إستراتيجيَّة العمل اللاَّعنفي
مراحلها وآليَّاتها: محاضرة ونقاش 2

 

جان ماري مولِّر

 

جان ماري مولِّر: سنتابع معًا اليوم نقاط إستراتيجية العمل. وقد وصلنا إلى

النقطة السابعة: إرسال إنذار:

إذا اصطدمنا برفض أيِّ حلٍّ تفاوضي للنزاع، يصبح من الضروري عندئذٍ تحديدُ مهلة أخيرة للخصم، يعطي بعدها مسئولو الحركة التعليمات بالانتقال إلى العمل المباشر. فبعد فشل وسائل الإقناع في إقناع الخصم بقبول المطالب التي رُفِعَتْ إليه ينبغي اللجوء إلى وسائل الضغط التي تهدف إلى إكراهه. ويُعَد الإنذارُ النهائي محاولةً أخيرة للتوصل إلى اتفاق تفاوضي والشروع في اختبار القوة. والأرجح هنا أن يرفض الخصمُ الاستسلامَ لما يسميه بـ"التهديد" ولما يعتبره "ابتزازًا غير مقبول". لذا سيرفض الإنذار، مؤكدًا أنه لا يخشى اختبار القوة. وهنا ينبغي الاستفادة من المهلة التي يتيحها الإنذارُ لتسريع التحضيرات الضرورية للعمل. والإنذار أيضًا، بنظر الرأي العام، إشارة إلى الاستعداد للشروع في العمل.

النقطة الثامنة: اللاتعاون المباشر:

لا يمكن لنا أن ندَّعي، هنا، وضع قائمة شاملة بمختلف أشكال اللاتعاون non-coopération الممكنة. فكل ظرف محدَّد يستلزم شكلاً محدَّدًا من اللاتعاون. لذا فإن الخيال هنا هو سيِّد الموقف. من بين التكتيكات التي لُجئ إليها في هذا الصدد، نذكر بالأخص:

رفض تسديد الضريبة: في جميع المجتمعات، كانت هناك فئات رفضتْ تسديد الضريبة. ففي فرنسا، مثلاً، أيام الإقطاعيين الكبار الذين كانوا يفرضون المكوس على الفلاحين، كان هناك فلاحون عصاة تمردوا ورفضوا تأدية الضريبة للإقطاعيين. بالطبع، عندما يؤدي المواطنون، في أيِّ مجتمع، الضريبةَ فإنهم يساهمون في تمويل المبادرات ذات الصلة بالمصلحة العامة. أنا، كمواطن فرنسي، من الطبيعي أن أؤدي الضريبة حتى تستطيع الحكومة الفرنسية أن توفر للأطفال والشباب التعليم المجاني، مثلاً لا حصرًا. ولكنْ، في هذه النقطة بالذات، يجب أن يكون المواطن مسؤولاً عن استعمال الدولة للمال العام. فإذا استُعمِلَتْ هذه الأموالُ لتصنيع الأسلحة فإني أستطيع، بدافع من ضميري، أن أرفض سداد الضريبة. في نضال اللارزاك، الذي تكلمت عليه بالأمس، كان يمكن للضرائب أن تُستعمَل لشراء الأرض التي ستُنتزَع من الفلاحين ويُبنى عليها معسكرُ الجيش. وعندي صديقة، اسمها هيلين روسييه، رفضت دفع الضريبة في هذا السياق، فجاء الجباة وقالوا لها: "إذا لم تدفعي الضريبة سوف نحجز على أثاث بيتك ونعلن في الجرائد أنك مواطنة سيئة!" فقالت: "لكننا سنسبقكم ونعلِّق لافتات نفضح فيها أنكم موظفون سيئون!" عند ذاك تراجعوا عن موقفهم، واكتفوا بإيقاف سريان راتبها، لكنهم وضعوا اليد على إنترفون البيت! هناك أيضًا

الإضراب المفتوح عن الطعام: وهو امتناعٌ عن كلِّ مأكل إلى أن يتم الحصول على المطالب. بالطبع، المهلة هنا قصيرة: فإما أن أواصل الإضراب عن الطعام حتى أنال مطالبي، وإما أن أكفَّ عن الإضراب من غير أن أبلغ هدفي، وقد يقدَّر عليَّ أن أموت إذا تعذر إمكانُ بلوغ الهدف. من هنا ففي الإضراب المفتوح ينبغي، أكثر مما في الأعمال الأخرى، تحديد هدف ممكن: إذا أضربتُ عن الطعام من أجل إزالة الرأسمالية فلا ريب أني سأموت قبل زوالها! في عبارة أخرى، إذا قررتُ مناوأة الرأسمالية يجب أن أختار نقطة بعينها من المنظومة الرأسمالية تقع ضمن مداي الممكن. في هذا المنهج، أكثر مما في جميع الأعمال اللاعنفية الأخرى، سيكون موقف الرأي العام أساسيًّا في حسم النتيجة: فإذا استطعت استنهاض الرأي العام فحظوظي في نيل مطالبي كبيرة.

بوبي ساندس (1954-1981).

هل يعني اسم بوبي ساندس Bobby Sands لكم شيئًا؟ بوبي مناضل أيرلندي كان مسجونًا في سجون السيدة تاتشر، وقد أضرب إضرابًا مفتوحًا عن الطعام ليحصل على منزلة سجين سياسي. من حيث المبدأ، كان الهدف متاحًا، إذ لم يكن الرجل يطالب بإطلاق سراحه، بل بالحصول على منزلة السجين السياسي. لكن السيدة تاتشر لم تخضع، ومات الرجل في السجن بعد 65 يومًا من إضرابه عن الطعام. إذ إن القدرة على احتمال الصوم تتراوح بين 60 إلى 80 يومًا؛ ولكن اعتبارًا من اليوم الخامس والثلاثين، من الممكن أن يقع أذى على الجسم غير قابل للترميم...

پريهان قمق: هل تُحرَج السلطاتُ بهذه الطريقة؟! هل من الممكن أن يحدث لاحقًا تطورٌ في تفاعلها مع المضربين؟

جان ماري مولِّر: إذا أذعنت السلطة للمضربين [عن الطعام] فهذا بمثابة هزيمة لها وانتصار لهم. وهذا قد يحدث إذا حصل استنفار كبير للرأي العام؛ وبعده يمكن أن تواصل الحركة نشاطها باتجاه أهداف أخرى. يمكن لنا أن ندرس، مثلاً، إضرابات غاندي المفتوحة: فقد قام لعدة إضرابات من هذا النوع، ولاسيما قبل الاستقلال حين اشتبك الهندوس والمسلمون في نزاعات دموية، فأضرب إضرابات مفتوحة عن الطعام كي تتوقف أعمال العنف، وكانت هيبته من الكِبَر بحيث إن العنفيين جاؤوا ووضعوا أسلحتهم في غرفته. هل شاهدتم فيلم غاندي [من إخراج ريتشارد أتنبورو]؟ نرى هذا كله في الفيلم.

غاندي في أثناء صيامه يحيط به أتباعه الأقربون.

پريهان قمق: عندما نسمع هذا الكلام نفترض أن له مجالاتٍ تطبيقية. إذًا عندما أريد أن أقاوم بالإضراب [عن الطعام] لا ينبغي لي أن أكون وحدي، بل يجب استنهاض الرأي العام لإحراج السلطات القائمة، حتى السلطات التي تعتقد أنه لا يمكن إحراجُها!

جان ماري مولِّر: لا يكفي اقتراح ذلك حتى نحصل عليه تلقائيًّا. فحتى نباشر إضرابًا مفتوحًا عن الطعام يجب أن نتأكد من حصول استنفار للرأي العام في المراحل السابقة، ويجب أن نستطيع أن نتكل اتكالاً معقولاً على "نقاط مساندة" points de relai في أكثر من مكان في البلد، بحيث تتشكل لجانٌ فرعية في أثناء الإضراب المفتوح عن الطعام؛ وهذه اللجان تُضرب إضراباتٍ محدودةً عن الطعام تضامنًا مع الإضراب غير المحدود...

محمد العمار: أي أننا نركز هنا على إنسانية الخصم التي، أنا شخصيًّا، متأكدٌ من وجودها فيه.

جان ماري مولِّر: يبدو أن هناك واقعية كبيرة في هذه المراهنة على إنسانية الإنسان. نقطة أخيرة فيما يتعلق بالإضراب عن الطعام: يمكن أن يُضرب عن الطعام شخص واحد، وكل شيء يتوقف على شخصية هذا الشخص. عندما يضرب غاندي عن الطعام فلهذا، بالطبع، أهمية كبيرة. يجب أن تكون للشخصيات المضرِبة عن الطعام مصداقية أخلاقية كبيرة. لكن من المهم أيضًا تنظيم إضرابات جماعية واسعة: كأن يشارك مائتا شخص بإضراب عن الطعام. قد تكون لهذا فعالية كبيرة. إذا لم تخنِّي الذاكرة، جرى في الإكوادور إضراب شارك فيه عدة مئات من الناس وحصلوا على حقوقهم.

النقطة التاسعة: البرنامج البنَّاء:

هذا البند قصير جدًّا، لكنه في غاية الأهمية. حتى تكون حملة العمل اللاعنفي متوازنة، يجب أن تقوم على عمودين اثنين: العمود الأول هو اللاتعاون؛ والعمود الثاني هو البرنامج البناء. البرنامج البنَّاء programme constructif لن يكتفي فقط بالإدانة والاحتجاج والفضح، بل سوف يقترح البدائل ويبني؛ أي أنه سيحاول أن يضع موضع التطبيق تلك العدالة التي نطالب بها. سنحاول من الآن أن نحقق نواة المجتمع العادل الذي نطالب به. ضربتُ مثالاً على ذلك معترضي الضمير الذين رفضوا تأدية الخدمة العسكرية في الجزائر (= لاتعاون)؛ لكنهم، في المقابل، اقترحوا تأدية خدمة مدنية (= برنامج بنَّاء). في اللارزاك، رفض الفلاحون دفع الضرائب (= لاتعاون)، لكن المال الذي وفرناه ولم ندفعه ضريبةً للدولة كنَّا نعطيه للفلاحين حتى يستطيعوا بناء حظائر للأغنام (= برنامج بنَّاء). غاندي نظَّم مقاطعة النسيج الإنكليزي (= لاتعاون)، لكنه طلب من الهنود إعادة إحياء صناعة النسيج اليدوية في القرى الهندية (= برنامج بنَّاء). إلخ.

محمد العمار: منذ سنتين، رفض 29 طيارًا إسرائيليًّا المشاركة في قصف المناطق الفلسطينية. أعتبر هذا الموقف موقفًا إيجابيًّا للغاية. ولكن فيما يتعلق بالمثال الجزائري الذي اقترحه المُحاضر أظن أن هناك لبسًا: إذ كيف أمتنع عن الخدمة العسكرية وأقبل، في الوقت نفسه، أن أكون عاملاً في الخدمة الاجتماعية للنظام الاستعماري؟!

جان ماري مولِّر: كان القصد هو العمل مع الأهالي الجزائريين الفقراء الذين كانوا في حاجة إلى معونة اقتصادية. في نوايا معترضي الضمير كان هناك، بالطبع، رفض الحرب مباشرة، لكن الأساس كان رفض الاستعمار أصلاً.

پريهان قمق: في المنطق السياسي الپراغماتي الحديث، كما في المسألة العراقية حاليًّا، يتم استغلال هذا البُعد الإنساني من أجل إضفاء وجه "إنساني" على الاحتلال؛ أي أن الاحتلال يستغل المعارضين ويستثمرهم في إعلامه.

جان ماري مولِّر: هذا هو عمل "كتيبة السلام" Peace Corps المدنية؛ وهؤلاء ليسوا معترضي ضمير...

مارتينا پنياتي: معترضو الضمير في الولايات المتحدة يشكلون مجموعات ضغط على الرأي العام في الولايات المتحدة نفسها؛ وهم يتعاونون كثيرًا مع المحاربين القدماء الذين شاركوا في الحرب واكتشفوا لاإنسانيتها وعبثيتها...

پريهان قمق: الإعلام الأمريكي يستغل هذا لإظهار وجه "إنساني" للمحافظين الجُدُد...

مارتينا پنياتي: بالعكس، فمجموعات المحاربين القدماء الذين يدينون الحرب إدانة شديدة تُقاطعهم وسائل الإعلام مقاطعة تامة.

جان ماري مولِّر: أظن بأن "كتيبة السلام" المدنية هي التي تستعملها السلطات الأمريكية؛ وهؤلاء ليسوا معترضي ضمير، بل متطوعون يقومون بخدمة مدنية، ولكنهم يبقون ضمن منطق سياسة الحكومة. ما نطلبه من الخدمة المدنية في فرنسا هو ألا تتموضع ضمن منطق الخدمة العسكرية للدولة.

هلا شامية: يمكن لشخص أن يقرر، عندما يذهب إلى الخدمة العسكرية، الإصرار على العمل الإداري، طالبًا إعفاءه من حمل السلاح. هناك شخص فنلندي أعرفه قال: "لا أريد أن أتعلم حمل السلاح"، فقالوا له: "أنت صحيح الجسم، ونحن لا نستطيع تعيينك في عمل إداري." لكنه أصر، فحصل على ما يريد وتعلَّم الطبخ.

جان ماري مولِّر: هناك حالات اعتراض ضمير جزئي. فبمعنى ما، إذا أطعم هذا الشخص الجنود فهو يشارك في الحرب مشاركةً غير مباشرة. أعتقد أن موقفه شجاع – وأنا أحترمه؛ لا أريد أن أقلِّل من شأن هذا الموقف، لكنه – وليسمح لي – موقف جزئي.

نصل الآن إلى

النقطة العاشرة: القمع:

هذا هام جدًّا مرة أخرى. بالطبع، أية حركة مقاومة لاعنفية سوف تحرض القمع repression؛ والعمل اللاعنفي هو تحدٍّ للقمع. القمع، على نحوٍ ما، هو جزء من قواعد اللعبة، ويجب أن أتوقع حصوله؛ يجب أن أكون على بيِّنة من نصِّ القانون في أعمال العصيان المدني. لكني بمقدار ما أصرح علنًا بلاعنفيَّتي وألتزمها التزامًا مطلقًا يبدو القمع وكأنه من مسؤولية السلطات وحدها. العمل اللاعنفي، بمعنى ما، ثورة بالمقارنة مع العمل العنفي. بالطبع، العمل العنفي سوف يُقمَع أيضًا، لكن عنف الناشطين المقاومين سيجيز للسلطات أن تبرِّر قمعها؛ عنف المتظاهرين، مثلاً، سيجيز للسلطات أن تقول: "نحن لا نفعل سوى الدفاع عن المجتمع." أما في حالتنا فهناك انقلاب في الأدوار: ليس المتظاهرون هم المسؤولين عن العنف، بل السلطات وحدها هي المسئولة. وهذا يغير من توازُن القوى، يغير كلَّ شي، ولاسيما من منظار الرأي العام، لأن الرأي العام قد يوافق على قمع العنيفين (وهذا ضمن منطق الأمور)، بينما يمكن للرأي العام أن يرفض قمع اللاعنفيين.

هذا القمع قد يكون وحشيًّا جدًّا، مع إمكانية أن يحدَّ العملُ اللاعنفي من شدته. ولكن الحالات النموذجية كلها ممكن. من هنا يجب توقُّع حصول القمع. ومن الحكمة هنا أن أحرض القمع الذي أستطيع أن أطيقه، مثل الملاكم الذي يتلقى الضربات: فهو يجب أن يعرف حدود إمكاناته: فإذا حرضتُ قمعًا من شأنه أن يكسر حركة المقاومة فهو الإخفاق لا محالة. القمع سيبدأ قبلئذٍ، سيُمارَس القمعُ منذ بداية العمل، ولكن في اللحظة الحاسمة من العمل فإن القمع يتصاعد: يمكن لمجرد توزيع منشور في الشارع، على سبيل المثال، أن يثير القمع؛ يمكن لي، في بعض البلدان، أن أُعتقَل لمجرد أني سرَّبتُ منشورًا إلى جارتي! هنا سيكون لموقف الدولة تأثير حاسم، من حيث كونُها ديموقراطية أو توتاليتارية. وعندما يتصاعد القمع، هناك فرضيتا عمل: إما أن يكسر القمعُ الحركة، يفكِّك نوابض المقاومة، ويحدث الإخفاق؛ وإما أن يفشل القمع في كسر شوكة المقاومة، فتكون المقاومة أشد من القمع، وتنتصر.

لو أتيح لنا وقتٌ كافٍ لاستطعنا أن نسوق أمثلةً على حالات استطاع فيها القمعُ كسر شوكة المقاومة وحالات استطاعت فيها المقاومة أن تنجح وتفوز. نأخذ غاندي مثالاً: مسيرة العصيان المدني، المعروفة بـ"مسيرة الملح" [1930]، وفيها فاز غاندي، فيما لم ينجح في حركة "غادروا الهند" [1942]: ففي هذه الحركة، أراد غاندي، إبان الحرب العالمية الثانية، أن ينحاز إلى الديموقراطيين ضد الفاشيين، فميَّز بالطبع بين الديموقراطيتين البريطانية والفرنسية وبين الفاشية والنازية، لكنه قال للإنكليز: برهنوا على أنكم تدافعون عن الديموقراطية وعلى أنكم ديموقراطيون بأن تبدؤوا بالاعتراف باستقلال الهند، فقال البريطانيون: نعم، ولكن بعد الحرب، فأجابهم غاندي: لا، أريد الاستقلال الآن، وقال لهم: "غادروا الهند حالاً" Quit India now!. صبيحة اليوم التالي، اعتُقِلَ غاندي من دون أن يتاح له المجالُ لإعطاء الهنود توصيات للعصيان المدني، فلم يحدث أي تنظيم للعمل، وفقد الهنود بوصلتهم، وحدث الإخفاق، فانفعل القوم وأضرموا النار في كلِّ الأبنية الرسمية البريطانية، واعتُقِلَ جميعُ زعماء الحركة؛ آلاف المتظاهرين اعتُقِلوا، وكان الإخفاق تامًّا. حتى عند غاندي نجد هذين الاحتمالين.

غاندي مع أبو الكلام آزاد وكريپالاني لدى انعقاد اجتماع "غادروا الهند"
التاريخي ضمن "لجنة مؤتمر عموم الهند"
(آب 1942).

هناك، في هذا الصدد، دراسات مهمة مثل: ماذا حصل في بورما؟ ماذا حصل لحركة المقاومين الرهبان بعد القمع؟ بما أنه ليست لدينا وثائق حول هذا الموضوع يمكن لنا أن نفترض أن القمع كسر شوكة مقاومة الرهبان. ولكن، في غضون شهرين، ربما وصلتنا أخبار بأن هناك مظاهرات لاعنفية للرهبان مستمرة؛ والأمر نفسه ينطبق على التيبت.

أنطلق هنا من فرضية أن الحركة استطاعت أن تتغلب على القمع، مما يضطر الخصم إلى التفاوض، فنصل إلى

النقطة الحادية عشرة: المفاوضات النهائية:

كاجو كاجو: هناك مثال إيران أيضًا... ماذا عنه برأيك؟

جان ماري مولِّر: في أية سنة؟

كاجو كاجو: 1979.

جان ماري مولِّر: سأنتهي وأجيب عن سؤالك. يمكن لنا أن نعقد ورشة كاملة حول إيران بالذات!

زينب نطفجي: ألا يمكن لنا اعتبار قصف الپرلمان السوري حالة فشل للعصيان المدني بسبب القمع؟ لقد قُصِفَ الپرلمان بسبب رفض تنفيذ أمر عسكريٍّ بتحية العلم الفرنسي!

جان ماري مولِّر: ما تقولين يهمني بشغف كبير. يمكن لنا، في ورشة أخرى، أن نصرف ساعاتٍ في درس الملف التاريخي السوري الذي لا أعرف عنه الكثير.

في المفاوضات من المهم عدم الاكتفاء بالوعود، عدم تعليق العمل المباشر مادام لم يُتوصَّل إلى قرارات. لا يُوقف العملُ المباشرُ إبان المفاوضات، لا تعلَّق النشاطات، لأنه في حال إخفاق المفاوضات يكون من العسير جدًّا إعادة تفعيلها من جديد. بالطبع، على النتائج أو القرارات المتخَذة أن تلبي ما هو جوهري في المطالب. وهنا يتعلق الأمر بقدرة تمييز زعماء الحركة وحكمتهم وحسن تقديرهم، بحيث يمكن أن يحدث نوع من التسوية أو التنازل ضمن حدود الحصول على 80% من المطالب، وهذا يُعتبَر مُرضيًا. وقد يكون من أكثر هواجس العمل اللاعنفي أن نسمح للخصم بحفظ ماء وجهه: الخصم خاسر مادمنا قد كسبنا، ولكن من المهم عدم إذلاله، من المهم الحرص على إمكان أن يصير شريكًا فيما بعد. وهكذا، إذا قُبِلَت المطالبُ من حيث جوهرُها، يمكن البدء بالاحتفال، كل بلد بحسب ثقافته: إذا كنَّا في سورية، مثلاً، فكأس العرق هي التي تدور، أو الشمپانيا في فرنسا، أو ربما عصير البرتقال!

لكننا يجب ألا ننسى أن هذا الانتصار جزئي ومحدود بحسب الهدف الدقيق والمحدود والواضح والممكن الذي وضعناه نصب أعيننا. يمكن أن يتوقف النضال هنا، مثلاً، كما حدث حين حصل فلاحو اللارزاك على إمكان الاحتفاظ بأراضيهم، فتوقف النضال. أما في حالة غاندي الذي كان يطالب باستقلال الهند فلم يكن ممكنًا لإلغاء قانون الضريبة على الملح أن يوقف الكفاح، لذلك فقد استمر. عندما حصلت نقابة "تضامن" على الاعتراف بها من قبل الحكومة كان هذا نصرًا مذهلاً، كانت "تضامن" أول نقابة حرة في بلد شيوعي؛ لكن العمال والمثقفون والشعب الپولوني بأسره لم يشاءوا التوقف هنا، بل أرادوا تغييرًا جذريًّا في النظام الشيوعي. في هذه الحالة – وفقط في هذه الحالة – ليس النصر الأولي إلا بداية جديدة. كان الطلاب الفرنسيون في أيار 1968 يقولون: "هذه ليست إلا بداية، فلنواصل الكفاح!" إذ ذاك نقوم باختيار أهداف أخرى، وسوف تتراكم النضالات فيما يُعرَف بـ"رَسْمَلة النضال" capitalisation de la lutte.

النقطة الثانية عشرة: استلام السلطة على مستوى القاعدة:

يجب أن نفهم أنه عبر استمرار حملة العمل اللاعنفي المباشر على كرِّ الزمن يتعلم المواطنون الإدارة الذاتية autogestion، فيديرون شؤونهم بأنفسهم. هذا العقد الاجتماعي الجديد الذي لا يسمح فيه المواطنون للدولة بأن تدير شؤونهم، لكنهم ينوون في إصرار أن يتحملوا مسؤوليتهم في إدارة شؤونهم الخاصة – هذا ما أسميه "استلام السلطة عند القاعدة" prise du pouvoir à la base، حيث "القاعدة" هي المجتمع المدني. هنا أعارِض ما بين القاعدة الشعبية و"القمة" التي نسميها الدولة: ففي الثورة اللاعنفية يتم استلام السلطة من القاعدة إلى القمة، وليس العكس. وليس المقصود بالثورة اللاعنفية أن نستلم سلطة الدولة: نريد، أولاً، تنظيم سلطة المواطنين عند القاعدة الاجتماعية على مستوى المجتمع المدني. فإذا استلمت الحركةُ السلطةَ قبل أن يحين الأوان، عبر الانتخابات مثلاً، إذا لم يكن قد تمَّ تنظيم المواطنين بدءًا من القاعدة، فهناك تخوف من أن الدولة نفسها لا يمكن إدارتها والحفاظ على تماسكها. وهنا تفيد جدًّا دراسةُ حالة استلام سلڤادور أيِّندِه Salvador Allende للسلطة في تشيلي: فقد استلم أيِّندِه السلطة في تشيلي من غير أن يكون هناك تنظيم للقاعدة المُواطنية الأساسية؛ وهذا ما أدى إلى ثورة مضادة قام بها الجنرال پينوشيه Pinochet.

سلڤادور أيِّندِه (1908-1973).

ولكن بمقدار ما تكون الغاية النهائية هي التوصل إلى استلام السلطة، يجب أن نقوم لـ

النقطة الثالثة عشر: التنظيم السياسي:

التنظيم في البدء كان تنظيمًا اجتماعيًّا ذا أهداف محدودة. في هذه الحالة – وفقط في هذه الحالة (وهنا ألزم جانب الحيطة) – تصير الحركةُ هنا سياسية وتريد أن تستلم السلطة السياسية. هكذا تحولت نقابة "تضامن" إلى حزب سياسي. إذ ذاك نصل إلى

النقطة الرابعة عشر: استلام السلطة السياسية:

هناك سيناريوهان لاستلام السلطة: الأول انتخابي والثاني انتفاضي. وهذان النموذجان موجودان في أوروبا الشرقية: كوصول نقابة أو حزب "تضامن" إلى السلطة من خلال الانتخابات، واستلام ڤتسلاڤ هاڤل للسلطة عن طريق التمرد أو الانتفاضة، وقد كانت انتفاضة لاعنفية بحتة. من المهم جدًّا دراسة الحالة التشيكوسلوڤاكية، لكن في جلسات طويلة أخرى.

كاجو كاجو: بمجرد أن تستلم الحركةُ السلطةَ من دون انتخابات، حتى لو كانت هذه الحركةُ حركةً لاعنفية بالكامل، تتحول إلى حركة عنفية لأن السلطة، في حدِّ ذاتها، عنف، ولأن الحركة استلمتْها استلامًا غير شرعي.

جان ماري مولِّر: الانتفاضة في پراغ لم تحرِّض أيَّ عنف لأن القادة الشيوعيين وجدوا أن لا مخرج لهم سوى تسليم السلطة للمنتفضين. أنتَ على حق في طرحك السؤال؛ فممارسة سلطة الدولة يمكن لها، في حدِّ ذاتها، أن تؤدي إلى العنف...

كاجو كاجو: المشكلة أن الدولة هنا ستكون دولة غير شرعية!

جان ماري مولِّر: غير شرعية بالنسبة لمن؟

كاجو كاجو: عندما تسقط السلطة بيد المنتفضين ويستلمونها – هذا الاستلام غير شرعي في جميع الحالات!

أكرم أنطاكي: استلام ماو تسي تونغ للسلطة في الصين وافق عليه الشعبُ كله. فهل هي سلطة "شرعية"؟

كاجو كاجو: ما معنى "وافق"؟ هل جاء الشعب وانتخب؟! هذا ليس موافقة، هذا يسمَّى دجلاً على الناس...

جان ماري مولِّر: في جميع الحالات النموذجية...

كاجو كاجو: هل الأنظمة في أوروبا وأمريكا "غير شرعية" في مثل هذا السياق؟ هذا الكلام غير مقبول!

جان ماري مولِّر: أقصد أن جميع الحالات النموذجية ممكن. المشكلة أن كلمة "انتفاضة" soulèvement أو "تمرد" insurrection تلتبس بكلمة "انقلاب" coup dʼétat، حيث يستلم عدد صغير من ضباط الجيش السلطة استلامًا عنفيًّا. نحن هنا أمام إشكالية مختلفة تمامًا.

كاجو كاجو: هل تقصد أن عدد الناس الكبير في حالة كهذه هو الذي يضفي الشرعية؟

جان ماري مولِّر: في حالة تشيكوسلوڤاكيا بالذات كان الشعب هو الذي أوصل القوم للسلطة، حيث كانت نسبة الأصوات المؤيدة 95% تقريبًا! في كثير من الانتخابات، أنت تستلم السلطة بمجرد حصولك على 51%. في الديموقراطية تأتي الشرعية من موافقة الأغلبية، وإذا وافق 51% نقول إن هذا شرعي. نحن متأكدون في حالة تشيكوسلوڤاكيا أن عدد الموافقين كان أكثر من 51%؛ وبهذا المعنى قد يكون ڤتسلاڤ هاڤل أكثر شرعية من [نيكولا] ساركوزي بكثير...

كاجو كاجو: لنتكلم بمنطق: عندما تقول 95%، هل تقصد أنه كان هناك برنامج سياسي قرأه الناس وأقروه وانتخبوا على أساسه؟ في إيران، مثلاً، نجح الصدر ولم ينجح الخمينيون...

جان ماري مولِّر: يمكن لنا أن ندرس كلَّ حالة ونحلِّلها على حدة. نأتي الآن، أخيرًا، إلى

النقطة الخامسة عشر: (التي سميتها تسمية غير موفَّقة بـ) الثورة الدائمة:

النقاش الذي دار الآن بالذات يبدي الأهمية البالغة لهذه النقطة. عندما تستلم حركةُ المقاومة السلطةَ عند القمة prise du pouvoir au sommet تكون المشكلات أعقد من حيث الحل، لأنه أسهل عليك بكثير أن تعترض على السلطة بوسائل لاعنفية من أن تمارس السلطة بوسائل لاعنفية فيما بعد. الترياق الذي يحول دون وقوع أصحاب السلطة الجُدُد في العنف من جديد هو أن يواصل المواطنون النضال من أجل تشكيل نوع من السلطة المضادة التي تشكل رقابةً على السلطة.

انتهيتُ الآن من بسط جميع نقاط الإستراتيجية، ويمكن لنا أن نفتح حوارًا، بما يسمح به الوقت، حول تساؤلاتكم.

حميدة تعمري: عندي إشارة بسيطة. قبل نقطة استلام السلطة في القمة لا بدَّ – من أجل الإجابة عن استفسارات كاجو مثلاً – أن نعود إلى فكرة استلام السلطة من القاعدة. أقصد أنه إذا عدنا إلى فكرة استلام السلطة بدءًا من القاعدة لا تعود لدينا تحفظات أو تخوفات من استلام السلطة. الربط بين استلام السلطة عند القاعدة، في المجتمعات المدنية، أي التدرج من القاعدة إلى القمة، يجعلنا لا نتحفظ على شرعية استلام السلطة على مستوى القمة. ومن هنا أفهم ما أسماه جان ماري بـ"الثورة الدائمة". التسمية هنا ليست مهمة.

جان ماري مولِّر: أتفق معكِ.

رجا ديب: الموضوع هو موضوع الشرعية، شرعية استلام السلطة. وكما قال مولِّر، هناك سيناريوهان اثنان: أولاً، عن طريق الانتخاب – وهو الأكثر مصداقية؛ أما مسألة الانتفاضة فتحتاج إلى وقفة. يمكن للمَطالب التي ترفعها الانتفاضة أو الشعارات التي تقوم عليها أن تلبي طموحات معظم الشعب – هذا صحيح؛ أما في خصوص وجود فئة ما تأتي من خلال الانتفاضة وتحتل مقر الپرلمان أو الإذاعة وتصير عن طريق هذه الانتفاضة ممثلةً للشعب، فأعتقد أن هذا الكلام في حاجة إلى دراسة متأنية قبل تعميمه.

جان ماري مولِّر: هذا جانب مهم من المسألة. أهم نقطة – وهذا جزء من الإجابة – أنه إذا توصلتْ انتفاضةٌ ما إلى استلام السلطة عن طريق ثورة لاعنفية فأول عمل يجب أن تقوم به بعد استلام السلطة هو تنظيم انتخابات ديموقراطية حتى تتم المصادقة على هذه الشرعية باقتراع حرٍّ ديموقراطي – وهذا ما جرى في تشيكوسلوڤاكيا. يمكن لنا أن ندرس أيضًا سيناريو كوري أكينو في الفيليپين: كان ماركوس ديكتاتورًا، وقامت انتفاضة شعبية ضده، ثم انهارت حكومته من جراء ضغط التمرد الشعبي، وجزء من الجيش انضم إلى الشعب، وفازت أكينو في الانتخابات اللاحقة، ثم واجهت متاعب كبيرة اضطرتها فيما بعد إلى التخلي عن السلطة.

پريهان قمق: شخصيًّا، ليس من اهتماماتي أن أغير السلطة. ما يقلقني أشياء بسيطة جدًّا، مثل "ذوي الاحتياجات الخاصة". مشكلتي ليست مع السلطة، بل مع المجتمع. لقد استطعنا، مثلاً، إقناع السلطة بتشغيل ذوي الاحتياجات الخاصة، مثلهم مثل الناس العاديين؛ بات عندنا قانون الآن، ولكن ليست عندنا بيئة مجتمعية مواتية. لنفرض أني أريد أن أنظِّم مظاهرة لذوي الاحتياجات الخاصة – مَن أطالب بالتغيير عندئذٍ؟ السلطة؟ الشعب؟ إلى مَن أتوجَّه بالضغط؟

جان ماري مولِّر: إلى الاثنين طبعًا. لكي أجيب يجب عليَّ أن أطَّلع على الوضع الملموس في الأردن. يجب على الأشخاص المعنيين مباشرة بهذا الأمر أن يدركوا إمكانية النضال، وأن يكون هؤلاء قد حددوا الأهداف المراد بلوغها؛ ويجب، انطلاقًا من هذا، تقديم مطالب لأصحاب القرار، وربما السلطات. والأهم من هذا وذاك هو حشد الرأي العام واستنهاضه، أو على الأقل أقلية كبيرة من هذا الرأي العام، بحيث يشعر أصحاب القرار أنهم معنيون باتخاذ قرار، باتخاذ القرارات المطلوبة. هناك حالة نموذجية لم نذكرها بعد، وهي: "القانون موجود، لكنه غير مطبَّق": أحيانًا ليس هدف العمل اللاعنفي تغيير القانون، بل تطبيق هذا القانون. في الدستور الإيطالي، مثلاً، حق العمل مكفول، وهو حق منصوص عليه فيه. في صقلية، هذا الحق في العمل لم يكن محترمًا، ودانيلو دولتشي Danilo Dolci قام في صقلية لحملات لاعنفية من أجل احترام نص الدستور. إذًا الحالات متفاوتة بحسب المكان المقصود، ويجب أن نتناول المشكلات في تعقيدها كلِّه.

دانيلو دولتشي (1924-1997): "غاندي صقلية".

محمد العمار: أحتج على أسلوب جان ماري في الجدل. اللاعنف، فيما أفهم وأتصور (وأنا لست في موقع مَن يعلِّم جان ماري!)، فلسفة للإنسان والوجود والتاريخ مختلفة تمامًا، ولها قاموسها الخاص؛ دور قاموس اللاعنف هو خلق عالم جديد من المعاني، وإنْ كنَّا مضطرين إلى استعمال الألفاظ نفسها.

جان ماري مولِّر: حاولت في اليوم الأول أن أقدم مبادئ فلسفة اللاعنف، وربما لم يكن تقديمي كافيًا...

محمد العمار: ما أقوله هو أن معظم الجدل الدائر الآن ربما كان سببه أننا نستعمل قاموسين مختلفين...

جان ماري مولِّر: هل تقصد المفردات الروحية والمفردات السياسية؟

محمد العمار: اللغة المتداولة الآن برمتها لغة مزدوجة: لغة جان ماري مرتبطة بـ"قاموس اللاعنف" على أساس تفسير جديد للإنسان وحركة التاريخ؛ أما الاحتجاجات المرفوعة فهي، في معظمها، احتجاجات متعلقة بالماضي أو بالتفسير الحالي.

جان ماري مولِّر: المثال أو الحلم في المطلق هو أن هذه المفاهيم اللاعنفية الجديدة، التي تنطوي في كلِّ ثقافة من ثقافاتنا على ثورة ثقافية حقيقية، حلم أساسي. أنا متفق مع أصدقائي في معابر أن هذه الثقافة هي القاعدة المؤسِّسة التي يجب أن نشدد عليها. عبقرية غاندي أنه استطاع مصالحة الأسُس الفلسفية والروحية والأخلاقية للاَّعنف مع مشروع سياسي متكامل. وعندما نتكلم على الإستراتيجية أو التكتيك أو الفعالية انطلاقًا من مشكلات اليوم، فأنا أستبقي في ذهني القيم المؤسِّسة للتاريخ. أحببت تعبيرك أننا نستخدم جملتين من المفردات. ما أردته من قاموس اللاعنف أن يكون في آنٍ معًا مقالة فلسفية ودليل عمل؛ ولذلك لم أضع المبادئ الفلسفية أولاً، ثم دليل العمل، بل لعبت على التسلسل الأبجدي، بحيث إن هذه المبادئ لا يختلط بعضها مع بعض، ولكن يُكمِّل بعضها بعضًا. في الترجمة العربية للقاموس لا يمكن للترتيب الأبجدي أن يبقى نفسه، ولكن هذا ليس بمشكلة.

"عبقرية غاندي أنه استطاع مصالحة الأسُس الفلسفية
والروحية والأخلاقية للاَّعنف مع مشروع سياسي متكامل."

كاجو كاجو: الإصرار على "الثورة الدائمة" أو المستمرة يُفهَم منه أن هناك شكًّا في مصداقية تمثيل الدولة الحديثة للمجتمع؛ أي أن بنية الدولة الحديثة غير صالحة، وهناك دعوة إلى تغييرها في مناحٍ معينة. لست ضد ذلك – فأنا لست محافظًا – ولكني أريد أن أعرف كيف. حتى بعد الانتخابات "ثورة دائمة"؟!

جان ماري مولِّر: التاريخ يجعلنا دائمًا في حالة ريبة حيال الدولة. إننا نعلم أن في السلطة، في حدِّ ذاتها، شيئًا من المفسدة؛ وحتى لا نعمِّم نقول إنها قد تُفسِد. توجد خبرات وتجارب لا تُعقل. فلنأخذ دولة هايتي الصغيرة مثالاً: ثورة لاعنفية مع انتخاب الكاهن الصغير [جان برتران] أرستيد Jean-Bertrand Aristide، ثورة شعبية خارقة [1991]، وأول قرار اتخذه أرستيد بعدها هو إلغاء الجيش! لن أذكر التفاصيل، بل سأعرج على المراحل سريعًا. يقوم الجنرالات بطرد أرستيد ويُنفى إلى واشنطن؛ وهناك يقول لبعض الأصدقاء: يجب أن تساعدونا على التفكر في عمل لاعنفي ضد نظام الجنرالات. ذهبت إلى واشنطن وقابلت أرستيد، كما قابلت الوزراء الذين كانوا معه هناك، وبينهم كلوديت ڤرليه Claudette Werleigh، التي كانت وزيرة الخارجية في ذلك الوقت، والتقيت شخصًا آخر كان مستشارًا لأرستيد، وهو الآن رئيس جمهورية هايتي.

جان برتران أرستيد (1953- ) يقابل الرئيس الأمريكي كلينتون (1984).

ثم جرى تدخل من الولايات المتحدة أعاد أرستيد إلى السلطة، ولم يُتَح لنا الوقتُ لتنظيم مقاومة لاعنفية. وعندما وصل أرستيد إلى السلطة للمرة الثانية [1994-1996] تغير تمامًا؛ ممارسة السلطة غيَّرتْه تمامًا، فقام بتشكيل مليشيات! لم أفهم حتى الآن ما جرى. التقيت كلوديت التي صارت السكرتيرة الدولية لمنظمة PaxChristi، وكنت مسرورًا بلقائي معها في باريس منذ فترة قصيرة؛ وبكلِّ أسف، لم يُتَحْ لنا الوقتُ كي تشرح لي إنْ كان لديها تفسير لكيفية التغير الذي أصاب الرجل.

هذا دليل على وجوب أن نلزم دومًا جانب الحذر من السلطة. ومن هنا أهمية الرقابة الشعبية الدائمة.

مرمريتا، 22 حزيران 2008، الجلسة الصباحية

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود