نقاش المحاضرة الأولى: بين ماسينيون وغاندي

 

جمال جمال الدين: بدايةً، ونحن قادمون قلت للأستاذ ديمتري إني أحب أديب الخوري. وفعلاً هناك محبة عميقة له. العام الماضي عندما قدَّم الأستاذ أديب محاضرته تكلَّم عن نفسه، وقال إنه كان في حالة من الكفر والضياع، بدون أن يعرف لماذا. اليوم بدأ محاضرته بشكل جميل جدًا عندما تحدث عن السيارات إلى درجة أنه أيقظني من تعبي الناتج عن السفر من دمشق إلى هنا، وقلت في نفسي "يمكن أن أجد حلاً لمعاناتي منذ المحاضرة الأولى هنا، حتى أنه يمكن أن أختم الورشة وأعود إلى دمشق!"، وإذ، للأسف، تحول الموضوع إلى اتجاه آخر خفض من توقعاتي وسبَّب لي خيبة أمل مقارنة بالبداية. أيضًا ختم الأستاذ أديب محاضرته بقوله إنه يعرف الطريق ولكن لا يتبعه، وبرأيي وحسب معرفتي به أرى عكس ذلك، فقد رأيت نموذجًا منه عندما عبَّر عن ندمه العام الماضي بسبب قيادة سيارة تلوِّث البيئة وأيضًا هذا العام عندما طرح فكرة الاحتفاظ بالملف حتى العام القادم؛ الالتزام أكثر من ذلك أمر غير ممكن برأيي! أتمنى أن أرى أديب بعد عشر سنوات فعلاً لأرى كيف ستكون نظرته إلى الحقيقة عندما يخرج من الإرث الثقافي الذي نعيشه؟ أنا لا أعرف الكثير عن لويس ماسينيون، فقط ما كتبه عنه مالك بن نبي، ولكن أشعر أن هناك الكثير من الابتعاد عن منهج البحث عن الحقيقة، أو تخفيضها إلى مستوى الأسس الثلاثة التي ذكرتَها منذ قليل. أختم بقصة صغيرة: عندما كنت صغيرًا أحببت عبد الحليم حافظ كثيرًا جدًا إلى أن سمعت مرة حوارًا معه على الراديو وهو يقول إنه لو تزوج لتمنى أن يأتيه ولد ليسميه محمد. قلت في نفسي كم أحبه. ثم تابع: أسوة بمحمد عبد الوهاب. ومنذ ذلك اليوم لم أسمع لعبد الحليم أغنية!

هڤال يوسف: أود بداية أن أعلِّق على الحسرة الأخيرة التي عبَّر عنها المحاضر...

أديب الخوري: هي أكثر من حسرة.

هڤال يوسف: يمكن بقليل من اللعب وقليل من المزاح مع الحياة أن يصبح كل شيء أكثر سهولة! سؤالي الأول: تكلمت عن خطوط القوة الروحية، ما مصدر هذه الخطوط؟ هل يشرح ماسينيون ذلك؟ هل هذه القوة عاقلة؟ هل لديها خطة وغاية؟ سؤالي الثاني هو: برأيك، ما الذي صنع هذا التحوُّل الكبير في حياة ماسينيون: أهو زيارة الغريب أم النذور التي نذرها؟ وهل هذه اليقظة أو التحول تحدث نتيجة تطور تدريجي يبلغ ذروته في لحظة اليقظة أم هي شكل من أشكال "الهبة الربانية" التي لا يد للإنسان فيها؟

أديب الخوري: أولاً بالنسبة لموضوع الحيرة: كنت أتكلم مع بعض الأصدقاء: إذا أراد أحد ما أن يبني بناءً، مثلاً لدي أرض وأريد أن أبني عليها بناية، أبدأ بالبناء حتى أصل إلى مرحلة ما لأفاجأ بأن نقودي قد نفذت! هذه مشكلة كبيرة. ولذلك من الأفضل أن أقيس إمكانياتي منذ البداية، وبناء على ذلك أقوم بالعمل. إمكانياتي زائد الظروف المحيطة... إلخ. ربما أكتشف الآن حسرتي، أو لنقل ألمي، وهو أنني قد قدَّرت إمكانياتي أكثر مما هي عليه، ولذلك أطلب أكثر مما أستطيع. ماسينيون نفسه يقول في خطاب لأعضاء البدلية التي أسسها، لا أحفظ العبارة تمامًا، ولكن بما معناه: ليختبر الشخص مدى استعداده لتقديم بعض أو كل حياته وإذا تطلب الأمر موته. من السهل ربما القول إنني مستعد حتى النهاية، ومؤلم جدًا اكتشاف عكس ذلك.

بالنسبة لموضوع خطوط القوة الروحية: من الممكن أن أجيبك من ميدان آخر هو اختصاصيَّ الأكاديمي والذي هو الرياضيات: في الرياضيات نقول دائرة مثلاً، نقول خمسة أو ستة أو سبعة... إلخ. هل هناك شيءٌ ما اسمه خمسة؟ هناك خمس شجرات، خمس طاولات... هناك ثلاثة عصافير، ولكن هل هناك خمسة، أو ثلاثة فقط؟ لدينا قرص الشمس الذي نراه على شكل دائرة، هناك القمر الذي نراه عندما يكتمل على شكل دائرة. لكن هل هناك دائرة فقط، أي دائرة مجردة؟! وإذا رسمتَ أكمل دائرة من الممكن رسمها فانظر إليها عبر عدسة مكبرة، لن تجدها دائرة بل ستجدها غير منتظمة. الدائرة كفكرة، والعدد كفكرة، والأشكال على اختلافها كأفكار تشكِّل عالمًا متكاملاً. كثير من علماء الرياضيات يقولون إن عالمنا الذي نعيش فيه هو تجل أو اسقاط للعالم المثالي. أيُّ عالمٍ يا ترى هو العالم الحقيقي؟ أيُّ عالم هو الأصل؟ وهذا سؤال قد طُرح منذ أفلاطون حتى الآن. الأمر نفسه ينطبق على خطوط القوة الروحية ربما. من أين أتت خطوط القوة الروحية؟ هل هناك من مصدر؟ تخطر ببالي صورة لأحد المفكرين: هناك أشخاص يبنون جدارًا وهناك ضوء يعكس ظلالهم. هم يبنون الجدارن دون أن يعرفوا أنهم ظلٌّ للظلِّ.

بالنسبة لسؤالك عن اليقظة أو التحوُّل الروحي: هل هو نتيجة تطور تدريجي أم هبة ربانية؟ أظنه الاثنين معًا. نزل المطر نبتت شجرة! هذا غير معقول، من المؤكد أن هناك بذرة في الأرض تنمو، ومن المؤكد أن المطر له دور كبير.

محمد العمار: أود شكر الأستاذ أديب على قدرته على إضاءة إيمان ماسينيون. لقد قرأت كتاب شارل ده فوكو. هذا لا يمنعني من التحدث عن أشياء أخرى، ولكن قبل ذلك أود أن أقول: بالنسبة لسؤال الأخ هڤال، أظن أن المحاضر قد أجاب عليه أثناء المحاضرة، ولدي إضافة بهذا الشأن: من وجهة نظري كمسلم أرى أن في القرآن الكريم معادلة هي الربط بين عمل الله وعمل العبد، وكما قال الأستاذ أديب ليس من الممكن لنائم مثلاً أن يتحصل على الهداية، أما الإنسان الذي يعمل ويتعب ويجتهد فالأمر مختلف. يقول القرآن الكريم "أن ترى تقلب وجهك في السماء"، ما معناه أن الإنسان الذي يبحث عن الحقيقة قد يجدها أما الإنسان النائم فلا فرصة لديه.

طيلة المحاضرة انتظرت أن نحلِّق أو نصل إلى الفلسفة، ولكن اعتقد أننا بقينا غارقين في السيرة الذاتية. لم ألمس ما له علاقة بالفلسفة. مسرور جدًا من قدرة المحاضرة على إضاءة إيمان ماسينيون، ولكن من وجهة نظري كمؤمن ينتمي إلى تقليد آخر: ربما يقوم الإيمان المسيحي على الخارق أو على الإشراق بينما بحسب القرآن الإيمان نوع من القراءة للعالم أو ثمرة لقراءة العالم، أي أن القرآن الكريم يتحدث عن عالم غيب ولكن يقيم أدلة الإيمان بعالم الغيب من عالم الشهادة، أي أن القرآن يعرض قضية الإيمان على اعتباره ثمرةً لوعي العالم أو وعي الوجود. وهذا برأيي شيء مختلف عن طبيعة الإيمان في التقليد المسيحي. دون أن أعني أن أحد التقليدين أفضل من الآخر. بحسب تصوري، ما يمكن أن نفهمه من القرآن، هو أننا يمكن أن نحكم على التقليد من خلال الحياة العملية وليس من خلال المقدمة النظرية. الفارق مهم. قلت إني أوافق الأخ كاجو في أنه من الجيد أن يُعرض ماسينيون كمؤمن، لكن عرضه كلاعنفي هو شيء يقلل من اللاعنف كفلسفة في مواجهة الظلم. أحد الصوفيين الملسمين، عبد القادر الجندولي، أظنه هنديًا، قال ما معناه إن النبي العربي صعد إلى الملأ الأعلى فيما يعرف بالإسراء والمعراج ثم عاد، يقول هذا المتصوف "لو كنت مكانه ما عدت". محمد اقبال أمسك هذه اللحظة ليفرق بين نوعين من الوعي: الوعي الصوفي والوعي النبوي. الوعي الصوفي هو وعي داخلي عندما تسعى إلى حلِّ مشاكلك الداخلية، التماس طريقك، بينما الوعي النبوي هو اللحظة التي تبدأ فيها بالاستفادة من الطاقة الداخلية لتحرير العالم، وبرأيي هذا فارق جوهري بين غاندي وبين ماسينيون.

برأيي أن أكثر شخص أثَّر في ماسينون هو الحلاج – أظنك قرأت كتاب آلام الحلاج. الوعي الذي تحقَّق عند ماسينيون هو وعي صوفي وليس وعيًا لاعنفيًا، وبرأيي أن هذا أقل بكثير من الوعي اللاعنفي.

العناق مع الحقيقة: اعتقد أن العناق مع الحقيقة يقتضي أن نعيش مع الحقيقة وليس أن نتكلم عن الحقيقة، ولذلك اعتقد أن غاندي يستطيع أن يتكلم بمنتهى النزاهة والمصداقية عن العناق مع الحقيقة لكن رجلاً كان له علاقة ممتازة مع الإدارة الاستعمارية طيلة سنوات طويلة! أنا اتحفظ على موضوع العناق مع الحقيقة.

نقطة أخرى هي موضوع الضيافة: بحسب ما قرأت اكتشف ماسينيون موضوع الضيافة ليس في النص الديني، العهد القديم أو الجديد، إنما اكتشفه في الحياة البدوية العربية، إذ إن الضيافة هي أبرز معلم من معالم هذه الحياة. وشكرًا لكم.

أديب الخوري: في الحقيقة لم أقرأ كتاب آلام الحلاج، لا بالعربية ولا بالفرنسية، ولكن قرأت كتابًا صغيرًا قد يبدو للبعض بعيدًا عن الموضوع عنوانه النورس جوناثان الذي يعيش نفس السؤال: يصعد إلى السماء، وعندما يكون حرًا في العيش في جنة النوارس يقرر أن يعود إلى الأرض ليعلم غيره من النوارس. وهذا يعيدني إلى السؤال الذي طرحته في بداية الحديث "ما هي الفلسفة؟" كلٌّ منا يفهم الفلسفة على طريقته. أنا أدَّعي أن صاحب كتاب النورس جوناثان هو فيلسوف كبير أكثر من، على سبيل المثال، برتراند رسل الذي هو فيلسوف كبير أحبه كثيرًا. أصل كلمة فلسفة هو حب الحكمة. ليس المهم الطريقة ولا المصطلحات أو المقالات. في الواقع الفلسفة، بالمفهوم المتداول، تتعبني جدًا. هذا يعيدني إلى ماسينون: أولاً في موضوع الإيمان والهداية: لم أقل عندما ذكرت سيرة ماسينيون إنه عاد إلى الإيمان بهذه الطريقة أو تلك. بالنسبة لي ليس الإيمان هو الإيمان بالله أو الإيمان بيسوع أو بمحمد. أعتقد أن الإيمان يمكن أن يكون مجردًا. ليس من الضروري أن يكون الإيمان في المسيحية على ما ذكرتَ، وأنا لم أقل في محاضرتي أن الإيمان في المسيحية يتخذ هذا الشكل أو ذلك. وبكل الأحوال هذا موضوع خارج عن محاضرتي.

الموضوع الثاني والمهم جدًا هو: أولاً أود أن اعتذر للجميع لأنه كانت لدي ظروف خاصة منعتني من اعطاء الموضوع الوقت الكافي. وقد فضَّلت أن آتي بموضوع غير مكتمل التحضير واللقاء بكم. أقول هذا الشيء لأنه لو كان لدي الوقت للعمل أكثر على محاضرتي لكنت قد قدمت العديد من الأمثلة على عيش لويس ماسينيون للاعنف؛ في التزام لويس ماسينيون بـالبدلية كان ينظِّم رحلات حج إلى أماكن مقدسة، ليس بالنسبة له، بل بالنسبة للعديد من التقاليد: عند الشنتو في اليابان، عند الهندوس في الهند، عند المسلمين في القدس والخليل، وعند المسيحيين في عدة أماكن. أي كان ينظم رحلات حج مختلفة في مناطق مختلفة وكان يشارك فيها. وهذه الرحلات لم تكن تُنظَّم فقط بسبب الذهاب إلى الحج بل كانت تنظم مع الدعوة إلى أمر معين أو مع احتجاج على شيء معين أو مع الصيام لأيام عديدة، فهو قد عاش الكثير من النضال اللاعنفي. لقد ذكرتُ مثالاً بسيطًا من أنه قد ضُرب في إحدى محاضراته بسبب موقفه من حكومة بلده. ماسينيون لم يدعم الثوار الجزائريين أو يمدهم بالمال أو بالسلاح... إلخ، ولكنه حاول، بشكل سلمي ولاعنفي، أن يفعل شيئًا مع حكومته ودفع ثمن محاولاته. ولذلك لا أستطيع موافقتك على ما ذهبت إليه من أنه قد قال شيئًا لم يعشه.

الأسس الثلاثة التي ذكرتها والتي اعتقد أنها في غاية الأهمية. هناك الكثير من الناس يدَّعون "أنا غانديٌّ" أو "أنا لاعنفيٌّ"، ولكن قل له: "هذا القميص مصنوع في معمل يشغِّل الناس عشرين ساعة في اليوم ولا يعطيهم دخلاً مناسبًا" يقول لك "لكنه جميل". الغانديُّ هو الشخص الذي يلتزم بهذه الأسس الثلاثة. أنا لم التزم ولكن ماسينون فعل.

إيمان ونوس: شكرًا جزيلاً على المحاضرة القيمة جدًا والمليئة بالمعلومات التي يمكن الاستفادة منها في الحياة العملية. أود أن أسأل عن موضوعة الضيافة أو اللاجئين: نحن كمجتمع سوري لدينا لاجئين فلسطينيين من عام 48، ولاجئين عراقيين من عام 2003، ولدينا لاجئين لبنانيين. وجود لاجئين من ثقافات وحياة اجتماعية مختلفة يخلق في المجتمع المضيف إشكاليات متعددة. وهكذا، من خلال واجب الضيافة، كيف يمكن التعامل مع هذه المشكلات؟ مثلاً مشكلات الدعارة أو انتشار الجرائم؟ نحن كمواطنين كيف يمكن لنا التعامل مع هذه الحالات؟

أديب الخوري: لا أعرف الكثير عن هذا الموضوع وليست لدي الخبرة الكافية به، ولكن كشخص عادي أُسأل يمكن أن أجيب بأن الضيافة تُقدَّم على مستويات مختلفة. مثلاً على المستوى المادي: إذا جاءني ضيف فأنا أقدم له أقصى ما أستطيع، ولكن عندما أبخل عليه بشيء موجود عندي فهنا المشكلة. لذلك أقول: على المستوى الفردي يمكن لكل منا أن يهتم بتوعية الناس المحيطين به، يمكن أن يفكر بأشياء بسيطة. وأنا من الناس الذين يؤمنون بالأشياء البسيطة أي بنقطة الماء التي تفعل في الصخر. كل ما لدي ولست بحاجته يجب تقديمه إلى منظمات معينة. في مستوى ثان: يمكن أن يرتبط الأمر بمكان ما، مثلاً أنا مدرس رياضيات وفي وقت ما كان لدي طلاب من بلد آخر ولديهم تفاوت طبقي كبير. لقد قمت بتدريس طالبين منهم مجانًا بسبب حاجتهم إلى الدروس بسبب انقطاعهم عن الدراسة مدة سنتين. مثل هذه الأفعال الفردية مهمة للغاية، كلٌّ في مجاله. من يريد الذهاب أبعد من ذلك يمكنه البحث عن منظمات تعنى بهذا الشأن. المطلوب هو المبادرة. من صفات اللاعنفي المبادرة.

سحر أبو حرب: أود شكر الأستاذ أديب على المحاضرة. وردت أفكار جميلة عدة: أولها الموت من أجل الناس، ما تعلمه ماسينيون من الحلاج، السعي إلى الحق أو الوعي الصوفي، الدفاع عن المرحَّلين، مفهوم الضيافة، أخيرًا موقف الساتياغراهي: العفة الزوجية، العمل اليدوي، الطب الطبيعي. كله جميل. ولكن، لنعيش اللاعنف عبر هذا الأفكار، موقف الساتياغراهي، نحتاج المزيد. لا يكفي أن يكون لدي عفة وعمل يدوي وطب طبيعي لأعيش الساتياغراها. هناك فراغات، مثلاً فكرة اللاأذى، أن لا أوذي أحدًا، فكرة المبادرة والمسارعة إلى تقديم الخير. يجب تنمية هذه الفكرة في موقف الساتياغراهي. عندما كنتَ تقرأ أحسست بهذا النقص.

موضوع الضيافة: قد لا يعتقد الإنسان بأهمية هذا الموضوع في حلِّ بعض الأزمات العالمية. سأضرب مثالاً لعيش اللاعنف، هو مثال صغير بعد ذلك سنطبقه عالميًا: أسرة غنية جدًا، يملكون بيوتًا كثيرة، أملاكًا واسعة، نفوذًا كبيرًا، ولديهم أخت متزوجة. تُطلَّق هذه الزوجة وترمى خارج منزلها كما يحدث عادة. هذه السيدة تعود إلى بيت الأسرة. الأخوة أغنياء لكنهم لا يريدون أن تحصل على حقها، ولذلك يسكنونها في مدخل البناء، ينصبون خيمة ويقولون للناس "تعالوا وانظروا ماذا فعل زوجها؟". تسأل أحد الأخوة "أنت غني، لماذا لا تسكنها معك؟" يجيبك "كلا، ستضيع حقوقها". تسأل الأخ الآخر "أنت أحوالك ممتازة لماذا لا تعتن بها؟" فيجيب "كلا، سيخسر أولادها ميراثهم..." إلخ. هذه السيدة مع أولادها تقول: "انظروا، لا أريد أن يتعامل أحد من زوجي ماديًا". موضوع الضيافة لا يتعلق بالمضيف فقط بل بالضيف أيضًا، على الضيف أن يكون أديبًا، أن لا يطلب ما لا يمكن تنفيذه، أن لا يقيد المضيف من أجله فقط. قضية الضيافة مقسومة إلى قسمين: المضيف والضيف. في تجربة الرسول عندما ذهب إلى المدينة أعطوه أرضًا ومالاً وغيرهما، هل نحن قادرون على التنازل عن نصف أملاكنا أو عن شيء صغير لإيواء هؤلاء المرحَّلين أو المهجرين أو المستضعفين في الأرض؟ هي فكرة عظيمة لأنها تحل مشاكل كبيرة. يمكن تعميم هذه الفكرة الصغيرة على أوضاع كبيرة. ما يجري في الأسر هو ذاته الذي يجري في العالم.

أديب الخوري: أولاً، أعتقد أن الأسس الثلاثة المذكورة تتضمن الأشياء الأخرى التي حاولتِ عرضها؛ فهي الأصعب أو الحد الفاصل أو المحك فإذا تحققت فالباقي تحصيل حاصل. ومن أجل ذلك أظن أن غاندي لم يكن غير منتبه لما ذكرتِه من إضافات.

ثانيًا، فيما يخص الضيافة التي قسمتها إلى مضيف وضيف: هذه المقولة ليست مقولة الضيافة العربية البدوية التي تكلم عنها ماسينيون. نعرف جميعًا أنه كان لدى البدو أو العرب القدماء عادة هي أنه عندما يأتي ضيف يجب أن يأكل ويشرب لمدة ثلاثة أيام قبل أن يُسأل عن أي شيء. هذا ما تعلَّمَه ماسينيون من البدو، من العائلة العراقية التي استضافته وحمته. وقد أعطاه ماسينيون، عبر فلسفته، بعدًا دينيًا كتابيًا تاريخيًا رمزيًا في قصة ابراهيم، وواحد بين هذا وذاك، وقال "إن هذا هو ذاك".

حميدة تعمري: بعد الشكر. أريد فقط أن أضع مجموعة تساؤلات وردت في ذهني. ليس مطلوبًا من المحاضر الإجابة فهي تساؤلات للجميع. الخاتمة التي ذكرتها كانت مؤثرة وفيها حسرة وربما لامست كل واحد فينا. "أعرف أن الطريق من هنا ولكني لست قادرًا".

ملاحظاتي هي على بعض المفردات التي ذكرتها في محاضرتك، ليس لدي تعريف لها ولا أريد، إنما أقول إن هذه المفردات أساسية جدًا من أجل طموحنا في العمل، داخل هذه الورشة أو خارجها. قلتَ شيئًا عن قياس الإمكانيات، وبالنسبة لي شخصيًا طرحتْ هذه الجملة في ذهني سؤالاً عن معنى "الإمكانيات"، ما المقصود بـ"الإمكانيات"؟ ما يعارضها هو الإشراطات بالطبع؟ ما هي "الإمكانيات": أهي معرفية أم مادية أم علمية أم حياتية... إلخ؟ ذكرتَ في حديثك عن الدوافع والأسباب أشخاصًا مهمين نحترمهم جميعًا مثل ماسينيون الحلاج غاندي كريشنامورتي محمد، وقلت كل شخص لديه دوافعه وأسبابه. كان من دوافعك وأسبابك شخصيًا: التمثُّل والاقتداء. أريد أن أضع تحت هذين المفردتين خطًا أيضًا. فمثلاً، بالنسبة لي شخصيًا هذا يعني "التعلق". هناك بعض المفردات التي يجب إعادة النظر فيها، مثلاً "الشذوذ الجنسي".

بالنسبة لموضوع الضيافة والمضيف: هذا يحتاج إلى محاضرة خاصة مستقلة، فأنا أتصور أنه نتيجة وتجل لعلاقات مجتمعية ثقافية اقتصادية منذ القديم وحتى الآن.

محمد عبد الجليل: قلت إن حياة ماسينيون تأرجحت بين الإلحاد والتدين: هل كان إلحاد ماسينيون ردة فعل على تربية والدته؟ وهل كان اهتمامه بالتصوف لاحقًا رد فعل أيضًا؟ أقصد هل كانت مواقفه ردود فعل أم وعيًا حقيقيًا؟

أديب الخوري: لا أعتقد أنه من الممكن أن تكون هناك حياة كاملة هي مجرد ردود أفعال.

*** *** ***

مرمريتا، 2 تموز 2010

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود