاهيم الغربية، كمفهوم نشأة الحق مثلاً. ومن التعريفات التي وضعها هؤلاء نورد التعريفات التالية: - التعريف الأول: الحق هو الحكم الثابت شرعًا: نقل هذا التعريف الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته، واعتبر أنه تعريف غير جامع ولا شامل لكل ما يطلق عليه لفظ الحق عند الفقهاء. - التعريف الثاني: الحق مصلحة مستحقة شرعًا: هذا التعريف منسوب للأستاذ الشيخ علي الخفيف، ويقول عنه د. الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته "أنَّه تعريف بالغاية المقصودة من الحق، لا بذاته وحقيقته، لأن الحق هو علاقة اختصاصية بين صاحب الحق والمصلحة التي يستفيد منها". - التعريف الثالث: الحق مصلحة ثابتة للفرد أو المجتمع أو لهما معا يقررها الشارع الحكيم: هذا التعريف للدكتور محمد يوسف موسى ذكره في كتابه الفقه الإسلامي، وهو يشبه إلى حد بعيد التعريف السابق للشيخ علي الخفيف، وقد رد عليه د. فتحي الدريني بأنه أيضًا عرف الحق بغايته، لأن الحق ليس مصلحة بل وسيلة إلى مصلحة. - التعريف الرابع: الحق هو اختصاص يقرر به الشرع سلطة شيء، أو اقتضاء أداء من آخر، تحقيقًا لمصلحة معينة. - التعريف الخامس: الحق هو اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفًا: هذا التعريف قريب من التعريف السابق، وقد اعتبر الدكتور وهبه الزحيلي أن هذا التعريف الذي جاء به الأستاذ مصطفى الزرقا جيد، لأنه يشتمل أنواع الحقوق الدينية، كحق الله على عباده، والحقوق المدنية كحق التملك، والحقوق الأدبية، والحقوق العامة. ملاحظة حول هذه التعريفات: الملاحظ من قراءة هذه التعريفات أنها قامت على اعتبار أن الحق إمَّا حكم أو مصلحة أو اختصاص، ولكنها أجمعت على أمر واحد، وهو علاقة كل ذلك بالشرع، وهو أمر يراد به الإشارة إلى منشأ الحق، لأن الفقهاء المسلمين يعتبرون أن الحق هو أمر مقرر من قبل الله تعالى. ونحن نرى أن التعريف الخامس للأستاذ مصطفى الزرقا، هو التعريف الذي يمكن أن ينضوي تحت مفهوم الحق، حينما يتعلق بالحريات العامة، وحقوق الإنسان. 4. منشأ الحق عند الغرب والمسلمين من خلال التعريفات التي أوردناها لفقهاء القانون الغربيين، نجد أنها جميعًا تعتبر أن الحق – سواء من اعتبره مصلحة، أو ميزة، أو قدرة إرادية – إنما هو أمر يمنحه القانون، أو يحميه. وهذا يعني أن مرجع الحق هو القانون. فالذي قال إن القانون يمنحه رمى إلى بيان أن الجماعة البشرية هي التي تنشئه وتقره، والذي قال إن القانون يحميه، رمى إلى بيان أن الطبيعة هي مصدر الحق وأن على الجماعة البشرية أن تسن القانون لتحمي هذا الحق فقط، لأنه موجود أصلاً قبل وجود الجماعة. ومن خلال مقارنة التعريفات التي أعطاها الفقهاء المسلمون للحق، بالتعريفات التي أعطاها فقهاء القانون الغربيون، ندرك تأثر الفقهاء الإسلاميين الحديثين إلى حد كبير بالفهم الغربي للحق باعتباره مصلحة، أو وسيلة لحماية مصلحة، غير أنهم اختلفوا معهم في إيراد الإشارة إلى مصدر الحق، حيث يرى علماء الشريعة الإسلامية أن مصدر الحق هو الله عز وجل، فيما ركز الطرف الآخر على اعتبار أن القانون هو إما مصدر الحق، أو أنه حامي الحق، مع بيان أن الذين اعتبروا أن القانون هو حامي الحق، إنما أرادوا الإشارة إلى أن مصدر الحق هو الطبيعة، وهذا يعني أنهم يرون مصدر الحق خارج دائرة الإنسان، وعقله البشري، وسلطته على هذا الكون. كما أن المسلمون الذين يعتبرون أن الله هو مصدر الحق قد جعلوا أيضًا هذا المصدر خارج نطاق الإنسان وعقله البشري وسلطته على هذا الكون، والأثر المترتب على ذلك عند هذين الفريقين هو كف يد الإنسان عن التعرض لهذا الحق أو الانتقاص منه، ولهذا أعظم الأثر على حقوق الإنسان، هذه الحقوق التي قد تكون عرضة للتدخل والانتهاك من قبل الحكام أو من قبل الجماعات أو باسمها ممن يمسكون بالقرار فيها. وإذا كنا نميل كثيرًا إلى إخراج الحقوق، وخاصة حقوق الإنسان، من نطاق السيطرة البشرية، من أجل الحفاظ على قدسيتها وعدم الانتقاص منها، أو الإخلال بها، إلا أننا نرى أن تطور الزمن بعد عهد الرسالة قد ينشئ حقوقًا لم تكن معروفة فيما مضى، ولم يتطرق إليها الشارع، وأن الواجب يقتضي أن تعطى هذه الحقوق الحماية للحاجة إليها. إلا أن غالبية علماء الشريعة يعارضون كل فكرة تشير إلى إمكانية وجود شيء لم يتطرق إليه الشارع في زمن التنزيل. وللخروج من هذا الخلاف نستطيع استبدال كلمة ينشئ حقوقًا، بعبارة يكشف حقوقًا، لأن المهم هو استعمال الإنسان لهذا الحق من أجل إنجاز المهمة والوظيفة المكلف بها على هذه الأرض. تعريف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الرغم من وجود أربع إعلانات لحقوق الإنسان صادرة عن منظمات دولية وإقليمية وخاصة تمس وضع العرب المسلمين إلا أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يبقى الأكثر تأثيرًا وذلك لاعتراف العالم أجمع به من جهة ولصدوره عن منظمة أممية بدون معارض (بعد أن وقعت عليه الدول الست التي امتنعت عن التصويت يوم إصداره)، ولوجود معاهدتين تفصيليتين نابعتين عن هذا الإعلان أصبحتا ساريتي المفعول منذ عام 1976، أي منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وهو الإعلان الذي تستعمله القوى الغربية في مواجهة الدول الإسلامية. ولهذا فإننا سنركز في هذه الورقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونترك البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام الصادر عن المجلس الإسلامي الدولي للعالم وإعلان القاهرة عن حقوق الإنسان في الإسلام الصادر عن مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي والميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر عن مجلس وزراء خارجية الدول العربية إلى ورقة عمل قادمة إذا شاء المولى. يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أهم إعلان دولي لحقوق الإنسان في العصر الحديث، فقد جاء هذا الإعلان منسجمًا مع ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة لاسيما المادة (55) الفقرة ج والتي تنص على: "أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق فعلاً". وقد جاءت الحقوق التي تضمنها الإعلان مندرجة في إطار أربعة عناوين كبرى هي: 1. الحقوق الأساسية: (المواد 1 - 2)، وهي تتضمن أن الناس يولدوا أحرار ومتساويين وأن يكون التعامل بينهم بالاحترام ونبذ التمييز تحت أي سبب ومساواة الرجل بالمرأة. 2. الحقوق المرتبطة بشخصية الإنسان: (المواد 3 - 14)، وهي تتضمن: الحق في الحياة، وفي الحرية، وفي السلامة، وفي الكيان القانوني الذاتي، وفي تحريم العبودية Enslavement والرق Servitude والتعذيب Torture، وفي المساواة أمام القانون، وفي الحصول على الحماية والضمانات القانونية من خلال احترام المبادئ الأساسية للقانون الجزائي، وعدم رجعية العقوبات، واعتبار المتهم بريئًا حتى تثبت إدانته، وفي عدم انتهاك حرمة المنازل والمراسلات الشخصية، وفي حرية التنقل ذهابًا وإيابًا، وفي تأمين المسكن. 3. الحقوق المرتبطة بالأحوال الشخصية: (المواد 15 - 17)، وهي تتضمن: الحق في الجنسية، وفي حرية الزواج، وفي احترام حقوق العائلة، وفي احترام وصيانة حق الملكية الفردية والجماعية. 4. الحقوق العامة والسياسية: (المواد 18 - 28)، وهي تتضمن: الحق في حرية الضمير، واختيار وتغيير الدين، وممارسة معتقداته، والحق في حرية التعبير واستقاء المعلومات وإذاعتها، والحق في حرية الدخول في الجمعيات والجماعات السلمية، والحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة مباشرة أو بالانتخاب، والحق في الحصول على ضمان اجتماعي، والحق في العمل لقاء أجر عادل، والحق في العيش بكرامة وفي مستوى حياتي لائق وكاف، والحق في النشاط النقابي، والحق في الراحة وممارسة الهوايات والصحة والتربية والتعليم والثقافة، والحق بالتمتع بنظام اجتماعي دولي يحترم حقوق الإنسان. ونوهت المادة رقم 29 إلى أن على كل إنسان واجبات تجاه المجتمع وعليه العمل ضمن قوانين ذلك المجتمع. أما المادة الأخيرة فمنعت تفسير أي مادة من هذا الإعلان بما يتعارض مع روحه وغايته. القيمة القانونية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واحدًا من أبرز القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهو من الناحية الشكلية ليس معاهدة دولية، وإذا كانت الموافقة على الإعلان قد تمت بدون معارضة بحيث لم تصوت ضده أية دولة، فإن ذلك لا يعني تمتع الإعلان بأية صفة إلزامية، لذا لا يمكن اعتباره جزءًا من قواعد القانون الدولي الوضعي، والقيمة القانونية لهذا الإعلان لا تعدو كونه تصريحًا عامًا جاء بحكم المبادئ العامة التي تهتدي بها الدول في أنظمتها الدستورية والتشريعية. وقد ظهرت عدة آراء من الدول الليبرالية التي كانت دساتيرها قد قدمت النماذج الأولى لحقوق الإنسان كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا تعارض الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد اعتبر مجلس شورى الدولة الفرنسي أن ليس لهذا الإعلان أي طابع إلزامي في المجال القانوني الداخلي الفرنسي، كما رفضت الحكومة الفرنسية في حينه إخضاعه لموجب التصديق عليه من قبل الجمعية الوطنية، لكونه ليس معاهدة أو اتفاقًا بين الدول. كما برزت مثل هذه التحفظات من قبل دول أوروبية وأمريكية أخرى، فقد قرر المجلس الدستوري النمساوي، بتاريخ 5 تشرين الأول سنة 1950، أن تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الأراضي النمساوية ليس واجبًا، ولا يرتدي طابع الإلزام بالمطلق. وأيضًا، اعتبرت المحاكم العليا في بعض الولايات الأمريكية، أن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان لا تشكل معاهدة دولية نافذة بحد ذاتها، وبالتالي فإنه لا يجوز للأفراد أن يدلوا بأحكامها في وجه الدولة، أو الولاية التي ينتمون إليها، كما عارضها عدد كبير من السياسيين الأمريكيين باعتبار أنها تحمل في طيات موادها الأخيرة أفكارًا اشتراكية. معظم فقهاء القانون الدولي يرون أن أهمية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تكمن في كونه يعلن مبادئ عامة أساسية، ذات طابع شمولي عام، قد تكون صالحة لإرشاد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة نحو آفاق جديدة من العدالة والإنصاف، ولكنها لا يمكن لها إطلاقًا أن تشكل أساسًا لأي رقابة قضائية، وذلك لأنها مجردة من أي قيمة قانونية أو وضعية إلزامية. وهناك قلة من الفقهاء يرون رأيًا معاكسًا للرأي الأول، فهم يعتبرون أن الإعلان قد جاء تطبيقًا للمادتين 55 و56 من ميثاق الأمم المتحدة، مما يمكن معه أن نعترف للإعلان بنفس القيمة القانونية الملزمة لهاتين المادتين. ولكن ليس من المسلم به أن لميثاق الأمم المتحدة، ولهاتين المادتين 55 و56 منه، أية قيمة إلزامية، فقد اختلف الفقه حول القيمة القانونية لهذه النصوص، وحول مدى الالتزام الذي تفرضه على الدول، وعلى المنظمات الدولية، بصدد حقوق الإنسان. فهناك اتجاه يرى أن هذه النصوص ليست لها قيمة قانونية، فالميثاق لم يفرض على الأعضاء التزامًا محددًا بأن يمنحوا رعاياهم الحقوق والحريات المذكورة فيه، كما أن اللغة التي استخدمها الميثاق بهذا الصدد لا تسمح بالقول بأن الأعضاء واقعون تحت أي التزام قانوني بشأن حقوق وحريات رعاياهم. كما أن المنظمة ليس لها السلطة – بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة – لكي تفرض على حكومات الدول الأعضاء التزامات بأن تضمن لرعاياها الحقوق المشار إليها. ويتجه رأي آخر إلى القول بأن احترام حقوق الإنسان يأخذ قوته الملزمة باعتباره أحد المبادئ العامة التي تشكل سياسة المنظمة الدولية، فرغم أنها غير ملزمة قانونًا، إلا أنه لا يمكن تجريدها من كل فائدة. ويدل واقع الالتزام بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم على أن القيمة القانونية الإلزامية سواء للميثاق، أو للإعلان شبه معدومة، على أن إنكار الصفة القانونية عن الإعلان، لا يقلل من قيمته الفعلية، ومن الصفة الأدبية الكبيرة التي يتمتع بها، باعتباره صادرًا عن أكبر السلطات الدولية، وأكثرها تعبيرًا عن المجتمع الدولي، كما أنه لا يمكن تجاهل ما أحدثه صدور هذا الإعلان من تأثيرات ضخمة في التشريعات، والقرارات الدولية، التي صدرت تطبيقًا له، أو الدساتير والأنظمة المحلية التي أكدت مبادئه. نظرة المسلمين إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1. موقف المسلمين من الإعلان عند ظهوره استقبل الإعلان العالمي بكثير من الحذر في العالم الإسلامي لعدة عوامل منها الموضوعية ومنها النفسية، فالمجتمع الإسلامي حذر جدًا من كل ما يأتي من الغرب ومن العالم المسيحي لأسباب تاريخية متجذرة في النفوس أججها كون معظم الشعوب الإسلامية الممثلة في الأمم المتحدة في العام 1948 كانت حديثة الاستقلال من براثن الاستعمار الغربي وقسم كبير من الشعوب الإسلامية كانت ما تزال ترزح تحت نير الاستعمار الغربي فكان من الصعب على الشعوب الإسلامية تقبل مبادئ مثالية يطرحها الغرب تخالف تمامًا ممارساته كمستعمر. كما أن تجربة الشعوب الإسلامية في أوائل عام 1948 مع الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي قسمت فلسطين إلى دولتين تحيزًا مع اليهود كانت تجربة مرة أفقدت الشعوب الإسلامية الثقة بمصداقية وحسن نوايا كل ما يصدر عن الأمم المتحدة. وقد زاد من تشكك الشعوب الإسلامية من خلفية الإعلان العالمي هو الإبعاد الواضح والقسري لأي مسلم عن لجنة صياغة الإعلان التي احتوت على أحد مؤسسي دولة إسرائيل ممثلاً لفرنسا وللمجموعة الأوربية وعلى مسيحي ممثلاً للشعوب العربية والإسلامية (شارل مالك من لبنان) وعلى بوذي ممثلاً للصين وللمجموعة الآسيوية وعلى كندي مسيحي ممثلاً لكندا والمجموعة الأمريكية، وكانت رئاسة لجنة الصياغة للأمريكية السيدة ايليانور روزفلت أرملة الرئيس الأمريكي المتوفى قبل سنة، علمًا بأن عدد الدول الإسلامية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة كان يناهز ربع أعضائها، وكانت كل من مصر وإيران ممثلتين في اللجنة التحضيرية لوضع الإعلان العالمي. أما عن الأسباب الموضوعية لتشكك المسلمين في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فهو وجود بنود تبدو مخالفة للعادات والأعراف الإسلامية إن لم تكن تبدو أنها مخالفة بصراحة لنصوص القرآن منها حرية اختيار وترك الدين وتساوي حقوق المرأة بالرجل. كل هذه الاعتبارات أدت إلى تشكك المسلمين بهذا الإعلان رغمًا عن موافقة جميع الدول الإسلامية على صيغة الإعلان باستثناء السعودية التي وإن لم توافق عليه إلا أنها اكتفت بالامتناع عن التصويت. 2. موقف المسلمين من الإعلان في الربع الأخير من القرن العشرين مع بداية الربع الأخير من القرن الماضي بدأ المسلمون بالاهتمام بموضوع حقوق الإنسان نتيجة بعض العوامل التي طرأت في تلك الحقبة لعل من أبرزها: - شعور المسلمين في بلاد الاغتراب بالمزايا الكبيرة للعيش في مجتمعات تُمارس فيها حقوق الإنسان بشكل كبير وفقًا للمفاهيم الغربية وللتراث الذي أنتج هذه الحقوق. - شعور المسلمين في أوربا تحديدًا بخطورة سلاح حقوق الإنسان الذي أجادت الدول الغربية استعماله في وجه الكتلة الشرقية، والتي دفعها في منتصف سبعينيات القرن الماضي إلى الانصياع لإملاءات الغرب رغمًا عن القوة الكبيرة التي كانت تتمتع بها بلدان الكتلة الشرقية آنذاك. ففي تلك الفترة كانت إرهاصات حركات التحرر في بولندا وهنغاريا تعتمد على مبادئ الحرية والمساواة وحقوق الإنسان للتخلص من هيمنة الحكومات والأحزاب والأفراد، كما أن الاتحاد السوفيتي كان قد رضخ وسمح لليهود الروس بالهجرة إلى إسرائيل للتخلص من ادعاءات خرق مفاهيم حقوق الإنسان بمنعه اليهود من الهجرة رغمًا عن أن مصالح الاتحاد السوفيتي الاستراتيجية كانت في ذلك الوقت مع العرب والمسلمين. - وصول ثورة الاتصالات إلى معظم البلدان الإسلامية مع انتشار البث التلفزيوني الوطني والمحلي وانتشار البرامج التلفزيونية الغربية والأمريكية، والتي أبرزت بشكل موجه وغير مباشر مظاهر حقوق الإنسان في تلك المجتمعات من خلال المسلسلات التي ركزت على مشاهد معاملة المحققين الإنسانية مع المجرمين وعلى نظام وطريقة المحاكمة. كما ركزت البرامج السياسية على إبراز دور الصحافة والكلمة الحرة المسموعة في مواجهة الممارسات الخاطئة للمتنفذين من سياسيين وأصحاب نفوذ ومال، كما ركزت أيضًا على الجو الديمقراطي في الحكم والانتخابات وتداول السلطة. أما البرامج الأسرية والمسلسلات الاجتماعية فقد أسهبت في التركيز على حرية المرأة في حياتها الاجتماعية وطريقة اختيار الزوجين لبعضهما البعض وعلى حقوق الأطفال وطرق التعليم. كل هذا دفع المواطنين في الدول الإسلامية إلى مقارنة هذه المشاهد البراقة الموجه في التلفزيون مع الواقع القاسي في حياتهم العامة والأسرية وشكل أرضية واسعة للمطالبة بحقوق مماثلة. - سهولة الانتقال بالنسبة لشرائح كبيرة من القوى الفاعلة في العالم الإسلامي إلى الدول الغربية سواء عن طريق السياحة أو التجارة أو الدراسة حيث تم إيفاد عشرات الآلاف من الشباب إلى الغرب للدراسة وعادوا بعدها إلى بلادهم مشبعين بروح الحرية والعدالة والمساواة بعد أن عايشوا عن كثب تطبيق هذه المبادئ على أرض الواقع. كل هذا أثر على مجمل شرائح المجتمع الإسلامي وخاصة المثقف منهم فبدأت تظهر حركات المطالبة بحقوق الإنسان من شتى مشارب المجتمع، وقد تم اختراق هذه الحركات من قبل اليساريين وأنصار التيار الليبرالي الغربي على حد سواء، فكان من نتيجة ذلك أن ألقت معظم هذه الحركات اللوم على الإسلام والفكر الإسلامي في التردي الحاصل في الممارسات اللاإنسانية التي تمارس في معظم العالم الإسلامي، وهذا ما دفع الإسلاميين إلى معارضة حركات حقوق الإنسان من جهة وإلى محاولة إيجاد نسخة إسلامية لحقوق الإنسان تتماشى مع الفكر العالمي ولا تتعارض مع الشرع الإسلامي ما أمكن من جهة أخرى. 3. آراء المفكرين الإسلاميين من حقوق الإنسان بعيد تبلور الأفكار الإسلامية حول حقوق الإنسان بحسب المفهوم الإسلامي ظهرت عدة كتب ومقالات داعمة لحقوق الإنسان في الإسلام، وكان من أبرزها كتاب الداعية المصري الشيخ محمد الغزالي في كتابه حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، الصادر عام 1992، الذي اعتبر أن مبادئ حقوق الإنسان هي مبادئ إسلامية. وجاء في مقدمة كتابه: إن المبادئ التي طالما صدرناها للناس يعاد تصديرها إلينا على أنها كشف إنساني ما عرفناه يومًا ولا عشناه دهرًا... ونحن نملك تراثًا عامر الخزائن بالمبادئ الرفيعة والمثل العليا ونخشى أن يجيء يوم يصدر الغرب إلينا غسل الوجوه والأيدي والأقدام على أنه نظافة إنسانية للأبدان، فإذا قلت ذلك هو الوضوء الذي نعرفه قال لك المتحذلقون المفتونون لماذا لا تعترف بتأخرك وتقدمه وفقرك وغناه؟... إن الخمول الشنيع الذي ران علينا في القرون الأخيرة جعل تركة الخلافة المفلسة تنتهب ثم تمحى من فوقها كل علامة وتوضع عليها أيدي الملاك الجدد ثم يقال: إن العرب ما قدموا للعالم خيرًا قط. وفي الطرف الآخر من المفكرين الإسلاميين الحديثين يقف المفكر محمد أركون، المتخصص بالدراسات الإسلامية والتراث الإسلامي التنويري وأستاذ العلوم الإسلامية في جامعة السوربون، فيرى، في كتابه نزعة الأنسنة humanisme في الفكر العربي، أن الفكر الإسلامي قد تخلف، منذ فترة طويلة، عن استيعاب الحصيلة الإبداعية من التراث العربي الإسلامي، لاسيما في "إنسانيته الخلاقة" التي سادت في الفترة الكلاسيكية العقلانية. وقد تجلى هذا التخلف خاصة في الثلث الأخير من القرن العشرين، أي عند تصاعد الحركات الأصولية التكفيرية. ويعلق في مكان آخر حول الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان وتماشيه مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فيقول: إن المبادئ المذكورة في الإعلان الإسلامي توضح لنا كيف يتوسل المسلمون للقرآن وكيف يطلبون منه تلبية حاجاتهم، إنهم يفسرونه ويستخدمونه بالشكل الذي يتناسب مع حاجاتهم من أجل توليد حقوق إنسان إسلامية تقابل حقوق الإنسان الأوروبية والغربية، كما أعلنتها الثورة الفرنسية. وهذا الطموح لتأكيد الذات والإنغراس في الأصالة والتراث مفهوم ضمن ظروف الصراعات الدولية الراهنة، فالعالم الإسلامي عامة والعربي خاصة يجد نفسه في حالة تنافس غير متكافئة مع الغرب الأوروبي والأميركي. وربما لهذا السبب راح المسلمون ينظرون إلى الغرب الأوروبي المقابل لهم بنوع من المنافسة المحاكاتية (من حاكى أو قلَّد) إذا جاز التعبير. إنهم ينافسونه بطريقة صراعية، ولكنهم يقلدونه في الوقت نفسه ويقلدون أعماله ومنجزاته ومن بينها حقوق الإنسان. وهذه هي الرابطة المعقدة التي تحكم علاقة المسلمين (ومن بينهم العرب بالطبع) بالغرب الأوروبي والأميركي. فهم يحاكون ويقلدون الأشياء الإيجابية في الثقافة والحضارة الأوروبية، ولكنهم ضمن السياق الصراعي والإيديولوجي الحالي، يأنفون من القيام بمجرد التقليد والمحاكاة. لهذا السبب يجدون أنفسهم مدعوين للبحث عن أصول أو جذور إسلامية خالصة لقيم مشابهة أو متطابقة مع قيم الحضارة الغربية. ويبدو الأمر في هذا الجانب كأن قضية حقوق الإنسان في الفكر العربي الإسلامي المعاصر مجرد قضية مقلدة، أو مستنسخة من الفكر الغربي. ربما يصح هذا في معنى من المعاني إلا انه ليس صحيحًا إذا ما تمت مقاربة إجمالية لموقف الإسلام أساسًا من حقوق الإنسان. المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان: المادتان الأولى والثانية من الإعلان العالمي بمراجعة سريعة للإعلان نجد أنه يجسد ثلاثة مبادئ رئيسية: "الحرية – المساواة – العيش الكريم". هذه المبادئ هي نفسها التي ينادي بها الإسلام وتنادي بها الشرائع السماوية كلها بل وجميع الشرائع الأرضية على مر العصور والأزمان وكافة أنظمة الحكم في العالم، حتى أكثرها قسوة وانتهاكًا لحقوق الإنسان الطبيعية، لا تتنكر لهذه المبادئ في دساتيرها ومنطلقاتها النظرية في الحكم. يتجلى الاختلاف بين هذه الشرائع في المفاهيم والمنطلقات التي تؤسس للقوانين والأحكام الناظمة لحقوق الإنسان ومن ثم للممارسات الرسمية والشعبية لهذه الحقوق. وسوف نحاول أن نبين فيما يلي نقاط الالتقاء والاختلاف بين الأسس النظرية للإسلام وبين الإعلان العالمي. نصت المادة الأولى من الإعلان: يولد جميع الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق. وقد وهبوا عقلاً وضميرًا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضًا بروح الإخاء. كما نصت المادة الثانية منه: لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلاً عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود. الحرية: تكاد تكون مقدمة المادة الأولى من الإعلان صدى لمقولة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"، والتي تعبر بصراحة واضحة على حرية الإنسان في الإسلام. وإذا ما تذكرنا خلفية هذه المقولة، المعروفة للجميع، تبين لنا أن الحرية التي تكلم عنها عمر هي للمسيحي القبطي في مواجهة المسلم العربي القرشي وللمحكوم المغلوب في وجه الحاكم الغالب. كما أن ما تبع هذه المقولة من إجراءات تدل على أن المعاملة المطلوبة في الإسلام لجميع بني الإنسان هي التآخي وإلا فالعقوبة تقع على المخالف مهما كانت مكانته السياسية والدينية والاجتماعية والعرقية. المساواة: المساواة في الفكر الإسلامي بين كل الناس واضحة ومقررة في ثنايا وروح تعاليم القرآن، ولعل قول الله تعالى في أول آية من سورة النساء تقرر بوضوح لا لبس فيه أن الجميع سواسية كيف لا وهم مخلوقون من نفس واحدة: "يا أيها الناسُ اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنَّ الله كان عليكم رقيبًا". كما ورد عن الرسول الكريم قوله: "لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى". وهذا منتهى المساواة بين العروق البشرية والشعوب. وقد اختزل الرسول الكريم مفهوم المساواة المطلقة بين الشعوب والأجناس والألوان والديانات والأصول الاجتماعية والثروة والميلاد والرجال والنساء والمعتقدات بقوله في حجة الوداع: "... كلكم لآدم وآدم من تراب"، فالجميع متساوون في القيمة الإنسانية. الكرامة: الكرامة في نظر الإسلام هي من الله للجميع مصداقًا لقوله تعالى في سورة الإسراء، الآية 70: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً". وهذه الكرامة هي للمسلم وغير المسلم وللمؤمن والكافر وللذكر والأنثى ولكافة الشعوب والقبائل، فصيغة بني آدم في الفكر الإسلامي تعني هؤلاء كلهم جميعًا بدون تمييز أو تفريق أو استثناء. وقد أكد الله على هذا المعنى في قوله تعالى في سورة الحجرات الآية 13 حيث أوضح أن الجميع مكرمون ويتفاضلون في مستوى التكريم بحسب مستوى التقوى: "يا أيُّها الناس إنَّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنَّ الله عليم خبير". العقل والضمير: تختلف نظرة الإسلام عن الإعلان العالمي في مصدر هبة العقل والضمير، فالفكر الإسلامي يعتبر أن الواهب هو الله وهذا أصل أساسي في الفكر الإسلامي بينما جاءت صياغة الإعلان العالمي مستعملة الفعل المبني للمجهول تاركة لكل فئة أن تفسر الواهب كما تشاء، وعلى الأغلب فهي إشارة إلى أن الطبيعة هي التي وهبت الناس عقولهم وضمائرهم. مما سبق يتبين أن المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان تكاد أن تكون متطابقة بين كل من الإعلان العالمي وبين الفكر الإسلامي بمنطلقاته النظرية والتطبيقية في عهد التنزيل وصدر الإسلام اللهم إلا في مصدر العقل والضمير فهنالك اختلاف جذري كما أشرنا إليه سابقًا في بحث مصدر الحقوق في الفقرة 3-4. الحقوق الشخصية: المادتين الثالثة والرابعة: حق الحياة والحرية ومنع الاستعباد نصت المادة الثالثة من الإعلان: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه. الحق في الحياة في الفكر الإسلامي حياة الإنسان مقدسة، ولعل الآية 32 من سورة المائدة تعبر عن ذلك أبلغ تعبير: "... أنه من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا...". فعلى الرغم من أن سياق الآية هو في بني إسرائيل إلا أنها تشير إلى النفس الإنسانية بصورة مطلقة وتعتبر قتل النفس الواحدة عند الله كقتل كل الناس، وفي هذا أعظم تكريم للنفس البشرية وأكبر حض على احترام حق الفرد في ضمان حياته. كما حرَّم الله قتل النفس البشرية إلا بالحق تصديقًا لقوله تعالى في الآية 33 من سورة الإسراء: "ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطانًا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورًا". وفي حديث شريف رواه الطبراني أن رسول الله قال: "... لو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل امرئ لعذبهم الله – إلا أن يفعل (أي الله) ما يشاء". وحتى لا يفهم أن حق الحياة هي للمسلمين فقط نورد حديثًا شريفًا آخر رواه النسائي: "من قتل قتيلاً من أهل الذمة حرَّم الله عليه الجنة". الحق في الحرية تكلمنا سابقًا عن حق الحرية من وجهة نظر الإسلام وسوف يرد لاحقًا تفصيل واسع عن موقف الإسلام من أنواع الحريات المختلفة التي وردت في الإعلان العالمي. حق السلامة الشخصية حق السلامة الشخصية محترم في الإسلام فلا يجوز ترويع أو تخويف أو إهانة أو ضرب أو تعذيب أو الطعن في عرض أي إنسان مسلم أو غير مسلم. عن رسول الله كما أورده الطبراني: "من جرد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان". ولكي لا يفهم أن هذا الحق هو للمسلمين أما غير المسلمين فتجوز معاملتهم بالسوء نورد حديثًا لمسلم في صحيحه عن أناس من الأنباط (في بلاد الشام قبل الفتح الإسلامي) يعذَّبون فقال رسول الله لما سمع القصة: "إن الله يعذِّب الذين يعذبون الناس في الدنيا". وفي حديث طويل رواه الطبراني أن يهوديًا كان قد أقرض رسول الله مالاً فجاء إليه يطالبه بالسداد وأغلظ له في الكلام وأمسك الرسول الكريم من قميصه وردائه فما كان من عمر بن الخطاب إلا أن تدخل وهدد اليهودي بضرب عنقه فما كان من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن قال لعمر: "... اذهب به يا عمر فأعطه وزد له عشرين صاعًا من تمر مكان ما رعته". إن الرسول الكريم لم يسمح بترويع يهودي آذاه وهو صاحب الرسالة والقائد والحاكم بل أمر أن يبدل مكان الترويع عوضًا تطيب به نفس المروِّع. أما حق الإنسان في الخصوصية فإنها محمية في الفكر الإسلامي حماية كاملة. أورد الطبراني حديثًا عن رسول الله جاء فيه: "أيما رجل كشف سترًا، فأدخل بصره قبل أن يؤذن له، فقد أتى حدًا لا يحل له أن يؤتيه، ولو أن رجلاً فقأ عينه – بسبب ذلك – لهدرت (أي لفقد المفقوء حقه في العوض ولا إثم على الفاعل)". نصت المادة الرابعة من الإعلان: لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص. ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما. على الرغم من أن الرق والاستعباد بشكلهما التاريخي قد تم التخلص منهما بموافقة جميع دول العالم بما فيها الدول الإسلامية على تحريم الرق حيث كانت السعودية آخر دولة إسلامية وعالمية تحرم الرق في العام 1954 إلا أن أحكام الرق في الفقه الإسلامي عند جميع المذاهب بقيت قائمة ولم يتم إلغاؤها من قبل أي مجمع فقهي أو أئمة أي مذهب. وبالتالي فسيبقى موضوع الرق موضوعًا للتطاول على الإسلام. وبمراجعة الكيفية التي عالج بها الكتاب المحدثين في العالم الإسلامي لموضوع الرق فقد وجدنا أنها كانت تسير على خطين: الأول يرى أن الرق نظام اجتماعي له جذوره السياسية في فترة نزول الوحي وصدر الإسلام كما أن العالم أجمع كان يعتمده وبخاصة في الحروب فلا يمكن للمسلمين إلا أن يعاملوا أعداءهم كما يعاملونهم، هذا الخط يمثله الأستاذ محمد قطب في كتابه شبهات حول الإسلام؛ أما الخط الآخر والذي يمثله الأستاذ محمد الغزالي في كتابه حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة فيرى أن الهجوم على الإسلام في موضوع الرق من قبل الغرب هو نفاق لأن الغرب كان هو تاجر الرقيق الكبير فهو الذي بشهادة العالم أجمع قد استعبد ملايين السود ونقلهم من إفريقيا إلى أمريكا، ويذكر أن الملكة إليزابيث الأولى ملكة انكلترا من عام 1558 إلى 1603 كانت قد وضعت أساطيلها البحرية في خدمة تجار الرقيق وكانت شريكة لجون هوبكنز أعظم نخاس في التاريخ ورفعته إلى مرتبة النبلاء، ولقد استندت في أفعالها هذه على نصوص دينية من التوراة تفيد بأن الزنوج هم من سلالة يافث بن نوح ولذلك فمن واجب المسيحيين استعبادهم ليكونوا خدمًا لبني نوح الآخرين تنفيذًا للعنة المزعومة من نوح على ابنه يافث وسلالته؟ كما أن أصحاب هذا الخط يقارنون بين المعاملة الحسنة التي تعرض لها الرقيق في العالم الإسلامي والمعاملة اللاإنسانية التي عومل بها الرقيق في الغرب وخاصة الغرب الأمريكي، لذلك فإنهم يرون أن الرق في النظام الإسلامي مقبول ولا غبار عليه. إنني أرى والله أعلم أن القرآن وهو النص الإلهي الناظم للفكر الإسلامي قد عالج موضوع الرق بطريقة مختلفة جدًا عن ما ورد في أدبيات الفكر والفقه الإسلامي قديمًا وحديثًا، فهو أولاً قد جفف مصادر الرق بحيث أنني لم أجد نصًا واحدًا يحلل أو يبيح استرقاق الناس تحت أية ذريعة أو ظروف، ولكنني وجدت أن التخلص من الرق الموجود في وقت التنزيل قد فتحت ويسرت أبوابه بموجب آيات بينات صريحات لا لبس فيهن، فقد طالب المشرع القاتل غير المتعمد بإطلاق سبيل رقيق تكفيرًا عن فعلته وجعل كفارة اليمين تحرير رقبة بل وجعل شرط العودة للحياة الزوجية بين الرجل والمرأة في حالة الظهار هي تحرير عبد من الرق قبل المعاشرة الزوجية وذلك مصداقًا لقوله تعالى: "وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلا خطئًا ومن قتل مؤمنًا خطئًا فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٌ مُّسلَّمةٌ إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحريرُ رقبةٍ مُّؤمنةٍ وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ مُّسلَّمةٌ إلى أهله وتحريرُ رقبةٍ مُّؤمنةً فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبةً من الله وكان الله عليمًا حكيمًا". (النساء 92). "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتُّم الأيمان فكفَّارته إطعامُ عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحريرُ رقبةٍ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيامٍ ذلك كفَّارةُ أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبيِّن الله لكم آياته لعلكم تشكرون". (المائدة 89). "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبيرٌ". (المجادلة 3). كما جعل الله الثواب واجتياز الحساب يوم القيامة مشروطًا بعدد من الأمور أولها إطلاق سراح عبد بدون أي تكليف شرعي تأكيدًا لقوله تعالى في سورة البلد: "فلا اقتحم العقبة. وما أدراك ما العقبة. فكُّ رقبةٍ. أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ". كما أن الله جعل تحرير العبيد لوجه الله من البر الذي هو أفضل أنواع العبادات، كما قال الله تعالى في الآية 177 من سورة البقرة: "ليس البر أن تولُّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملآئكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسآئلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدُوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك همُ المتقون". كما جعل الله تحرير الرقيق أحد مصارف الصدقات الثمانية وجعلها في الترتيب قبل الصدقات التي هي في سبيل الله كما ورد في الآية 60 من سورة التوبة: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضةً من الله والله عليمٌ حكيمٌ". كما شجع الإسلام على الزواج من الرقيق كما ورد في قوله تعالى في الآية 221 من سورة البقرة: "ولا تنكحوا المشركات حتى يُؤمنَّ ولأمةٌ مُّؤمنةٌ خيرٌ من مُّشركةٍ ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبدٌ مُّؤمنٌ خيرٌ من مُّشركٍ ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويُبيِّنُ آياته للناس لعلهم يتذكرون". كما أن السيرة النبوية وسيرة الصحابة الكرام تدل على أنهم كانوا يشترون العبيد ويطلقون سراحهم، وفي قصة بلال وأبو بكر الصديق مثالاً حيًا لهذه الممارسات. كما حضَّ القرآن الكريم المسلمين على قبول مكاتبة العبيد الذين يرغبون في الحرية مقابل عوض مالي لمالكيهم كما ورد في الآية 33 من سورة النور: "وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب ممَّا ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصُّنًا لتبتغوا عرض الحياة الدُّنيا ومن يكرههُّنَّ فإنَّ الله من بعد إكراههنَّ غفُورٌ رحيمٌ". لئن كان النص القرآني قد أغلق الباب تمامًا أمام استرقاق الأحرار من الناس لأي سبب كان فقد بقي موضوع معاملة الأسرى من المقاتلين في ظل نظام عالمي يعتبر الأسير رقيقًا ويعتبر المدنيين الذين سقطت مدنهم ودولهم نتيجة انكسار جيوشهم أو استسلامها أرقاء. عالج الفقهاء هذا الموضوع بالسماح باسترقاق المقاتلين ومن خلفهم من المدنيين انطلاقًا من المعاملة بالمثل واستنادًا إلى بعض تصرفات النبي الكريم في بعض الحروب وخاصة الحرب مع اليهود رغمًا عن وجود نص قرآني صريح لمعاملة الأسرى وذلك مصداقًا لقوله تعالى في الآية رقم 4 من سورة محمد وهي من أواخر السور المدنية: "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدُّوا الوثاق فإمَّا منًّا بعد وإمَّا فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاءُ الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعضٍ والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضلَّ أعمالهم". والتي توضح بشكل لا لبس فيه أن معاملة الأسرى نتيجة المعارك الحربية هي إما العفو بإطلاق سراحهم بدون شرط أو أخذ الفدية منهم وليس هنالك أية إشارة إلى استرقاق الأسرى. فإذا كانت هذه هي معاملة المقاتلين في أرض المعركة الذين قاتلوا المسلمين وقتلوهم وجرحوهم فكيف تكون معاملة الذين لم يشاركوا في المعارك والقتال؟ إذا ما نظرنا إلى أفعال الرسول الكريم في الحروب التي فرضت عليه نجد أن إرهاصات معاملة الأسرى بهذا الشكل الإنساني الذي لا مثيل له قد ابتدأت مع أول معركة بين المسلمين والمشركين في بدر، فقد تم أسر عدد كبير من المشركين تم أخذ الفدية منهم مالاً لمن كان منهم ميسور الحال أو لقاء تعليم فتيان المسلمين القراءة والكتابة لمن كان منهم متعلمًا. وبقراءة متمعنة للسيرة النبوية نجد أن تصرفات الرسول الكريم في بقية الحروب كانت تتماشى مع آية الأسرى في سورة محمد حتى قبل نزولها فإننا نلاحظ أن كل من أسرهم الرسول كانوا من المحاربين من الرجال والمرافقات للجيش من النساء، كما نلاحظ أن معظم الذين أسروا أو استرقوا قد أطلق سراحهم خلال بضعة أيام إن لم يكن مباشرة فكلمة رسول الله في أهل مكة عند فتحها: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" ما زالت تدوي عاليًا تبين كيفية معاملة رسول الإسلام للذين اضطهدوه في مكة وحاولوا قتله فيها وتتبعوه في هجرته منها وقاتلوه على مدى عشر سنوات. كذلك فقد تم إطلاق سراح المسترقين من الرجال والنساء الذين استرقوا في غزوة حنين وهم بالآلاف بعيد استرقاقهم وقبيل توزيعهم على المقاتلين كما هو العرف آنذاك فقد كان الرسول ينتظر مبررًا لإطلاق سراحهم وجاءه المبرر في صورة بضعة رجال قيل أنهم أربعة عشر نفرًا من ثقيف أعلنوا إسلامهم وتوسطوا لبني قومهم ولبني هوازن فأطلق الرسول الكريم سراح بضعة آلاف أسير وأسيرة مقابل إسلام نفر قليل من قومهم. كذلك الذين استرقوا من بني المصطلق فقد تم إطلاق سراحهم صبيحة زواج سيدنا محمد بأم المؤمنين جويرية بنت الحارث إحدى السبايا. أما لماذا تم استرقاق قوم بني المصطلق فهو في رأي الشخصي بسبب قرار التحكيم الذي أصدره سيدنا سعد بن معاذ بناء على طلب اليهود أنفسهم. وقد اعتبر الفقهاء حادثة استرقاق كامل أفراد قبيلة بني المصطلق منطلقًا للفتوى لاسترقاق المهزومين من أعداء الإسلام بدون أن يأخذوا الظروف الموضوعية والتاريخية لهذه الحادثة وبدون أن يلحظوا عمومية النص القرآني وخصوصية الحدث النبوي. السؤال الذي يطرح نفسه: "لماذا لم يتم تحريم الرق تحريمًا قاطعًا ويتم إطلاق سراح العبيد دفعة واحدة بقرار إلهي أو بنص إلهي قرآني"؟ الجواب أن هذا لحكمة لم يشأ الله أن يبينها لنا في محكم تنزيله. وأرى والله أعلم أن إطلاق سراح العبيد دفعة واحدة كان سيؤدي إلى مشاكل اجتماعية للعبيد أنفسهم في مجتمع ذي اقتصاد مفتوح بحسب اصطلاحاتنا المعاصرة بحيث لن يجد الرقيق المحرر السند الاجتماعي الضروري للعيش في مجتمع كان فيه الانتماء القبلي مسيطرًا على مجريات الحياة اليومية وعلى العلاقات بين أفراد المجتمع الإسلامي الحديث بحيث أن العبيد المحررين سوف لن يستطيعوا أن يجدوا سبل العيش الكريم لتأمين مستلزمات حياتهم وتشكيل أسرهم الخاصة بهم. السؤال الآخر المطروح: "طالما أن الاسترقاق لم يشرع في القرآن وأن السنة النبوية حصرته بنتيجة الحروب وكان العتق نصيب الغالبية الساحقة منهم فلماذا بقي الاسترقاق شائعًا حتى منتصف القرن العشرين عن غير طريق الحروب؟ ولماذا وجد في الفقه الإسلامي مباحث تشرع الرق وتتناول أوضاع الرقيق الاجتماعية بالتفصيل؟ ولماذا ازدهرت أسواق النخاسة وخاصة للنساء حتى أصبحت قصص الحريم في مخادع الخلفاء تملئ دواوين الشعر العربي وأصبحت دور الحريم رمزًا للتراث الإسلامي؟" أسئلة تحتاج إلى تفسير مقنع لدرء هذه الشبهة عن الإسلام. لقد كانت توصيات الرسول الكريم والخلفاء الراشدين للجيوش الفاتحة أن لا يتم التعرض للنساء ولا للشيوخ ولا للأطفال ولا لرجال الدين، وهي توصيات ما زالت رغم مرور خمسة عشر قرنًا أسمى من أي تعليمات حربية تصدرها أي قيادة سياسية أو عسكرية لجيوشها في عصر حقوق الإنسان، ولكننا عندما نقرأ التاريخ الإسلامي نستغرب كيف تكونت فرق المماليك والجيوش الانكشارية وعلى أي أساس إسلامي تم استرقاق الألوف المؤلفة من الشبان الصغار الذين كانوا عناصر هذه الفرق والجيوش ونتساءل ماذا يا ترى قد حل بأخواتهم وأمهاتهم؟ أعتقد والله أعلم أن من استرق الذكور ليصبحوا جندًا قد استرق الإناث ليكونوا متعة. إنني أرى أنه لا أساس شرعي لعمليات الاسترقاق التي تمت خلال التاريخ الإسلامي، وأن ما أفتى به بعض العلماء من الاستمرار في الرق إنما كان لإرضاء الحكام من جهة ولإشباع رغبات المجتمع الذكوري المسيطر على مقدرات الحياة السياسية والاجتماعية والدينية من جهة أخرى. وأرى أن على علماء المسلمين المحدثين تقديم توضيح فقهي شامل لموضوع الرق بالرجوع إلى مصدر التشريع الإلهي فقط لبيان الحقيقة وعدم الالتفات إلى آراء القدماء في هذا الموضوع ولا إلى ممارسات غير المسلمين خلال القرون الخمسة عشر الماضية. انتهى الجزء الأول من البحث بعون الله أما بقية مواد الإعلان العالمي فسيتم مناقشتها في الجزء الثاني بإذن الله. *** *** *** مراجع البحث:
أيار 2007 [1] إلى من يرغب في تنزيل كامل المحاضرة مع ملحقها بوسعه ذلك من الرابط http://www.maaber.50megs.com/library/library_5e.htm |
|
|