المادية

المادية الجدلية (الديالكتيكية) والمادية التاريخية

تعرَّف المادية بكونها كلَّ عقيدة لا تقبل غير المادة – والفكر هو أحد صفاتها – كجوهر أو كحقيقة.

وقد كانت الأبيقورية في العصور القديمة من أولى المنظومات الفلسفية المادية وأكثرها تجانسًا، بكلِّ ما في الكلمة من معنى، وخاصة فيما يتعلق بذلك الجانب المثير للجدل والمرتبط بلامبالاتها بالأمور الدينية والروحية. وقد تراجع هذا المنحى في القرون التي تَلَتْ، حيث جعل انتصارُ المسيحية من قبيل الخطر كلَّ تلك المناحي التي كانت تدعو إلى مثل ذلك التخلِّي عن فكرة الإله. لكن بدءًا من القرن الثامن عشر، بدأ العديد من الكتاب والفلاسفة يتجرؤون من جديد على طرح مفاهيم مادية متماسكة، ذات بُعد لاديني في معظمه (كهيلفيتيوس ودولباخ ولاميتري وسواهم)، وعلى التأكيد عليها. وقد صُنِّفَتْ هذه النظريات حينذاك بالميكانيكية، كما ستُصنَّف لاحقًا أفكارُ فويرباخ بالمقارنة مع المنظومة الجدلية للماركسية، لأنها كانت تتجاهل مبدأ الفعل وردِّ الفعل، ولا تقر إلا بما في الطبيعة من تغيرات كمِّية.

في القرن التاسع عشر، أدان أوغست كونت المادية لأنها، على حدِّ زعمه، تُنزِل الأعلى إلى الأسفل. لكننا نلاحظ، في المقابل، أن هذا المفهوم (أي المادية) قد ساد في فروع عدة من العلم: كالبيولوجيا التي رفضت كلَّ غائية وأعادت تفسير كلِّ شيء استنادًا إلى مسبِّباته الفيزيائية والكيميائية؛ أو كعلم النفس، حيث صار الوعي مجرد ظاهرة طارئة، وصار النفساني مجرد اشتقاق لما يمكن مراقبته فيزيائيًّا (كبسيكولوجيا السلوك، على سبيل المثال).

أما المادية الجدلية – وهي المنظومة الفلسفية لماركس ولأتباعه – فهي تتعامل مع الكون ككلٍّ ماديٍّ متماسك وديناميٍّ، مؤكدة على تبادل التفاعل بين العناصر (حيث يصبح كلُّ فعل سببًا بدوره، والعكس صحيح)، وحيث يؤدي تراكُم التغيرات الكمية للحياة إلى تغيرات نوعية في الوجود؛ مما يعني، ضمن إطار ذلك التصور للواقع، الحلَّ التدريجي للتناقضات الداخلية كأساس للتاريخ.

من تصور كهذا جاءت المادية التاريخية كمفهوم (ماركسي) مطبَّق على التاريخ كتحصيل حاصل وكإحدى النتائج الرئيسية للمادية الجدلية. لذلك نراها تركز على أهمية العامل الاقتصادي في الوجود الإنساني ( لأن ما يعرِّف بالإنسان عمليًّا هو ما ينتجه من أدوات كينونته)، وتؤكد على أن ما يميِّز التاريخ هو الصراع الطبقي، الناجم أيضًا عن العلاقات الاقتصادية بين البشر. لكن يبقى أن هذه البنية التحتية الاقتصادية لا تعيِّن تعيينًا ميكانيكيًّا تطورَ البُنى الفوقية: فبالعكس، يجب التفكر في تفاعلها المتبادل، وذلك على الرغم من بقاء العامل الاقتصادي هو العامل الحاسم في نهاية الأمر.

***

ملاحظة: تم تعريب هذا النص عن قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل.

تعريب: أكرم أنطاكي.

مراجعة: ديمتري أفييرينوس.  


 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني