|
أفلوطين (204 م. – 270 م.)
يعتبر الفيلسوف اليوناني أفلوطين، الذي ولد في العام 204 م، في مدينة ليكوبوليس في مصر، وتوفي في العام 270 م، في بلدة كامبانيا قرب روما؛ الممثل الرئيسي للمدرسة الأفلاطونية الجديدة. نشأ في وسط متأثر بالفلسفة والعقائد الشرقية، وتتلمذ لمدة أحد عشر عامًا تقريبًا ( ما بين 232 م، و243 م) في الاسكندرية، على يد أمونيوس زاكاس الذي يمكن اعتباره المؤسس الفعلي للأفلاطونية الجديدة. عن هذه المرحلة من حياته، كتب تلميذه ومؤرخ سيرته بورفيريوس[1]: أخذه أحد أصدقائه لزيارة أمونيوس الذي لم يكن يعرفه بعد. فما أن دخل واستمع إليه حتى قال لصديقه: هذا هو الإنسان الذي كنت أبحث عنه τοῦτον ἐζήτουν. ومنذ ذلك اليوم، دأب على معاشرة أمونيوس وهيرينيوس وأوريجينيوس الذين اتفق معهم على الحفاظ على سرّانية العقائد التي كان أمونيوس قد شرحها لهم بوضوح[2]... اطلع أفلوطين على الفلسفة الرواقية stoïcisme، ودرس الفلسفة الهندية. أمّا في عام 244 فقد انتقل إلى روما حيث أسس، في ظلّ حكم الإمبرطور فيليبوس العربي، مدرسته الأفلاطونية الجديدة التي لاقت رواجًا عظيمًا ودعمًا كبيرًا من قبل الإمبرطور غاليانوس، والتي كان أفلوطين مديرها وحامي عقيدتها scolarque. وكان من أهم تلامذته بورفيريوس الذي خلفه على رأس المدرسة بعيد وفاته في عام 270. فلسفته يَعتبر أفلوطين نفسه شارحًا ومفسرًا لفلسفة أفلاطون، فقد كتب بهذا الخصوص قائلاً: الذكاء هو سبب كل شيء، لذلك يدعو أفلاطون الخير المطلق بالأب، ويعتبره مبدأ يسمو على الذكاء وعلى الجوهر. ففي مقاطع عديدة، يسمي الكائن والذكاء بالفكرة. لذلك نراه في تعاليمه يقول أن الذكاء يلد من الخير، وأن الروح تلد من الذكاء. وهذه العقيدة ليست جديدةً: فقد جرى التبشير بها منذ أقدم الأزمنة؛ لذلك، ومن دون التوسع بشرحها تحديدًا؛ لأننا لا نريد هنا إلاّ أن نكون المفسرين للحكماء الأوائل، فإننا سنبين استنادًا إلى أفلاطون أن العقائد التي كان يحملها القدماء هي نفسها عقائدنا[3]. والإنيادس التي نستشهد بها أعلاه، هي العمل الأوحد لأفلوطين. الذي جمعه من بعده في تسعة كتب، وصنفه في ستة مجموعات، تلميذه وخليفته بورفيريوس. في عمله هذا، يؤكد أفلوطين على وجود يتجاوز العالم العالم الحسّي منطلقًا من ثلاث أقانيم أساسية: - حيث هناك أعلى من الجميع، وأعلى حتى من الكائن، ذلك الواحد بحد ذاته - وأفلوطين يقارب هنا مفهوم الخير الذي تحدث عنه أفلاطون في الجمهورية - هذا الذي يشكل نقطة الانطلاق لـ"تشكل" الأقنومين الأخرين: فيجعلهما ينبثقان من فيضه الخاص. لأنه ذلك الكامل الذي يتجاوز كل الفضائل، ذلك الذي لا يمكن وصفه، والذي هو الأب الكلّي واللاوجود معًا. - أمّا الإقنيم الثاني فهو العقل البدئي Logos، أو الذكاء، الذي من أولى صفاته معرفة ذاته، ووعيه لها. ونلاحظ أن أفلوطين يتناقض هنا مع أفلاطون، حيث يؤكد على أن الأفكار والملموسات لا تعلو على العقل البدئي، ولا تنفصل عنه. إنما هي تشكل واحدًا مع الذكاء، الذي يكتشف نفسه، ويمر عليها، لأنه كائن "متعدد" جذريًا. - أمّا الأقنوم الثالث، فهو الروح، "تلك التي لا تهدأ"، والتواقة إلى الفعل. وهي عامل تناغم، لأنها لم تنسى "وقائع ما في الأعالي" من جهة. ولأنها، من منظور آخر، تستوعب كل الأجسام وتحيي كل نفوس هذا العالم الحسيّ المتصل بالشر؛ من هنا كانت جرأتها. أما الروح الفردية، فيتوجب عليها دائمًا تذكّر "أصلها النبيل" أي علاقتها البدئية بالأقنوم الثالث، وذلك كي لا تضلّ طريقها في هذا العالم. وبوسعها ذلك عن طريق الاهتداء - وليس عن طريق التذكُّر كما كان يعتقد أفلاطون الذي كان أفلوطين على خلاف معه حول هذه النقطة أيضًا - (هذا الاهتداء) الذي يمكنها، مستندةً إلى مشاركتها للروح الكونية، من التغلُّب على عواطفها وعلى الجسد (فحسب بورفيريوس، كان أفلوطين "يخجل من كونه في جسد") ما يغلَّب دائمًا الجانب "العاقل" على الجانب "غير العاقل". ونشير هنا، إلى أنه يتوجب علينا عدم النظر إلى الذكاء كجزء من هذه الروح الفردية: لأنه بوسعنا تملكه فقط حين نستخدمه، وإلاّ فنحن لا نملكه. لكن استخدام الذكاء، بمعنى التفكر بالاعتماد عليه، يجعلنا "ننتقل إلى الجانب الأوضح، ونجذب أفضل ما في الروح"، كما يجعلنا نتمتع بفكر حدسي يستبعد الفكر الهدّام. وهكذا، طالما كانت الروح تسعى للاتحاد مع الروح الكونية، فإنها تمارس سيطرتها على الأشياء. وبالعكس، إن تعلقت بجسد محدد بسبب فتنة طبيعية، فإنها تضيع نفسها. لكنه يبقى من الممكن دائمًا بالنسبة لها، لأنها خالدة، أن تتطهر من خلال حيواتها المتكررة، وأن تتحد في النهاية مع الإله الواحد. ونشير هنا في النهاية، إلى أن هذه العقيدة أثرت كثيرًا على التصوف الغربي (بدءًا من يعقوب بوهمه، مرورًا ربما بالقديس أغوستينوس)، كما أثرت بأشكال مختلفة على فلاسفة كبار كلايبنتز وشوبنهاور وبيرغسون. مؤلفاته كما سبق وأشرنا، تعتبر الإنيادس المؤلف الأوحد لأفلوطين. وهي تتألف من: - الإنيادس الأولى: وتحتوي على تسع فصول هي: 1- ما هو الحيوان؟ (بحث). 2- في الفضائل (بحث). 3- في الجدلية (بحث). 4- في السعادة (بحث). 5- هل تزداد السعادة بمرور الزمن؟ (بحث). 6- في الجمال (بحث). 7- في الثروة الأولى وفي باقي الثروات (بحث). 8- ما هي المصائب وما هو سببها؟ (بحث). 9- في الانتحار المنطقي (بحث). - الإنيادس الثانية: وتحتوي على تسع فصول هي: 1- في الأرض والسماء (بحث). 2- في حركة السماء (بحث). 3- في تأثير النجوم (بحث). 4- في المادتين (بحث). 5- ما المقصود بـ"بالقوة" وبـ"بالفعل"؟ (بحث). 6- في النوعية وفي الشكل (بحث). 7- في الخليط الكلّي (بحث). 8- لماذا تبدو الأشياء التي ننظرها من بعد صغيرة؟ (بحث). 9- ضد الذين يدّعون أن الفيض العالم سيء وأن العالم شرير (أي ضد الغنوصيين) (بحث). - الإنيادس الثالثة: وتحتوي على تسع فصول هي: 1- في القدر (بحث). 2- في العناية الإلهية، جزء أول (بحث). 3- في العناية الإلهية جزء ثاني (بحث). 4- في الشيطان الذي تقاصمنا (بحث). 5- في الحب (بحث). 6- في عدم تأثر الأشياء غير المادية (بحث). 7- في الأزلية وفي الزمن (بحث). 8- في الطبيعة وفي التأمل وفي الواحد (بحث). 9- اعتبارات مختلفة (بحث). - الإنيادس الرابعة: وتحتوي على تسع فصول هي: 1- في جوهر الروح (بحث). 2- كيف تتبوأ الروح مكان الوسط بين الجوهر الذي لا ينقسم والجوهر الذي ينقسم؟ (بحث). 3- تساؤلات حول الروح جزء أول (بحث). 4- تساؤلات حول الروح جزء ثاني (بحث). 5- تساؤلات حول الروح جزء ثالث (بحث). 6- في الحواس وفي الذاكرة (بحث). 7- في خلود الروح (بحث). 8- في نزول الروح في الجسد (بحث). 9- هل تشكل كل الأرواح روحًا واحدة؟ (بحث). - وهكذا بالنسبة للإنيادس الخامسة والسادسة... *** *** *** ملاحظة: تمت ترجمة هذا النص من قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل، بالإضافة إلى موسوعة ويكبيديا الفرنسية على الإنترنت. تعريب: أكرم أنطاكي [1] هو بورفيريوس الصوري تلميذ أفلوطين (234 م – 305 م) [2] سيرة أفوطين لبورفيريوس [3] الإنياديس، الجزء الخامس، 1/8
|
|
|