|
المعالجة
النفسية
بالطرق
الطبيعية
نبيل
محسن
تترادف
المعالجة النفسية في أذهان الكثيرين مع
التحليل النفسي. والحق أن التحليل النفسي ليس
إلا واحدة من التقنيات التي تستخدمها
المعالجة النفسية استناداً إلى مناهج علم
النفس والعلوم الطبية، إلى جانب المعالجات
الأخرى الدوائية والجراحية والمعالجة
بالصدمات وجملة من التقنيات اللطيفة. يخضع
اختيار الطبيب لواحدة من هذه التقنيات
لمجموعة من الاعتبارات تتقدمها نظرته إلى
الحياة ككل ورؤيته لعلاقة الإنسان بالمجتمع
والطبيعة. يشكِّل الطب النفسي المعاصر حصيلة
مئات وآلاف السنين من التجارب والأخطاء
استخدمت خلالها طُرق مختلفة من التشخيص
والعلاج. فكثيراً ما كانت تطبق طرق علاجية
متضادة من أجل معالجة مرض واحد. فمدارس علم
النفس عديدة، ولابد لكل طبيب من اتخاذ مدرسة
له يستطيع عبرها أن يشخِّص المرض ويضع خطة
معالجة له. لذلك تتعدد التعاريف والعلاجات
ويُختلَف على الطرق التشخيصية العديدة
وموضوعيتها وقيمتها العلمية والإنسانية. إن التطور العلمي الذي حدث في القرن
التاسع عشر دفع بعض العلماء إلى إنكار أية قوة
خاصة للحياة سعياً منهم وراء "موضوعية"
مزعومة. ورافقت هذه النظرة الاختزالية reductionist
مفاهيم الحتمية necessity
والسببية causality التي كانت سائدة في
الفيزياء والعلوم الأخرى آنذاك. فكان أن بدأ
الأطباء بالتعامل مع الإنسان وكأنه آلة مؤلفة
من أجزاء منفصلة وعمَّموا نتائجهم بحيث إن ما
يصح على شخص ما في ظرف ما يصح على الآخرين،
واعتبروا المرض عدواناً خارجياً يجب قمعه بما
توفر من وسائل شكلت مئات الأدوية المتوفرة
ترساناتها الرئيسية. أما
اليوم فإننا نشهد توطّد نمط جديد من الطبابة،
له جذوره العميقة في الطب اليوناني القديم
وفي حكمة الحضارات الشرقية والعربية
والإسلامية. إذ عاد العلم ليؤكد اعتبار
الإنسان كلاً متكاملاً أو وحدة عضوية تتألف
من واحدات أصغر في تفاعل ديناميّ مستمر
وارتباط وثيق مع الطبيعة. وإن خصائص الأجسام
الحية، وفقاً لهذه النظرة، مظاهر متنوعة
لمبدأ ديناميّ أساسي هو مبدأ التنظيم الذاتي auto-organization
الذي يشتمل على تنظيم العمليات الاستقلابية
والتجدد الذاتي للخلايا والأنسجة والشفاء
الذاتي. ووفق هذه النظرة، يصبح المرض تعبيراً
عن خلل في التوازن الداخلي أو في العلاقة مع
المحيط وردة فعل طبيعية من أجل إعادة التوازن، وتصبح مهمة الطبيب المعالج تهيئة
الشروط الصحية الملائمة ومساعدة العضوية على
تحقيق قدراتها الطبيعية في الشفاء الذاتي
فيما يمكن اعتباره أساسياً للمعالجة
الطبيعية. فتح فرويد فتحاً جديداً في دراسة النفس
الإنسانية من خلال ممارسة التحليل النفسي
عندما كانت معظم المدارس العلمية ترفض
الاعتراف بوجود خاص للنفس الإنسانية (نذكر
مثلاً دراسات بافلوف على الأعصاب والدماغ من
أجل فهم السلوك الإنساني وأعمال مدرسة واطسون
السلوكية التي اهتمت بدراسة السلوك الإنساني
دون أن تأخذ بعين الاعتبار الصيرورات
الفسيولوجية). ولكن فرويد بقي أسير مفاهيم
عصره في الحتمية والسببية، فجعل من العصاب
نتيجة لأحداث في الطفولة وعمّم نتائجه معتقداً بموضوعية طريقته واستمر كذلك
طويلاً
قبل أن يغير رأيه بتأثير من يونغ ومن الفيزياء
نفسها التي تحولت لتؤكد دور الراصد في وصف
الظاهرة وتأثيره على الظاهرة نفسها. أما يونغ
فقد ركز منذ البداية على الخصوصية النفسية
لكل فرد من الأفراد وتعامل معها على أنها كلٌّ
متكامل، لا أجزاء متنافرة. ويقول بهذا الصدد
أن النفس هي المريضة في العصاب ولا يمكن
مواجهة الأعراض الخاصة خارجاً عن الشخصية
الكلية التي لا تبلغ شفاءها التام دون ترميم
هذه الكلية المجروحة. لقد توجَّه يونغ إلى قوة
الحياة لدى المريض بدلاً من الاكتفاء بمعالجة
الأعراض، وعرّف العصابات على أنها اختلال في
التوازن وعي-لاوعي، يشكل التحليل النفسي
الوسيلة المساعدة لاسترجاع هذا التوازن،
ووسّع مفهوم الليبيدو libido ليشمل الطاقة النفسية ككل.
وبذلك بات التحليل النفسي وسيلة لفهم
الإنسانية وتاريخها. ويقول عن دور الطبيب
النفسي: " علينا أن نسترشد بالطبيعة، فما
يفعله الطبيب هو تنمية البذور الخلاقة لدى
المريض أكثر من معالجته." هكذا تقوم طريقة
يونغ في المعالجة النفسية على محاكاة الطبيعة
وتنشيط الطاقة النفسية. ولهذا يعتبر يونغ
مؤسس علم النفس الكلِّي وواضع المبادئ
الحديثة للمعالجة النفسية بالطرق الطبيعية. الأمراض النفسية والعقلية مازال تعريف المرض الجسدي موضع جدل لا
ينتهي بين العديد من المدارس. أما تعريف
الأمراض النفسية فميدان لمجابهات أشد تستند
إلى فروق أكثر دقة. فالأعراض هنا ملتبسة
ومبهمة وشديدة الذاتية. فكيف يمكن التعامل مع
الأزمة المعنوية والنفسية لشخص لا نعلم شيئاً
عن مكوِّناته العميقة ولا سبيل لفهمه إلا
انطلاقاً من معطيات مفترضة تشكل الأساس لوضع
تشخيص ضعيف يتبعه علاج أضعف؟ وكيف نحدد
العصاب ونعرِّفه قياساً إلى أنماط من السلوك
لا نملك ما يجزم بمدى عقلانيتها في حياة
اجتماعية مليئة بالانحراف والتناقضات؟ وكيف
يمكن الوثوق بالوصف الذي قد يعطيه مختل عقلي
عن حالته ونحن لا ندرك مدى ابتعاده المرضي عن
الواقع؟ لقد بات من المؤكد أن تقدير حالة نفسية
مضطربة يتعلق باعتبارات نفسية-اجتماعية
إضافة إلى الاختلافات الفكرية بين المدارس.
