حوار وتعليقات محاضرة اللاعنف والمدينة

 

ندرة ع. اليازجي: أتفق مع المحاضر في تعريفه للاعنف، وفي الدوافع الإنسانية لأخذ موقف اللاعنف، وأعتقد أن الجميع متفقون حول هذا. المشكلة هي أننا عندما نصل إلى الموقف العملي من الأحداث الواقعية نرتبك. في ورشة العمل الماضية، وفي الورشة الحالية، أشعر بوجود نوع من الارتباك حول الموقف من ثورة مسلحة مثلاً، أو الموقف من ظلم حاصل. ليس لدي القدرة، كشخص لاعنفي، على التحكم بمسار الأحداث، ولكن في حال حدوث ظلم ما، كيف أتصرف؟ أرفضه نعم، ثم ماذا؟ ليست القصد أن نرتد عن فكرة اللاعنف، ولكن هل مهمتنا نشر أفكار وثقافة أخلاقية إنسانية فقط؟

جمال جمال الدين: كنت أستمع إلى المحاضرة وكأني أستمع إلى قطعة أدبية، وفي الواقع استمتعت جدًا بها. لدي ملاحظة واحدة مفادها أن المقارنة بين مدننا ومدن الغرب مقارنةٌ ظالمة. لقد عشت فترة طويلة في هولندا وأميركا واليابان. من الظلم المقارنة بيننا وبينهم في مواضيع الحرية والديمقراطية وممارسات الناس اللاعنفية. يجب أن نعترف، ساستنا جمع سائس ونحن دواب. عدم الاعتراف بالحقيقة يحولنا إلى ثرثارين فقط.

ديمة نجار: قلتَ إن طريق الإصلاح يمكن أن يوصلنا لأن نكون شركاء متساوين...

أكرم أنطاكي: قلتُ إن طريق اللاعنف هو طريق الإصلاح.

ديمة نجار: لنفترض أننا ناضلنا لاعنفيًا، ووصلنا إلى نظام ضريبي رائع ضد أولئك الذين يملكون الكثير من الأموال، ثمَّ وظفنا هذه الضرائب في الشأن الاجتماعي. لننظر إلى أميركا في أزمتها المالية الحالية. الحكام أنفسهم هم أصحاب الشركات، وعندما حدثت الأزمة أصلحوها من ضرائب الناس...

أكرم أنطاكي: دعيني أوضح لك المسألة قليلاً، خاصة بالنسبة لأميركا، فقد كنت هناك وكتبت مقالاً حول الموضوع. الاتجاه القائم في أمريكا اليوم هو اتجاه أقرب إلى الطبقات الشعبية رغم تمثيله مصالح معينة. هذا الاتجاه رفض قانون المساواة الضريبية. على أيام بوش كانت 15 بالمئة. اليوم تطبق الضريبة التصاعدية، فالضربية بالنسبة للشرائح الدنيا، والشرائح الدنيا هي التي تحصل على أقل من 24000 دولار في الشهر، أقل بكثير من الشريحة التالية. في أميركا من يقل دخله عن الألفين دولار تحق له إعانة من الدولة. وفي أميركا كل شيء أرخص بدءًا من المنازل حتى المواد الغذائية. وضع العامل في الولايات المتحدة لا يقارن بوضعه عندنا أو تحت حكم المعسكر الإشتراكي الجبار.

بريهان قمق: كان كذلك، لكنه مهدد الآن.

أكرم أنطاكي: مهددٌ نعم، ولكن يجب أن نسعى إلى وضعٍ لا يكون فيه العامل مهددًا. مع الأسف، ما حدث، وهنا يظهر مدى الانحطاط، هو أن حزبًا شيوعيًا من المفترض أن يحقق العدالة والمساوة في بلده، هو قوة القمع تجاه الطبقة العاملة في الصين. حزب شيوعي يبني الرأسمالية على حساب العمال!!

أسامة ادوارد موسى: لا أدري لماذا تم التركيز كثيرًا على غاندي في هذه الورشة مع أن هناك أمثلة أخرى مثل حركة إتبور الشبابية في التشيك، والتي هي مثال رائع عن اللاعنف. الأستاذ أكرم قال "لا يستولي اللاعنفي على السلطة"، حركة إتبور استولت على السلطة...

أكرم أنطاكي: ما قصدته هو أن هدفي الأول، كإنسان أتبنى اللاعنف، ليس الوصول إلى السلطة.

أسامة ادوارد موسى: في دورة استانبول اللاعنفية كان المحاضر شخصًا من جورجيا، وقد تحدث عن الثورة البرتقالية وعن تجربته. هؤلاء الشباب وصلوا إلى السلطة ايضًا. أقصد أني لا أرى مشكلة في أن تسعى الحركة اللاعنفية إلى الوصول إلى السلطة.

رانيا فزع: اللاعنف منهجية وليس صفة شخصية فقط، أقصد لا نقول: "هذا شخص لاعنفي" كما نقول "هذا شخص عصبي". اللاعنف منهجية أي أسلوب حياة.
النقطة الثانية هي ما ذكرته عن "حل المشاكل بالحسنى، أو أن الإنسان اللاعنفي المؤمن باللاعنف لا يلجأ إلى القوة". نعم، ولكن. هناك مثلاً موضوع الدفاع عن النفس، عندما يحاول أحد ما مهاجمتي بغرض القتل فمن الممكن، وهذا رد فعل طبيعي جدًا، أن اقتله أولاً رغم أنه لم تكن لدي نية القتل.

هفال يوسف: أود التعليق على المصادرة الأولى التي بدأتْ بها المحاضرة: "همجية الإنسان البدائي مقابل مدنية الإنسان المتحضر". أظن أن الإنسان البدائي لم يكن عنفيًا ولم يكن لاعنفيًا كذلك. مفاهيم العنف واللاعنف هي مفاهيم حديثة.
أيضًا، أعتقد أن المماهاة بين المدينة والحضارة هي مماهاة خاطئة. أقصد أنهما مفهومان مختلفان. روسو يقول: "المجرم الأول في التاريخ هو من سوّر أرضًا وقال هذه ملكي."
أيضًا، هناك جملة غير مكتوبة في المحاضرة ولكن كنتَ قد قلتها أستاذ أكرم، وهي جملة تسبب لي حساسية كبيرة في السنوات الأخيرة: "عملنا هو تغيير الناس". لقد جاء في سياق المحاضرة "يبدأ اللاعنفي من ذاته. هذا مفهوم ومتفق عليه". أريد أن أسأل: هل هذا متفق عليه فعلاً؟ ليس من الناحية النظرية، أو بالأقوال، بل على أرض الواقع، في الممارسة. إذا رجع أحدنا إلى ذاته سيجد أن لديه نفاقًا حول هذه النقطة؛ أقصد أن هناك تناقض بين مقولة "اللاعنفي يبدأ من ذاته" ومقولة "عملنا هو تغيير الآخر"، وأعتقد أن العنف يبدأ من هنا.

أكرم أنطاكي: أولاً أنا تكلمت عن اللاعنف والمدينة، وفي المدينة، حسب تعريف غاندي، يجب على اللاعنفي أن يعمل مع الغير، وأن يتعاطى السياسة - السياسة بمفومها الراقي -؛ هذا هو موضوع المحاضرة الذي يبدو أن التعليقات خرجت عنه بالكامل.
طبعًا إذا كان واقع الحال في المدينة سيئًا سيسعى اللاعنفي إلى تغييره، وإلى تغيير مستوى وعي الناس فيها، ونشر اللاعنف بينهم...

هفال يوسف: ولكن عليه أن يبدأ بنفسه.

أكرم أنطاكي: يبدأ بنفسه، طبعًا. المعركة مع النفس مستمرة ودائمة فهل ننتظر حتى تنتهي؟ يجب علينا السعي لتغيير الواقع وإلا فإن عملنا الذي نقوم به الآن لا معنى له. ما من أحد كامل. أول مشهد في فيلم غاندي هو شجاره مع زوجته التي رفضت تنظيف المراحيض فقام بطردها ثم انتبه إلى تسرعه. غاندي عمل على ذاته في نفس الوقت الذي عمل فيه في السياسة، هذا ما أقصده بالتغيير.

غياث جازي: بعد الشكر على المحاضرة، أبدأ بما قد سبقني إليه بعض الشباب حول غاندي. إذا كان غاندي قد قال، أو عد، إن اللاعنف دين فإني أقول هذا أيديولوجية. أيٌّ دين، ليس فقط الأديان السماوية بل الأديان الوضعية والأديان السياسية، هو أيديولوجية. آسف للعودة إلى المحاضرة السابقة التي طلب منا فيها الأستاذ أديب تأمل ما سيقول غاندي لنا، وأنا قولته: "إنزعوا عني القداسة، لم أسن أيديولوجية بل جئت بمبدأ".
النقطة الثانية. أتفق مع المحاضر في تأكيده على العاملين المهمين لتمييز اللاعنفي، وهما: محبة الذات والآخر، وضبط النفس. طبعًا لا يعني هذا أن لا يغضب المرء فمن الطبيعي أن يغضب، من الطبيعي أن لا يحب؛ المهم هو تطوير قدرته على كونه قوة مثال.
أؤيد رأي أكرم حول مسألة عدم أهمية الاستيلاء على السلطة عند اللاعنفي.
"الثورات المسلحة أسوأ مما تقاتل ضده" اتفق مع هذه الفكرة، ولكن السؤال هنا: ماذا عن المقاومة ضد الاحتلال أو ضد غزو أجنبي؟ ما هي أشكال المقاومة؟ بالنسبة لي، أعتقد أن مسيرة الملح أخفقت، صحيح أنها نجحت في هدفها الأولي وهو إلغاء، أو تغيير، قانون الضريبة على الملح؛ إلا أنها أخفقت في تضحيتها بمئات الأشخاص مقابل هدف كان من الممكن تحقيقه بأشكال أخرى.
"اللاعنفي لا يحمل سلاحًا" أتفق مع المحاضر، ولكن "اللاعنفي لا يحارب" لا. اللاعنفي يحارب في بعض الظروف مثلاً دفاعًا عن النفس، فأنا لا أتفق مع فكرة تيك نك هنه عن أنه إذا حاول أحدهم سرقة بيتي أو اختطاف ابني أو ابنتي فعلي محاولة ابتداع أساليب تجنب هذا الموقف. رد الفعل الطبيعي هو الدفاع عن النفس.

رشا عروس: شكرًا على المحاضرة. ليس لدي تعليق خاص بالمحاضرة، ولكن لدي تأمل أوحى إلي به اختصاصي، أي من وحي المدينة كمكان وعلاقته باللاعنف. فكرت بالسؤال التالي: كم فقدت المدينة المحصنة بالسور، الموجودة ككتلة متأهبة للعنف أي ككتلة مؤسسة أصلاً على أساس الدفاع؛ أسوارها؟ ما زال هناك أسوار لمدن في منطقتنا: دمشق، حلب؛ وما زال الفقير في هذه المدن يعيش على السور، لأنه منذ أيام جيركو، منذ أيام أريحا، كان الفقير يعيش على السور لأن هذا المكان هو أكثر الأماكن تعرضًا للخطر، للعنف. إلى أي حد سقطت أسوار هذه المدن؟

بريهان قمق: السؤال الكبير هو: هل لدينا مدينة عربية؟ نحن قرية نزحت إلى المدينة، وأخذت معها قيمها. من ضمن هذه القيم هناك الجميل طبعًا ولكن أيضًا هناك الكثير مما يستولد العنف. الصحراء، بما تحمله من قيم رائعة، جاءت إلى المدينة؛ ولكن للصحراء قيم الغزو أيضًا...

أكرم أنطاكي: قيم الغزو!!؟

بريهان قمق: هناك قيم صحراوية عظيمة، ولكن هناك قيم سلبية، وهذا ما يجعل المدينة تعج بجموعة من التناقضات. فإلي أي مدى تقف هذه التناقضات كعائق أمام الفكر اللاعنفي؟ إلى أي مدى هي بؤرة للعنف؟
أريد التوقف أيضًا عند مسألة الاستيلاء على السلطة. عندما يكون لدينا منطق المدينة، ومؤسسة المدينة، وثقافة المدينة؛ حينها لا مانع من وصول رجل لاعنفي إلى البرلمان، لا مانع من أن يصبح وزيرًا وأن يمارس عمله بطريقة لاعنفية عبر مؤسسته. هذا ليس استيلاءً بالمعنى الأيديولوجي، بالمعنى الحزبي، على السلطة، إذ طالما أن اللاعنف منهج حياة لا مانع من كون السياسي لاعنفيًا.

محمد الرفاعي: أعجبتي فكرة أن اللاعنف ممارسة عملية يجب أن نطبقها ونجسدها على أرض الواقع، وأعجبتني أيضًا فكرة قوة المثال.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود