|
شري أوروبندو (1872-1950) هو اليوغاني والفيلسوف والشاعر الكبير أوروبندو غهوسِّه Aurobindo Ghose الذي انصرف، بعد اطِّلاع واسع على ثقافة الغرب وحياة سياسية نشطة تستهدف إجلاء الإنكليز من الهند، إلى دراسة عميقة للأبعاد الروحية النقلية للحياة الثقافية والروحية للهند. تأليف بين ثقافتين ولد شري أوروبندو في مدينة كلكتَّا في 15 آب 1872، ثالث أبناء د. كرشنادهَن غهوسِّه Krishnadhan Ghose، الطبيب البنغالي المعجب أيَّما إعجاب بالثقافة البريطانية، فحمل الصبي اسمين: الأول بنغالي هو أوروبندو (اللفظ البنغالي للكلمة السنسكريتية Aravinda التي تعني "لوتس")؛ والثاني إنكليزي هو أكرويد. تلقَّى، شأنه شأن شقيقيه، تربية إنكليزية خالصة، مع أن جدَّه كاليبراساد غهوسِّه Kaliprasad Ghose ظلَّ على وفائه للثقافة الهندية. في العام 1879، عُهِد بالأشقاء الثلاثة (ولد بعده للأسرة بنتٌ وصبي) إلى أسرة في مانشستر، بدأ في كنفها يتعلَّم اللاتينية. وفي العام 1885، دخل مدرسة القديس بولس في لندن، حيث درس بصفة خاصة الإغريقية وتاريخ أوروبا وعدة لغات أوروبية، ونمَّى موهبته الشعرية. ثم ما لبث في العام 1889 أن سجَّل نفسه في كنغز كوليدج في كمبردج، وانتسب إلى جمعية للطلاب الهنود، متخليًا بعيدئذٍ عن اسمه الإنكليزي. لقد كان والده يُعِدُّه للخدمة المدنية الهندية موظفًا؛ لكنه أخفق في امتحان ركوب الخيل؛ كما أنه كان في الواقع يبدي مشاعر قومية لا تتوافق مع تلك الخدمة. تنبَّه إلى مواهبه جيمس س. كوتُّن، شقيق معاون حاكم البنغال الأسبق، ومهاراجا بارودا، فغادر إنكلترا في العام 1893 ودخل في خدمة ولاية بارودا. وهناك سرعان ما تعاون سرًّا مع هيئة تحرير مجلة هندوبراكاش Induprakash ("نور الهند") ذات الاتجاه القومي. كان يرى تقصيرًا في نشاط "مؤتمر عموم الهند" (تأسَّس في العام 1885) الذي كان، منذ بداياته، يسعى إلى إلهام الإدارة الإنكليزية إصلاحاتٍ نافعة للبلاد. من هنا فقد رأى ضرورة تجديد ثقافة الأمة الهندية وتراثها الروحي. ومنذئذٍ عكف على دراسة المنقولات السنسكريتية والبنغالية الكبرى، المستبعَدة من دراساته السابقة. ولم يجعله هذا المسعى يتنكَّر لمكتسباته من الثقافة الأوروبية، بل كرَّس فكره للبحث عن تأليف أعلى يمكن لخير ما في الثقافتين أن يشكل عنصرًا فيه، ومن شأن العنصر الهندي فيه أن يردَّ للهند وعيها الذاتي وعزَّتها. ناضل سياسيًّا في التنظيمات السرية الناشطة من أجل الاستقلال، وبخاصة في جمعيات موطنه البنغال، غير مستنكف، على خلاف مع غاندي، من اللجوء إلى العنف عند الضرورة. وبعد حركة الاستنكار الكبرى التي نجمت عن تقسيم البنغال في العام 1905، قام أوروبندو بجولات سياسية فيها، وترأس إدارة الجامعة القومية البنغالية، وشارك في تحرير جريدة باندي ماتارَم Bande Mātāram ("حَيِّ على الأم"، التي هي الوطن والنفس) التي سُمِّيَت كذلك اقتباسًا من أول كلمتين من نشيد كتبه الشاعر والمفكر القومي بنكِم تشاندر تشاترجي Bankim Chandra Chatterjī كان أضحى نشيد البنغاليين القومي. في العام 1907، تعرَّض أوروبندو للملاحقة، مما اضطره إلى ترك "جامعته". وفي تلك الأثناء أيضًا عانى مؤتمر عموم الهند من أزمة حادة. وقد اعتُبِر أوروبندو آنذاك محسوبًا، إلى جانب الماراثي تيلاك، على الجناح المتطرف. يعود إلى تلك الفترة بدءُ ممارسته العملية للرياضات اليوغية التي زوَّدته برباطة الجأش والطمأنينة الداخلية. وفي العام 1908، اتُّهِم بالتخطيط لنشاطات إرهابية واعتُقِل. ولقد تعمَّق في هذه الاهتمامات في فترة السنة التي قضاها في السجن بين المجرمين والتي انقطع في أثنائها إلى ممارسة اليوغا والقراءة والعمل الأدبي والتأمل في الـفيدا والـأوبنشاد والـبهغفدغيتا. هكذا حوَّلت الحكمة الهندية الخالدة الشاب "الإنكليزي" الملحد، المؤمن بالحداثة، إلى عاشق من عشاق الله – الله بذاته في ذاته – فصار يأتمر بأمره، ليس بواسطة رؤى، لكن عبر الشعور بحضوره في كلِّ شيء وبقوَّته في دخيلة نفسه. في العام 1910، إذ تعرَّض للاعتقال مرة أخرى، ذهب خُلسة إلى تشاندرناغور (الفرنسية آنذاك)، ومنها في قارب إلى مستوطنة بونديشيري الفرنسية حيث استقر نهائيًّا. وهناك تخلَّى جهرًا عن كلِّ نشاط سياسي مباشر، وحتى العام 1914 عن كلِّ نشاط علني ونَشْر، حيث أسَّس معتزَلاً كرَّسه لتنمية تعاليمه الروحية ونشرها، مع بقائه ساهرًا على الشؤون السياسية للهند "من بعيد". وبعد فترة انضمت إليه زوجه وعدد من مريديه وأصدقائه. وفي العام 1914 أسَّس مع صديقه الفرنسي بول ريشار وحلقة صغيرة من المريدين مجلة آريا Arya (التي أصبحت لسان حال تعاليمه الروحية والفلسفية) وباشر نشر مؤلَّفاته. لقد استطاع إبان تلك السنوات أن يؤلِّف بين الخبرات الروحية للماضي ويحقق ما كتب عنه فيما بعد في تأليف اليوغا: "[...] لن يكون تلميذ اليوغا راضيًا ما دام لم يضم إلى تصوره الخاص جميع الأسماء والصور الأخرى للألوهة [...]، ما دام لم يلحم جميع التعاليم في تناغم الحكمة الأزلية."
شري أوروبندو شابًّا في الفترة التي أسَّس فيها معتزَله الروحي وقد ترجمت كتاباتِه إلى الفرنسية السيدة ريشار (ميرا ألفاسا)، التي ما لبثت أن غادرت بونديشيري، لتعود وتستقر فيها في العام 1920 وتصبح شريكة شري أوروبندو ورفيقته الروحية في عمله بتنظيمها جماعة المريدين في الآشرم، وتُعرَف منذ ذاك بلقب "الأم". واعتبارًا من العام 1926، تسلَّمت "الأم" الإدارة الفعلية للآشرم، فيما قرَّر أوروبندو أن يعتزل العالم في خلوة دائمة، لا يقطعها كلَّ عام إلا عددٌ محدود من الظهورات العلنية (درشن darshan) في مناسبات احتفائية خاصة.
"الأم": رفيقة أوروبندو الروحية ولدى وفاته في بونديشيري في 5 كانون الأول 1950 – تلك الوفاة التي لم يصدِّقها مريدوه والتي لا تستبعد في نظرهم استمرار حضوره الروحي بينهم – دُفِن في باحة في البناء المركزي للآشرم في مقام (سمادهي samādhi) يؤمُّه الزوار حتى اليوم للتبرُّك.
شري أوروبندو قبيل وفاته فكره "الفلسفي": الحقيقة الإلهية كامنة في الذات الإنسانية تهيمن فكرة "التأليف" synthesis على رؤيا شري أوروبندو الفلسفية برمَّتها، حيث تتلاقى الاختبارات الجزئية للحقيقة كافة، كما وعلى إلهامه الشعري وعلى شروحه على النصوص الخالدة للحكمة الهندية. هو ذا يقول: [...] ثمة حقيقة واحدة، هي حقيقة الوجود بأسره، أعظم وأكثر سرمدية من جميع تشكُّلاتها وتجلِّياتها. إيجاد هذه الحقيقة والحياة فيها، وتحقيق أكمل تجلٍّ وتشكُّل ممكن بها، هو سرُّ الكمال، سواء كان ذا كيان فردي أو مشترك. هذه الحقيقة موجودة في باطن كلِّ شيء، وتمنح كلَّ شيء تشكُّلاته وقوة كيانه وقيمة وجوده. إن المقبوس السابق من كتاب الحياة الإلهية لأوروبندو يلخِّص إلى حدٍّ ما حكمته النظرية. لقد استفاد من الثقافة والعلم الأوروبيين مفهومَ التطور البيولوجي، ومن الحكمة الهندية الأنطولوجيا والإلهيات. وهذه تقول بوحدة الوجود، أو كلِّية الوعي الذي هو الأرضية المشتركة للوقائع المادية والنفسانية لعالم الظواهر أو العالم البشري كافة. فـ"التطور الروحي"، أو تطور الوعي، هو الإطار المركزي لفهم فكر أوروبندو. وإن مصطلح وعي consciousness مصطلح غني ومعقَّد عنده. فالوعي، في الأونطولوجيا الأوروبندية، محايث immanent للعالم، مبطون في الأشياء كلِّها، يشارك في مراتب الوجود المختلفة بطرق مختلفة، في المادة الجامدة ظاهريًّا كما في الحياة النباتية والحيوانية والإنسانية والإنسانية الفائقة – وهو يتعالى عنها جميعًا في الوقت نفسه. إن sachchidānanda – حرفيًّا، أعلى مراتب "الوجود والوعي والغبطة" – يُعرَف أيضًا بالمطلق. وهذا المطلق هو "حقيقة الحقائق"[1] التي تحيط بكلِّ الحقائق الجزئية وتفصح عن نفسها خصوصًا عبر العقل الإنساني، وينبغي لها أن تفصح عن نفسها أبهى فأبهى بتطور هذا العقل تصاعديًّا.[2] إذًا فالوعي، بحسب أوروبندو، حاضر في الإنسان، وبالتالي، ناشط فيه من خلال مراتبه الذهنية. فالذهن الفائق Supermind يتوسَّط بين سَتشتشيدانندا وتعددية العالم. والذهن الأرفع Overmind ينوب مناب الذهن الفائق. أما الذهن الكشفي Intuitive Mind، فهو نوع من الوعي القلبي يميِّز الحقيقة إبان اللوامح الطارئة، وليس في الإحاطة الشاملة. الذهن المتنوِّر Illumined Mind يبلِّغ الوعي بالرؤيا، فيما يبلِّغه الذهن الأعلى Higher Mind من خلال الفكر التصوري. والذهن عمومًا يستدمج الواقع عبر المدرَكات المعرفية والعقلية والذهنية، وليس من خلال الرؤيا المباشرة، وإن يكن الذهن مفتوحًا كذلك على الدرجات العليا للوعي، من حيث إنه موجَّه أساسًا نحو الذهن الفائق الذي يشترك فيه بالاشتقاق. والـبسيخي Psyche هي الشكل الواعي من النفس الذي يجعل التطور من الجهل إلى النور ممكنًا. الحياة هي الطاقة الكونية التي تُستقبَل الألوهة من خلالها فتتجلَّى. والمادة، على كونها المستوى الأدنى في تراتبية أوروبندو في تجلِّي الوعي، فهي غير قابلة للاختزال إلى مجرد الجوهر المادي، لكنها تعبير عن سَتشتشيدانندا في صورة أكثف. الألوهة إذن، بحسب أوروبندو، فاعلة في مراتب الوجود كافة، عبر تطور صاعد في الطبيعة، يرتقي من الحجر إلى النبات، من النبات إلى الحيوان، ومن الحيوان إلى الإنسان، حيث تفصح عن نفسها في وعيه، وينبغي أن تفصح عن نفسها بامتلاء أعظم مع تنامي هذا الوعي وتطوره. فلما كان الإنسان في الوقت الحاضر يبدو وكأنه المدماك الأخير على هرم التطور الصاعد، فإنه يعتبر نفسه النقطة النهائية لهذا التطور، متوهِّمًا استحالة أن يوجد ما يعلو عليه على مستوى الكرة الأرضية. إنه مخطئ في ذلك لأنه، في طبيعته المادية بمجملها، ما يزال حيوانًا – حيوانًا مفكرًا وناطقًا، إنما حيوان في عاداته وغرائزه الجسمانية. من الواضح، والحالة هذه (إذا سلَّمنا أن التطور سيرورة متواصلة لا نهاية لها)، أن الطبيعة لا يمكن أن تكتفي بنتيجة ناقصة كهذه، وهي، بالتالي، لن تألو جهدًا في تكوين كائن يكون من الإنسان في المستقبل ما هو الإنسان اليوم من الحيوان – كائن سيكون بشريًّا من الخارج، لكن وعيه سيرتقي عاليًا فوق الذهن المحدود وعبوديته للوهم[3]، مايا māyā. إن النظرة التراتبية إلى الوعي أو الروح يجب أن تُرى أيضًا من منظور سيرورة يشاهَد فيها العليُّ بوصفه كائنًا وصائرًا إلى التجلِّي على مستويات الوجود جميعًا. إن الوعي يتحرر من خلال قانون داخلي يوجِّه التطور. ويشاهَد التطور الروحي كسلسلة من العروجات من الوجود المادي، الجسماني، صعودًا حتى الوجود الذهني الفائق Supramental Existence، نتمكَّن من خلالها من بلوغ كياننا الحق وتحقُّقنا. اليوغا وسيلة يمكن بها للدفع التطوري أن يستعين بالجهد الإنساني. ففي حين ينحو التطور نحوًا بطيئًا غير مباشر، يعمل اليوغا عملاً سريعًا ومباشرًا. التطور ينشد الألوهة من خلال الطبيعة، فيما اليوغا يستمسك بالألوهة بوصفها متسامية على الطبيعة. إن الغاية القصوى للوجود الأرضي للإنسان هي التحقق بالوعي الكلِّي، ضمن الشروط الخاصة بكلِّ فرد. من هنا ليس ثمة، بنظر أوروبندو، عقيدة دينية أو فلسفية عالمية ينبغي للإنسان أن يكون عبدًا لها. لقد كان همُّ أوروبندو الأول "جعل الحقيقة فاعلة في النفس البشرية". وفي سبيل هذه الغاية وضع أسُس "يوغا متكامل" Integral Yoga مرن (بمعنى أنه يلائم خصوصية كلِّ فرد)، غير مصمَّم للزاهدين في الدنيا، بل يستهدف تحويل الحياة البشرية الأرضية "ههنا في الفرد والمجتمع" بعمل "متكامل" على الذات. وهو يُدعى كذلك لأنه يسعى إلى استدماج زبدة الطُرُق القديمة وسيروراتها، مؤلِّفًا بين مناهجها وثمارها في منظومة واحدة؛ وهو "متكامل" أيضًا بمقدار ما يصبو إلى تحول تام للوعي وللطبيعة، ليس للفرد وحسب بل للإنسانية ككل وللكوسموس بأسره. وعلى غير بعض طرق اليوغا في الماضي، لا ينشد اليوغا المتكامل الخلاص من دورة الولادة والموت، بل ينشد إطلاق الطاقات الكامنة في الإنسان من عقالها،[4] بما يحوِّل الحياة والوجود بأسره، بالألوهة، للألوهة، وعبر الألوهة. العروج إلى الألوهة هو محلُّ التشديد في غالبية طرق اليوغا المتَّبعة، بينما العروج إلى الألوهة ليس في اليوغا المتكامل إلا الدرجة الأولى، من حيث إن الغاية الحقيقية هي "تنزيل" الوعي الجديد الذي تم بلوغه بواسطة ذاك العروج واستعماله لـ"رَوْحَنَة" العالم. على المرء، بحسب شري أوروبندو، أن ينفتح على الوعي الإلهي "الذهني الأرفع" supramental بما يصنع منه إنسانًا فائقًا قادرًا على النهوض بنظام جديد للحياة في العالم، يحوِّل المؤسَّسات البشرية المحتضرة إلى "أشكال حرَّة" من القوة والمحبة والعدالة. فكان التشديد في تعاليمه على "رَوْحَنَة" عالم الظواهر والنشاط الإنساني ككل، بواسطة نشوء نخبة روحانية منظَّمة تمتد لتلامس البشرية بأسرها، شأنها شأن الخميرة في العجين.[5] ولقد وضع شري أوروبندو أسُس عقيدته في مؤلَّفات رائعة ما تزال حتى اليوم مصدر إلهام لمفكرين كثيرين في مجالات الفلسفة والتاريخ واليوغا والخبرة الروحية إجمالاً.[6] ***
مراجع المادة - BRUTEAU, Beatrice, Worthy Is the World: The Hindu Philosophy of Sri Aurobindo, Rutherford, N.J., 1971. - CHATTERJEE, Tulsidas, Sri Aurobindo’s Integral Yoga, 2nd ed., West Bengal, 1970. - SRINIVASA IYENGAR, K.R. (ed.), Sri Aurobindo: A Centenary Tribute, Pondicherry, 1974. - MCDERMOTT, Robert A. (ed.), Six Pillars: An Introduction to the Major Works of Sri Aurobindo, Chambersburg, Pa., 1974. - MONOD-HERZEN, Gabriel, Le Yoga et les yoga : Essai psychologique, Monaco, 1978. - O’CONNOR, June, The Quest for Political and Spiritual Liberation: A Study in the Thought of Sri Aurobindo Ghose, Cranbury, N.J., 1976. - SATPREM, Sri Aurobindo, or the Adventure of Consciousness, Pondicherry, 1982. [1] نستعير هذا المصطلح من مذهب ابن عربي. [2] "حقيقة الحقائق" هذه كامنة في النصوص القديمة، إنما ممتزجة فيها بحقائق "ظرفية" مشروطة بالزمان وبالمكان، كما وبالعصور وبالشعوب التي تعاملت مع هذه النصوص. ولقد وجدها أوروبندو عند هيراقليطس، في الـفيدا، في الـأوبنشاد، وفي الـغيتا؛ وهي تظهر في هذا النصِّ الأخير بوصفها الغاية النهائية للعمل وللمعرفة وللمحبة. [3] يقول أوروبندو بهذا الصدد في ساعة الله: "الإنسان كائن في حالة انتقال وليس كائنًا نهائيًّا. ذلك لأن فيه، وفيما بعده، ترتقي مراحل مشعة تتسامى نحو إنسانية متفوِّقة إلهية." [4] ليس المقصود بهذا "الإطلاق"، من أيِّ وجه من الوجوه، عبودية المرء لميوله ومنازعه، بل هو يعني "تفتحًا"، توجِّهه المحبة والمعرفة، للحقيقة الإلهية الهاجعة في أعماق كيانه. جاء في كتاب أوروبندو تأليف اليوغا: "لا شيء يمكن تلقينه للذهن ما لم يكن مختبئًا كمعرفة كامنة في النفس المتفتِّحة للمخلوق. وعلى النحو ذاته، ليس كلُّ كمال في مستطاع الإنسان الظاهر تحقيقه إلا تحقيقًا للكمال الأزلي للروح فيه." [5] يجتمع مريدو وأنصار ومؤيِّدو نظرة شري أوروبندو إلى التطور الروحي وطريقته اليوغية في جماعات عبر العالم أجمع، أشهرها تلك التي باشرت، بإشراف "الأم"، بناء أوروفيل Auroville، المدينة القريبة من بونديشيري التي صُمِّمت لتجسِّم مثال أوروبندو عن إنسانية متحوِّلة، والمعتزَل في بونديشيري حيث أقام أوروبندو نفسه مدة أربعين عامًا. وهذه الأماكن ناشطة في مجالات التربية الحديثة، وهي ترمي، على هَدْيٍ من فكر المعلِّم، إلى نشر المعرفة العلمية الدولية وإلى بلوغ الصحة البدنية والنفسية عبر سلوكيات حياتية صحية. [6] تحوي مؤلَّفات أوروبندو جانبًا كبيرًا من المعرفة الروحية التي وُهِبَها في سلوكه اليوغي وتقدِّم عرضًا مفصَّلاً للفلسفة الروحية واليوغا، وتشتمل على تأويلات دقيقة للفيدا والأوبنشاد والـغيتا، وتتناول روح الحضارة والثقافة الهنديتين، وتستلهم الطبيعة وتدرس تطور التجربة الشعرية، وترسم ملامح تقدُّم المجتمع الإنساني نحو مستقبله الإلهي، ويخيِّم عليها المنحى التأليفي الشامل الذي تتكامل فيه الرؤى الجزئية للحقيقة في رؤيا كونية كلِّية. نذكر منها بالأخص: الدورة الإنسانية، مثال الوحدة الإنسانية، رسالة الثقافة الهندية، الحياة الإلهية، تأليف اليوغا، بالإضافة إلى عدد كبير من الرسائل في اليوغا والقصائد والمسرحيات والقصص القصيرة. |
|
|