إبراهيم محمود: احتكار اللذة مرآة للمجتمع الذكوري

ريتا فرج

 

يُعد ابراهيم محمود من بين الباحثين العرب الذين انشغلوا في المحظور الجنسي عبر مساءلة الأدبيات الجنسانية العربية الإسلامية، والعمل عليها قراءة وتأويلاً. في الإسلام: مدخل جنسي - دراسة تاريخية (دار الريس، 2013)، يقارب الكاتب السوري الموقع الأنثوي كفاعل سلبي في الثقافة والدين والمجتمع الأبوي، ويقارع ما يطلق عليه «المجتمعات البكاراتية» المنشغلة في محاصرة النساء وتشريط أجسادهن.

يتناول صاحب جغرافيا الملذات حضور المرأة في المرجعية الذكورية كما أبرزتها نصوص الجنسانية العربية الكلاسيكية والحديثة. لا تنحصر مقاربته بتحليل قاع المصادر والمراجع العربية الإسلامية، نقدًا وتحليلاً، بل عالج مفاهيم المتعة واللذة أو الشبق التي تُحيل ذكورية فائضة بقوتها، مقابل عالم أنثوي بارد وغير منفعل ومهمش.

ليست المادة نصًا متعويًا إيروتيكيًا على شاكلة الأدب الجنسي، بل هي مقاربة تفكيكية لبنى النماذج المدروسة. اختار الكاتب مجموعة من النصوص منها ما هو تراثي ومنها ما هو حديث. أضاء على الجاحظ، وابن سيرين، وأبو فرج الأصفهاني، وابن قيم الجوزية، والتيفاشي، والتجاني، وابن الجوزي، وفاطمة المرنيسي، ومالك شبل، وعبد الوهاب بوحديبة، وعبد الله الغذامي ورجاء بن سلامة.

يبدأ صاحب المتعة المحظورة في معالجة مسألة خلق الأنثى التي اقترنت بمفهوم الضلع الأعوج ومعناه الترميزي كما أرساه بعض الفقهاء والمفسرين في الإسلام. في قراءته للآيات 35 و36 و37 من "سورة البقرة"، يخلص إلى أن الخطاب الإلهي في مضمونه الذكوري موجَّه إلى كائن ذكر معلوم باسمه، ألا وهو آدم، بينما المرأة ملحقة مضافة كانتماء جنسي، نوعي. هنا يتساءل على هامش القضية الأساسية في كتابه: لماذا لا تظهر أسماء النساء في القرآن إلا بشكل خفي أو بالإحالة على مرجعية الأب أو الأخ؟

يدرس الكاتب حضور الجنس في النص الديني والتاريخي، مستحضرًا الأدوات التي استخدمها الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو (1926 - 1984) صاحب الأطروحة الشهيرة «تاريخ الجنسانية» الذي حدَّد نظام السلطة - المعرفة - اللذة في سيرورته، ومبررات وجوده الداعمة للخطاب الجنسي عند البشر. هذا الاستحضار يهدف في الدرجة الأولى إلى تفكيك فاعلية النصوص التي استعان بها لإظهار هذا الانحياز الحاد في الخطاب الجنسي العربي الإسلامي في مصادره التراثية للذكورة المفعلة.

إن الأدبيات الجنسانية التي أصبحت من المصادر، تبرهن على جهل العرب بثقافة الحب. ثمة أزمة شراكة بين الجنسين، تتمخض عن احتكار اللذة والجنس، الذي يمتد إلى السلطة والثروة. الذَّكر في المجتمعات العربية يمارس قهرًا متعدد الجوانب على الذوات الأنثوية، بفعل تكثيف مركزيته وهويته الجنسية من قِبل المجتمع والثقافة والدين.

يتطرق صاحب الضلع الأعوج: المرأة وهويتها الجنسية الضائعة إلى بعض الأحاديث المنسوبة إلى الرسول من بينها «المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها وإن استمتعت بها، استمتعت وفيها عوج». وبصرف النظر عن مدى صحة الحديث، يرى المؤلف أنَّ المنظور الفقهي الإسلامي في مفاصل عدة لا يبتعد عن شبح المرأة التوراتية. وجد التراث اليهودي أرضًا خصبة في شبه الجزيرة العربية، وفي الوسط الذي أصبح إسلاميًا لاحقًا. هذا التلاقي لم يحصل عن عبث، بل لأنَّ ذلك توقف عند خاصية الاستجابة للرغبة الجماعية، أو حتى النبوية في بنيتها الاجتماعية والتاريخية.

يقدم ابراهيم محمود تشريحًا لمفهوم غشاء البكارة «الوهمي والمحميِّ» ثقافيًا واجتماعيًا ودينيًا، محاولاً تحليل مركزيته في العقلية العربية بوصفه الشرف المقدس. إذا انتُهك خارج أطره الشرعية المقننة، يعدُّ تهديدًا للعائلة والقبيلة والمجتمع المحصَّن المدجج بكل مفاهيم التحريم، على قاعدة أن الذكر/ الرجل ما برح يطلب في زواجه أنثى عذراء تحرص على غشاء بكارتها إرضاءً لـ«أب عُذرتها».

طالع الكاتب الفسحات النصية على مراحل تاريخية مختلفة، لا سيما في جانبها التراثي الذي ينم عن الجنس بذكوريته الشبقية، وسيماته الإسلامية بامتياز. يقرأ مقولات الجاحظ حول النساء ضمن رسائله التي لم تنفصل عن محور اللذة غاية الذكورة في حركتها التي تتبدى بكثافة في رسالته الثالثة عشرة «مفاخرة الجواري والغلمان». عرج على كتاب الأغاني للأصفهاني الذي نظر إلى المرأة كجسد معرف شهويًا، وحلل خطابية الجنس في كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين، وذم الهوى لابن الجوزي، وأخبار النساء لابن قيم الجوزية، ونزهة الألباب فيما لا يوجد في الكتاب للتيفاشي. وتوقف عند تحفة العروس ومتعة النفوس للتجاني. كل هذا التراث الجنساني المُشار إليه درسه عبر المنهج التشريحي والمواجهة والمساءلة البحثية، ليقول:

الجسد الأنثوي يجري ضبطه إذ يتم تداوله على أعلى مستوى في ظل جسد منمذج.

يعرض صاحب تقديس الشهوة: الرموز الفلكية في النص القرآني الكتابات الحديثة. ينقد طروحات عالِمة الاجتماع والنسوية المغربية فاطمة المرنيسي، متناولاً كتبها الثلاثة الحريم السياسي النبي والنساء، وما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية، وهل أنتم محصنون ضد الحريم. ورغم إقراره بنظرتها الواسعة والعميقة إلى التاريخ الإسلامي، يسجِّل عليها أنها تمارس تنقيحًا معتقدانيًا ولا تُخفي أصولية معينة من ناحية التفريق بين إسلام وآخر.

يرى الكاتب أن عبد الوهاب بوحديبة صاحب الإسلام والجنس يواجهنا في كتابه بما هو مطلق أي «التراث». في حديثه عن العلاقة القائمة بين الغواية والعري، يذهب بمفهوم الجنس بعيدًا، لكن المذهب هذا يتناسب والجانب الاعتقادي فيه، ساعيًا إلى تعيين أفضلية الرجل على المرأة، انطلاقًا من المصدر القرآني المحدد لذلك، عبر مفهوم قيمومة الرجال على النساء.

يتطرق صاحب الجنس في القرآن إلى ثلاثة نصوص أخرى: الأول لعالم الأنثروبولوجيا الجزائري مالك شبل الجنس والحريم روح السراري: السلوكات الجنسية المهمشة في المغرب العربي، والثاني للباحثة التونسية رجاء بن سلامة بنيان الفحولة: أبحاث في المذكر والمؤنث. أما العمل الأخير فهو للباحث والكاتب السعودي عبدالله الغذامي منتقد فحولة اللغة العربية والأدب العربي في ثلاثيته: المرأة واللغة، وثقافة الوهم: مقاربات عن المرأة واللغة والجسد، وتأنيث القصيدة والقارئ المختلف.

الإسلام: مدخل جنسي دراسة تاريخية يبرهن على عورات المجتمعات العربية بأسلوب فج ومن دون مراوغة. غلب الكاتب الشطحات التأويلية المكرَّرة في صفحات كثيرة على حساب مساجلة المواد والكتب التي اختارها. لعل الخلاصة الأولية التي يخرج بها القارئ ذلك الانفصام المجتمعي الذي تكشف عنه وفرة أدب الجنس في ثقافتنا مقابل مجتمع بطريركي يمارس القهر التاريخي ضد النساء باسم الدين والنص والمتخيل.

*** *** ***

الأخبار، العدد 2252 الجمعة 21 آذار 2014

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني