من غرائب الدماغ

 

د. قيصر زحكا

 

يقول T.H. Huxley: "انظر إلى الحقيقة كطفل صغير وكُن مؤهّلاً أن تتخلَّى عن كلّ المعلومات السَّابقة، واتبع الطَّبيعة فقط إلى حيث تقودك وإلاَّ فلن تتعلَّم شيئًا".

منذ فجر التاريخ ومرورًا بالمدارس الطبيَّة الإغريقية والعربيَّة وغيرها، والإنسان يتنازع بين وجهتي نظر: وجهة نظر تجزيئيَّة انفصاليَّة تنظر لدور كلِّ شيء وكلِّ جزء داخل هذا الشَّيء بمفرده، ووجهة نظر شموليَّة تكامليَّة تنظر للكون والأشياء ككلٍّ متكامل لا يقبل التَّجزئة. وقد ظهرت وجهتا النَّظر في شتَّى المجالات العلميَّة والطبيَّة والفلسفيَّة، والاجتماعيَّة والسياسيَّة والدينيَّة. وكانت تغلب في زمن ما وفي مجتمع ما وجهة النَّظر الأولى، بينما تسود الثَّانية في مجتمع آخر أو في زمن آخر. مع قيام النَّهضة العلميَّة في أوروبا وتأثيرها على مستوى المجالات غلبت وجهة النَّظر التَّجزيئيَّة بشكل عامٍّ، ولكن مع حلول القرن العشرين والفواجع التي حدثت في الحربين العالميَّتين والحروب الأخرى والمآسي الاجتماعيَّة التي حدثت نتيجة التطوُّر التَّقني والجشع والإمعان في النَّظرة الفرديَّة والتَّجزيئيَّة؛ بدأت تظهر نوازع شمولية تكامليَّة من جديد على مختلف الأصعدة من الفيزياء الكوانتيَّة لنظريَّات كارل يونغ وغيره في علم النَّفس والدِّراسات العديدة الاجتماعيَّة والسياسيَّة والإنسانيَّة والبيئيَّة التي تنادي بتأثير الأشياء على بعضها البعض باستمرار، وأنَّ أيَّ ضرر نلحقه بإنسان آخر مهما كان عرقه، دينه، جنسه وموطنه أو بالأشياء الأخرى أو بالبيئة والأرض سينقلب علينا ويترك تأثيرات قويَّة. وعلى الرَّغم من أنَّ الطبَّ بشكله الحديث ما زال يغلب عليه وجهة النَّظر التَّجزيئية، إلاَّ أنَّه يلاحظ انتشار متزايد ومتسارع وخاصَّة في الدُّول الغربيَّة لأفكار ومدارس تكامليَّة.

أحد أهم النزاعات العلمية في مجال الطب على مدى العصور: هل الفكر والذاكرة والوعي موجودة أصلاً في مادة الدماغ نفسها أم في مجال أوسع خارج الدماغ، وهناك في الحقيقة تجارب طبية تثبت إلى حدٍّ ما صحَّة النظريتين، فمن خلال أذيَّات معيَّنة لأجزاء من الدماغ يتعرَّض الإنسان لأذيَّات في الوعي والذاكرة، وبالمقابل هناك ما يثبت من خلال تجارب ما حول الوفاة السريرية والسبات وغيرها أن هناك وعي كامن حتى بوجود دلائل سريرية على عدم فعالية الدماغ، والسؤال الأهم والأكبر – ومع نظريات الفيزياء الكوانتية والتي أثبتت أن الفروق بين مكونات المادة والتي تعرف بالفيرميونات الشاملة للكواركات وبالتالي البروتونات والنيوترونات والشاملة أيضًا للإلكترونات، ومكونات الطاقة والتي تعرف بالبوزونات الشاملة للفوتونات وغيرها هي فروق بسيطة جدًا على مستوى درجة الاهتزاز والدوران، مما يعني أن المادة والطاقة في تبادل مستمر، ومما يعني أن المادة المشكِّلة للدماغ ووظائفها والطاقة المحيطة بها قد تكون أيضًا في تبادل مستمر.

استندت هذه النتائج على المراقبة السَّريريَّة، ومن بعدها على الوسائل التقنيَّة المتطوِّرة بأنَّ مناطق معيَّنة في الدِّماغ قد تكون مسؤولة عن وظائف معيَّنة، وإنَّ إصابة هذه المناطق تؤدِّي إلى فقدان وظائف معيَّنة أو ظهور علامات مرضيَّة لم تكن موجودة سابقًا. كان أشهر من قام بهذا المجال الطبيب الفرنسي Paul Broca والطبيبان الألمانيان Carl Wernicke وKurt Goldstein. وقد قام Broadmann بعد ذلك بتقسيم قشر الدِّماغ بكامله إلى مناطق وظيفيَّة ورقَّمها بحسب التتابع الزَّمني لاكتشافها. وبقيت بعض الوظائف وخاصَّة الذَّاكرة خارج مجال هذا التقسيم، واعتبرت عند الكثيرين بأنَّها وظيفة معمَّمة تشمل كامل الدِّماغ إلى أن جاءت تجارب الجرَّاح العصبي الكندي المشهور Wilder Penfield في العشرينات من القرن الماضي لتبدأ القول بأنَّ ذكريات معيَّنة تتوضَّع في مناطق معيَّنة من الدِّماغ. وبينما كان بينفيلد يقوم بجراحات متعدِّدة على أدمغة المرضى المصابين بالصَّرع والذين كانوا بكامل وعيهم (من المعروف أنَّ الدِّماغ بذاته لا يشعر بالألم بشكل مباشر، طالما أنَّ فروة الرَّأس والجمجمة قد خدِّرتا، فيمكن إجراء العمل الجراحي على مريض بكامل وعيه)، وجد أنَّه عندما قام بالتَّنبيه الكهربائي للفصَّين الصَّدغيين؛ عاش المرضى من جديد ذكريات سابقة من حياتهم بشكل حيٍّ. لقد عاش رجل من جديد تجربة نقاش سابق مع أصدقائه في أفريقيا الجنوبيَّة، وتخيَّل لطفل أنَّه يسمع صوت أمِّه على الهاتف، وبعد تنبيهات كهربائيَّة كان قادرًا على إعادة كلِّ ما قالته والدته؛ وحتَّى عندما قام بينفيلد بخداع مرضاه بأنَّه قال لهم بأنَّه ينبِّه مناطق أخرى من الدِّماغ وقام بتنبيه نفس المنطقة أدَّى ذلك إلى تذكُّر نفس الحادثة وقام بتسمية هذه المناطق المسؤولة عن الذاكرة بالـ Engram. قام بينفيلد بالاستنتاج في كتابه أحجية الفكر The mystery of the Mind الذي طبع عام 1975 قبل وفاته بأنَّ كلَّ شيء نعيشه منذ كنَّا أطفالاً يسجَّل في أدمغتنا في مناطق محدَّدة منه.

قام بعد ذلك Geschwind وDavid Mesulam باجتهادات أخرى وبتوفُّر الوسائل التَّقنية الحديثة إلى القول بأنَّ الدِّماغ يعمل بين مجالين هما الواقع الخارجي Extrapersonal Reality والوسط الدَّاخلي Internal Milieu (وقامت النَّظريَّة الهولوغرافيَّة بتجاوز هذا الأمر لتصل إلى أنَّ هذين المجالين شيئًا واحدًا بالحقيقة)، وقاما بتقسيم قشر الدِّماغ تبعًا للطبيعة النَّسيجيَّة والوظيفيَّة بحسب قربها من الواقع الخارجي أو الوسط الدَّاخلي إلى خمسة مناطق:

1. المناطق الأوليَّة Primary Cortex: وهي مسؤولة عن وظيفة معيَّنة بشكلها الخام مثل البصر والسَّمع والحسِّ والحركة، وبالتَّالي هي الأقرب إلى الواقع الخارجي. (اللون الأزرق)

2. مناطق التواصل وحيدة النَّمط Unimodal Association Areas: (اللون الأصفر)، وهي المسؤولة عن أمور دقيقة تفصيليَّة ضمن تلك الوظيفة المعيَّنة؛ ففي مجال البصر هناك مناطق مسؤولة عن إدراك اتِّجاه الشَّيء أو موقعه في الفراغ، أو لونه، أو عمقه أو إدراك الأشياء المقروءة؛ وتسبِّب أذيَّة ما في تلك المناطق عدم القدرة مثلاً على القراءة، أو إدراك اتجاه الشيء أو لونه، مع أنَّ البصر بحد ذاته ما يزال سليمًا. وفي مجال السَّمع، هناك مناطق مسؤولة عن مصدر الصَّوت في الفراغ أو حدَّة الصَّوت أو طبيعته... الخ.

3. مناطق التواصل متعدِّدة الأنماط Heteromodal Association Areas: (اللون الزهري) وهي المسؤولة عن ربط وجمع المعلومات الآتية من وظائف متعدِّدة معًا كجمع المعلومات الآتية من البصر والسَّمع والحسِّ ضمن مفهوم كامل وربطها مع الحركة. وقد تسبَّب أذيَّاتها خللاً في الحساب والكتابة مثلاً، أو في التعرُّف على الأصابع المختلفة من اليد أو عدم القدرة على التَّمييز الفراغي أو الأيمن من الأيسر أو تقليد الشَّيء أو تسميته أو القدرة على متابعة حركة الشَّيء بالبصر، كما قد تسبِّب في قسمها الأمامي اضطرابات إدراك تتابع الأحداث وتعديلها، واضطرابات في الشخصيَّة كفقدان الفضول أو التَّفكير المجرَّد والمحاكمة، أو القفز مباشرة إلى نتائج متعسِّفة وعدم القدرة على إبعاد التَّشوُّش والتَّداخل الخارجي.

4. المناطق المجاورة للجهاز اللمبي Paralimbic Region: (اللون الأخضر) هنا نقترب أكثر من الوسط الدَّاخلي ونبتعد أكثر عن الواقع الخارجي وتؤدِّي أذيَّات تلك المناطق إلى خلل في الذَّاكرة والشمِّ والذَّوق (للشم والذوق وضع خاص مختلف عن الحواس الأخرى بسبب قدم وجودها عند الحيوان وارتباطها المباشر بالطعام والوظائف الداخليَّة) وعدم القدرة على التَّعامل مع شيء معيَّن تبعًا لأهميَّته بالنِّسبة للشَّخص، كما قد تؤدِّي إلى عزلة اجتماعيَّة؛ وتؤدِّي أذيَّتها في الحيوانات إلى الرُّعب من الأشياء الجديدة، بينما قد لا يبدي أيَّ اهتمام نحو الإنسان أو الثُعبان رغم خطرهما في حال رآها سابقًا، أي تأتي الخطورة لهذا الشخص من حداثة الشيء بالنسبة له، وليس من ربطه بمعلومات سابقة.

5. الجهاز اللمبي Limbic System: (موجود فقط في الصورة 2 باللون الأبيض) وهو أكثر المناطق علاقة بالوسط الدَّاخلي وتؤدِّي أذيَّته إلى تغيُّرات خطيرة في الذَّاكرة، الاهتمام والانفعال أو عدم التَّمييز بين ما يؤكل وبين ما لا يؤكل من الأشياء وعدم التَّمييز الجنسي بين الأشياء والمعروف بتناذر Kluver Bucy.

وجهة النظر التكامليَّة الهولوغرافيَّة للدِّماغ:

إنَّ واحدًا من أهمِّ الشَّخصيَّات التي تبرز لنا في هذا المجال هو Karl Pribram والذي كان عالم فيزيولوجيا العصبيَّة وجرَّاحًا عصبيًّا في جامعة ستانفرد ومؤلِّف كتاب لغات الدِّماغ Languages of the Brain. كانKarl Pribram  منذ البداية صاحب موقف إنسانيٍّ ومعارض للتَّخريب العشوائي لمناطق من الدماغ دون دراية كافية عن عمله؛ ففي عام 1935 قام الجرَّاح العصبي البرتغالي Egas Moniz باستعمال طريقة جراحيَّة لفصل عمل المنطقة قبل الجبهيَّة عن باقي الدِّماغ Prefrontal Lobectomy لعلاج الأمراض العقلية وقد فاز بجائزة نوبل لهذا الإجراء عام 1940 وقام من بعده الجرَّاح الأميركي Walter Freeman بالقيام بهذا العمل الجراحي وكتابة مقالات متعدِّدة، وادَّعى بأنَّ هذا الإجراء قد قام بتحويل شواذات المجتمع كما أسماهم من فصاميِّين، لوطيين ومتطرِّفين إلى أميركيين جيِّدين. عارض Karl Pribram هذا الإجراء كثيرًا وكان نتيجتها أنَّه خسر وظيفته. وهذا ما يذكِّرنا بما حدث للفيزيائي الشهير David Bohm وهو من أهمِّ أعلام النظريَّة الهولوغرافيَّة في الفيزياء الحديثة عندما طلب منه الوقوف في المحكمة ضدَّ أستاذه بما سمِّي بالفعاليات اللا أميركية ورفض وكان نتيجتها أنَّه خسر عمله في جامعة Princeton ولم يعلِّم أبدًا في الولايات الأميركيّة بعد ذلك، بل انتقل إلى البرازيل ومن ثمَّ إلى لندن.

يقول Karl pribram: لا أقول أنَّ عالم الظواهر خاطئ ولا أقول أنَّه لا يوجد شيء في الخارج على مستوى معيَّن من الواقع، وإنما أقول أنَّه إذا نظرنا عبر الأشياء ونظرنا للكون نظرة شموليَّة، سنصل إلى وجهة نظر جديدة وواقع مختلف، وأنَّ هذا الواقع المختلف قد يفسِّر كثيرًا من الأمور التي لا تزال مبهمة علميًّا كالظواهر الخارجة عن الطبيعة Paranormal Phenomena والتَّزامنات Synchronicities والصُّدف ذات المعنى الواضح.

حقائق مضحكة من عمل الدماغ:

1.      قام العالم james Fitzgerald وغيره بإثبات أنه حتى عند انعدام الإرادة الحرَّة، يقوم الدماغ بجعلنا نصدِّق أن عندنا إرادة حرَّة. لقد تمَّ إثبات هذا من خلال تنبيه مناطق حركيَّة معيَّنة بالدماغ، فقام هؤلاء النَّاس باختلاق قصَّة معيَّنة لماذا قاموا بتلك الحركة أو هذه.

2.     من الغريب أن أكثر من نصف نورونات أو عصبونات أو الخلايا العصبية لدماغنا غير معروفة الوظيفة تمامًا، وهي الخلايا الحبيبية، فهي تعتبر بسيطة التكوُّن بشكل عام، صغيرة وتتلقى التنبيهات من أربعة مصادر فقط، فهي تحتوي على أربع استطالات فقط، وكل استطالة تحتوي على وصل عصبي واحد، فهي تقوم بفعاليات بسيطة جدًا، ومع هذا فهي تشكل أكثر من نصف الخلايا العصبية، فلا بدَّ أنَّ لها دورًا هامًّا غير معروف بعد، وما تزال دراستها صعبة جدًا، بسبب صغر حجمها.

3.     لقد قام الفيلة بتطوير حجم دماغ كبير ليتناسب مع حجم الجذع الهائل وعدد العضلات الهائل في الجذع، لذلك نرى عدد الخلايا الحبيبية في المخيخ بشكل خاص أكبر بكثير من عددها في الإنسان.

4.     من الشيء الغريب عن سمك الزرد بشكل خاص ومعظم السمك والبرمائيات، بأنه إذا قطع النخاع الشوكي أو تضرر بشكل كبير، تستطيع هذه الحيوانات أن تنمِّي النقص وتعود للسباحة خلال أسبوع.

5.     لقد عرف لوقت طويل أن الجهاز اللمبي بالدماغ له دور بالغ في تخزين الذاكرة، ولكن تم اكتشاف أن له دور بالغ أيضًا في الخيال، وأنَّه من خلال دراسة التيارات الكهربائيَّة في الجهاز اللمبي لفأر أو جرذ، يمكن معرفة ما الخيالات التي تدور في دماغه.

6.     معظم خلايا دماغنا تبقى نفسها طوال حياتنا ولا تتكاثر أو تتجدَّد طوال حياتنا. في حال حدوث أذى معيَّن، تقوم النورونات الأخرى ببناء تواصلات وتشابكات عصبية بشكل أكبر، وقد تقوم بأخذ عمل النورونات المصابة، ولكن لا يعني هذا أن هناك خلايا جديدة.

7.     في بدايات العلوم العصبية، تم اكتشاف أن عدسة العين ليس فقط تقوم بتركيز الصورة، بل تقوم أيضًا بقلب الصورة رأسًا على عقب، فكان السؤال كيف يقوم الدماغ بقلب الصورة من جديد. ولماذا لا يبدو الشيء أو المنظر رأسًا على عقب في هذه الحالة؟ تم الاكتشاف لاحقًا أنه بوصول الصورة للدماغ، لا يعود هناك مراجع قطعيَّة، بل نسبيَّة، بمعنى علاقة الأشياء المرئيَّة بعضها مع بعض. خلق هذا الاكتشاف نتائج فلسفية كبيرة، فلقد تبيَّن أن الصور المتكوِّنة في الدماغ مستقلة عن الصور الأصليَّة، ولا تعترف بأي فضل كان للصور الأصلية، بل يقوم الدماغ بأعمال عديدة من طيٍّ، تحريك، تغيير الأبعاد... الخ، لكنَّ المهمَّ دائمًا بالنهاية أن تبقي بعض العلاقات النسبيَّة وتحوُّلها لسلوك معيَّن.

8.     دائمًا يعتقد الناس أن النسيان مشكلة مرضيَّة، لكن في الحقيقة، لا بدَّ من بعض النسيان ليستطيع الدماغ العمل بشكل صحيح. طالما رأينا بعض الناس الذين يتميَّزون بذكريات دقيقة بشكل كبير، يتذكرون المواقف بتفاصيل مرعبة، لكن لا يستطيعون رؤية الصورة الشاملة أو التجربة الناتجة، كما لو كانوا يستطيعون رؤية كل أشجار الغابة بدقائقها دون إدراك الغابة نفسها.

9.     انقسام الدماغ قد يؤدِّي إلى انقسام الوعي: لقد أثبت العلماء في الستينات من خلال التجارب المجراة على قطع الجسم الثفني (وهو عبارة عن ألياف كثيفة تصل نصف الدماغ الأيمن بالنصف الأيسر) وقاموا بإعطاء صور مختلفة في المجال البصري الأيمن والأيسر، وسئلوا عما يرون، ذكروا الأشياء التي رأوها بالأيمن، لأنه يتمُّ معالجتها بنصف الدماغ الأيسر، حيث يقع مركز الكلام بالنسبة لمعظم البشر. وعندما سئلوا عن اختيار الشيء المرئي باستخدام يدهم اليسرى، اختاروا الشيء المرئي بنصف المجال البصري الأيسر، لأن حركة اليد اليسرى تتمُّ في نصف الدماغ الأيمن مثل المجال البصري الأيسر، بينما باليد اليمنى، اختاروا الأشياء المرئية بنصف الدماغ الأمن.  كل هذا دعا للتفكير أن هناك وعيين مختلفين وربَّما أكثر في نفس الشخص.

10.                        إهمال جانب معيَّن قد يشمل الذاكرة أيضًا: عند حدوث إصابات معيَّنة كالفالج وغيرها في مناطق معيَّنة كالفص الجداري والقفوي الأيمن، يؤدِّي هذا إلى إهمال الجانب الأيسر، ولقد حوى الأدب الطبي قصصًا وقصصًا على غرابة هذه الظواهر، فقد نطلب من الشخص أن يرسم زهرة أو ساعة، فيقوم برسم الجانب الأيمن من الزهرة أو الساعة ولا يرسم الجانب الأيسر (صورة رقم 4). أو يقوموا بحلاقة جانب الوجه الأيمن فقط (صورة رقم 5)، ويضعون كل المدن الهامة في فرنسا مثلاً بالجزء الأيمن من فرنسا (صورة رقم 6)، ولكن بعد إجراء وضع ماء ساخن بالأذن اليسرى، يتحسن الوضع قليلاً.

              
 

الأغرب من ذلك، أن العلماء طلبوا من مصابين قاموا بزيارة مدينة ميلانو سابقًا، أن يتخيلوا الوقوف في ساحة معيَّنة من ميلانو باتجاه الشمال ويتذكَّروا ما رأوه، فقاموا بوصف الأماكن الواقعة في اليمين فقط متناسين الأماكن على الأيسر، ولكن عندما وقفوا باتجاه الجنوب، ذكروا الأماكن الأخرى ونسوا الأولى.

11.                        بعض الخلايا الدماغية تعمل مثل خلايا القلب: هناك خميرة أو أنزيم هام جدًا في عمل الخلايا واستقلابها، يدعى بديهيدروجيناز اللاكتات أو LDH اختصارًا، وهو يحوي على أكثر من نظير، مثل النظير أ أو ب. معظم خلايا الجسم بما فيها العضلات وخلايا الدم تحوي على نسبة معيَّنة من النظير أ على ب، بينما تكون النسبة مقلوبة في خلايا العضلة القلبية بسبب الضرورة الاستقلابية العالية (وتكون أحد الفحوص التي تدلُّ على إصابة القلبية هي تغيُّر هذه النسبة أو نسبة خميرة أخرى هي CPK). لقد وجد أن هناك خلايا في الدماغ وهي الخلايا الواصلة القشرية تحتوي على نفس خصائص الخلايا القلبية والنشاط المستمرِّ. ومن الغريب أنها تظهر جزيئًا من المورِّثة الناقلة للإلكترون، كان يظن أنها موجودة فقط في القلب.

12.                        إحدى الاكتشافات الهامة حديثًا أنَّه حتى بالنسبة للأفكار المجرَّدة والمبادئ غير الملموسة لها قاعدة خلوية دماغية، وأنَّ أذيَّة هذه المناطق قد تؤثِّر على الفكر المجرَّد، والمبادئ، والقيم والشخصيَّة.

13.                        هناك الكثير من الآليات الداخليَّة التي تتحكَّم بتصرفاتنا: عندما نكون صحيحين، نظنُّ أننا نتحكَّم بما نفعله وما نقوم به 100%، ولكن للأسف، لا ندرك خطأ هذا الشيء إلا عند إصابتنا ببعض الأمراض، كالفالج في مناطق معيَّنة تدعى النوى القاعديَّة، أو مرض باركنسون أو هانتغتون أو العرَّات Tics التي تصيب الأطفال والشباب، أو الوسواس القهري، كيف يكون هناك آليات داخليَّة تتحكَّم بتصرفاتنا. لا ندرك هذا عندما نكون أصحَّاء، لأن هذه الدارات الداخليَّة تقوم بالعمل بأداء رائع ومنظَّم وانسيابي لا نشعر حتَّى بوجوده.

تظاهرات مرضيَّة غريبة للدماغ:

أولاً: متلازمة الموهوب Savant Syndrome: حالة نادرة تشاهد في 10% من مرضى التوحُّد وبنسبة أقل بكثير في متلازمات التأخر الذهني الأخرى. يظهر الشخص هنا تميُّزًا فريدًا في ناحية معيَّنة بالتحديد، رغم التأخر الذهني أو الاجتماعي أو العاطفي الموجود في النواحي الأخرى. يحدث التميُّز في إحدى النواحي الحسابيَّة أو الفنيَّة أو الموسيقيَّة أو الميكانيكيَّة، كأن يقوم بعمليات حسابية ضخمة بسرعة فائقة، أو يعزف قطعة موسيقية لمجرَّد سماعها لمرَّة واحدة، أو يرسم لوحة رائعة بمجرَّد رؤية صورة توحي بها، أو يقوم بتركيب شيء معقَّد بسرعة خياليَّة.

من أحد الأمثلة على متلازمة الموهوب Kim Peek والذي عانى من غياب الجسم الثفني corpus callosum وهي الحزمة الأساسيَّة التي تربط نصف الدماغ الأيمن بالأيسر. حفظ كيم 15000 كتاب عن ظهر قلب بما فيها الإنجيل، وكان خبيرًا بـ 15 موضوع مختلف من بينها الجغرافيا والتاريخ والأدب والرياضة والموسيقا. كان يقرأ صفحتين معًا بـ 8 ثوان، حيث تقرأ العين اليمنى الصفحة اليمنى واليسرى الصفحة اليسرى ويحفظها.

أحد الأمثلة الأخرى Leslie Lemke، والذي ولد خديجًا، وأصيب بالشلل الدماغي وارتفاع ضغط العين الشديد أو الزرق والذي أدى لاستئصال العينين، تمَّ بعدها تبنِّيه من قبل ممرضة عندها 5 أولاد. في إحدى المرَّات عندما كان ليسلي بعمر 16 سنة، استيقظت الممرِّضة على صوت موسيقى في منتصف الليل، وظنَّت أنها تركت التلفاز مفتوحًا، وإذا بها تفاجأ بليسلي يعزف كونشرتو البيانو الأول لتشايكوفسكي (وهو لم يتمرَّن على العزف سابقًا) بعد سماعه لها على التلفاز سابقًا. من بعدها، صار ليسلي يعزف كل أنواع الموسيقا بمجرَّد سماعها لمرَّة واحدة، وظهر على عدة أقنية تلفزيونيَّة في اسكندينافيا والولايات المتحدة واليابان.

من الأمثلة الأخرى Daniel Tammet الموهوب بالأرقام واللغات، فهو يرى الأرقام والحسابات في ذهنه كأنه يرى لوحات، فبالنسبة له، لكل رقم من 1 إلى 10000 شكل معيَّن ولون معيَّن وإحساس معيَّن وملمس معيَّن (يدعى هذا بدمج الحواس أو Synesthesia، وهي ظاهرة معروفة عند بعض المتعاطين للعقارات المهلسة، حيث يرون الأصوات أو يسمعون الألوان... الخ). كان دانييل يتلو قيمة رقم الـ بي Π إلى 22514 قيمة عشرية. كان يتكلم 11 لغة بطلاقة، وعندما طلب منه تعلُّم اللغة الأيسلندية وهي لغة صعبة جدًا، تعلمها في أسبوع واحد وظهر على التلفاز الأيسلندي يتكلمها.

ثانيًا: تعدد الشخصيات أو اضطراب افتراق الذَّات Dissociative identity disorder: أمَّا بالنَّسبة لتناذر الشَّخصيّات المتعدِّدة Multiple personality syndrome والذي يتظاهر كما أنَّ شخصيَّتين مختلفتين أو أكثر تسكنان جسدًا واحدًا وغالبًا ما يكون أصحاب هذا التناذر غير عالمين عن حالتهم، بل يشعرون فقط بفترة نسيان أو إغماء. ومعدل عدد الشَّخصيَّات المتعدِّدة في هؤلاء النَّاس هو 8-13 شخصيَّة. لقد تبيَّن أنَّ 97% من أصحاب الشخصيَّات المتعددة قد تعرَّضوا لرضٍّ شديد في الطفولة قد يكون جسديًّا أو نفسيًّا أو جنسيًّا؛ وافترض العلماء أنَّ هذا الرضَّ الشديد والذي صعب تحمُّله من قبل شخصيَّة واحدة قد أدَّى إلى الانقسام إلى عدة شخصيَّات.

يبدو أنَّ ظاهرة الشخصيَّات المتعدِّدة دليل على ما يسمِّيه Bohm بالتجزُّؤ Fragmentation وهو أنَّه عندما تقوم النَّفس بتجزيء نفسها فهي لا تصبح مجموعة أقسام مكسورة، بل تكاملات أصغر ضمن التَّكامل الأكبر، وكل تكامل له صفاته وأهدافه ورغباته المحدَّدة. وقد لوحظ أنَّ معظم أصحاب هذا التَّناذر يشخصون في عمر 28- 35، وهذا ما يدلُّ على وجود نظام تنبيه داخلي في هذا العمر محذِّرًا إيَّاهم بضرورة التَّشخيص والحصول على علاج. لقد وجد أنَّ النمط العام للموجات الدماغية قد تختلف من شخصيَّة لأخرى، وهذه ظاهرة غريبة جدًّا لا يمكن تفسيرها إلاَّ بالنظام الهولوغرافي؛ لأنَّ الشخص نفسه لا يستطيع تغيير طابع موجات دماغه بهذا الشَّكل حتَّى في الحالات الانفعاليَّة الشديدة. كذلك لوحظ أنَّه من الممكن أن تصاب شخصيَّة ما بداء السكري مع العلم أنَّ الشخصيَّة الأخرى غير مصابة، كذلك تختلف الضغوط الدمويَّة وجريان الدم والمقوية العضليَّة وعدد دقَّات القلب وطريقة الكتابة والقدرات الفنيَّة واللغات الأجنبيَّة المتقنة وحتَّى مقدار الذكاء. ولقد ذكرت حالة مريضة كانت كلُّ شخصيَّاتها تتحسَّس من عصير البرتقال باستثناء واحدة منها، فكان يظهر طفح واضح على الجلد كلَّما شربت العصير، ويختفي الطفح عندما تظهر الشَّخصية غير المتحسِّسة ليعود للظهور مع شخصيَّة أخرى. كذلك قد تكون شخصيَّة ما ثملة بتأثير الكحول، بينما يعود الشخص إلى صحوه عندما تظهر شخصيَّة أخرى. كذلك أظهرت الأدوية تأثيرًا مختلفًا على الشخصيات خاصَّة أنَّ بعض الشَّخصيَّات تكون طفوليَّة فتؤثِّر عليها مقادير صغيرة من الأدوية، كذلك وجدت حالات نساء يملكن دورتين أو ثلاث دورات طمثيَّة في شهر واحد، لأنَّ كلَّ شخصية لها دورتها الطَّمثيَّة المستقلَّة. كذلك يختلف النَّمط الصوتي من شخصية لأخرى (بالرغم من أنَّ أكثر الممثلين أداء لا يستطيع تغيير صوته بشكل كافٍ يستبعد معه النمط الأصلي الخاص به).

بعد أن استعرضنا الاضطرابات المختلفة لتعدُّد الشخصيات، لا بدَّ أن نذكر ميزات كبرى قد يحصلون عليها؛ فهم لا يتقدَّمون بالسنِّ بنفس السُّرعة التي يتقدَّم بها الأشخاص الآخرون، وقد ذكرت حالة امرأة تدعى Cassandra وتملك قدرات شفائيَّة كبيرة نظرًا لتنميتها لقدرات التخيُّل وقضائها أوقات طويلة في التأمل وممارسة طريقة تدعوها المنهجيَّة المتوازية Parallel Processing فهي تتحكَّم بالشخصيَّات المختلفة في نفس الوقت وتعطي كلاً منها دورًا معيَّنًا، فتستطيع العمل على عدَّة مؤلَّفات في نفس الوقت، كما تستطيع أن تجعل إحدى الشخصيَّات ترتاح وتنام بينما تقوم الأخرى بتحضير العشاء أو تنظيف البيت، كما أنَّ إحدى شخصيَّاتها المدعوَّة Celese تقضي 24 ساعة في اليوم في التأمُّل وتخيُّل أنَّ الجسم في صحَّة تامَّة وعندها معلومات هائلة عن تشريح وفيزيولوجيا الجسم. كثيرًا ما نكون مقتنعين باستحالة تغيير الأشياء، فإذا كان بصرنا ضعيفًا، فمعناه سيكون كذلك طوال الوقت، وإذا أصبنا بالسكري لا نتخيَّل أنَّ حالتنا ستزول مع اختلاف في المشاعر أو الأفكار، بينما تقوم دلائل الشخصيات المتعددة بكسر حدود هذه الحواجز التي وضعناها وتقدِّم فرضيات جديدة.

ثالثًا: تجاهل نصف الفراغ Spatial Hemineglect: تحدث هذه الظواهر عادة عند إصابة الفص الجداري الأيمن المسؤول عن الحس الفراغي، وخاصة مع ارتباطه بالمجال البصري الأيسر، فكثيرًا ما يظهر الشخص هنا عدم إدراك للأشياء على الجانب الأيسر، وقد تصل إلى درجة عدم إدراك الجانب الأيسر من جسده، وقد قام بعض الشخاص بالهلع وضرب الجانب الأيسر من جسمهم خلال الليل ظنًّا أنه شيء غريب.

عندما يطلب من هؤلاء الأشخاص رسم الساعة ووضع الأرقام يرسمونها كالتالي (صورة رقم 4)، عندما يقوم الرجل المصاب بالحلاقة، فقد يقوم بحلاقة نصف الوجه فقط (صورة رقم 5)، وعندما يطلب منهم رسم خريطة فرنسا، يضعون فقط المدن على الجانب الأيمن، وليس الأيسر (صورة رقم 6)، وقد يقومون بالتحسن عند إجراء تنبيه حروري للأذن اليسرى بالماء الساخن.

تظاهرات خاصة غير مألوفة:

أولا: دمج الحواس: Synesthesia هو اسم يطلق على الظاهرة، عندما تختبر إحدى حواسك من خلال حاسَّة أخرى... إنه يترجم إلى دمج الحواس أو الإدراك المشترك للحواس أو الحس المواكب. يسمع هؤلاء الأشخاص الأصوات أو يتذوقونها، يشعرون الأصوات، تتظاهر لهم الأفكار المجرَّدة كأن لها لون أو طعم أو صوت.

 

يمكن لدمج الحواس أن يتواجد عند أناس طبيعيين جدًا. في حين أنه نادر الحدوث بعد مرحلة البلوغ، يعتقد العلماء أن حوالي 4.4 % من السكان لديهم نوع من الحس المواكب الكامل، مع أحد أكثر الأنواع شيوعًا هو الحس المتزامن اللوني. يمتلك المصابون بهذه الحالة ارتباطًا واحدًا يربط الأحرف والأرقام بلون معين. في الواقع، تظهر مجموعة متزايدة من الأدلة أن الحس المواكب أكثر شيوعًا بين الأنواع الإبداعية وأن بعض العقول الأكثر إبداعًا - هوكني ، كاندينسكي ، نابوكوف - كانت بالفعل متزامنة. يشيع الحس المواكب 7 أضعاف أكثر عند الفنانين والشعراء والكتَّاب.

الحس المواكب الكلماتي الذوقي Lexical-gustatory synesthesia. من أندر أنواع الحس المواكب حوالي 0.2%، حيث يربط الناس الكلمات بالأذواق. قد يجد الأشخاص الذين يعانون من هذا النوع أن المحادثات تسبب تدفق الأذواق عبر ألسنتهم.

يظهر طبعًا الحس المواكب أو دمج الحواس بشكل أكبر عند تعاطي المواد المهلسة وفي بعض الحالات المرضية الذهنيَّة. كذلك يبدو أن الحشيش والكحول والكافئين يمكن لها أن تسبِّب دمج حواس مؤقَّت.

عادة ما يولد الأشخاص الذين يعانون من الحس المواكب معه أو يصابون به في مرحلة مبكرة جدًا من الطفولة. من الممكن أن يتم تطويره لاحقًا كمصدر موثوق. تشير الأبحاث إلى أن الحس المواكب يمكن أن يكون وراثيًا.

كل واحدة من حواسك الخمس تحفز منطقة مختلفة من دماغك كما رأينا سابقًا. إن النظر إلى جدار أصفر نيون لامع، على سبيل المثال، سوف يضيء القشرة البصرية الأساسية، في الجزء الخلفي من دماغك. إذا كنت تعاني من الحس المواكب، فقد تشعر أيضًا أنه يمكنك تذوق لون الجدار أثناء النظر إليه. لذلك لن يتم تحفيز قشرتك البصرية الأساسية فقط من خلال اللون، بل يتم تحفيز الفص الجداري الخاص بك، الذي يخبرك بمذاق شيء ما، أيضًا. لهذا السبب يعتقد الباحثون أن الأشخاص الذين لديهم الحس المواكب لديهم مستوى عالٍ من الترابط بين أجزاء الدماغ المرتبطة بالمنبهات الحسية.

التخاطر Telepathy. التواسط الروحي mediumship، التزامن Synchronicity، والتحريك النفسي psychokinesis، وهو انتقال مباشر للفكر من شخص (مرسل أو وكيل) إلى شخص آخر (متلقي أو مستلم) دون استخدام قنوات الاتصال الحسية المعتادة، ومن ثم فهو شكل من أشكال الإدراك خارج الحواس (ESP).

التخاطر (من اليونانية τῆλε ، tele تعني "بعيد" وπάθος / -α ، باثيا تعني "الشعور، الإدراك، العاطفة، الضيق، الخبرة") هو النقل غير المباشر المفترض للمعلومات من شخص إلى شخص لآخر دون استخدام أي قنوات حسية بشرية معروفة أو تفاعل جسدي. تمت صياغة المصطلح لأول مرة في عام 1882 من قبل العالم الكلاسيكي فريدريك دبليو إتش مايرز، مؤسس جمعية البحث النفسي. التحريك النفسي هو القدرة المفترضة على تحريك الأشياء بالجهد العقلي وحده.

تاريخيًا تم انتقاد تجارب التخاطر بسبب الافتقار إلى الضوابط المناسبة والتكرار. لا يوجد دليل جيد على وجود التخاطر، ويعتبر المجتمع العلمي هذا الموضوع عمومًا علمًا زائفًا Pseudoscience.

ومع ذلك، نحن بحاجة إلى التفريق بين ما هو المقصود من التخاطر القائم على المنطق والعقل، والتواسط الروحي Mediumship - الذي يقوم على الإحساس السادس المتعلق بالعواطف والاستشعار النفسي. من الشائع، على سبيل المثال، أن تفكر في شخص لم تره منذ عدة سنوات وأن تتلقى مكالمة هاتفية منه بعد ذلك بوقت قصير.

التزامن (بالألمانية: Synchronizität) هو مفهوم تم تقديمه لأول مرة بواسطة عالم النفس التحليلي Carl G. Jung "لوصف الظروف التي تبدو مرتبطة بشكل هادف، ولكنها تفتقر إلى الارتباط السببي".

آمن العالم النفسي الكبير كارل يونغ مثلا بالتزامن synchronicity. يبدو أن Jung  نشأ مع قبول لا جدال فيه للتخاطر، وفي سنواته الأخيرة طور نظامًا نظريًا متقنًا لشرح الأحداث الخارقة من هذا النوع.

صرح يونغ أن أحداث التزامن ليست سوى حوادث صدفة من وجهة نظر إحصائية بحتة، ولكنها ذات مغزى عميق من حيث أنها قد تبدو وكأنها تثبت صحة الأفكار الخارقة.

أحدثت التطورات الحديثة في واجهات الدماغ والحاسوب دورًا في تحويل الخيال العلمي المتمثل في نقل الأفكار مباشرة من دماغ إلى آخر إلى واقع ملموس. كما أفادت الدراسات التي نُشرت في العامين الماضيين عن انتقال مباشر لنشاط الدماغ بين حيوانين، بين شخصين وحتى بين إنسان وفأر. تسمح "واجهات الدماغ إلى الدماغ" (BBIs) بالنقل المباشر لنشاط الدماغ في الوقت الفعلي عن طريق اقتران دماغ شخصين.

لا تسمح الطبيعة الكهربائية للدماغ بإرسال الإشارات فحسب، بل تسمح أيضًا باستقبال النبضات الكهربائية. يمكن توصيلها بطريقة غير جراحية باستخدام تقنية تسمى التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS). ينشئ جهاز TMS حقلاً مغناطيسيًا فوق فروة الرأس، مما يتسبب بعد ذلك في حدوث تيار كهربائي في الدماغ. عندما يتم وضع جهاز TMS فوق القشرة الحركية، يمكن تنشيط المسارات الحركية ، مما يؤدي إلى حركة أحد الأطراف أو اليد أو القدم أو حتى إصبع اليد أو إصبع القدم.

يعمل العلماء الآن على طرق لفرز كل الضوضاء في موجات الدماغ للكشف عن إشارات محددة يمكن استخدامها بعد ذلك لإنشاء قناة اتصال اصطناعية بين الحيوانات.

كان أول دليل على ذلك في دراسة أجريت عام 2013 حيث تم توصيل زوج من الفئران من خلال BBI لأداء مهمة سلوكية. تم تعزيز الاتصال من خلال منح كلا الفئران مكافأة عندما يقوم الجرذ المتلقي بالمهمة بشكل صحيح. في أعقاب هذه الدراسة كان إثباتًا على أن الإنسان يمكنه التحكم في حركات ذيل الجرذ عبر BBI.

نحن نعلم الآن أن BBIs يمكن أن تعمل بين البشر أيضًا. من خلال الجمع بين تخطيط الدماغ EEG وTMS، نقل العلماء فكرة تحريك يد من شخص إلى فرد منفصل، والذي قام بالفعل بتحريك يده. يعمل BBI بشكل أفضل عندما يكون كلا المشاركين متعاونين واعين في التجربة.

نظرية كارل يونج هي اللاوعي الجمعي. كان يعتقد أن البشر مرتبطون ببعضهم البعض وبأسلافهم من خلال مجموعة مشتركة من التجارب. نستخدم هذا الوعي الجمعي لإعطاء معنى للعالم. في النهاية يبدو أن فكرة كارل يونغ عن اللاوعي الجمعي أو ربما الأصح أن نقول الوعي الجمعي أو الوعي التجاوزي أو الكوني كما سمته بعض المدارس الروحية، هو أساس هذه التظاهرات، وتظاهرات أخرى مثل الأطفال الذين تذكروا حيوات سابقة، أو تجارب ما حول الموت وغيرها، وهنا يبدو أن هؤلاء الأشخاص يستطيعون العمل على أمواج دماغية أكثر بطئًا وانسجامًا خلال الحياة العادية لهم. بعض هؤلاء الأشخاص موهوبون فطريًا، وبعضهم استطاعوا فعل ذلك مع تمارين معينة. لا شك أن الدجل والاحتيال لعبا دورًا كبيرًا أحيانًا، ولكن من خلال التجارب الحديثة، لم يمكن نكران هذه الظواهر كليًا ونفي وجود بعض الأساس العلمي لها.

في النهاية نستطيع القول، ومع كل النتائج الحديثة للفيزياء الكوانتية والعلوم العصبيَّة، أن الطاقة والمادَّة في حالة تبادل مستمرٍّ غير مرئي لنا بسبب المستوى ما تحت المجهري لهذه التبادلات، وبسبب تأثير أفكارنا على نتائج تلك التجارب، ويبدو أن الدماغ يشكِّل مستوى مضخَّمًا من هذه التبادلات من خلال وجود قاعدة ماديَّة وفيزيولوجيَّة مثبتة لنتائج وعمل الأفكار، ولكن بنفس الوقت، يوجد طبيعة غير ملموسة للأفكار نفسها، وهذا ما يجعل الجسيمات ما تحت الذرَّة، والذرَّة، والخليَّة وبالشكل الأكبر الدماغ قاعدة واسعة للتبادل ما بين الداخل والخارج، ما بين المادة والروح، ما بين الين واليانغ، ما بين ماهو شخصي وما هو موضوعي، وفي النهاية ما بين هو فان وما هو أبدي.

يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر". ويقول جلال الدين رومي: "حجم قلبك كالمحيط، فاذهب وجد نفسك في أعماقه الخفيَّة"، ويقول أيضًا: "حجم قلبي صغير جدًّا، فكيف يتَّسع لكل هذا الأسى، أجابني قلبي: انظر، فإن عينيك أصغر منَّي، ومع هذا، فهما تحتويان العالم كلَّه".

*** *** ***

المراجع:

 

·         Vibrational Medicine: Richard Gerber, MD.

·         Fifty years of disconnexion syndromes and the Geschwind legacy. M.-Marsel Mesulam.      Brain, Volume 138, Issue 9, September 2015, Pages 2791–2799.

·         13 fascinating facts about the brain from leading neuroscientists. 12 March 2019, 2021 Sainsbury Wellcome Centre, ainsbury Wellcome Centre for Neural Circuits and Behaviour.

·         Investigating paranormal phenomena: Functional brain imaging of telepathy, Ganesan VenkatasubramanianPeruvumba N JayakumarHongasandra R Nagendra,1 Dindagur NagarajaR Deeptha,1 and Bangalore N Gangadhar.     Int J Yoga. 2008 Jul-Dec; 1(2): 66–71.    doi: 10.4103/0973-6131.43543

·         The Merit of Synesthesia for Consciousness Research. Tessa M. van Leeuwen, Wolf Singer and Danko Nikolić, Psychol., 02 December 2015 | https://doi.org/10.3389/fpsyg.2015.01850

·         5 amazing people with Savant Syndrome, aruma.com.au

·         The savant syndrome: an extraordinary condition. A synopsis: past, present, future,   Darold A. Treffert1,2,*   Philos Trans R Soc Lond B Biol Sci. 2009 May 27; 364(1522): 1351–1357.   doi: 10.1098/rstb.2008.0326

·         Dissociative Identity Disorder (Multiple Personality Disorder), Cleveland Clinic publications.

 

horizontal rule

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

info@maaber.50megs.com  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود