في سؤال العنف واللاعنف في المأساة السورية ثلاثة أصوات للاعنف في مكتب
اليوم التالي
***
عقدت مؤسسة اليوم التالي في مكتبها في إستانبول لقاء مفتوحًا مع ثلاثة
من قادة حلِّ الصراعات واللاعنف في العالم هم الشيخ جودت سعيد من
سوريا، والراهب إيفو ماركوفيتش من البوسنة، والحاخام مارك غوبن من
الولايات المتحدة. وقد حضر اللقاء نحو ثلاثين ناشطًا وكاتبًا وصحفيًا
ومفكرًا سوريًا. أدار الندوة وائل السوَّاح المدير التنفيذي لليوم
التالي. فيما يلي نص الحوار كما دار.
*
وائل السوَّاح:
مساء الخير جميعًا أهلا بكم في مكتب اليوم التالي، هذه مناسبة هامة
ونتمنى أن تكون خطوة في طريق تمتين العلاقات بين جميع القادة الروحيين
الداعيين إلى اللاعنف وإلى حل الصراعات بشكل سلمي ووقف القتل والظلم،
حتى يتعاونوا في سبيل جعل العالم في سلام وأكثر قابلية للعيش.
أريد أن أرحب بالشيخ جودت سعيد قائد ومؤسس مفهوم اللاعنف في سوريا
بالمعنى الفكري ومن خلال الممارسة، وهو مؤلف للعديد من الكتب منها
مذهب ابن آدم الأول. كما أريد الترحيب بالأب والراهب إيفو
ماركوفيتش من البوسنة وهو رمز من رموز اللاعنف وأحد القادة الذين عملوا
بكل جِدٍّ لحل الصراع في البوسنة. هذا الصراع الذي كان قريبًا مما يحدث
في سوريا الآن، وسنحاول الاستفادة من خبرته لتعلم أي دروس تفيدنا في
الوضع السوري. كما أشكر مؤسسة
Tanenbaum
لمساهمتها في حدوث هذا النشاط. والشكر أيضًا
للبروفيسر مارك غوبن الأستاذ في جامعة جورج مايسون. وأريد الآن أن أبدأ
الحوار، بثلاثة أسئلة، فأسأل واحدًا لكل من المشاركين الأفاضل.
السؤال الأول: شيخ جودت سعيد أنت رائد من رواد اللاعنف في سوريا ومع
صهرك المفكر الإسلامي "خالد جلبي" وتلاميذك مثل "سحر أبو حرب" والكثير
من التلاميذ الذين درسوا على يديك أسست لمدرسةٍ تؤمن باللاعنف ثم حدث
ما حدث في سوريا والذي يمتد ليحرق المنطقة والعالم ربما. هل العنف
المضاد للعنف مبرر نوعًا ما في سوريا؟
الشيخ جودت سعيد:
عندي ليس مُبَرَر، فالعنف ضد الإنسان. وطبيعة الانسان كما خلقه الله لا
يمكن تغييره بالقوة، ولكن بإقناعه ولو بالغلط يعطيك روحه وماله. إذا لم
نفهم طبيعة الإنسان لا نستطيع الدخول في موضوع اللاعنف. لهذا بفهم
طبيعة الإنسان بأنه بالحوار والإقناع ولو بالغلط يبذل ماله ونفسه، ولكن
بإكراهه قد يقول لك ما خلق الله مثلك ويحفر لك الأرض، ولكن قلبه ليس
معك بل يرتد عليك أيضًا. هذا هو المبدأ الأساسي الذي أنطلق منه من فهمي
للإنسان الذي هو خليفة الله في الأرض. وهذا شيءٌ كبير إذا لم نفهمه لا
نستطيع أن نبحث. ومن هذا المنطلق أيضًا ينبغي أن نعرف تاريخ الإنسان.
متى صار الإنسان في الأرض؟ وما هي المراحل التي مر بها؟ وأنا أعتمد في
هذا على التوراة والإنجيل والقرآن وهي كتبٌ يصدق بعضها بعضًا. في
الواقع السيد المسيح وموسى (عليه السلام) عاشوا في بلاد الشام ومصر وهم
لاعنفيون، فالمسيح قال: "كل من أخذ بالسيف، بالسيف هلك". والعالم الذي
نعيش فيه الآن يؤمن بالسيف. ولكن حتى القنبلة النووية ولدت ميتة
استخدمت مرةً واحدة ولن تستخدم مرةً أخرى. أنا بحسب تفسيري للعالم،
الحرب ماتت ولا يمارسها إلا الجهلة والخبثاء الذين يستغلون جهل
الجاهلين. هذه كلمات موجزة من خلال معرفتي بالتاريخ. أنا أريد العلم،
لأن العلم هو ما ينفع جميع الناس. فالكهرباء كانت رعدًا وبرقًا ولكن
عقل الانسان أمسك به وأنزله بأمان وهذه حقيقة كبرى. والله لم ينزل
كتاب، حتى يتعلم الناس القراءة والكتابة. وهذه الحقائق إذا عرفناها
نمشي على بينةٍ وضوء.
سؤال: شيخ جودت. هنالك من يقول بأن النظام وأجهزته وميليشياته تقوم
بالقتل والقصف ورمي البراميل المتفجرة. هل ردُّ الناس على القوة بالقوة
صح أم خطأ؟
الشيخ جودت سعيد:
خطأ فاحش. لأنك (إن فعلت) صرت مثله، لمّا تدافع عن نفسك دخلت في الخط
معه فإذا قتلك شعر بأنه منتصر. أما إن لم تدافع عن نفسك وتقتل مثل ابن
آدم القصة هابيل وقابيل في سفر التكوين لما الله قال: "أين أخوك هابيل.
قال أنا لست حارسًا لأخي. قال دمه صارخٌ إلينا. فقال ذنبي عظيم لا
يغتفر". هكذا كتب في التوراة، ولا يسمي القرآن أسماء. ولكن ابن آدم
الذي قُبل قربانه نجح ولم يقل شيئًا، أما الذي فشل ولم يقبل قربانه قال
للذي قُبل قربانه لأقتلنك. فأجابه: "لَإنْ بسطت يدك إلي لتقتلني، ما
أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك". هذا في القرآن. وفي التوراة سفر التكوين
يكون واضحًا بأنه قتل أخاه. لكنه يقول أيضًا، القرآن، لما قتله خسر
ولمَّا لم يعرف كيف يدفنه أيضًا أصبح من النادمين. صحيحٌ بأنه قتل أخاه
ولكنه تغيَّر. أما سفر التكوين فيقول بأنه تاب وقال ذنبي عظيمٌ لا
يغتفر. هذه معانٍ كبيرة. في الواقع البشري، عندما ندافع عن أنفسنا نصبح
مثل الآخر. وهذا حديث الرسول: إذا المسلمان أو الإنسانان التقيا
بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا له هذا القاتل فما بال
المقتول؟ قال: كل منهما كان حريصًا على قتل الآخر وأحدهما نجح في ذلك.
وهي معاني كبيرة وبسيطة أيضًا ولكن الناس لا يفهمونها وكل تفسيرات
القرآن لا تعرِّفك بهذا.
وائل: أب إيفو في العديد من المرات كنت تغامر بحياتك لتواجه التطرف
والعنف والقتل والنفاق في بلدك البوسنة. وأنت راهبٌ كاثوليكي، ولكنك لم
تدافع عن الكاثوليك في بلدك فقط بل دافعت عن كل المضطهدين. وأنت تتابع
من دون شك ما يجري في سوريا من عنف وقتل وتدمير وتعذيب. والسؤال هو: هل
ثمة دروسٌ يمكن الاستفادة منها من تجربتكم في البوسنة كي ننقلها إلى
السوريين عمومًا والناشطين خصوصًا؟
الأب ايفو ماركوفيتش:
من خلال معرفتي اكتشفت بأن التجربة متشابهةٌ في البوسنة وسوريا. لذلك
هنالك شيءٌ لنتعلمه من تجربتنا في البوسنة ونتخذها كنموذج ونطبقه في
سوريا. كان لدينا حربٌ فظيعة في البوسنة، وميلوزوفيتش يمكن مقارنته
بالأسد فهو قد بقي في الحكم فقط من خلال القوة والعنف، ونفس العملية مع
الأسد. فأول شيء يمكن أن تتعلمه من البوسنة هو إيقاف الحرب. الأسد في
حالة السلم لا يمكنه البقاء في السلطة فقط في الحرب يمكنه ذلك. على
السوريين في البداية أن يوقفوا الحرب وعندها سيكون لديهم فرصة أكبر
لتغيير الوضع في البلاد. ما سأتكلم عنه هو كيف نظَّمنا الناس في
البوسنة من جميع الأديان والقوميات وجعلناهم ينخرطوا في العمل في
البوسنة. وأنا رجل دين لاهوتي وأعتقد بأن الدين أمر مهم. والتعليم
الأساسي لأي دين يجب أن يكون السلام لجميع البشر. نحن نعيش في عالم من
العنف والصراع من أجل البقاء. والتعاليم الدينية تأتي من الخط الآخر
وليس من خلال العنف والصراع للبقاء بل من خلال السلام. أنا برأيي الحب
والتعاطف شيء يمكن تحقيقه، وهذا الإيمان ليس فقط نظرية بل يجب أن يطبق
عمليًا. لأنه يمكن أن نعيشه ونطبقه. وأعتقد بأن ميلوزوفيتش كان ماهرًا
في صنع الحرب، وهو قد بدأ الحرب مع الكرواتيين بصفتهم كاثوليك ومع
البوسنيين بصفتهم مسلمين، ومن ثم نجح بشكل كبير من خلال جهاز
استخباراته الذي صنع الحرب بين الكرواتيين الكاثوليك والبوسنيين
المسلمين. وعمليًا هو حوَّل الحرب من اضطهاد الرأسمالية للشعب إلى حرب
بين الكاثوليك والمسلمين. ثم جمعنا بين الناس في البوسنة من جميع
الأديان وبدأنا بحملة قوية. والنقطة الخطرة هنا هو الاستخدام السياسي
السيء للدين بجعله سلاحًا في الحرب.
سؤال: الحاخام مارك غوبن، أنت تعرف سوريا جيدًا فقد زرتها مرارًا وعقدت
ندوات فيها. كما تعرفت إلى سوريين من شتى الطوائف والاتجاهات سياسية
المختلفة. برأيك هل كان يمكن تجنب ما حدث في سوريا وكيف؟
البروفيسور مارك غوبن:
سؤال صعب. أعتقد بأن هناك العديد من الأشخاص ولعدة سنوات حاولوا مساعدة
الشاب بشار الأسد ليصنع مسارًا مختلفًا لسوريا. وقد أعطي فرصًا عديدة
من قبل فئات كثيرة من السوريين لكي يحول البلد إلى طريق التسامح
والتقبّل. لكن المأساة تأتي عندما تكون دولة أمنية غير مؤهلة وغير
مستعدة أن تتفاعل مع أصوات ومطالبات الناس المتصاعدة. فالطريقة التي
حكمت بها عائلته سوريا لم تكن متماشية مع الخطوات التي يمكن أن تعزز
الديمقراطية في سوريا. وفي نفس الوقت تعبير السوريين عن مطالبهم
بالمظاهرات كان أسلوبًا من أساليب اللاعنف. الأماكن التي فعلاً نجحت
فيها أساليب اللاعنف كانت مجتمعات مهيئة باستراتيجيات محددة تساعد على
ممارسة اللاعنف ولسنوات عديدة. يجب أن تكون المقاومة اللاعنفية مزيج من
الالتزام بمنهجية علمية في تحقيق آلياتها وأيضًا التزام روحي للانضباط
والحفاظ على هذا المنهج. الحركتان اللاعنفيتان اللتان استطاعتا النجاح
في القرن العشرين كانتا تحت قيادة رجلين روحيين وكانا يشعران بمشاعر
الحب حتى اتجاه أعدائهم، وكان الحب جزءًا مهمًا من هذا الصراع.
والسوريون أدركوا ذلك في الأشهر الأولى من الثورة. ولكن عندما بدأت
قوات الأسد بقتل الناس أيام الجُمَع في المساجد، فإن الناس فقدت هذه
الروح. ومن ثم حدثت المأساة في درعا. فهل كان يمكن تجنب هذه المأساة؟
نعم كان يمكن تجنبها لو عرف الأسد كيف يستجيب لمطالب الناس بالتغيير من
غير أن يخسر كل شيء كان يقول بأنه يحاول بنائه، لذا هو فشل في هذه
اللحظة من حياته كما دمر سوريا في هذه اللحظة. ولكن في نفس الوقت
المقاومة نَحت باتجاه تعزيز الشهادة والتضحية وليس باتجاه استراتيجية
كسب العلويين ومن يقف خلف بشار الأسد. لذا يجب أن نقوم بتفكير خلاق حول
كيفية بناء المستقبل بالاعتماد على المقاومة والحب في نفس الوقت.
*
أسئلة الحضور
سؤال: لقد تكلم الراهب إيفو عن أن أول شيء يجب التركيز عليه هو وقف
الحرب ووقف العنف ومن ثم البدء بالعملية التالية. إذا حاولنا إسقاط
تجربة البوسنة على الحالة السورية أو الاستفادة منها فنحن نتفق بأن وقف
العنف شيء مهم جدًا. لكن كمنظمات مجتمع مدني وكنشطاء ما هي الأدوات
المتاحة وما هي الخطوات الواجب القيام بها لوقف هذا العنف؟
الأب إيفو:
لا نستطيع إيقاف الحرب في سوريا من دون التأثير الخارجي، نفس الوضع كان
في البوسنة فقد كانت فرنسا وانكلترة وروسيا بجانب الصرب أما المانيا
والولايات المتحدة والدول العربية ودول أخرى فقد كانت في صف المسلمين
الكروات والبوسنيين. لم يكن باستطاعة أوروبا أن توقف الحرب في البداية
لأنها كانت منخرطة فيها، ولكن أجبَرنا الولايات المتحدة أن تتحمل
مسؤليتها لتوقف الحرب. ولذلك على السوريين أن يجبروا دول العالم على
تحمل مسؤلياتهم في إيقاف الحرب.
سؤال: الأديان عمومًا تحمل ثنائية الحب والكراهية، الحرب والسلام.
والسياسيون يستخدمون الجزء المتعلق بالكراهية والحرب. فهل يمكن تحقيق
السلام من دون فصل السياسة عن الدين؟
الأب إيفو:
أنا متفق معك بشكل تام. الفترة الأكثر دمارًا في تاريخ الأديان هي
عندما كان رجال الدين يمتلكون السلطة. والفترة الأكثر ازدهارًا ونجاحًا
في تاريخ الأديان عندما امتلكوا أقل قدر من السلطة. جميع الأنبياء
العظماء في التاريخ لم يكن لديهم أي سلطة. والأنبياء الذين عملوا
للملوك كان لديهم السلطة، ولكن لا أحد كتب عنهم فقد ماتوا ونُسِيوا.
والدليل في التاريخ هو أن الدين حقيقي عندما لا يمتلك سلطة. من خلال
خبرتي وتجربتي على الأرض في أفغانستان فإن ما يبدو في الظاهر على أنه
ديني لا يمتلك أي بعد ديني، وعلى العكس ما بدى دنيوي أو علماني يمتلك
روحيةً أكثر. وعندما سَألْنا الأئمة في أفغانستان عن الخطأ، لم يجب
أحدهم بأن السبب هو الحرب الدينية. والجميع قال بأنه عليك التحدث مع
وكالة الاستخبارات في الباكستان. لذا لا يوجد شيء كما يبدو في الظاهر.
والحالة الصحية هي عندما يكون الدين في مكان ومصالح البلد والعلمانية
في مكان آخر وننظر إلى الاثنين بصدق ونزاهة. إذا كان السعوديين
والإيرانيين يتحاربون فعلينا أن ننظر إليها بصدق فهم لم يجعلوا السنة
والشيعة يقتلون بعضهم البعض في سوريا باسم الله.
سؤال: شيخ جودت لقد كانت إجابتك على سؤال الأستاذ وائل بأنه من الخطأ
أن يرد المتظاهرون بعنف على أفعال النظام، لكنك لم تذكر ما هو البديل.
فما هي الاستراتيجية البديلة؟
الشيخ جودت سعيد:
نحن لا نعرف تأويل الأحداث. تأويل الأحداث كيف؟ تحصل أمامنا أحداث
عجيبة ولا نعرف تفسيرها. كمثال على ذلك اليابان فلم تلقى القنبلة
النووية على غير اليابان ولن تلقى أيضًا. واليابانيون لم يقوموا بحرب
تحرير فلم يقتلوا الأمريكان ولم تُقتل اليابان ومن ثم صاروا قوة عظمى
في العالم وهم ليسوا مسلمين ولا يهود ولا نصارى ولكن أولاد آدم لهم
عقول، فأرجوا أن تفهموا معنى هذا الحدث. وكمثال آخر: الاتحاد السوفيتي
الذي كان يملك من الأسلحة النووية ما يدمر الكرة الأرضية ثلاثين مرة،
لم يأتي عدوٌ إليهم، ولكن هذه القنابل التي تملكها لم تحميها وسقط
الاتحاد السوفيتي سقوطًا عجيبًا. حتى بوش لما سقط الاتحاد السوفيتي قال
في القرن العشرين سقط الاتحاد السوفيتي وفي القرن الواحد والعشرين
سيسقط الإسلام. الإسلام ليس له دولة الآن حتى يسقط أو لا يسقط. لكن
يشعرون بعلاقات الشمال والجنوب. الرتوندي يقول: كان الرد على الاسكندر
المقدوني عندما جاء إلى مصر رسالة المسيح، فتلاميذ المسيح لم يقولوا
بأنهم سيذهبون إلى هناك. وإنما ذهبوا إلى روما وظلوا يَدعون ويلقون إلى
حلبات الوحوش. وحتى الأمريكان عندما ذهبوا إلى العراق. المجندة
الأمريكية ومعها الكلب الأسود والعراقي المكبل أمامها تُذكِّرنا
بالرومان عندما كانوا يرمون بالناس إلى الوحوش. نحن ينبغي أن نعرف الآن
لفهم هذه الأمور. كل عواصم أوروبا تدمرت في الحرب العالمية ولكن
الأوروبيين اليوم يتحدون ليس بحرب بل لأنهم دفعوا ثمنًا كبيرًا وهم
أكثر من 27 قومية ودولة. لكن 23 بلدًا عربيًا لغتهم القرآن، ولا يستطيع
أن يتحد بلدان منهما لأنهم يؤمنون بالسلاح ويشهرون السلاح، فأصبح
مستقبلهم بيد من يبيعهم السلاح، فالمأساة هي بسبب غياب العقول التي نحن
بحاجتها حتى نعرف ما يحدث من حولنا في العالم. أنا أصيح كيحيى (عليه
السلام) الذي قال: ملكوت الله قادم هيئوا دروب الرب واجعلوا سبله
مستقيمة. لقد وضع الفأس على جذع شجرةٍ فكل شجرة لا تثمر تقطع وتلقى في
النار. عندما يقول هذا يحيى (عليه السلام) وهو قد أمسك به لما رقصت
راقصة طلبوا منها رأس يوحنا المعمدان، وبعد ذلك قُطع رأسه ووضع في طبق
وقدم للراقصة بإيحاءٍ من هؤلاء. فعندما نرى هذه الأمثلة كرسالة المسيح
التي انتشرت من غير سلاح. والإسلام أيضًا ثلاثون عامًا كان إخوانه
محاصرين وهاجروا إلى قارةٍ أخرى لوجود ملكٍ هناك لا يؤذي من هم ليسوا
على دينه. فعندما كنت في سوريا ولما سمع مطانيوس حبيب أنني لاعنفي وأتى
إلى القنيطرة قال لي أنت لا عنفي وعندكم الجهاد في الإسلام! فكيف ذلك؟
قلت له: الجهاد شرطان؛ شرطٌ في المجاهِد الذي يحارب وشرط في المُجاهَد
ضده. فإن لم يتوفر الشرطان فهو ليس جهاد وإنما قتل. فقال ما شرط
المجاهِد. قلت: أن يصير إلى الحكم بغير حرب، فالرسول صبر حتى دعاه أهل
المدينة ليكون تحت حمايتهم ولم يذهب إليهم بجيش أو مال. فلما سمع
مطانيوس حبيب هذا الشرط قال لا تذكر لي الشرط الثاني فهذا كافٍ. أما
الشرط الثاني: الذي يفرض دينه بالقوة ليرفع الإكراه ليدخلوا في الدين
الذي يريدون. الجهاد لرفع الإكراه وليس لفرض الإكراه. وأرجوا أن أكون
قد وفقت في التوضيح.
سؤال: لدي سؤالان. الأول للأب إيفو. كان في سوريا عند بداية الثورة
حالات من رجال دين مسيحيين قاموا بمبادرات الحوار للتقارب بين مكونات
المجتمع، لكن للأسف كان مصير أحدهم القتل وهو كاهن في إحدى قرى ريف
حمص. ومطرانين اختُطِفا أثناء قيامهما بمهمة إنسانية هامة، أحدهما
يسوعي كان ذاهبًا لإيصال وجهة نظر للطرف الآخر فاختُطِف ولم يُعرَف
مصيره حتى الآن. فرجال الدين المسيحي أصبح لديهم خوف من طرح مبادرات
كما كان الحال في أول سنتين من الثورة. ولذلك أريد أن أسأل الأب ايفو
من خلال خبرته في بلاده عن كيفية تشجيع رجال الدين المسيحي ليأخذوا
دورهم في المبادرات الهادفة لتقريب وجهات النظر وذلك لإيماننا بدورهم
الهام فيما تمر به سوريا اليوم؟
السؤال الثاني للشيخ جودت سعيد. نسمع الكثير بأن المشكلة اليوم هي
التطرف. وهناك الكثير من البيانات التي تندد بتطرف قوى كداعش وقوى
إسلامية أخرى، ودائمًا تتم مناشدة المؤسسات والمرجعيات الروحية
الإسلامية بمحاربة هذه المجموعات. فهل يا ترى بإمكان هذه المؤسسات
والمرجعيات الإسلامية محاربة التطرف الموجود اليوم؟ في حال كانت
الإجابة نعم فما هي الوسائل المفيدة التي تستطيع من خلالها المؤسسة
الدينية محاربة التطرف؟
الأب إيفو:
إذا ذهبنا في طريق السلام ليكن بذهننا أننا سوف نعاني. هذا هو الطريق
الوحيد الذي أمامنا نحن كمسيحيين، فيسوع المسيح قد اتخذ هذا الطريق
وعانى من خلال صلبه ولو كان هناك طريق آخر لسار به. ونحن إذا سرنا في
طريق السلام وعانينا فيه فنعتبره جهادًا ولكن جهاد من أجل السلام
وعندما نصبر ونتحمل الأذى فإننا أيضًا نؤمن بمفهوم القيامة وعودة الروح
وأنه يصبح نوع من الشهادة في سبيل الحق. وأنا أعتقد بأن الله سوف
يمنحنا القوة للاستمرار في هذا الطريق.
بالنسبة للسؤال الثاني. في كل الأديان توجد مشكلة التطرف وليست خاصة
بدين معين. أساس الدين هو الخضوع للإله، ولكن ما يفعله الجهاديون ليس
تسليم أنفسهم للإله إنما أخذ موقع الإله. وهذا ليس مذكورًا فقط في
الإنجيل وإنما في القرآن أيضًا بأن كل نفس بشرية تأخذ موقع الإله هي
شيطان، وكل شخص يقتل باسم الله هو شيطان. فالجهاديون، أو المتطرفون في
الدين المسيحي يمكن تمييزهم عندما يقتلون باسم الله كما رأينا في
الحروب الصليبية مثلاً. الدين قادر على إنتاج أفضل شيء وهو الحب. ولكن
إذا تم تحويل الدين بشكل معاكس سيكون شيئًا خطيرًا، فلا شيء أخطر من
سوء استخدام الدين. مارك تحدث عن الفظائع التي ارتكبت من قبل المسيحيين
باسم الإله، والآن لدينا أيضًا دعاية إعلانية في الغرب ضد الإسلام،
فعلى الغرب أن يتذكر أيضًا أنه في تاريخه قام بمجازر ضد المسلمين ولا
يتهم فقط المسلمين بأنهم إرهابيين. وأنا أتعاطف أيضًا مع مسيحيي
المنطقة وما يحدث لهم من ضغط، ولكن من تعاليمنا أنه يجب أن نصبر على
الأذى ونتحمل وننشر تعاليمنا من خلال هذا الصبر.
الشيخ جودت سعيد:
هذا الإنسان، ينبغي أن نفهم كيف نتعامل معه. الإسلام أيضًا بقي بعد
الرسول ثلاثين عامًا فقط حكم فيهم أربعة خلفاء، اثنان منهما قتلا على
يد أبناء المسلمين وليس الأعداء. إذًا نحن تركنا الإسلام وصرنا مثل
الآخرين نفتح البلاد لكي نفرض الجزية. هذا ما حدث. ولكن علينا أن نعرف
بأن أصل الدين هو أن لا إكراه في الدين، لأن الانسان لا يمكن تغييره
بالقوة، فهذا لغو وقد يقول ما خلق الله مثلك ويحفر لك الأرض. ولهذا كل
الكتب الفقهية التي كتبت، كتبت تحت حكم السيف فالتفسير لا يفهم منه أن
لا إكراه في الدين، وهم الذين يصنعون الإكراه في الدين فيما بين
المسلمين، فالذي يختلف عنهم يقتلونه حيث يقتل بعضهم بعضًا. إذًا ينبغي
أن نكتشف رسالة الأنبياء. فالاتحاد الأوروبي أمام أعيننا وهم لا يتحدون
على أساس الدين، فكما تدمرت محافظات سوريا تدمرت عواصم أوروبا في الحرب
العالمية الثانية ولكنهم الآن يتحدون بدون حرب. وهذا يُعيبُنا أن نعرف
بأن البشر وصلوا بالعقل والعلم. والإنسان رأى البرق بعينه وهو في الكهف
وسمع الرعد بأذنه لكن ما كان يعرف ما الذي يحدث في السماء إلا أن عقل
الإنسان أدرك هذا وسخره. وكل من يعرف قانونه لا يسأل هل أنت تؤمن بالله
أما لا، فكل ما تعرف قانونه يتسخر لك. وبتعاملك مع الإنسان كما يقول
السيد المسيح: إذا كنت لا تحسن إلا إلى الذي يحسن إليك، فالعشارون
يعملون كذلك. لكن عليك أن تحسن إلى الذي يسيء إليك. فكم من مرةٍ يخطئ
معي صاحبي وأغفر له لا أقول سبع مرات بل سبعين مرة. وهذه الأشياء
موجودة في الإنجيل وفي القرآن، وهذه الأمور منسية رفضناها وعلينا أن
نكتشفها من جديد. الآن أصبح البشر من دون دين أو لغة موحدة يتحدون
كالاتحاد الأوروبي، أما البلاد العربية فهم 23 بلد لا يستطيعون الاتحاد
بل هم قابلون للتقسيم.
سؤال: أريد أن أسأل الأب إيفو لماذا يضع حرف (T)
في جاكيته وليس الصليب فما هي دلالة ذلك؟ ثانيًا. يجب أن يكون الكلام
في هذه الندوة موجه إلى جماعة السلطة القتلة في سوريا، فنحن معارضة هنا
ونتفق جميعًا على السلام.
الأب إيفو:
إذا سألت المسيحيين عن دلالة رمز الصليب فسوف يجيبونك لأن السيد المسيح
صلب على الصليب. ولكن قبل سنواتٍ مضت امرأةٌ عالمة مسلمة ذكرت بأن
الصليب لا علاقة له بعميلة الصلب ولكنه رمز للانتصار، وهو رمز للانتصار
ضد المسلمين. وبشكل مختصر القيصر قسطنطين الذي حول الإمبراطورية
الرومانية إلى المسيحية لم يكن مسيحيًا. وفي معركة أمام روما صمم الجيش
ليأخذ شكل الصليب. فكل الجنود وضعوا الرمز على تروسهم وذهبوا إلى
المعركة. وفي عدة معارك أخرى انتصروا وهم يضعون هذا الرمز، والذي أصبح
رمزًا للانتصار. ولا علاقة له بعملية صلب السيد المسيح. وهكذا استمر.
ففي الحملات الصليبية المسيحيين أخذوه كرمز لانتصارهم على المسلمين.
وتدريجيًا أصبح رمزًا لعملية صلب السيد المسيح. فرنسيس وهو مؤسس المذهب
الفرنسسكاني أخذ الرمز (T)
بدلاً عن الصليب وهو الحرف الأول في اللغة اليونانية من اسم الإله
تابس. والعديد من المسلمين اليوم يدركون الصليب في عقولهم على أنه رمز
لانتصار المسيحيين ضد المسلمين. والآن نحن المسيحيين نكتشف بأن الصليب
رمز أتى نسبةً للقيصر قسطنطين وليس كرمز لعملية صلب المسيح.
سؤال: لدي سؤال للبروفيسور يتعلق بالجانب السياسي أكثر من الديني. وهو
عن إسرائيل والنظام السوري. فبرأيك هل هناك رضا من قبل إسرائيل عن وجود
النظام السوري حيث أنه مستمر في قمع الانتفاضة السورية، بحيث لا يكون
هناك دولة ديمقراطية أخرى في المنطقة بجانب إسرائيل؟
البروفيسور مارك غوبن:
هذا الحديث يمكننا سماعه فقط في دوائر الاستخبارات الغربية. الفكرة بأن
الثورة قد تخلق دولة ديمقراطية لم تأخذ على محمل الجد، فهم اعتقدوا بأن
هذا مستحيل. لأن طاقة الثورة تأتي من قطر والسعودية وأنظمتهم تمنع
العملية الديمقراطية. الفلسطينيين مازالوا يكافحون منذ أربعين عامًا من
أجل دولة ديمقراطية في منظمة التحرير الفلسطينية. وهذا يتم معارضته
منهجيًا من قبل دول الخليج. فالفكرة بأن الثورة تمول من قبل الخليج
تجعل الديمقراطية لا تُؤخذ على محمل الجد. لذلك فالبديل الأفضل كان
عائلة الأسد التي حافظت على السلام في الحدود مع إسرائيل لأربعين
عامًا. وكدولة المصلحة الأهم لها المحافظة على هدوء الحدود. ففي
المحصلة هم لم يساعدوا الأسد ولم يؤذوه أيضًا. والمرة الوحيدة التي
تدخل بها الأمريكان هي بسبب أسلحة الدمار الشامل والتي قد تؤذي دول
الجوار. هناك العديد من الأفراد الإسرائيليين الذين يتعاطفون مع الثورة
ومع فكرة الربيع العربي ولكن هؤلاء أفراد، فالدولة تركز على ما يبقيهم
آمنين. ولا يوجد أي نوع من المؤامرة إنما هي فقط مصلحة الدولة. وأعتقد
أن أوباما لديه الموقف ذاته. وهذا ما يعزز ما قاله الشيخ لأن خمس أو
عشر سنوات من الكفاح بدون عنف يجلب دعم أكثر من الغرب مما هو عليه في
حالة الثورة العنيفة. هناك العديد من المبادرات السرية لدعم الفكر
المعتدل والحركات المعتدلة في المنطقة العربية، ولكن ليس الثورات
العنيفة فهذا يأتي بعمومه من دول الخليج. هذه بالفعل مأساة حقيقية ولكن
بالنهاية ما يقترحه الشيخ جودت هو ما أثبته التاريخ. ليس من حقي أن
أطلق أحكام على الناس الذين اتخذوا قرارًا بالدفاع عن النفس، فأنا لست
في موقع أي أب أو عائلة. ولكن في تقاليدي الدينية السؤال الأهم هو
كيفية الحفاظ على حياة أكبر عدد ممكن. وبناءً على هذه الفكرة أنا لم
أكن مرتاحًا لاستفزاز القوات التابعة للأسد، لأنه بالاعتماد على العشر
سنوات التي قضيتها في سوريا كان عندي انطباع بأن قوات الأمن قادرة على
القيام بانتهاكات عنيفة ضخمة جدًا. وأنا والأب ايفو لدينا نفس الرأي
بالاعتماد على العلم والتاريخ وخبراتنا أن وقف النار هو السلاح الأفضل
في مواجهة القوى العنيفة. لأنهم ماهرون في عمليات التعذيب ونحن لا نؤمن
بذلك. وهم سيئون جدًا في الكلام والصدق والعلاقات من القلب إلى القلب،
أما نحن فجيدون جدًا في هذا. لذا في لحظة وقف القتال لدينا الأفضلية.
سؤال: هناك ثلاث أنواع من الكهنوت في كل الأديان بما فيها البوذية:
كهنوت سلمي قاعدته من المبشرين الأوائل ويعتمد على الإقناع، وكهنوت
ملحق بالقياصرة والفراعنة، وكهنوت آخر قليل الوجود هو كهنوت التحرير
الذي تبلور نموذجه في أمريكا اللاتينية وأقنع الناس، وآمن بالكفاح
المسلح ضد الحاكم المستبد. وباعتقادي أن الكهنوت القيصري (كهنة
القياصرة) هو الأقوى ويقتسم الغنائم مع السلطة. وحتى في الغرب بعد
عملية فصل الدين عن الدولة. فأنا لا أبرء الكهنوت من كل ما يحصل بما
فيه الكهنوت المتطرف في كل الأديان، سواء الكهنوت الملحق بالجيش
الإسرائيلي أو الكهنوت التابع لداعش أو الكهنوت التابع للبوذيين الذين
قتلوا المسلمين. حيث شارك رهبان بوذيين في ذبح المسلمين. إذًا فالدين
ليس كهنوتًا، فإذا قلنا إن الدين فقط كهنوت. الكهنوت عليه الكثير من
الأسئلة. وأنا أعتقد بأنهم سرب صغير ووحيد في العالم وصوتهم ضعيف. هل
يمكن التعليق على هذه الملاحظة؟
الشيخ جودت سعيد:
أنا أقول الأديان لم تنزل من السماء بعد، فالذي (نراه) بالأرض هو
الكهنوت في كل الأديان. الآن السيف والمال هما الحكم. فلا أولادكم ولا
أموالكم التي تقربكم عندنا زلفا. ولهذا أنا أقول الأديان ما نزلت من
السماء بعد. والأغنياء أعداء الأنبياء. والإنجيل يقول: لأن يدخل غنيٌ
ملكوت الله أصعب من أن يدخل الجمل خرم الإبرة. حتى أن (أرنولد ويندي)
يذكر أن نادي روما كان مكتوبًا عليه: "الذهب فاقده حزين ومالكه قلق".
فاقده حزين لأنه يتمنى أن يمتلكه، ومن يملكه قلقٌ كيف يحافظ عليه.
والعالم الآن هو كذلك فخمسٌ وثمانون شخصًا يملكون نصف ثروة العالم،
وثمانون بالمئة من البشر هم الفقراء، وعشرون بالمئة من البشر يستهلكون
ثمانين بالمئة من إنتاج العالم. وأعرف هذه الإحصاءات من خلال مجلة
رسالة اليونيسكو التي كنت مشتركًا بها. وهذا هو نظام العالم الذي نعيش
فيه فالأغنياء هم الذين يتحكمون بالرؤساء أيضًا والصحافة العالمية
والبنوك لهم. لكن الحق سوف يستيقظ. وأنا أقول إن الديمقراطية توحيد
لله. ولو أنه لا يؤمن بالله لكنه لا يقبل آلهة بشرية. فصندوق
الانتخابات هو الذي يحدد من الذي يحكم، ولكن الأموال والأسلحة تتدخل في
هذا. والأتراك الآن أصبح لديهم ديمقراطية حقيقية وفهموا هذا الشيء
ونجاحهم الأخير قد أفرح المستضعفين. فهم لم يصلوا إلى هذا بالسلاح.
وإنما التحول الاقتصادي الذي حققته تركيا في ظل حكومة أردوغان
الإسلامية بعد أن كانت تعاني من ديون خارجية أثناء حكم العسكر هو ما
ساعدهم. فقد أوفوا ديونهم وتحسن اقتصادهم حتى أصبحوا من أفضل عشرين
اقتصاد في العالم. فهذا الشيء صنعه البشر، أناس عقلاء من صنعوه بوقف
الفساد والسرقة. والعسكري كالبندقية يخضع بشكلٍ جامد للأوامر المعطاة
إليه. لهذا أبو الأعلى المودودي كان يقول: جنرالات العالم لا يصلحون أن
يكونوا مجندين في الجيش الإسلامي. لأنه في الجيش الإسلامي إذا قيل لك
أن تقتل شخصًا بريئًا لا يجوز لك أن تقتله ولو قتلو(ك). الفقهاء يقولون
هذا أيضًا فلا يجوز لك قتل بريء ولو أراد قتلك أيضًا. أما إن قال
سأقتلك إن لم تكفر، إن كفر ما عليه لأن الله لا يؤاخذه على هذا. وهذه
المعاني نحن بحاجةٍ إلى إحيائها. وأنا متفائل بشأن الدول العربية بأن
تتحد قريبًا كالاتحاد الأوروبي. لأن كل من يحكمها الآن يتشبهون بالآلهة
كآل سعود وهم يجمعون السلاح لقمع شعوبهم.
الأب إيفو:
في كل الأديان في العالم هنالك خطان. أحدهما يمر من الكاهن إلى الكاهن
الأعلى مرتبةً إلى القيصر. وخط يأتي من الأنبياء إلى المتصوفين
والدراويش والناس العاديين الفقراء. ولاهوت التحرير هو اللاهوت الخاص
بالناس الفقراء. والبابا يوحنا بولس الثاني اتهم لاهوت التحرير بأنه
لاهوت شيوعي. وكان كذبًا. ومنعت هذه الحركة اللاهوتية، والعديد من
القساوسة التابعين لهذه الحركة أدينوا. والآن جاء البابا فرانسيس ليعيد
الحياة والاعتبار لهذه المدرسة. وأنا ومارك ننتمي لهذه المدرسة.
والثراء هو سبب من أسباب الظلم فكل ما كان الشخص ثريًا كلما كان معرضًا
ليكون ظالمًا.
الشيخ جودت سعيد:
الناس يقولون الشعوب على دين ملوكها. لكن قسطنطين تغير لما تغير شعبه
إلى المسيحية بسبب دعوة الحواريين. وأريد أن اسأل: مارتن بوبر وهو أحد
دعاة السلام اليهودي، يتحدث عن السلام العظيم. والآن الذي يحدث بعد أن
يتعبوا من الحرب تكون استراحة لصنع حرب جديدة. فما يحدث هو حرب باردة.
وائل السواح:
هل تريد التعليق على هذا؟
البروفيسور مارك غوبن:
أريد أن أقول شيئًا واحدًا بأن الشباب محبطون جدًا ويعانون من فقدان
الثقة في الحرب. يريدون تحقق شيء ما. والكثير من الناس تختار الحرب
لشعورهم بغياب العدالة، ومازالوا يقاتلون لغياب العدالة. وأنا أتعاطف
مع هذا الشعور. لكن في ذات الوقت نحن مجبرون كنفس بشرية للتطلع إلى
المستقبل قدر المستطاع. لذا بقدر ما تريد العدالة لجرم حدث في الماضي،
يجب أن نُفهم الأجيال الصغيرة بأن التركيز على جرائم الماضي ستولد
جرائم أخرى. وفي العهد الجديد المسيح تكلم عن محبة أعداءه. والعهد
القديم تحدث عن مساعدة الأعداء، في سفر الخروج وسفر التثنية. وفي هذين
السفرين قد تم التعليق من ألفي عام عن ما هي الفائدة من مساعدة
الأعداء. لماذا عليك أن تساعد الأعداء؟ ففي سفر الأمثال أن تساعد عدوك
كمن يضع الجمر على رأسه. ورجال الدين قالوا ما معنى هذا؟ هذا يعني بأنك
ستقود عدوك إلى الجنون. لأن العدو لديه فكرة واضحة من هو ومن أنت. ولكن
عندما تساعده وهو يعاني، العالم بأكمله يصبح رأسًا على عقب. وهنا يصبح
العدو غير قادر على معرفة من هو ومن أنت. وهذه فرصة العمل اللاعنفي،
لأنه يقول أنا اعتقدت بأني عدوك لكنك ساعدتني فربما نحن لسنا أعداء.
لذلك أنا كنت أساعد من كل قلبي ولمدة ثلاثين عامًا الشعب الفلسطيني.
ولا يمضي بضعة سنوات حتى يأتي إلي أحدهم بعد أن أتحدث ويقول أنا غاضبٌ
منك لأنني اعتقدت بأني أعرف من هو عدوي، والآن أعلم بأن العدو هو
الكراهية. وهذه هي قوة الفكرة التي نتحدث عنها، وهي فكرة استراتيجية.
وهي تربك نظام العدو، وتسمح بتشكيل تحالفات جديدة. لذا في الحالة
السورية كلما ساعد السنة والشيعة والعلويين والمسيحيين والعلمانيين
بعضهم أكثر، كلما أربكوا من يريد أن يجعلهم ضد بعضهم البعض. وهذا ليس
فقط موضوع أخلاقي وإنما أيضًا موضوع استراتيجي. كيف تبني سوريا جديدة؟
والتاريخ يثبت بأنه نادرًا ما يتم ذلك عن طريق العنف. ولكن غالبًا ما
يحدث عن طريق بناء هذا النوع من العلاقات.
الشيخ جودت سعيد:
في سفر الأمثال يقول: قبل الانكسار الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح.
ويقول: في طريق العدل أتمشى، وحينما أضطجع أنام ويلذ نومي. عندما تمشي
في طريق العدل تنام مرتاحًا لا تخاف. لأن الذي لا يسير في طريق العدل
يخاف ولا ينام مستريحًا.
سؤال: هل هناك فكرة لتشكيل لوبي من رجال الدين الداعين للسلام للضغط
على دول العالم من أجل وقف المأساة السورية؟
البروفيسور مارك غوبن:
هناك منظمات دولية تقوم بذلك. وليس لديهم صوت مسموع. وليس لديهم شعبية
كافية. لدينا مشكلة في العالم بأن الدين يتم تمثيله من خلال كهنوت
مؤسساتي. وهذا الكهنوت المؤسساتي غير محترم من قبل العديد من الناس على
أرض الواقع. وهو تحدٍ كبير بالنسبة لنا كيف نشكل التماس متعدد الأديان
لوقف العنف في سوريا. ولكن في العمق هي فكرة جيدة جدًا، فكلما بذلنا
جهدًا بجمع النساء والرجال كلما كان ذلك أفضل. الأمير غازي في الأردن
جمع عدد من رجال الدين السنة والشيعة والمسيحيين لإصدار فتاوى ضد
الإرهاب. ولكن نريد ذلك بالتحديد حول سوريا. والسبب في عدم حصول هذه
الفتوى أن السعودية وإيران تريدان الاستمرار في القتال. وسوف يقاتلون
حتى آخر سوري. وهذا الأمر يعود إلى الشعب لمطالبة رجال الدين بإصدار
هذه الفتوى. لأن الدول تريد استمرار الصراع، وهذه هي مشكلتنا والتي هي
دنيوية وليس دينية.
الشيخ جودت سعيد:
عندما أتى المسيح كفر به اليهود ولم يصدقوا بأنه المسيح الحق، والإسلام
لما أتى حدث نفس الشيء. والمسلمون ينتظرون الإمام المهدي لكي يصلح.
والشيعة يؤمنون بأنه بعد مضي ثلاثمائة عامٍ على وفاة الرسول سلالة علي
بن أبي طالب اثنا عشر إمامًا آخرهم دخل السرداب. وهم بانتظاره كي يخرج
وينقذ العالم. وقد دعاني المركز الثقافي الإيراني في سوريا إلى ندوة عن
المخلص الذي سيأتي، كالمسيح الذي سيأتي وينزل في الجامع الأموي حيث
يضعون له حذاء ليلبسه. قلت لهم بأني لا أؤمن بالمهدي، فقالوا تعال نحن
بحاجةٍ لشخص لا يؤمن بالمهدي. فذهبت برفقة ابن أختي وقلت لهم عندما حان
دوري أن المهدي ظهر وليس لديكم علمٌ بهذا. قالوا من؟ قلت لهم عندما
تتحدون يا مسلمين كالاتحاد الأوروبي يكون قد أتى المهدي. نحن المهدي،
ففي التوراة في سفر الأمثال: أنا الفهم، لي القدرة، وغلتي أفضل من
الذهب الإبريز والفضة المختارة، وجميع جواهرك لا قيمة لها.
(ملاحظة من أحد الحضور): أنا أرى أن الغرب هو سبب عدم وحدة العرب.
الشيخ جودت سعيد:
لا لأن العقل لا يحتج بأن يأذن لنا الغرب. بامتلاكنا العقل هم لا
يستطيعون التأثير علينا. ولهذا القرآن يقول: "لهم أعينٌ لا يبصرون بها،
ولهم آذانٌ لا يسمعون بها" ليس أنهم لا يرون الاتحاد الأوروبي لكن لا
يفهمون أن له معنى. ولما يسمعون بأن اليابان أصبحت قوة عظمة بدون حرب
تحرير فلا يفهمون المعنى. مع انهم ليسوا مسلمين ولا يهود ولا نصارى
ولكن أولاد آدم لهم عقول وأصبحوا قوة عظمة فأحياء أمريكا مليئة
بالسيارات اليابانية.
البروفيسور مارك غوبن:
لا أحد يأخذ شيئًا من اليابان بعد الآن إلا إذا أراد اليابانيون ذلك.
لكن الجميع يأخذ من الشرق الأوسط، روسيا تأخذ من إيران والولايات
المتحدة تأخذ من السعودية وقطر. لأنه كما يقول الشيخ عندما يكون هناك
سبب للناس ليتحدوا مع بعض فلا يستطيع أحد الأخذ منهم. فليس هناك
مؤامرة، هي ببساطة جشع الدول. فعندما يروا المنطقة ضعيفة يقولون تعالوا
ننهب ونسرق. لأن الناس غير منظمين. فيأخذون النفط والغاز وما يريدون.
كما هو الحال أيضًا مع إفريقيا. ولكن عندما يتحد الناس سويةً يستطيعون
القول لا شكرًا ويوقفوهم.
الشيخ جودت سعيد:
الحرب لا يمارسها إلا الجهلة والخبثاء الذين يستغلون جهل الجاهلين
ويبيعونهم السلاح هذا ما يحصل اليوم. الحرب ماتت فالعقلاء لا يتقاتلون.
ندعوا الله نحن كي يلهمنا العقل لنفهم التوراة والإنجيل والقرآن حتى
نصبح كالاتحاد الأوروبي ونصنع اتحاد عالمي ديمقراطي، فنحن نريد أن يذهب
حق النقض الفيتو.
*** *** ***
اليوم التالي
20 – 08 – 2014