ويتم تصنيف الأمراض النفسية بحسب شدة الأعراض
أو بحسب سير المرض. ولكن العناوين الرئيسية
التي تتكرر في مختلف التصانيف هي الذهانات،
العصابات، الاضطرابات الشخصية، الانحرافات
الجنسية، الكحولية والاعتماد الدوائي،
الاضطرابات العقلية والتخلف العقلي (بحسب
تصنيف منظمة الصحة العالمية). ويتفق اليوم على تعريف العصاب neurosis
على أنه اضطرابات النفس الوظيفية (بدون إصابة
عضوية) التي تعود للصراعات بين القوى
الداخلية والقوى الخارجية (ضغوط عائلية
واجتماعية) و/أو بين احتياجات متناقضة. وبذلك
يختلف عن الذهانات psychosis في
كونه يترك للمريض وعي طبيعة أعراضه والحفاظ
على علاقة منطقية مع الحقيقة الاجتماعية
الموضوعية. وقد بين فرويد أن الأعراض
المميِّزة للأعصبة النفسية لا تدل على مجرد
اختلال وظيفي كما هو الأمر عند جانيه، بل ردّ
الأمراض العصابية إلى مفهوم الدفاع، أي
محاولة الأنا ego
وقاية نفسها من إحدى الخبرات أو التصورات
المؤلمة بأن تتعامل معها وكأنها لم تحدث. أما
يونغ فقد أشار إلى أن الأنا الواعية تطغى على
الخافية الجمعية collective unconscious في العصاب، بينما الحالة
الذهانية هي تلك التي تطغى فيها الأنية
الجمعية على الأنا الواعية. فكلما ضعفت هذه
ازداد خطر تلك. أما الاضطراب العقلي فتعتبره بعض
المجتمعات أمراً مخيفاً. وكان المصابون به
يتعرَّضون للضرب حتى الموت أحياناً أو يخضعون
لجملة من الطقوس من أجل تخليصهم من الأرواح
الشريرة؛ إذ يبدو أن وجود "مجنون" في
مجتمع ما يسبب الإزعاج لأعضاء المجتمع لأنه
يشكل دليلاً على عدم سلامة وصحة المجتمع
التامة، ولهذا يسعون للتخلص منه. وكلما تطور
مجتمع ما باتجاه المدنية التقنية أصبح أعضاؤه
أكثر فردية وأنانية، وأصبح المضطربون عقلياً
أكثر عرضة للاضطهاد والعزل. ويوجد اليوم تيار
مضاد للطب النفسي يعتبر أن ما يصطلح المجتمع
على تسميته "مجنوناً" لا يختلف كثيراً عن
الشخص الذي يتصرف بشكل طبيعي، وأعراض الخلل
إنما هي علامات أو خيبة أو اضطراب في التوازن
لا تستطيع المعالجة النفسية إعادته. من حق
المجنون أن يعبِّر عن نفسه، وعلى المجتمع أن
يستمع إليه وأن يعدِّل الشروط التي أدت إلى
هذه الطريقة من التعبير. ونشير هنا إلى أن
المعالجة النفسية لا تستطيع شفاء حالات
الاضطراب العقلي لأنها تترافق غالباً مع
أسباب عضوية، ولكنها تساعد المصاب على
التأقلم مع محيطه بواسطة تمارين التأهيل التي
تقدمها، إضافة إلى المعالجات العضوية التي قد
تنجح أحياناً في تخفيض السبب أو معالجته. وتُقسَم الاضطرابات العقلية إلى ثلاث
درجات: الضعف العقلي: سن عقلي أقل من سنتين. التخلف العقلي: سن عقلي بين سنتين وعشر
سنوات. الاختلال العقلي: ويشمل المرضى المصابين
بالتخليط الذهني. ويتضمن هذا التعريف أشكالاً
ومستويات عديدة. يصعب التفريق في الحدود القصوى بين
الاختلال العقلي والفصام والزوران paranoia والذهان الهوسي الاكتئابي manic-depressive illness. وتقدير ذلك يتم وفقاً للسلوك
الاجتماعي للمريض. يُنظَر عادة إلى كل مظاهر
سلوك المختل عقلياً على أنها خاطئة. والذهاني
لا يمكنه القيام بوظيفة طبيعية ومتابعة حياة
اجتماعية وعائلية طبيعية، وقد يشارك بها
بالحد الأدنى. أما العصابي فهو شخص لا يبدي
إلا اضطرابات بسيطة، ويشكل في نظر الطب
النفسي فئة خاصة لا علاقة لها بالاختلال
العقلي وتختلف بشكل واضح عن الذهانات. الوحدة النفسية الجسدية يرد يونغ على الرأي القائل بأن الجانب
النفسي هو نتيجة إفرازات غدية وأن الأفكار
إفرازات غدية دماغية بقوله: "إن الاعتقاد (الحديث)
بأولية الجانب المادي يفضي في نهاية التحليل
النفسي إلى علم نفس لا نفس له، أي إلى نفسانية
لا يكون النفسي فيها شيئاً آخر سوى وقع
بيولوجي كيميائي." وهو يدعو إلى تشييد علم
نفس بنفس، أي نظرية في النفس تقوم على التسليم
بوجود روح مستقلة تتحدّر منها النفس. على أية حال، لا نستطيع إنكار التداخل
الوثيق بين الدماغ والنفس، وبينهما والجسم
ككل. إن الانطباعات التي تزودنا بها الحواس
ليست في النهاية إلا صوراً نفسية. إنها خبرتنا
المباشرة والحقيقية التي نؤمن بها حتى لو
رفضها الآخرون. ولهذا تتم الاستعانة بالوسائل
الصنعية لتحديد ما هي عليه الأشياء خارجاً عن
النفس. هكذا تختلف الانطباعات والأحاسيس التي
قد يثيرها لون أو لحن عند مجموعة من الأشخاص،
ثم تأتي الوسائل الخارجية لتؤكد أن اللون هو
موجة ضوئية بطول كذا وأن اللحن ذبذبة بتردد
كذا... لهذا نقول بأن النفس هي الشيء الوحيد
الذي يتصف بالمباشرة. وكذلك ما تثيره آمالنا
ومخاوفنا من أحاسيس فرح أو حزن لا يغيره
اعتراف الآخرين أو رفضهم. ولهذا نقول أيضاً إن
خبرتنا النفسية حقيقة لا تقل أهمية عن
الحقيقة التي يتفق عليها الناس. تستطيع النفس فرض حقيقتها بطرق مختلفة.
فهي قادرة على إحداث تبدُّلات فيزيائية هامة
في جسم الإنسان؛ إذ تؤثر العواطف مباشرة في
الجهاز العصبي، أو بطريقة غير مباشرة عن طريق
الإفرازات الهرمونية، مسبِّبة اضطرابات
دائمة أو مؤقتة ومتفاوتة الأهمية في نظم
القلب والتنفس وحركة الجهاز الهضمي
وإفرازاته ودوران الدم وتقلص العضلات وتناسق
الحركات والنشاط الذهني. هكذا تؤدي مشاعر
الحزن والقلق إلى التقلُّصات في الجهاز
الهضمي وإلى آلام بطنية وتسرع نظم القلب
وانقباض العضلات وارتفاع الضغط. ولا تعتبر
الانفعالات الحادة المسؤولة الوحيدة عن
اضطرابات الصحة؛ إذ كثيراً ما تنجم هذه
الاضطرابات عن التراكم البسيط للصدمات
الانفعالية البسيطة التي قد تبدو للوهلة
الأولى غير ذات أهمية: فالقلق، الإحباط،
الحزن، الخوف، إلخ، تشكل جميعها سموماً
حقيقية للصحة. ويلعب التوهُّم دوراً كبيراً
في هذا المجال؛ إذ يؤدي التفكير ببعض الأمراض
وتوقع حصولها إلى ظهورها فعلاً. بينما تحقق
الثقة والتفاؤل والإيمان المعجزات. ونذكر
مثالاً على ذلك ما يسمى بالحمل العصبي الكاذب
الذي يحدث عند بعض النساء الراغبات بالحمل
بشدة، وتكون النتيجة شعورهن بأعراض الحمل،
كالغثيان وانتفاخ البطن والأثداء وحتى
انقطاع الطمث… ونذكر أيضاً أن بعض الاضطرابات
الصحية تنشأ عن عصابات وصيرورات مرضية تتعلق
بأحداث رضِّية في الطفولة والمراهقة. وقد
أثبت المحللون النفسيون بعد فرويد ويونغ كيف
تتحول الظواهر اللاواعية إلى غالبية الأعراض
الطبيعية والمرضية. يحاول المحلل النفسي
تكوين منشأ هذا النوع من الاضطرابات ومعرفة
أسبابها، ثم يأتي تعرف المريض إليها واعترافه
بها مساعداً على التحرر من قلقه ومركَّباته
وشعوره بالذنب أو الدونية. ويُرَدُّ العديد
من الأمراض، كالإكزيما والهستيريا والسكري
والاضطرابات القلبية، إلى العصاب واضطرابات
لاواعية أخرى. إننا نلمس يومياً التأثير الكبير الذي
تمارسه حالتنا الروحية والمعنوية على حالتنا
الجسدية. لقد بات التأثُّر المتبادل بين
النفس والجسد حقيقة علمية ثابتة؛ إنه تكامل
وترابط. وما الفعالية النفسية كما ندرسها
الآن إلا مظهر من مظاهر الوحدة النفسية-الجسدية. المعالجات النفسية المتداولة وأخطارها لقد كان مورغاني أول من استخدم الطرق
العضوية لمعالجة الأمراض النفسية لأنه اعتبر
أن منشأ الأمراض النفسية عضوي. ابتدأت
المعالجة بالدواء عام 1896، وشهد عام 1903
استعمال الباربيتورات للمرة الأولى، ثم حصلت
النقلة النوعية الأولى في عام 1952 مع اكتشاف
الكلوروبرومازين ومضادات الإعياء (Buison,
Lainé, Delay) أثناء متابعة الحالة النفسية
لبعض المعالجين من التدرُّن. وقد كان مونيز
أول من استخدم الجراحة العصبية النفسية عام
1936 تبعه Cerletti في معالجة المرضى بالصدمات
الكهربائية. لم تتوقف الفارماكولوجيا النفسية عن
التطور منذ إدخال الكلوروبرومازين (المنعشات
النفسية) إلى الوصفات الطبية، يساعدها على
ذلك ظروف الحياة والتوتر المتصاعد الذي يصيب
الأفراد والمجتمعات تحت ضغط العامل الزمني
وهاجس تحقيق الآمال والطموحات والسعادة
المرتجاة. ويميل الكثيرون إلى استهلاك كميات
كبيرة من الأدوية النفسية مباشرة بحكم العادة
أو تبعاً لوصفة طبيب. ويثبت ذلك كثرة الأمراض
والاعتلالات المشاهَدة التي تعزى لها. فالفرد
(المضطرب) يجد في حبة الدواء تخليصاً له من
مسئوليته تجاه نفسه وإسقاطاً لهذه المسؤولية
على الطبيب بانتظار الحل السحري والسريع الذي
يؤمِّنه الدواء (مؤقتاً). نذكر من الآثار الجانبية لمضادات
الاكتئاب (مثبطات المونوأمين أوكسيداز)
والمنعشات النفسية (الكلوروبرومازين)،
الحوادث الجلدية والكبدية (يرقان انسدادي –
نخر خلية كبدية) وما يسببه الفينوتيازين من
التهاب أعصاب متعدِّد. كما ينجم عن الأدوية
العصبية والنفسية العديد من التناذرات
العصبية وإصابات الجملة خارج الهرمية،
أكثرها شيوعاً هو تناذر باركنسون وتناذرات
حركية خاصة تؤثر على عضلات الوجه. إضافة إلى
ذلك، نذكر الحوادث الناجمة عن مشاركات دوائية
غير مناسبة وجرعات زائدة من السهل تشخيصها
والوقاية منها عادة. وتحدث في سياق يعض
الأمراض الحادة أو المزمنة مظاهر مضلِّلة
سببها إشباع الجسم بالمعالجات، حتى لو كانت
هذه المعالجات موجَّهة بشكل جيد. ويصبح الشخص
الذي يتعاطى الأدوية من أجل تخفيف آلامه
الكبيرة أكثر ضعفاً أمام القضايا الصغيرة
التي تحاصره أكثر فأكثر بتفاقمها بعد فترة من
الزمن، مسبِّبة حالة من الاتّكال النفسي
والجسدي. ويعتبر اليوم تطبيق الصدمة الكهربائية
عند الكهول أقل خطراً من إعطائهم مضادات
الاكتئاب على الرغم مما تسبِّبه من اضطراب في
الذاكرة؛ إذ لقد اختفت تقريباً الكسور
والخلوع وخرَّاجات الرئة التي كانت تُعتبَر
من اختلاطاتها، أما المعالجة بالصدمة
بالأنسولين فتضمن خطر الموت. وتعطي المعالجة
بالنوم نتائج جيدة إذا لم تُستعمَل الأدوية
المنوِّمة والمخدِّرة والمهدِّئة التي تجعل
تطبيق هذه التقنية أكثر سرعة وسهولة. وتقوم
العمليات الجراحية التي تطبَّق من أجل
المعالجة النفسية على اقتطاع أجزاء من الدماغ
(الفص الجبهي)، ولكنها غالباً ما تسبب فقدان
الشخصية ويصبح المريض لامبالياً ومجرَّداً
من الشخصية. كان الاستعمال المحدود للدواء
فيما مضى يسمح بتقدير أخطاره ومساوئه وفوائده.
أما اليوم فيتم إنتاج أعداد هائلة من
المركَّبات الدوائية. وقد اتسعت وصفة الطبيب
لتشمل عند أقل شكوى نصف دستة من الأدوية. إننا
اليوم نعالج بشدة ولكننا نعالج بشكل سيء. إن
هذه الطرق تقمع الأعراض وتتناسى الأعراض
الحقيقية. لذا فإن الصحة لا تتحسن، بل إن خلل
التوازن يميل لأن يستمر ويشتد. ويدعو اليوم
عدد من العلماء، من بينهم الدكتور أندريه
باسبيك A. Passebeq، إلى إحلال نوع من "السلام
العلاجي"، أي الإيقاف التام لكل المعالجات
الدوائية، مهما كانت محدودية فترتها،
واللجوء بدلاً عنها إلى أنواع أخرى من
العلاجات اللطيفة الأكثر سلامة والأكثر
نجاعة، تأخذ بعين الاعتبار التربة الشخصية
والمناعة الطبيعية والشفاء الذاتي والتجدد
الذاتي: كالتحليل النفسي، وتحليل الأحلام،
والتحليل الذاتي، والإيحاء، والتنويم
المغناطيسي، والاسترخاء، وتمارين الاندماج
مع المجموعة، أو تنمية الحيوية الشخصية،
وتوفير الظروف الصحية الطبيعية والبيئة
السليمة الملائمة. تحليل
الأحلام
لقد عرف المصريون واليونان والرومان فن
تحليل الأحلام منذ القدم. واهتم الأطباء
بالحلم حتى إن أبقراط أوصى تلاميذه بأن
يكونوا محلِّلين جيدين للأحلام. وقد رأى
فرويد منذ بداية ممارسته للتحليل النفسي أن
الحلم تعبير عن اللاوعي وأن عناصره تمثل
رموزاً يجب تحليلها بالعودة إلى وضع الشخص
المعني. وقد تابع المحلِّلون النفسيون
أبحاثهم حول المعاني الممكنة للحلم. فالحلم
هو لغة الحقيقة العميقة التي يرفضها الحالم
غالباً. وهي لغة صعبة تتطلب مراقبات طويلة لأن
الرموز التي يحفل بها عالم الحلم لا يمكن أن
تؤخَذ بشكلها البسيط. لا يمكن أن يكون الحلم
شيئاً مبهَماً ومجرداً من المعنى؛ فهو يعكس
حاجات فطرية ويعبر عن القوة الحيوية والرغبات
والتطلُّعات. ولقد أثبت يونغ أن الحلم ليس
انعكاساً سلبياً للرغبات، كما يعتبره فرويد،
بل نشاط مستقل يعوِّض عن الرغبات ويحل
صراعاتها كتعبير عن القدرة الذاتية للنفس على
التعديل. إنه نشاط يستحق أكبر الاهتمام،
وخاصة اهتمام المعالِج، لأنه قوة الطبيعة
الشافية التي يمكن الركون إليها لمساعدتها. لقد تعامل فرويد مع الرمز الذي يظهر في
الحلم وكأنه أمام منظومتين: رامز ومرموز له،
وأن المعنى الحقيقي لا يتبدى إلا بعد الإزاحة.
أما يونغ فأعطى للتوسيع أهمية أكبر بكثير من
الإزاحة، ورفض التعامل مع الحلم على أنه
واجهة كما فعل فرويد، وميّز بين تحليل الرموز
من وجهة نظر سببية تميل إلى الإرجاع الأوحد
المعنى ووجهة النظر الغائية التي ترى في
تقلبات الصور الأحلامية انعكاساً لأوضاع
نفسية متنوعة، فلا تضفي على الرموز معاني
جامدة. ويرى يونغ وظائف مختلفة للحلم تنضاف
إلى وظيفته التعويضية. ولهذا يصنِّفها إلى
أحلام إرجاعية واستباقية وتفاعلية وتنبؤية
وتخاطرية (راجع: الإنسان
يبحث عن نفسه، دار الغربال، ص 203-227). لا يكتسب تفسير الأحلام أهميته الخاصة
إلا بعد النظر إلى سلسلة من الأحلام يدونها
الشخص الذي يخضع للتحليل، على أن يتعلم هو
تفسير أحلامه بعد سلسلة من اللقاءات. ويقول
يونغ إن المريض يتحالف مع لاواعيه من خلال هذه
الطريقة. ويجب دائماً البدء بتذكُّر العناصر
والمواقف التي تبدّت في الحلم بأدقّ شكل ممكن.
والتعوُّد على تدوين الأحلام يساعد على تذكر
التفاصيل. ثم يجب تسجيل الانطباع الذي يتركه
الحلم من قلق وإرهاق وفرح… وما يلفت النظر في الأشخاص الذين نشاهدهم
في الحلم من ألوان وأشكال ونباتات وحيوانات...
وقبل التعامل مع الرموز وإضفاء المعاني عليها
يجب إدراك ما يمكن للرمز أن يكتسبه من معانٍ
من خلال السياق العام للحلم: فالثلج في الحلم
لا يعني لسكان أفريقيا ما يعنيه لسكان القطب
الشمالي... وبالتالي فإن التحليل السليم
للأحلام يأخذ بعين الاعتبار جنس الحالم،
وظروف حياته، وتفاعله مع قضاياه الفطرية،
وميوله النبيلة الفكرية والروحية… هكذا فقط يمكن أن يظهر السياق
الذي يقود إلى فهم الشخصية النفسي والجسدي من
خلال الحلم. يستطيع الإنسان أن يحيا حياة واعية وأكثر
انسجاماً مع لاوعيه إذا حقق الدراسة الذكية
والمتنوِّرة لأحلامه. وهي ممارسة تحقق
التوازن الذي يسمح بالمحافظة على الصحة
النفسية والجسدية. الأحلام هي مرآة التوازن
بين الوعي واللاوعي ويدل اضطرابها على اضطراب
الشخصية. فالإنسان مصنوع من نسيج أحلامه
نفسه، كما قال شكسبير يوماً. ولكن هل يستطيع
الإنسان حياكة الأحلام التي يريد وتجنب
الأحلام القلقة والمزعجة؟! لقد تحدث يونغ في
كتبه عن إمكانية توجيه الأحلام. وقد استُحدثت
بعض التقنيات اللطيفة في هذا الاتجاه. لكن
الأحلام السعيدة حقيقة بقيت من نصيب الأشخاص
الذين يعيشون وفق مبادئ صحية سليمة، نفسية
وجسدية. وهؤلاء ليسوا بحاجة للوصفات السحرية
أو المهدئات أو الكحول أو التبغ أو المؤثرات
الخارجية المصطنعة، لأن الإنسان يحصل في
النهاية على الأحلام التي يستحقها كما قال
بودلير. وتكون محاولة توجيه الحلم عبثاً إذا
كانت الشخصية ذاتها مضطربة وتعاني من مشاكل
جسدية ونفسية. المعالجة النفسية بالتنويم المغناطيسي
والإيحاء لقد استخدم مِسْمِر Mesmer في
تجاربه فن التنويم المغناطيسي الذي أطلق عليه
اسم "المغناطيسية الحيوانية" animal magnetism.
لكن الإنجليزي جيمس بريد J.
Bred هو
الذي ابتدع المصطلح في 1843. وشكَّلت هذه
التقنية موجة عارمة من 1875 إلى بدايات هذا
القرن. ويعرّف بالتنويم المغناطيسي اليوم،
على الرغم من الخلافات بين المدارس، بأنه
ظاهرة طبيعية تُحدِث استجابة لنوع من الإيحاء
تختلف درجتها بحسب الأشخاص. جعل P. Janet من التنويم المغناطيسي إحدى
طرق التطهير Catharsis النفسي. كما أن فرويد وبروير Breuer مارساه. ولكن فرويد سرعان ما
تركه لينشئ طريقته الخاصة في التحليل النفسي. وتلجأ التقنيات التنويمية لتخفيض الوعي
في اليقظة مع استخدام الإيحاء أو بدونه. فيحدث
تقليص للمنبِّهات السمعية والبصرية المحيطة
بعد أن يتم جذب انتباه الشخص إلى شيء أو فكرة
ما. وتُستعمَل عادة الأغراض اللامعة
والإيحاءات الكلامية والحركية، فيدخل الفرد
في حالة انتقالية تتنوع بتبدِّياتها ودرجة
عمقها. ويصبح الفرد قابلاً لتلقي إيحاءات
وتنفيذ أفعال لا يتذكر منها شيئاً عند
استيقاظه. ويمكن أن ينفِّذ بعض الأمور بعد
الاستيقاظ دون أن يعلم أن الإيحاء بها قد تم
أثناء التنويم. وقد أثبتت التجربة أن فعالية
المعالجة لا ترتبط بمدى عمق المرحلة
الانتقالية. ويمكن الاستفادة من هذه التقنية
من أجل تطبيق المعالجة بالإيحاء ومن أجل
استكشاف الشخصية، كما يمكن للتنويم
المغناطيسي أن يكون فعالاً في معالجة أعصبة
مختلفة ومعالجة بعض الأمراض النفسية الجسدية
(الربو، ارتفاع التوتر الشرياني، إلخ). وتقف
بعض اتجاهات علم النفس ضد التنويم المغناطيسي
لأن المعالج يمكن أن يوحي للشخص المنوَّم
بإيحاءات ليست في صالح هذا الأخير، أو أن تحل
بعض الأعراض العائدة للتنويم مكان أعراض
سابقة. بمعنى آخر، يمكن للمعالِج أن يُسقِط
جزءاً من اضطراباته على المعالَج. وتبقى
عملية التنويم المغناطيسي غير واضحة تماماً.
لقد قال شاركو بأن التنويم المغناطيسي يخلق
هستيريا مصطنعة عند المنوَّم عن طريق إحداث
انقسام وظيفي في الشخصية. وقد وصفه بعضهم بأنه
نوم جزئي ناجم عن تثبيط جزئي. وبعضهم يقول
بتوقف الفعّالية الدماغية أو تغييرها. أما
فرويد من جهته فقد رأى في التنويم المغناطيسي
أحد تنويعات التحويل transfer
ليس إلا. ويهتم بعض الأطباء الأميركيين منذ بعض
الوقت بالتنويم المغناطيسي الذاتي. وهي تقنية
مشتقة من الإيحاء الذاتي تساعد بشكل جاد على
صقل الشخصية والتحرُّر من بعض الإشراطات
السيئة واكتساب أخرى أكثر ملائمة. وتُستخدَم
هذه التقنية من أجل التخلص من التدخين
والكحولية والتثبيط الجنسي والخوف والشعور
بالدونية ومن بعض الآلام النفسية والجسدية.
وتقوم هذه الطريقة على خلق صورة عن الذات
تندمج تدريجياً مع الشخصية بحيث يصبح الإنسان
ما يريد أو ما يفكر فيه. هكذا يتم خلق إشراط
جديد، ولو جزئي، يؤثر في السلوك اللاإرادي
بحيث يختار السلوك المبتغى أو يرفض السلوك
الذي يسعى للتحرر منه. ويفضِّل شارل بودوان
التنويم المغناطيسي الذاتي على الإيحاء
الذاتي لأن الإيحاء الذاتي غالباً ما يتجابه
مع مقاومة اللاوعي، أما التنويم الذاتي فيهدف
إلى خلق شخصية خارجية جديدة تصبح تدريجياً
وبهدوء الذات نفسها. من التقنيات التنويمية الأخرى نذكر
الاسترخاء والتحليل التخديري Narcoanalysis وحلم اليقظة الموجَّه، وهي
التقنية الهامة التي استخدمها روبير دوسويل
عام 1938. ويبدو أن جوهر هذه التقنيات جميعاً هو
مبدأ التحويل الذي قال به فرويد وأيَّده يونغ
بشدة. يتم في التحويل توجيه عاطفة أو انفعال
معيش نحو المعالِج كما لو أن المريض يعيد
فصولاً أو مواقف من حياته جاعلاً من المعالِج
أحد المشاركين بها (الأم، الأب، المدرِّس،
إلخ). وهكذا يصبح الماضي أكثر ليونة وتنفتح
إمكانية تعديل بعض الأخطاء أو تحقيق بعض
الآمال... وهذا يتم في جلسة التحليل النفسي
عادة. ويحدث ما يشابهه في التنويم المغناطيسي
والتقنيات المشتقة منه. المعالجات النفسية التحليلية يعتمد التحليل النفسي على فكرة اللاوعي
وديناميّة التعبير الرمزي؛ وهي تقنية تهدف
إلى بعث تحويلي للصراعات النفسية أثناء
العلاقة الخاصة مع المعالِج. وهي تؤثر في
العمق ساعية إلى جعل المريض واعياً للقوى
النفسية اللاواعية التي تحكمه. ولابد لنا من
التمييز بين عدة أنماط من التحليل النفسي:
الفرويدي واليونغي والآدلري والروجري وغيرها. لقد استخدم التحليل النفسي في بداياته
التنويم المغناطيسي، وكان العلاج يتم
بالتطهير، أي مساعدة المريض على تفريغ شحنته
العاطفية والإفاضة عن مشاكله الكامنة منذ
الطفولة بحسب فرويد. ولكن فرويد سرعان ما ترك
هذه الطريقة، وبدأ في عام 1904 سعيه لاقتحام
ميدان اللاوعي، سالكاً الطريق الملكي: الحلم.
واهتم فرويد بإزالة فقدان الذاكرة الطفولي
المتضمِّن، كما يعتقد، الرضّة trauma
النفسية الأوّلية المسبب للعصاب. وقد أبدى
عدد كبير من المرضى مقاومة لهذه الطريقة، حتى
إن فرويد نفسه اكتشف فيما بعد أن إزالة فقدان
الذاكرة الطفولي يحدث عند نجاح المعالجة وليس
سبباً لنجاحها. ومنذ ذلك الوقت (1920) تم التركيز
على الأنا ووظائف الشخصية وعلاقتها باللاوعي.
وأخذت العلاقة بين المحلِّل والمحلَّل تحظى
بمزيد من الاهتمام والدراسة من قبل
المحلِّلين النفسيين. ركز آدلر من جهته على فكرة الشعور بالنقص
الفيزيائي أو المعنوي أو الاجتماعي بحيث
يتحول هذا الشعور إلى مركَّب في محاولة
تعويضية للشخصية، تتجلى بممارسة فوقية وسلطة
تمارس على المستوى ذاته من الدونية. ويعود
العصاب في علم نفس أدلر لفقدان حس الجماعة
وسوء تقدير الآخرين والانفصال عن المجموعة.
لذلك ارتكزت المعالجة النفسية الآدلرية
بالدرجة الأولى على تعليم المريض كيفية
التصرف والمبادرة وإعادة الاعتبار لشخصيته
في اتجاه التفتُّح والانفتاح على قيم المجتمع. أما الطريقة التي وضعها كارل روجرز، أي
المعالجة النفسية غير الموجَّهة أو
المتمركزة على المعاود، فقد رفضت حيادية
المحلِّل واعتبرتها غير ممكنة. يفترض روجرز
أن كل إنسان يمتلك القدرة على تحقيق تفتح
شخصيته بشكل كامل، أي أنه يمتلك ميلاً
للتفعيل الذاتي self-actualization
يعبِّر عن الوحدة النفسية الجسدية. يتجه
الإنسان بفضل هذا الميل نحو النضج
والاستقلالية والمسؤولية بشكل طبيعي. وكل
الأفراد قادرون على ذلك ولكن بمستويات مختلفة.
ويعتبر روجرز أن اللاوعي مجرد فرضية، ويركِّز
على مبدأ التجربة الإنسانية التي تُقسَم إلى
التجربة المرمَّزة المشتملة على كل الظواهر
المرتبطة بالوعي ماضياً وحاضراً، والتجربة
غير المرمَّزة المقابلة لكل الظواهر
اللاواعية التي قد لا تحترم المعايير
الأخلاقية أو الاجتماعية، إذ إن إمكانية
ظهورها بشكل مرمَّز مصدر تهديد وقلق. ترتكز
المعالجة النفسية الروجرية على التفاعل
والمحاورة. ويركز روجرز على أهمية موقف
المعالِج ودوره في خلق مناخ علاجي ملائم. وقد
وضع فضائل على المعالِج أن يتصف بها: الأمان
الذي يجب أن يشعر به المعاود، وشعور الودّ
والتحمل والتفهم والقبول والاحترام.
والعلاقة بين المحلِّل والمعاود علاقة
ندِّية تمنع ظهور التحويل التحليلي. ترتكز المعالجة النفسية اليونغية بشكل
أساسي على فكرة كلِّية الإنسان ووحدته
النفسية والجسدية، وتأخذ بعين الاعتبار تطور
النوع الإنساني ككل وتطور الفرد الواحد خلال
مراحل حياته. لم ينظر يونغ إلى حاضر الفرد على
أنه ذو أهمية كبرى فقط بل آمن أن عليه فهم
مستقبل الإنسان وكموناته أيضاً من أجل أن
يكتسب الحديث عنه وعن قضاياه معنى. وقد استاء
من دراسة فرويد عن السببية causality، خاصة فيما يتعلق بماضي المريض
النفسي ووصف نظرية فرويد بالميكانيكية
والتقليصية، في حين لم يكتف هو بتحليل إرجاعي
وسببي بل برؤية مستقبلية غائية. تتقدم النفسانية عند يونغ بمظهرين
أساسيين: 1- المظهر الواعي الذي قاد تحليله يونغ إلى
التمييز بين موقفين عامين متضادين: الانبساط extraversion
والانطواء introversion، وأربعة وظائف مختلفة: التفكير
والإحساس والعاطفة والحدس. 2- المظهر اللاواعي ويتضمن مستويين:
اللاوعي الفردي واللاوعي الجماعي، المتضمن
الأنماط البدئية archetypes
التي تعود لكل الأزمان والحضارات. تختلف المعالجة النفسية اليونغية بعمق عن
المعالجة الفرويدية. لقد استبدل يونغ بسرير
الفحص كرسياً مريحاً وأصبحت العلاقة بين
المحلِّل والمحلَّل علاقة الندّ بالندّ.
وتكتسب الأحلام أهمية كبيرة في المعالجة
اليونغية، حيث يقوم المحلِّل بدراسة الحلم،
مع التركيز بشكل خاص على التفاصيل النوعية
والمواضيع الشخصية. ويقوم المحلِّل، إذا ما
أبدى المريض مقاومة، بإثارة أفكار أو مواضيع
قد تبدو غريبة عن التاريخ الشخصي للمريض، مثل
أحداث تاريخية أو شخصيات أسطورية أو مواضيع
فلسفية ودينية، بطريقة تسمح بتحريك الأنماط
البدئية. لقد اعتمد منهج فرويد في التفسير على
الإرجاعية، أي رد الأمور إلى أصولها الماضية؛
وهي طريقة تردُّنا إلى الخلف باستمرار، ويؤدي
استخدامها بطريقة أحادية إلى آثار مدمرة.
بينما ركّز يونغ على حاضر الفرد ومستقبله
وطاقاته الكامنة كفرد قادر على تحقيق شفائه
الذاتي وقادر على الإبداع والخلق. ومن الآثار
التي تترتب على التفسير الفرويدي عملية
التثبُّت fixation أو
ارتداد التحويل counter-transfer
بحيث ينصرف الخاضع للتحليل عن لاوعيه المتضمن
مواضع الضعف والغواية. أمام تفسيرات فرويد الأحادية المعتمدة
على النظرية الجنسية وما تتضمنه من نقص، كان
لابد لآدلر، تلميذ فرويد السابق، أن يتجاوز
عمليتي الفهم والتفسير، ليركز على ضرورة
التربية الاجتماعية وتجريب كل الطرق التي
تجعل من الفرد كائناً اجتماعياً سوياً. لقد
أفاد رفد الطريقتين في الحصول على نتائج طيبة
في كثير من الحالات. إن معرفة سبب نمو الشجرة
بشكل معوجٍّ لا يكفي لكي تنمو بشكل مستقيم؛ إذ
لابد من تعهُّدها بالعناية. يقول يونغ إنه
اعتمد منطلقات فرويد وآدلر في العلاج
الطبيعي، لكن المعطيات التجريبية هي التي
اضطرته إلى إدخال تعديلات على نظريتيهما.
فالليبيدو أو الطاقة الجنسية عند فرويد وحض
السيطرة عند آدلر أصبحا عند يونغ الطاقة
النفسية في عمومها؛ واللاوعي الذي ينشأ من
مكبوتات الوعي عند فرويد هو مصدر الأنا
الواعية عند يونغ. يقول يونغ إن خبرته أفادته
أن تطبيق الطريقتين الفرويدية والآدلرية
أفاده في معالجة الشباب؛ أما عند المتقدمين
في السن فكان الأمر يتّسم بالصعوبة. ويؤكد
شارل بودوان بأن طريقة يونغ التحليلية لا
تنفي الطرق الأخرى، ولكنه اكتشف من خلال
خبرته في تطبيق مختلف الطرق أن طريقة يونغ
كانت دائماً أكثر شمولاً وتأتي لتغني وتضيف
إلى التحليلات الأخرى. أما طريقة روجرز
فتتقاطع مع يونغ بنظرتها الكلية
والديناميّة، لكنها من جهة أخرى تخشى ولوج
العالم الداخلي للإنسان. وقد أفادت عملياً
العديد من الأشخاص الطبيعيين الذين يعانون من
بعض المشاكل والذين يشعرون بحاجة لبعض الدفع
من أجل التخلص من مشاكلهم، كما أفادت بعض
العصابيين. أما الذين يعانون من مشاكل النطق
أو اضطرابات الوعي أو الذهان فلا يمكنهم
الاستفادة من هذا النوع من التحليل. الديناميّة الحيوية للشخصية وديناميّة
المجموعة تسمح المعالجة باستخدام الديناميّة
الحيوية للشخصية بتعلُّم المواقف وأنماط
السلوك التي تسهل اندماج الفرد وانسجامه بشكل
أفضل مع الواقع. وهي تدمج عدة تيارات في علم
النفس والتحليل النفسي وعلم الاجتماع من أجل
خلق علاقة نفسية جسدية طبيعية. تتم الدورة
التدريبية في مكان مقفل أو في الطبيعة وهي
تتوجه للأسر والمتزوجين والمراهقين. تعطى
للمبتدئين معلومات عن النفسية الطبيعية
كبنية أساسية للانطلاق. وتُستعمَل في هذه
الدورات آلات التسجيل والوسائل المرئية
والمسموعة بحيث نحصل على ترميم موضوعي ومخلص
للصورة المعطاة. ويتجنب الموجِّهون التدخل
شخصياً وعاطفياً حتى لا تتداخل إسقاطاتهم
الخاصة مع إسقاطات المجموعة. وتدوم الدورة
بضعة أيام أو أكثر حسب ما يتطلبه المشاركون
والمواضيع المقاربة. وهي متنوعة جداً، وتتضمن: 1. محاولات استكشاف الذات ومستويات
الشخصية. 2. مقاربة أنماط المحادثة التقليدية
والسطحية والفكرية والعاطفية من أجل بلوغ
الجوانب الحساسة للشخصية الجماعية. وتهدف مجموعة التمارين المقترحة إلى
تسهيل: 1. إدراك الآليات والصيرورات التي تتدخل
في علاقة النفس والجسد. 2. تفتح الطاقة الحيوية للفرد. 3. الاعتراف بوجود معاش عاطفي يجب التوقف
عنده مطولاً. 4. تحليل العلاقات مع الذات وما هو خارج
الذات أي العالم المحيط. ونذكر من بين التمارين المقترحة: 1. كل ما يقود إلى اختبار العوامل الطبيعية
للصحة النفسية والجسدية. 2. الاسترخاء النفسي والجسدي بطريقة
التنويم المغناطيسي الذاتي. 3. التدليك وتقنية نقاط Knap (نقاط
الضعف). 4. تمارين تنفسية. 5. بزل لمفاوي. 6. إيقاظ الحواس. 7. إعادة تأهيل صوتية وحركية. 8. الموسيقى. وتتوجه دورات الديناميّة الحيوية
للشخصية إلى كل الذين يبحثون عن الهناء
الشخصي الاجتماعي في إطار الصحة النفسية
الطبيعية، وإلى كل الذين يعانون من صعوبات
ويرغبون في تحسين قدراتهم الفيزيائية، وإلى
الذين يمارسون أعمالاً تتطلب منهم علاقات
واتصالات مباشرة مع الأشخاص، إضافة لما تقدمه
من فائدة للقلقين والمحبطين. أما طرق ديناميّة المجموعات فتركز على
سلوك الفرد وعلاقته بالمجموعة من أجل تصحيحها
ووضعها في اتجاه مناسب وملائم. وهي تعتمد على
فكرة الدور أي سلوك الفرد نحو مجتمعه. وقد
أنشأ مورينو هذه التقنيات عام 1921 بعد أن
استوحاها من فن التمثيل ونظريتي
البيسكودراما psychodrama.
وتنشأ بين المشاركين في المجموعات العلاجية
ظواهر مثل التحويل وبعض الظواهر الفرويدية
الأخرى، وتسهل المجموعة التعبير عن الأنا
الطفلية. ففي مقابل البنى الاجتماعية السائدة
التي تتصف بتحديد دور الفرد وموقعه ووضعه،
تتضمن المجموعة العلاجية بنى مرنة ومتحركة
ومؤقتة بحيث تكاد العلاقات الناشئة تكون
تخيُّلية، مما ييسِّر التعاطي مع الأمور.
وتعتمد بعض المجموعات طرق العلاقات
الديناميّة، بينما تعتمد أخرى التحليل
النفسي الجماعي، وأخرى الدراما النفسية (البسيكودراما). لقد أعطى اكتشاف ديناميّة
المجموعة مجالاً لظهور سلسلة من المجموعات
تختلف بتقنياتها، لكنها تمتلك غالباً هدفاً
علاجياً أو تربوياً أو مزدوجاً. ويعتمد
العلاج هنا على مساعدة المريض على إدراك
تفاعلاته مع المحيط واحتياجاته الداخلية
والشروط الأساسية للوجود في العالم الذي
ينتمي إليه. وهذا الإدراك هو نقطة الانطلاق
الضرورية للوصول إلى تفاعل أفضل للكائن مع
ذاته ومع المجموعة. التحليل الذاتي مما لاشك فيه أن الوصول إلى الصحة النفسية
والعقلية يتطلب دراسة المظاهر الفيزيولوجية
التي تحكم حيوية الإنسان وديناميّته وقدرته
على تجاوز المصاعب كما يتطلب الاهتمام
بالعوامل الطبيعية للصحة وبالعوامل العاطفية
والأحاسيس المختلفة. إن شعور الإنسان بعاطفة
ما يؤدي إلى العديد من التبدلات في الجسم
وأعضائه. إذ يخضع الغضب والخوف والقلق
والشعور بالذنب الإنسان لحالة من التوتر.
وتكون هذه الحالة حادة وشديدة ومفاجئة
أحياناً ومزمنة وأقل شدة أحياناً أخرى. في كل
مرة تخضع النفس والجسم لحالة من الشدة ويطلق
الجهاز العصبي بعض الاستجابات الفيزيولوجية
فيفرز الأدرينالين في الدم وتزداد سرعة
التنفس ويتسارع النبض ويرتفع التوتر
الشرياني... تؤهِّب هذه الظواهر الإنسان
للتفاعل مباشرة وبعنف مع أي تهديد أو شدة. كانت هذه التبدلات الفيزيولوجية تنتاب
الإنسان البدائي عند تعرُّضه لخطر محدق في
الكهوف أو الغابات التي يعيش فيها. أما في
مدينتنا المعاصرة فإن التهديدات التي يخضع
لها الإنسان "المتمدِّن" تمتلك طابعاً
نفسياً وعاطفياً أكثر منه فيزيائياً وجسدياً
لأنها تهديدات للشخصية، للذات وصورة الذات self-image. يؤكد علماء النفس أن الذات
تنمو وتتطور عند الإنسان بحسب علاقاته
الاجتماعية منذ ولادته وحتى قبل ولادته في
رحم الأم. وما إن يبدأ الإنسان بوعي ذاته حتى
يبدأ بتحقيقها وتطويرها وإخفائها. وكذلك
بالنسبة للصورة التي يشكِّلها عن ذاته. فإذا
أحب الإنسان ذاته وجد متعة في التعبير عنها؛
فإذا كانت الذات راضية فهو سعيد ومرتاح، أما
إذا كانت العلاقات مع الذات سيئة، أو كانت
صورة الذات مطبوعة بالقلق والشعور بالذنب،
فإنها تسبب حالة من الكرب والتعاسة. يمتلك كل إنسان ذاتاً وصورة عن هذه الذات.
فإذا لم تتطابق صورة الذات مع الذات أدى ذلك
إلى توتر داخلي وتشتيت الطاقات النفسية في
مجابهة داخلية. ومن أجل توضيح ذلك نفرض وجود
شخص ذكي وناجح، إلا أن الصورة التي يشكِّلها
عنه الآخرون يشوبها بعض الحزن والقلق؛ وهو لا
يشعر بذلك أو لا يريد أن يقبله؛ ويؤثر ذلك على
أدائه لأنه يمتلك صورة مَرَضية عن ذاته. وقد
يشكل الآخرون صورة ممتازة عن شخص موهوب يمتلك
قدرات فكرية دفينة؛ أما هو فلا يثق بنفسه
وبقدراته ويجد نفسه أقل بكثير من الصورة التي
يشكِّلها الآخرون ويضخِّم أقل أخطائه، مما
يعيقه عن التصرف وفق قدراته وعن التعبير عن
ذاته وتنميتها. وهكذا فإن الحاجة الأولى للإنسان هي أن
يمتلك عن ذاته الصور الأكثر صحة ومطابقة. فإذا
لم يحب الإنسان ما يراه يستطيع العمل على
تحسينه وتعديله. لكنه لن يتمكن من فعل الشيء
الكثير إذا كان لا يعرف أو لا يقبل الوضع
الحقيقي لذاته. ولن يصل الإنسان إلى التوازن
النفسي والسلم الداخلي إلا عندما يتمكن من
تقديم صورة عن ذاته حقيقية ومُرضِية. وما يحصل
هو أن الإنسان يفضل غالباً الحصول على قبول
الآخرين، أي القبول غير المباشر للذات، أو
يلجأ إلى رفض الآخرين مستخدماً طاقاته
النفسية من أجل خلق الحواجز النفسية في
وجههم، فيتهمهم بالسطحية أو الغباء أو
العدوانية أو الأنانية ويحملهم وزر عدم
التواصل. وكل ذلك ليس إلا أقنعة تعبِّر عن
القلق وعدم القدرة على التعامل مع الآخرين
بودّ وعفوية. وهذا الموقف يخفي التردد
الداخلي وعدم القدرة على قبول الذات. لقد أصبح من الصعوبة بمكان الحصول على
صورة للذات صحيحة ومقبولة في ظل المجتمع
المدني الثقافي الذي يستغل الفرد لمصلحة
الجماعة. فكيف الحصول على صورة للذات صحيحة
ومقبولة يمكن تطويرها بما يسمح بالتواصل
المستمر مع الآخرين بودّ وصدق. إن الأدوات
الحقيقية موجودة في داخلنا ويجب استخدامها من
أجل القيام بعملية تحليل ذاتي تدعمه مراقبة
الظواهر الإنسانية في داخلنا وخارجنا. هكذا
نستطيع التقدم نحو حياة أكثر صحة تستحق أن
تعاش وحياة أكثر سعادة لنا وللآخرين المحيطين
بنا. خاتمة
نستخلص في النهاية أن أية مقاربة نفسية
علاجية تتضمن المراحل الأربعة التالية: 1. تعبير الفرد عن أزمته الحالية والماضية. 2. التحرُّر منها. 3. إدراك الذات. 4. ترميم الذات. وبالتالي فإن
المعالجة النفسية تتضمن في بعض أشكالها تقديم
الاستشارة والمساعدة، إضافة لدورها في
معالجة المرضى. يجب أن نسعى لأن نجعل من الفرد
شخصاً يمتلك نشاطاً بنّاءاً وقادراً على
الاندماج مع المجموعة بشكل كاف. ويرى يونغ في
المعالجة النفسية تسهيلاً لبحث الفرد عن ذاته
يسمح له ببلوغ درجة أعلى. ويصبح دور المعالِج،
وفقاً لهذه النظرة، تفسير ردود فعل المريض
وتصرفاته، وتقديم النصح له، وشرح حقائق
الحياة، ومساعدته على التخلص من أسباب حالته،
وتوجيهه لخوض التجارب الغنية بالعمل والفن،
وتحضيره للاندماج الاجتماعي وتمثُّل ما
تعلمه أثناء فترة المعالجة. ومن الهام السعي
لإحداث تغيير في محيط المريض من خلال الأهل
والمجتمع، أو قبوله، إذا تعذر ذلك، في مؤسسة
للرعاية الخاصة لفترة ما. مازال الطب الإنساني موجوداً وهو يقوم
على الفهم الأساسي لقوانين الحياة. لقد أصبح
المرض، بفضل الغائية الحيوية، فعلاً عضوياً
يهدف لحماية حياة الفرد. وهذا التصور يشكل
نقطة الانطلاق لتشكيل موقف وقائي وعلاجي
يعتمد إعادة التوازن الداخلي (النفسي–الجسدي)
والخارجي (نفسي–اجتماعي). وما المعالجة
النفسية والجسدية الطبيعية إلا استجابة
لانتظار الذين خاب أملهم بالطرق المعتادة.
ويزداد اليوم عدد الأطباء والموجِّهين
والمستشارين الصحيين والعيادات والمراكز
الصحية التي تعمل على ترسيخ هذا التوجُّه. لقد
آن الأوان لفهم الإنسان ومعالجته بكلِّيته
جسداً ونفساً. وإن الارتفاع المستمر في
الذهانات والحالات المرضية المرافقة يجعل من
الضروري أن يكون الطب المعاصر نفسياً جسدياً
أو لا يكون، وأن يتوقف عن استخدام الطرق
الراضّة التي لا تحترم قوانين الطبيعة والتي
ستؤدي، على المدى القريب أو البعيد، لخلق
المزيد من الخلل وتوليد الجديد من الأمراض؛
ذلك لأن هذه الطرق تضعف مقاومة الإنسان
وقدرته على الشفاء الذاتي لأنها لا تتوجه إلى
هذه القدرة ولا تأخذ الأسباب العميقة لنشوء
الخلل. من الممكن طبعاً إزالة وإخفاء أعراض
مختلف أنواع الاضطرابات، كما تعوَّدنا أن
نفعل في مجتمعنا. يمكننا تخفيف ألم الرأس
بحبّة مسكِّن، ويمكن استئصال اللوزتين
المتضخمتين وإزالة الزائدة الدودية، كما
يمكن الاعتراض على موانع الحمل. ولكن ببقاء
الأسباب العميقة لهذه المشكلات تتحرك
الاضطرابات لتتمظهر بشكل جديد. وينسحب الحكم
ذاته على مختلف مجالات الحياة الاجتماعية
والفردية. من المفيد، والضروري في آن، التدخل
لتخفيف التلوث والضجيج والحدّ من خطر
الإشعاعات النووية؛ لكن هذا لا يكفي. تحتاج
الإنسانية أولاً لتكوين فهم عميق لظواهر
الحياة الفيزيائية والنفسية والاجتماعية
وتحتاج لتربية بيولوجية صحيحة وسليمة منذ
سنوات الطفولة الأولى، ولاسيما أن التجربة
أثبتت أن الأطفال يستطيعون فهم قوانين
الطبيعة وقبولها تلقائياً. هكذا تتحقق
المسؤولية تجاه الذات وتجاه الجماعة
والطبيعة. لقد شدّد الفلاسفة منذ القدم على
العلاقات الوثيقة بين الفضيلة والحقيقة،
وبين الفضيلة والعلوم، وخاصة علوم الحياة،
كما يرى برغسون وجان روستان وألكسي كاريل
الذي يقول: "تمتلك الفضيلة طابعاً إجبارياً
لأنها ليست إلا الانصياع لقوانين الطبيعة."
وهذا الانصياع لا يُفرض من الخارج بل ينبع من
الداخل. لذا فهو بلا شك أسمى أشكال الحرية.
|
|
|