|
الأسطورة
والمعنى
(2
من 2)
فراس
السواح
النموذج
المستغلق
1.
أسطورة إنكي وننخرساج البطلان
الرئيسيان في هذه الأسطورة السومرية التي
ألخصها هنا هما: إنكي إله الماء العذب
والحكمة، وننخرساج الأم–الأرض. عاش إنكي
وننخرساج عند مطلع الأزمان في أرض دلمون،
الجنة النقية الطاهرة التي لا يعرف ساكنوها
الألم والمرض والشيخوخة ولا يعتدي فيها مخلوق
على آخر. ولكن الأرض كانت قاحلة؛ فطلبت
ننخرساج من زوجها إنكي أن يجري الماء في
الجزيرة، ففعل ذلك بمعونة إله الشمس وإله
القمر، فاخضرَّت الأرض وارتوى الزرع. ثم أخرج
إنكي قضيبه وروى الأخاديد في الأرض، وغمر
حقول القصب، وأمر رسوله وتابعه إيسموند
بألا يسمح لأحد أن يقترب من السبخات المائية.
بعد ذلك ضاجع إنكي زوجه فحملت منه. وبعد تسعة
أيام يعادل كل منها شهراً كاملاً أنجبت إنكي
الفتاة ننمو التي ترعرعت بسرعة إلى طور
الصبا. وبينما كانت الفتاة تتجول عند السبخات
المائية رآها إنكي، فقطع بمركبه إلى الضفة
الأخرى وضاجعها هناك. حملت ننمو من أبيها،
وبعد تسعة أيام يعادل كل منها شهراً كاملاً
أنجبت الفتاة ننكورا. وبينما كانت ننكورا
تتجول في السبخات المحظورة جاءها إنكي
وضاجعها فحملت منه. وبعد تسعة أيام يعادل كل
منها شهراً وضعت الفتاة أُتُّو. ولكن قبل
أن يعمد إنكي إلى إغواء البنت الجديدة تقول
لها ننخرساج بألا تستسلم له قبل أن يأتيها
بأنواع معينة من الخضار والثمار من الأراضي
الصحراوية البعيدة، بينها العنب والخيار.
ويبدو أنها كانت تعتقد بعدم قدرة إنكي على
استنبات تلك المناطق. ولكن إنكي يفيض بمائه
على الأراضي البعيدة ويرويها، ويقوم بستاني
لا نعرف هويَّته برعاية النباتات حتى تكبر
وتنمو فيأتي بها إلى إنكي. يقدم إنكي النباتات
إلى أُتُّو فتستسلم له. ولكن ننخرساج تسرع
إليهما وتنتزع بذور إنكي من بين ساقي الفتاة.
لا ندري ماذا فعلت ننخرساج ببذور إنكي لأن
النص ينتقل مباشرة من انتزاع البذور إلى
القول بأن ثمانية أنواع من النباتات قد ولدت
منها. نمت النباتات وكبرت. وبينما كان إنكي
يتجول مع تابعه إيسموند، وقع بصره على
النباتات الغريبة فسأله عن أسمائها؛ فكان
كلَّما ذكر له اسم واحدة منها اقتلعها له
فأكلها، وذلك "لكي يعرف أسماءها ويقدِّر
مصائرها"، على حد قول النص. وهكذا دواليك
حتى أتى عليها جميعاً. تثور ثائرة ننخرساج
لفعلة إنكي وتلعنه قائلة: "إلى آخر أيامك لن
أنظر إليك بعين الحياة." ثم تختفي. يقع إنكي مريضاً
إثر لعنة ننخرساج، وتستوطن جسمه ثمانية علل
بعدد النباتات التي أكلها. يؤدي مرض إنكي إله
الماء إلى قحط يعمُّ الأرض، فيجزع الآلهة
ويبحثون عن ننخرساج يلتمسونها، لعلها ترفع
لعنتها عن إنكي فلا يجدونها. وأخيراً يتطوع
الثعلب للبحث عنها فيجدها. وعندما تحضر إلى
مجمع الآلهة يمسكون بأطراف عباءتها ويرجونها
أن ترفع لعنتها عن إنكي فتستجيب. تعمد ننخرساج
إلى وضع إنكي في فرجها ثم تسأله عن الذي يؤلمه: ننخرساج أجلست إنكي
في فرجها: -
ما
الذي يوجعك يا أخي؟ -
إن
[…]
يوجعني -
لقد
استولدتْ لك الإلهة آيو -
ما
الذي يوجعك يا أخي؟ -
إن
فكي يوجعني -
لقد
استولدتْ لك الإلهة ننتولا -
ما
الذي يوجعك يا أخي؟ -
إن
أسناني تؤلمني -
لقد
استولدتْ لك الآلهة ننسوتو -
ما
الذي يوجعك يا أخي؟ -
إن
فمي يؤلمني -
لقد استولدتْ لك الإلهة
ننكاسي [...] وتستمر هذه
الحوارية حتى تستولد ننخرساج ثماني إلهات
للشفاء بعدد أوجاع الإله إنكي الذي يسترد
صحته وعافيته. وتنتهي الأسطورة على هذا النحو.[1]
ورغم أن النص شديد التكثيف والإيجاز عند هذه
النقطة، إلا أننا نفهم منه أن ننخرساج تستولد
إلهات الشفاء الثمانية هذه من بطن إنكي، وأن
هذه الإلهات هي النباتات الثمانية التي أكلها
فتحولت في بطنه إلى كائنات إلهية تحاول
الخروج إلى الحياة. وربما لهذا السبب قامت
ننخرساج بوضع إنكي في فرجها ليكون قادراً على
إطلاق النبات من جوفه فيما يشبه الولادة
الطبيعية. يقع هذا النص في
حوالى 270 سطراً، وهو خالٍ تقريباً من النقص
والتشوهات وواضح الكلمات والصيغ والتعابير،
وخالٍ من الإشكالات اللغوية. ومع ذلك فإن
التأمُّل في معناه يضعنا أمام جدار مُصْمَت،
لا نافذة فيه ولا باب. فما الذي تقصد أن تقوله
هذه السلسلة من الأحداث التي تنتقل بنا من
شيفرة إلى أخرى؟ وأي معنى يكمن خلف هذا النص
الذي يتسلسل دون روابط منطقية، ودون سببية
مقنعة؟ لاشك أن التحليل
المتأني يساعدنا على فهم أجزاء متفرقة من
النص، ولكن دون أن نستطيع ربط هذه الأجزاء في
النهاية بما يساعدنا على استيعاب الرسالة
الإجمالية. من الجوانب الواضحة مثلاً أن
الجنة الأولى التي تم زرعها في الأرض إنما
نتجت عن اتحاد الماء بتربة الأرض، أي زواج
إنكي–الماء من ننخرساج–الأرض. فنحن في مطلع
النص أمام أسطورة تنتمي إلى ميثولوجيا الأصول
والتكوين. وهي تبدأ بوصف كمال البدايات قبل أن
يتطرق الفساد إلى مظاهر العالم ويدخل في نسيج
الحياة. كما أننا أمام تأسيس لفكرة صلة
العلاقات الجنسية بخصب الأرض وتبادلها
تأثيراً سحرياً تراحُمياً. فزواج إنكي من
ننخرساج يأتي بعد سلسلة من نشاطات إنكي
الإخصابية. وهذا الزواج يعمل بدوره على
الإيحاء للطبيعة بالإخصاب. وفي نهاية النص
نجد أنفسنا أمام جانب إيتيولوجي تبريري يفسر
كيفية ظهور إلهات الشفاء ووظيفتهن في علاج
الأمراض. قد تشعرنا هذه
التفسيرات بالرضى وتشغلنا عن بقية التفاصيل،
أو تعطينا مبرراً لتجاهلها، كما تجاهلها
الآخرون من دارسي هذه الأسطورة. وهذا ما لن
نفعله هنا. فماذا عن قيام إنكي بمضاجعة ابنته،
ثم حفيدته، فابنتها أيضاً؟ ما الذي تمثله هذه
الإلهات الثلاثة المدعوات ننمو وننكورا
وأُتُّو؟ لماذا هرعت ننخرساج ونزعت بذور إنكي
من رحم أُتُّو؟ لماذا ابتلع إنكي بناته
الثماني، وهي النباتات التي نمت من بذوره
المنتزعة من رحم أُتُّو؟ إن استعراض أهم
التفسيرات التي قُدِّمت لهذا النص يدلُّنا
على مدى غموضه واستعصائه وبقاء رسالته خفية
على مناهجنا وطرائقنا في التفكير. في كتابه الصادر
عام 1963 تحت عنوان السومريون، لم يضف
الباحث المرموق في السومريات صموئيل نوح
كريمر أي جديد في تفسير هذه الأسطورة على ما
قدمه عام 1943 في كتابه الميثولوجيا السومرية.
فبدلاً من السعي إلى إلقاء أضواء جديدة على
النص، نراه يتابع ويوسِّع عقد المقارنات بين
النص السومري وأسطورة الفردوس التوراتية:
فجنة إنكي وننخرساج تشبه في براءتها الأولى
جنة آدم وحواء؛ والمياه التي فجَّرها إنكي
لسقي دلمون تشبه النهر الذي فجَّره يهوه في
جنة عدن والذي تفرع إلى أربعة أنهر؛ واللعنة
التي نزلت على إنكي من جراء أكله النباتات
الثمانية تشبه اللعنة التي نزلت على آدم من
جراء أكله من ثمار شجرة المعرفة... ثم يسير
كريمر شوطاً أبعد في عقد مثل هذه المقارنات
الواهية عندما يعقد صلة بين اسم حواء في
النص العبري واسم إحدى إلهات الشفاء، تلك
المدعوة نن–تي التي استولدت لشفاء ضلع
إنكي. فالاسم بالسومرية يعني سيدة الضلع،
حيث المقطع الأول نن يعني "سيدة"،
والثاني تي يعني "ضلع". كما أن الاسم
في الوقت نفسه يعني سيدة الحياة أو التي
تحيي، لأن المقطع تي يؤدي أيضاً معنى صنع
الحياة. وبذلك تشبه هذه الإلهة حواء التي ولدت
من ضلع آدم. فهي سيدة الضلع، ويفيد اسمها معنى
صنع الحياة في الوقت نفسه.[2]
ونحن لو سلَّمنا جدلاً بمشروعية مثل هذه
المقارنات، فإننا لا نجد فيها ما يلقي ضوءاً
على النص السومري. وكريمر نفسه لم يخلص منها
إلى نتيجة واضحة، إضافة إلى أنه قد تفادى
تماماً معظم العناصر الغامضة في النص. أما ثوركيلد
جاكوبسن، الباحث المعروف الآخر في
السومريات، فيقدم لنا في كتابه كنوز
الظلمات[3]
تفسيراً ذا طابع عمومي يقفز فوق التفاصيل. يرى
جاكوبسن أن الأسطورة ترجع في أصولها إلى
الألف الرابع قبل الميلاد، حين تأسست في
جنوبي وادي الرافدين شبكة من القنوات المائية
أحدثت انقلاباً اقتصادياً كبيراً قام على
الإفادة القصوى من ماء النهرين الكبيرين. من
هنا فإن العنصر الرئيسي الذي تقوم عليه
الأسطورة هو زواج إنكي، الذي يمثل ماء النهر،
من ننخرساج، التي تمثل حقول الطمي التي تحف به.
فإنكي–الماء يفيض في جزء من السنة ليروي
الحقول اللحقية الممتدة على الضفتين، ثم يعود
تدريجياً إلى سريره الأصلي تاركاً التربة
ننخرساج بعد أن لقَّحها. وأثناء انحساره يكشف
عن أرض مخصبة أخرى تنتج بدورها نباتات جديدة
هي إلهات النبات الثلاثة ننمو وننكورا وأتو.
وفي انتظار عودة النهر مرة أخرى إلى الفيضان،
يكون إنكي مريضاً والإلهة ننخرساج التي لعنته
مختفية عن الأنظار، حتى يعثر عليها الثعلب
وتعود لشفاء المريض. يتَّبع هذا
التفسير – بدقة متناهية – منهج جاكوبسن الذي
يمكن أن ندعوه بمنهج المجاز الطبيعاني،
الذي يجعل من ظواهر الطبيعة شخصيات إلهية،
ويرى إلى الأسطورة باعتبارها بنية رمزية
تقابل، نقطة نقطة، جانباً من العالم
الطبيعاني. ورغم أن تفسيره هنا يبدو جذاباً
للوهلة الأولى ومنسجماً مع روح المنهج
المستخدم، إلا أننا سرعان ما نتبيَّن أنه قفز
فوق العديد من التفاصيل المهمة، شأنه في ذلك
شأن كريمر. ولسوف أحاول من جانبي تقديم تفسير
يطمح إلى شمولية أكثر، ويعمل على الإحاطة
بمعظم التفاصيل التي تركها الآخرون، والربط
فيما بينها على نحو مقنع. ولكن مع الاعتراف
مسبقاً بالتقصير عن بلوغ الأرب. إن نصاً على هذا
القدر من الغرابة والتعقيد ذو بنية متراكبة
تتطلب منا أن ننظر إلى مستوياتها من زوايا
مختلفة، بحيث تعطينا كل زاوية مستوى للفهم
مختلفاً ومكملاً للمستويات الأخرى. فالنص،
كما رأى جاكوبسن محقاً، هو نتاج فترة مبكرة من
الثقافة السومرية، كانت خلالها مشغولة
بتأسيس البنى التحتية لنظام ري وإنتاج زراعي
دام فترة ألفين من السنين على أقل تقدير.
والشخصيتان الرئيسيتان هنا هما الماء
والتربة، بالإضافة إلى ما نجم عن علائقهما من
مظاهر تنتمي إلى عالم الطبيعة والنبات. وهذا
هو المستوى الأول لفهم الأسطورة. أما المستوى
الثاني فتأمُّلي فلسفي؛ ومفتاحنا إليه هو
الحالة التي كانت عليها أرض دلمون في
البدايات الأولى، والحالة التي صارت إليها
بعد ذلك، مع النظر إلى سلسلة الأسباب
والنتائج التي قادت إلى تبدل الأحوال. فأرض
دلمون، كما يصفها مطلع النص، هي: "مكان
طاهر، مكان نظيف، مكان مضيء. حيث لا يفترس
الأسد ولا يفترس الذئب. حيث لا يعرف أحد رمد
العين ولا أوجاع الرأس. حيث لا يشتكي الرجل من
الشيخوخة والمرأة من العجز. حيث لا وجود لمنشد
يندب ولا لجوَّال ينوح." ولكن ما الذي حل
بهذه اليوتوبيا البدئية بعد ذلك؟ لقد هُزَّت
أركانُها وتضعضعت أسسُها، فحلَّ الشقاق
محلَّ الوئام، والمرضُ محلَّ الصحة الدائمة،
وتنازعُ الإرادات محلَّ التناغم المطلق
والانسجام. وباختصار، نحن هنا أمام سقوط ذريع
من عصر البراءة الذي وصفتْه الميثولوجيا
السومرية في نصوص أخرى، ومنها هذا النص: في تلك الأيام، لم
يكن هناك حيَّة ولا عقرب ولا ضبع. لم يكن هناك أسد ولا
كلب مسعور ولا ذئب. لم يكن هناك خوف ولا
رعب. لم يكن للإنسان منافس. في تلك الأيام كانت
شوبور، أرض المشرق، أرض
الوفرة وشرائع العدل. وسومر، أرض الجنوب،
ذات اللسان الواحد، أرض
الشرائع الملكية. وأوري، أرض الشمال،
الأرض التي يجد فيها كلٌّ حاجته. ومارتو، أرض الغرب،
أرض الدعة والأمان. وكان العالم أجمع
يعيش في انسجام تام، وبلسان واحد يسبح
الكل بحمد الإله إنليل.[4] أما عن الأسباب
التي قادت إلى هذا السقوط، فنراها في خطيئتين.
الأولى: معاكسة الطبيعة، والثانية: الإفراط.[5]
فإنكي يهجر زوجه ثم يستنفد قواه في تحويل
مياهه من قنواتها ليسقي بها الأراضي البعيدة
الصحراوية. أما ننخرساج فتردُّ على أفعاله
غير الطبيعية والمفرطة بفعل آخر متطرِّف وغير
طبيعي، حين تنزع بذوره من رحم أُتُّو، فيدفعه
ذلك إلى أكثر الأفعال تطرفاً وبعداً عن
الطبيعة، حين يلتهم بناته واحدة أثر أخرى.
وتكون النتيجة حصول تصدُّع في بنية العالم
الفردوسي وظهور المرض، وهو علامة الاختلال
الأولى في الحياة وبوابة الموت. وبما أن المرض
يتطلب الدواء والشفاء، فإن الأسطورة تتابع
سرد الأحداث التي قادت إلى ظهور الشفاء كنقيض
ومعارض للمرض. وهنا لابد من عكس مسار الأفعال
الشاذة وغير الطبيعية التي قادت إلى الاختلال.
فإنكي الذي يحمل في بطنه حملاً شاذاً ثماني
بنات يجب أن يدخل في فرج ننخرساج ليستطيع
إنجاب بناته بطريقة أقرب إلى فعل الولادة
الطبيعية. وبعد دخوله تقوم ننخرساج باستيلاد
البنات واحدة إثر أخرى؛ وكل واحدة منهنَّ
موكلةٌ إليها خصيصةُ شفاء مرض من الأمراض
التي يعاني منها إنكي. وأحب أن أضيف هنا
أن ولادة إلهات الشفاء تحمل في طياتها جانباً
إيتيولوجياً تبريرياً، هدفتْ الأسطورة من
ورائه إلى تبرير الخواص الشفائية التي تتمتع
بها بعض النباتات. فإلهات الشفاء الثماني
اللواتي ظهرن إلى الوجود لسن، من حيث الجوهر،
سوى نباتات خضعت لعملية تحويل رمزي زوَّدتها
بخصائص سحرية من شأنها مقاومة المرض والدفاع
عن الحياة. لقد ابتلع إنكي نباتات عادية وحمل
بها في بطنه "لكي يعرف اسمها ويقرر مصائرها"،
على حد قول النص، ثم دخل إلى فرج ننخرساج حيث
أطلقها إلى الحياة، وقد تحولت إلى إلهات
شافية ولدت من أعماق الماء ومن رحم الأرض بعد
عملية تحويلية معقدة. وكل نبتة شافية اكتشفها
الإنسان بعد ذلك هي، على نحو ما، سليلة لإحدى
هذه النباتات السحرية البدئية التي ظهرت في
الأزمان الأولى. وهذا هو المستوى الثالث لفهم
الأسطورة. ولدينا أخيراً
مستوى رابع هو مستوى سحري طقسي. وإني أرجِّح
أن يكون هذا النص بمثابة تعويذة تساعد على
الشفاء من الأمراض. ومفتاحي لهذا التفسير هو
الشبه الواضح في البنية بين نصِّنا هذا ونصوص
أخرى دعاها نُسَّاخها تعاويذ لشفاء المرض،
أورد منها فيما يلي نصين: النص الأول وثيقة
بابلية يذكر كاتبها أنه استنسخها عن وثيقة
قديمة وردت فيها تعويذة لشفاء وجع الأسنان.
وهذه ترجمتي للنص: بعد أن خلق آنو
السماء وبعد أن خلقت السماء
الأرض والأرض
خلقت الأنهار والأنهار خلقت
المستنقعات والمستنقعات خلقت
دودة السوس مضى السوس باكياً إلى
الإله شمش وذرف الدمع في حضرة
الإله إيا قائلاً: "ماذا تعطيني
لطعامي؟ وماذا تعطيني
لشرابي؟" [فأجابه إيا:] "سأعطيك شجر التين
الناضج أو أعطيك شجر المشمش." [فقال السوس:] "بماذا يفيدني شجر
التين؟ بماذا يفيدني
المشمش؟ دعني أصعد وأتخذ لي
مسكناً بين الأسنان وعظام
الفك حيث امتص دماء
الأسنان وأنخر فيها عند جذور وعظام
الأسنان." [يلي ذلك سطر موجه
للطبيب المعالج] "أدخل الإبرة
وأمسك بقدمه [=السوس]." لأنك نطقت بهذا أيها
السوس، فليسحقك إيا بجبروت يديه. [حاشية] -
تعويذة
ضد وجع الأسنان -
الطريقة:
أحضر بيرة وزيتاً وامزجهما -
أُتْلُ التعويذة ثلاث مرات
وضع المزيج على الأسنان.[6] ولدينا تعويذة
بابلية أخرى كانت تُتْلى عند النزول في ماء
الفرات للحصول على الشفاء. وهذه ترجمتها: تعويذة: أيها النهر، يا مبدع
الأشياء كلها. عندما حفر مجراك
الآلهة الكبار، حَفُّوا ضفافك بكل ما
هو حسن وطيب. وفيك أقام إله
الأعماق إيا مسكنه، ووهبك فيضان الماء
الذي لا يقاوَم. كما
وهبك الإلهان إيا ومردوخ غضباً نارياً
وجلالاً وروعاً. أنت قاضٍ في مشاكل
البشر[7] أيها النهر العظيم،
أيها النهر المبجل، يا نهر المقامات
المقدسة، يا من بمائك يأتي
الشفاء، تقبَّلْني. انتزع ما بجسمي
وارمِه إلى ضفافك. ارمِه إلى ضفافك [أو]
دَعْه يغور في أعماقك.[8] إن البنية العامة
لنص إنكي وننخرساج، بصرف النظر عن تفصيلاته،
تتألف من ثلاث واحدات أساسية هي: 1. عودة إلى
الأصول وكمال البدايات؛ 2. دخول الفساد إلى
الكون وظهور المرض؛ 3. ظهور الشفاء. وهذه
البنية ذاتها نجدها في تعويذة السوس ووجع
الأسنان. فالنص يرجع في مطلعه إلى البدايات
الأولى، عندما خلقتْ السماءُ الأرضَ،
والأرضُ خلقتْ الأنهارَ، إلخ... ثم يشرح كيفية
ظهور مرض الأسنان، وينتهي إلى وصف العلاج
الذي يتم بعون الإله إيا الذي أنجب إلهات
الشفاء في أسطورتنا. كما تنتظم تعويذة النهر
وفق بنية مشابهة، ولكن باختصار أشد. فهي تعود
أيضاً إلى البدايات التي تم عندها إبداع
الأشياء كلِّها، وتنتهي بالاستحمام في ماء
النهر الذي يقيم الإله إيا في أعماقه، والذي
يصل اللحظة الراهنة للمريض بتلك البدايات
الكاملة الأولى. إن المواقف
الفكرية التي تقوم وراء هذا النوع من الطقس
السحري المرافق للعلاج الطبي تنطلق من اعتقاد
الإنسان القديم بأن المرض، كعلامة من علامات
الاختلال في الطبيعة، يمكن شفاؤه عن طريق
انتزاع المريض من سياق الزمن الحالي والعودة
به إلى الخلف في اتجاه معاكس نحو كمال
البدايات – يوم لم يكن هناك ألم وشيخوخة وعجز.
هذه العودة إلى البدايات تجعل القوى الإلهية
الخالقة حاضرة هنا والآن من أجل مدِّ يد العون
إلى المريض. ونحن أمام هذا الطقس المصغَّر يجب
أن نتذكر نموذجه الأساسي الأكبر، ألا وهو
طقوس رأس السنة الجديدة التي تنطلق من
المواقف الفكرية عينها. ففي أعياد رأس السنة
يقوم الكهنة في بابل بتلاوة أسطورة التكوين
البابلية كاملة، ثم يجري تمثيلها درامياً من
أجل تجديد العالم الذي بَلِيَ في السنة
الماضية وإعطائه دفعة خلاقة جديدة في سنة
أخرى قادمة، عن طريق استحضار القوى الإلهية
الخلاقة التي أبدعت الكون في الأزمان الأولى.
والمعنى العميق للطقس هنا، لا يتصل بإحياء
ذكرى تلك الأحداث الميثولوجية العظمى، أحداث
الأصول والبدايات والتكوين، بل بتكرارها
وجعلنا معاصرين لها، فنستمد منها القوة على
التجديد والاستمرار وتصحيح علامات الاختلال
في حياة الإنسان.[9] وفي الثقافات
التقليدية نعثر على ممارسات طقسية تقوم على
المواقف الفكرية عينها من مسألة الأصول
والبدايات والقوة الشفائية التي يتضمنها
استحضار زمن الأصول. ففي أوستراليا تروي
قبيلة الكاليولا كيف جرح العجوز فينامون نفسه
جرحاً بليغاً في أثناء انشغاله بصنع قارب.
عندئذ عمد إلى تلاوة التعاويذ التي تسترجع
أزمان الأصول، فتلا نشأة الحادثة التي أدت
إلى جرحه، ولكنه لم يتذكَّر الكلمات التي
تحكي قصة أصل الحديد، وهي الكلمات التي
يمكنها أن تشفي الجرح الذي أحدثته الأداة
الحديدية الحادة. ثم بعد أن التمس العون من
سحرة آخرين صاح فينامون: "الآن تذكرت أصل
الحديد!" ثم بدأ يتلو التعويذة التالية: الهواء هو الأول بين
الأمهات. الماء بكر الإخوة
والنار ثانيهم، والحديد أصغر
الثلاثة سناً. إن أوكو، الخالق
العظيم، فصل الأرض عن الماء
وأطلع الشمس في الأقاليم، لكن الحديد لم يكن قد
وُلِد بعد. وهكذا ولدت الحوريات
الثلاث اللائي صرن أمَّهات
الحديد.[10] والفكرة من وراء
هذه القصة هي أن العلاج لا يؤتي مفعوله إلا
إذا عُرِف أصل الداء وأصل الدواء. وهذه فكرة
شائعة لدى العديد من الثقافات النقلية. فكل
تلاوة سحرية يجب أن تتقدَّمها تعويذة تحكي
أصل الدواء المستعمل. وهم يقولون صراحة في
مطلع أناشيدهم الطقسية هذه أنه إذا لم يُرْوَ
أصل الدواء لا يجوز أن يُستعمَل. وهنا تبدأ
التعويذة بالعودة إلى زمن الأصول وكيف قامت
المرأة الأولى بزراعة النبتة الشافية، إلخ.[11] ولدى جماعة
البهيل Bhils البدائية في
الهند، هناك طقس مُعَدٌّ للشفاء، يقوم بموجبه
ساحر القبيلة بتطهير المكان المحيط بمرقد
المريض، ثم يعمد إلى رسم مندلا mandala، وهي دائرة ذات
خصائص سحرية تزمر إلى الكون في تمامه. ورغم أن
التعاويذ التي تُتلى في هذه المناسبة لا تشير
صراحة إلى خلق العالم، إلا أن المندلا
المرسومة بطحين الذرة قرب المريض تنوب مناب
تلاوة الأسطورة، وتؤدي غرضاً شفائياً بجعلها
المريض يعاصر رمزياً عملية الخلق، ويمتلئ
بتلك القوى البدئية الهائلة التي جعلت الخلق
ممكناً في الأزمان البدئية.[12] ولدى جماعة
الناواهو، الهندية أيضاً، طقس للشفاء يتألف
من سرد أسطورة التكوين الأصلية، يعقبها سرد
لأساطير الأصول الفرعية، ثم تنفيذ رسوم على
الأرض ترمز إلى مراحل الخلق والتاريخ
الميثولوجي للإله. ولدى جماعة الناخي في
الصين قرب التيبت عدد من التعاويذ الطقسية
ذات الغرض الشفائي. وهي تبدأ بذِكْر ولادة
الكون ثم ظهور المرض ثم الأدوية الشافية. تبدأ
إحدى التراتيل بالمطلع التالي: "عندما في
البدء لم تكن السماوات والأرض والشمس قد
ظهرت، والنباتات والقمر والنجوم أيضاً،
عندما لم يكن شيء مما كان بعد ذلك." تلي ذلك
قصة خلق العالم وولادة الشياطين ثم ظهور
المرض، فظهور الشَمَن Shaman الأول الذي جلب
معه الأدوية الشافية. وتبدأ أنشودة طقسية
أخرى على النحو التالي: "في الوقت الذي ظهرت
فيه السماء وظهرت النجوم والشمس والقمر،
وظهرت الأرض والنباتات، إلخ." وبعد
الانتهاء من سرد تفاصيل الخلق، تأتي الأنشودة
إلى سرد قصة طويلة عن أصل الأدوية وكيف صارت
في حوزة رئيس الأرواح الشريرة، ثم تسرد قصة
ميلاد الشَمَن الأول، وكيف صار إلى وظيفته
هذه، وكيف جعل الأدوية متاحة للجميع. ففي أحد
الأيام رجع الشَمَن إلى بيته ليجد والديه
ميتين، فعزم على الذهاب بحثاً عن دواء يمنع
الموت. بعد مخاطر ومغامرات كثيرة وصل إلى موطن
رئيس الأرواح وسرق الأدوية العجيبة التي
يحتفظ بها. وبينما هو هارب من المطاردة وقع
على الأرض فتناثرت الأدوية على التربة ونبتت
منها أعشاب الشفاء.[13] وفي ثقافتنا
الشعبية الإسلامية تتمتع قراءة المولد
النبوي بقوة الأصول. فنحن عندما نستعيد قصة
مولد الرسول (ص)، إنما نستحضر من جديد قوى
فائقة مقدسة، ونستشعر وجودها بيننا لتعيننا
على الأمر الذي من أجله يُقرَأ المولد، شفاءً
كان، أم دفعاً لبلاء، أم استنزالاً للبركات. أخيراً، وقبل
نهاية المطاف، لديَّ استطراد قصير حول عنصر
دخول إنكي في فرج ننخرساج، ثم خروجه منه في
ولادة جديدة مع نباتات الشفاء. لقد تجاهل
السيد كريمر في ترجمته للنص السومري هذا
العنصر تماماً، إذ ترجم السطر المعني على
الوجه التالي: "ثم قامت ننخرساج بوضع إنكي
قرب فرجها." وللأمانة العلمية فقد أشار في
الحاشية إلى أن التعبير في السومرية يشير إلى
أنها قد وضعته في فرجها. وإننا نرى هنا، أن
عنصر الدخول في جوف ننخرساج–الأرض هو عنصر
مكمل لعنصر الرجوع إلى البدايات والأصول. ذلك
أن فكرة العودة إلى الرحم تحمل بحد ذاتها
نوعاً من الرجوع إلى الخلف، وخصوصاً إذا تعلق
الأمر بالرجوع إلى رحم الأرض، خالقة الجنس
البشري في الميثولوجيا المشرقية، وأم الآلهة
جميعاً في التصورات الميثولوجية المبكرة.
نقرأ في نص بابلي عن خلق الإنسان، حيث لُقِّبت
ننخرساج (التي تظهر هنا باسمها الآخر مامي)
بالرحم الأم: أنت عون الآلهة،
مامي، أيتها الحكيمة أنت الرحم الأم يا خالقة الجنس
البشري اخلقي الإنسان فيحمل
العبء ويأخذ عن الآلهة عناء
العمل.[14] وإذا كان تفسيرنا
للأسطورة على أنها نوع من تعويذة الشفاء
صحيحاً، فإننا نرجِّح أن المريض كان يمر بطقس
رمزي من شأنه الإيحاء برجوعه إلى رحم الأرض،
كما رجع إنكي. وهنا نستطيع أن نقارن عنصر دخول
إنكي في رحم الأرض، في أسطورتنا، بعنصر هبوط
النسر إلى رحم الأرض أيضاً، عندما لبث في قاع
البئر مدة طويلة قبل أن يكون قادراً على
استعادة صحته واكتساب قوى ذات علاقة بخصائص
الإخصاب. كما تضيء لنا المقارنة مع الطقوس
الشائعة لدى الثقافات النقلية وبعض الثقافات
الراقية جوانب هامة من موضوعنا. لدى العديد من
المجتمعات النقلية، تتضمن طقوس التَّعْدِيَة
initiation
التي يمر بها الفتيان من أجل العبور بهم من
مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج سلسلة من
الأفعال الرمزية التي تخوِّل المرشح
للتَّعْدِيَة إلى جنين بغية توليده ثانية.
فهو يعود إلى الرحم من خلال إقامته في كوخ
مظلم، أو دفنه في حفرة صغيرة ضمن بقعة مقدسة،
متواحدة مع رحم الأرض–الأم. وهذه الولادة
الثانية هي التي تجعل من الفتى عضواً مسؤولاً
في مجتمعه. هذه الخصيصة التجديدية للعودة إلى
الرحم تُستَخدَم أيضاً في الشفاء. ففي الهند
مازال الطب النقلي، إلى يومنا هذا، يقوم
بشفاء المرض وتجديد شباب الشيوخ عن طريق
دفنهم في حفرة داخل الأرض لها هيئة الرحم. وفي
الصين يتمتع طقس العودة إلى الأصول بتأثير
شفائي كبير. ويولي المذهب التاوي هناك أهمية
كبيرة لتمرين يدعى التنفس الجنيني. وتتم
ممارسة هذا التمرين بالتنفس ضمن دائرة مغلقة
كما يفعل الجنين، ومحاكاة دوران الدم وحركة
الأنفاس من الأم إلى الطفل وبالعكس. وتقول
المقدمات النظرية لهذا الطقس إنه، بالعودة
إلى الأساس وبالعودة إلى الأصل، نطرد
الشيخوخة ونعود إلى الحالة الجنينية.[15] بعد هذه الوقفة
المطوَّلة عند هذا النص نتساءل: هل استطعنا
الولوج إلى الأسطورة وتلقي رسالتها، أم بقينا
نراوح مع بقية المفسِّرين عند العتبة؟ أترك
الجواب للقارئ الذي أتعبته معي (الذي كان،
ربما، يظن قراءة الميثولوجيا نوعاً من
الاسترخاء الذهني والإصغاء إلى عجائب
الحكايا الممتعة) وأنتقل إلى تقديم نص آخر
ينتمي إلى النوع المستغلق، على الرغم من
بساطة بنيته وجاذبية أحداثه. 2.
إنانا وشجرة الحلبو يبتدئ
هذا النص السومري الحيوي والمؤثر بأسلوبه
وإيقاعه الشعري الداخلي بمقدمة في التكوين
وخلق العالم: في الأيام الأولى، في
مطلع الأيام الأولى. في الليالي الأولى،
في مطلع الليالي الأولى. في الأيام الأولى، في
مطلع الأيام الأولى. في الأيام الأولى،
عندما جرى خلق كل ما يلزم. في الأيام الأولى،
عندما جاءت المشيئة بكل ما يلزم. عندما جرى خَبْز
الخبز في المقامات المقدسة. عندما جرى أكل الخبز
في بيوت البلاد. عندما تم إبعاد
السماء عن الأرض. عندما تم فصل الأرض
عن السماء. عندما تم تعيين اسم
الإنسان. عندما اضطلع آنو
بالسماء. عندما حُمِلَت
أريشكيجال إلى العالم الأسفل غنيمة. عندما أبحر، عندما
أبحر. عندما أبحر الأب يطلب
العالم الأسفل، انهمرت على الملك
الحجارة الصغيرة، انهمرت على إنكي
الحجارة الكبيرة. الحجارة الصغيرة
التي تُرمَى باليد، والحجارة الكبيرة
التي تُقذَف بالقصب المهتز، ملأت قاع المركب،
مركب إنكي، غمرته في انقضاضها
كعاصفة داهمة. هاجم الماء الصاخب
مقدمة المركب مثل ذئاب مفترسة. وهاجم الماء الصاخب
مؤخرة المركب مثل أسودٍ كاسرة. هنا تنتهي
المقدمة، لتبدأ الأسطورة بالمطلع التالي: في تلك الأزمان،
شجرةٌ، شجرة حلبو زُرعت على ضفو نهر
الفرات.[16] لقد كبرت شجرة
الحلبو (معنى الاسم غامض الدلالة) على شاطئ
النهر ترتوي من مائه، إلى أن جاء يوم هبت فيه
ريح الجنوب بقوة واقتلعت الشجرة فرمتها إلى
الماء الذي حملها. وفيما كانت الإلهة إنانا
"تهيم على وجهها خائفة من كلمة الإله آن
وكلمة الإله إنليل"، على حد التعبير
الحرفي للنص، وقع بصرها على الشجرة فأعجبتها،
وانتشلتها عائدة إلى بستانها الخصب حيث
غرستها هناك، ثم راحت تعتني بها لكي تصنع من
خشبها عرشاً لجلوسها وسريراً لمضجعها. وبمرور
الأيام، كبرت الشجرة، ولكنها لم تورق ولم
تزهر لأن ثلاثة كائنات غريبة احتلتها. فقد آوت
إلى قاعدة الشجرة حيَّة هائلة لا يؤثر فيها
سحر ولا تعويذة، فجعلت لها وكراً هناك، واتخذ
من قمتها طائر الزُّو مسكناً له ولصغاره (ويدعى
أيضاً إمدوجد، وهو طائر أسطوري عملاق
معروف بعدائه للآلهة)، وفي الوسط أقامت ليليث،
شيطانة القفار. فراحت الفتاة المرحة إنانا
تبكي وتذرف الدمع. مضت إنانا إلى أخيها أوتو
إله الشمس طالبة عونه على استرجاع شجرتها،
ولكن أوتو لم يهتم للأمر. فمضت إلى جلجامش
ملك أوروك وسألته العون فاستجاب لها. وضع
جلجامش عليه درعه وحمل فأسه فجاء إلى الشجرة
حيث صارع الحيَّة وقتلها بفأسه. ولما رأى
الطائر ما حلَّ بالحية فرَّ بصغاره إلى
الجبال البعيدة. أما ليليث فقد قوَّضت بيتها
وعادت إلى القفار. عندئذٍ عمد جلجامش إلى
الشجرة فاجتثَّها وقدَّمها إلى إنانا لتصنع
منها عرشاً وسريراً. وبالمقابل، فقد كافأته
إنانا بأن صنعت له من قاعدة الشجرة بكُّو،
ومن قيمة الشجرة مكُّو. ومعنى هاتين
الكلمتين غامض، غير أن مترجم النص السيد
كريمر يرجِّح أن تكونا طبلاً وعصا الطبل. على هذا النحو
تنتهي أسطورة إنانا وشجرة الحلبو، لتبدأ
بعدها أسطورة جلجامش وإنكيدو والعالم الأسفل.
ويربط عنصر الأداتين الموسيقيتين (البكُّو
والمكُّو) بين الأسطورتين، بحيث تبدأ أسطورة
جلجامش وإنكيدو من استلام جلجامش للأداتين
اللتين تسقطان منه بعد قليل من كوة في الأرض
إلى العالم الأسفل. وبما أن محرِّر ملحمة
جلجامش البابلية قد تعامل مع الأسطورة
الثانية بشكل مستقل عن الأسطورة الأولى،
ودمجها في نهاية قصته، حيث شكلت اللوح الحادي
عشر والأخير من الملحمة، فإني أرجِّح أنه قد
استند في ذلك إلى تقليد آخر يفصل بين
الأسطورتين ويتعامل مع كل منهما على حدة. وهذا
ما سوف ألجأ إليه هنا، فأتعامل مع أسطورة
إنانا وشجرة الحلبو كنص مستقل عن أسطورة
جلجامش وإنكيدو والعالم الأسفل. لا يأتي استغلاق
هذه الأسطورة من بنيتها المركبة، ولا من
غرابة حوادثها وتداخلها، أو من غموض عقدتها
القصصية. فنحن هنا أمام حكاية تبدو بسيطة
للوهلة الأولى. وهي تسير باتجاه خطي واحد
وصولاً إلى العقدة التي تتمثل في استيلاء
الكائنات الثلاثة على الشجرة. ثم يتم حل
العقدة بطريقة مألوفة في عدد من الأساطير
الرافدية الأخرى، وصولاً إلى النهاية
السعيدة وحصول إنانا على بغيتها. كل هذا يجعل
قارئ هذا النص يتناوله كـ"حدُّوتة"
عادية لا تحمل رسالة مهمة. غير أن أول ما يصرف
نظرنا عن بساطة القصة هو تلك المقدمة في الخلق
والتكوين المؤلَّفة من جزئين، بأسلوبها
الجَزِل وإيقاعها الموسيقي المؤثر. فكل ما في
هذه الافتتاحية الفخمة يهيئنا لتوقع حدوث أمر
جَلَل ما. يضاف إلى ذلك أن الأسطورة الرافدية
قد عوَّدتنا على أن استرجاع الأصول والعودة
إلى البدايات هو مقدمة لقول شيء مهم أو الكشف
عن سر من الأسرار. إن كل فعاليات الخلق
والتكوين في القسم الأول من المقدمة، وما جرى
لإنكي وهو يبحر لمقاومة قوى العالم الأسفل في
الجزء الثاني من المقدمة، ينتهي إلى سطر واحد
هو بداية القصة: "في تلك الأزمان، شجرة،
شجرة حلبو" – الأمر الذي يدل على أن هذه
الشجرة، وما جرى لها، هي الشأن المركزي، وهي
التي من أجلها وُضِعَت المقدمة. فهل يسعفنا
تأمُّل هذه المقدمة في إلقاء الضوء على أول
مستويات هذه الأسطورة. تمارس الأسطر
الثلاثة الأولى من المقدمة تأثيراً سحرياً
على السامع يساعد على وضعه خارج زمانه اليومي
المعتاد، بطريقة تشبه ما تفعله بنا الفكرة
الموسيقية الأولى من مقطوعة سيمفونية: في الأيام الأولى، في
مطلع الأيام الأولى في الليالي الأولى،
في مطلع الليالي الأولى في الأيام الأولى، في
مطلع الأيام الأولى بعد ذلك يأتي
النص إلى سرد كيفية ظهور الكون ووضع أسس
التحضُّر، وذلك بثلاث صيغ تكرر كل واحدة
سابقتها بطريقة مختلفة: في الأيام الأولى،
عندما جرى خلق كل ما يلزم في الأيام الأولى،
عندما جاءت المشيئة بكل ما يلزم عندما جرى خَبْز
الخبز في المقامات المقدسة يُجمِل النص في
السطر الأول والثاني عملية الخلق بتعبير "كل
ما يلزم"، ويشير في السطر الثالث إلى أصول
التحضُّر بتعبير "خَبْز الخبز". ذلك أن
صنع الخبز وأكله هو الذي يميِّز الإنسان
المتحضر عن سَلَفِه الهمجي. وأما الصيغة
الثانية فتؤدي المعنى نفسه، ولكن مع بعض
التوضيح: عندما تم إبعاد
السماء عن الأرض عندما تم فصل الأرض
عن السماء عندما
تم تعيين اسم الإنسان إن تعبير "كل
ما يلزم"، الذي تكرر في السطر الأول
والثاني من الصيغة الأولى، يجري تفصيله هنا
في السطرين عينهما، حيث نرى كيف تم الخلق
بإبعاد السماء عن الأرض وفصل الأرض عن السماء.
أما أصول التحضُّر فيشار إليها في السطر
الثالث بتعبير "تعيين اسم الإنسان". ثم
تتابع الصيغة الثالثة لتعطينا مزيداً من
التفاصيل: عندما اضطلع آنو
بالسماء عندما اضطلع إنليل
بالأرض عندما حُملت
أريشكيجال إلى العالم الأسفل غنيمة[17] إن الكون الذي
أصبح الآن متمايزاً عن الكتلة الهيولية
الأولى قد أُعطِيَ معنًى روحانياً، وحلَّت به
الآلهة تديره. فآنو قد اضطلع بشؤون السماء في
السطر الأول، وإنليل قد اضطلع بشؤون الأرض في
السطر الثاني. أما السطر الثالث الذي أُفرِد
في الصيغتين الأوليين للحديث عن الإنسان
وأصول التحضُّر، فإنه يعلمنا هنا عن مصير
الإنسان: الموت، الذي ظهر عقب تمايز العالم
الأسفل عن العالم الأعلى وتخصيصه كمكان
لأرواح الموتى، وتعيين أريشكيجال حاكمة عليه. بعد ذلك يبتدئ
الجزء الثاني من المقدمة، ويفيدنا بأن إنكي
قد أبحر بمركبه نحو العالم الأسفل، وحصلت
مواجهة بينه وبين قوى العالم الأسفل لم
تُحسَم. وينتقل النص بعد ذلك مباشرة إلى القول: في تلك الأزمان،
شجرة، شجرة حلبو زُرِعَت على ضفة نهر
الفرات شربت وسُقِيَت بماء
الفرات ما الذي تشير
إليه تلك المواجهة غير الحاسمة بين إنكي–الماء
والعالم الأسفل؟ إن كل ما أستطيع استنتاجه من
هذه المواجهة التي تُرِكَت مفتوحة هو أن
إنكي، باعتباره ممثلاً للقوى التي تدعم
الحياة، والعالم الأسفل الذي يفغر فاه
لالتهام الحياة، هما تمثيلان لقطبين
متعارضين ومتعاونين، لا يستوي الوجود
الإنساني إلا بتعارضهما وتعاونهما. لقد حاول
الماء، بعد أن أحيا الأرض بما عليها من
كائنات، أن يشق طريقه نحو العالم الأسفل
الأجرد المظلم العقيم ليحييه كما أحيا العالم
في الأعلى، ولكن تقدُّمه قد أُوقِف. ولذلك نجد
أن الماء العذب يكمن في الأعماق، عند المستوى
الفاصل بين سطح الأرض والعالم الأسفل؛ ومن
هناك يصدر على شكل أنهار وينابيع وآبار،
ولكنه لا يستطيع الغوص أكثر من ذلك لأن قوى
العُقْم تقف له بالمرصاد منذ تلك الأزمنة
الميثولوجية الأولى. من تلك المواجهة
الأولى بين قوى الخصب وقوى العقم ينتقل النص
إلى ظهور شجرة الحلبو التي تمثل الحياة
الزراعية في شكلها الخام البدئي الذي لم يخضع
بعد إلى تنظيم. ونظراً لعدم وجود من يعتني
بالشجرة البرية، فقد اقتلعتها ريح الجنوب،
وطافت فوق المياه، إلى أن انتشلتها إنانا
وزرعتها في بستانها. وهنا يجب أن نلاحظ أن
النص لا يقدم لنا إنانا في صورة الإلهة
المكتملة، المسيطرة فعلاً على نفسها
المتحكِّمة في حياتها، بل في صورة الصبيَّة
الغضَّة التي تهيم خائفة من كلمة الإله آن
وكلمة الإله إنليل، والتي لم تحصل بعد على
رموز سلطانها. وهي، عندما تقوم بزراعة الشجرة
في بستانها وتأخذ في العناية بها، فإنها تأمل
أن تعطيها هذه الشجرة أهم رمزين من رموز
سلطانها على الخصب والحب. وها هي ذي تفكر بصوت
مسموع قائلة: متى تصير الشجرة
عرشاً مثمراً أجلس عليه؟ متى تصير الشجرة
سريراً مثمراً أضطجع عليه؟ على أن انتقال
الشجرة من الحالة البرية إلى الحالة
المدجَّنة قد ساعد على نموها، ولكنه لم يساعد
على إوراقها وإزهارها، لأن ثلاثة كائنات
تنتمي إلى قوى العماء والفوضى والموت قد
حلَّت فيها. فطائر الزو معروف بمقاومته لقوى
النظام التي سادت بعد التكوين، وهو لا يدَّخر
وسعاً في خلخلة نظام الكون كلما سنحت له
الفرصة (على ما نعرف من نصوص بابلية لاحقة).
أما ليليث فهي شيطانة جميلة لها أجنحة ومخالب
الطير، تنتمي إلى قوى العالم الأسفل وتسكن
القفار والخرائب. وأما الأفعى فإنها لا تظهر
هنا كوكيلة للخصب، بل كوكيلة لقوى الفوضى
والدمار. وهي من النوع "اللوياتاني" الذي
يجب على إله الخصب قتله قبل أن يسيطر فعلاً
على قوى الإخصاب. ومثالها الحية ذات الرؤوس
السبعة التي صرعتها الإلهة عناة. نقرأ في
نصوص بعل وعناة المقطع التالي: الآن تريد أن تقتل
لوتان، الحية الهاربة الآن تريد أن تجهز
على الحية الملتوية شالياط العتيَّة ذات
الرؤوس السبعة وفي مقطع آخر: ألستُ التي قضت على
التنين؟ ألستُ التي سحقت
الحية الملتوية ذات الرؤوس السبعة؟[18] لاتستطيع إنانا
حيال الموقف الجديد إلا البكاء وذرف الدموع.
وعندما يخذلها الإله أوتو، يخف لنجدتها
جلجامش فيقتل الأفعى ويطرد الطائر والشيطانة.
وبذلك تتخلَّص الحياة النباتية من تأثير قوى
الفوضى وقوى الموت، وتغدو جاهزة لأن تكون
مقراً لعرش ألوهة الخصب، وجاهزة لأن تكون
مضجع ألوهة الحب والجنس. وباستلام الإلهة
إنانا رموز سلطانها على هذين المجالين،
المتمثِّلة بالكرسي والمضجع، تدخل الحياة
النباتية طور الزراعة المنظمة تحت رعاية
إنانا التي تحولت الآن من فتاة خائفة إلى سيدة
مكتملة ومسيطرة على الخصب والحب. يبقى أمامنا عنصر
هام بحاجة إلى إيضاح. لماذا جاءت المعونة من
جلجامش ملك أوروك، ولم تأت من الإله أوتو أو
أية شخصية إلهية أخرى؟ وما هو الدور الرمزي
الذي يلعبه جلجامش هنا بمساعدته إنانا على
استكمال دورها كإلهة للخصب والحب وسيدة على
عالم الطبيعة المدجَّنة؟ لا توجد أمامنا
سوى نافذة واحدة نستطيع الولوج منها إلى
رمزية الدور الذي يلعبه ملك أوروك هنا في
مساعدته لإنانا، الإلهة الرئيسية لمدينة
أوروك. وهذه النافذة هي طقوس الزواج المقدس
Hierogamy. فبموجب هذه
الطقوس المؤسَّسة منذ عصور ما قبل الأسرات،
كان على ملك أوروك أن يلعب دور الإله دوموزي
ويتزوج من الإلهة إنانا مرة كل عام، فيلتقيان
في غرفة مُعَدَّة لهذا الغرض تقع في أعلى برج
المعبد. وأغلب الظن أن كبيرة كاهنات إنانا
كانت تنتظر الملك هناك في غمرة الاحتفالات،
فيصعد إليها وينام معها، وأن الاعتقاد السائد
كان يذهب إلى أن روح الإلهة تحل في الكاهنة
وروح الإله تحل في الملك. ومن لقائهما تنبثق
قوة خصب كونية تساعد على دفع دورة الفصول،
وإحلال الخصب في الطبيعة وفي الكائنات الحية.
ويبدو أن الأسطورة هنا تجعل من جلجامش أول ملك
لأوروك، ومؤسِّساً لطقس الزواج المقدس. وليس
عونه لإنانا على تأسيس عرشها واستكمال سريرها
إلا مقدمة لدوره المقبل كزوج طقسي لها –
الأمر الذي يرجح أن الأسطورة في نصِّها
الأقدم قد دُوِّنت إبان حكم الملك جلجامش، أي
فيما بين القرن السادس والعشرين والقرن
الخامس والعشرين قبل الميلاد. ومن الممكن
أيضاً أن الصيغة الأكثر قدماً للأسطورة، التي
ترجع إلى ما قبل عصر الأسرات، أي إلى الألف
الرابع قبل الميلاد، كانت تجعل من دوموزي
نفسه بطل الرواية؛ ثم حلَّ محلَّه فيما بعد
بديلُه الطقسي. خاتمة
لقد
حاولنا في الصفحات المحدَّدة لهذا البحث أن
نبحث عن "المعنى" في عدد من الأساطير
المنتقاة من تراث الشرق القديم، وذلك وفق
منهج تجريبي لا يلتزم بموقف مسبق أو بمدرسة من
مدارس التفسير. وكان غرضنا من ذلك أن نُظهِر
أن للأسطورة "نظاماً" داخلياً متماسكاً
ينضوي على رسالة ما، رغم ما يبدو عليها من
تفكك ظاهري أحياناً، لا ينسجم مع مفهومنا
الحديث عن "النظام". هذه الرسالة، كانت
يفهمها ويستوعبها الإنسان القديم الذي لم يكن
بحاجة طبعاً إلى القيام بمثل ما نقوم به لكي
يفهم أساطيره ويستوعب رسائلها. إن أحد الفروق
الهامة بين فكرنا الحديث وفكر الإنسان القديم
هو أننا لا نستطيع فهم ظاهرة بكلِّيتها إن لم
نعمد إلى تفكيكها ومعرفة أجزائها المستقلة
جزءاً جزءاً. وكلما اعتقدنا أننا فهمنا
الأجزاء عند مستوى معين انتقلنا إلى المستوى
الأعلى، وهكذا وصولاً إلى الفهم الكلِّي
اعتماداً على السير الخطي من مرحلة إلى أخرى.
وذلك على عكس الإنسان القديم الذي كان يرى إلى
الظاهرة بكلِّيتها، ويحدس أنها لا تستمد
الأجزاء عنده معناها إلا من الكل. من هنا، فإن
"المعنى" الذي نحاول الكشف عنه في
الأسطورة باستخدام أدواتنا التحليلية يبقى
ظلاً باهتاً للمعنى الميثولوجي الخفي في النص. إن مشكلتنا مع
"المعنى" في الأسطورة ناجم عن مفهومنا
للمعنى. ولتوضيح هذه النقطة أستعير مثالاً من
اللغة. فنحن عندما نريد توضيح معنى كلمة من
الكلمات فإننا نورد عدداً آخر من الكلمات أو
الجمل المفيدة التي تعمل على تكوين المعنى في
الذهن. وهذا ما تفعله القواميس عادة عندما
تُستَشار بخصوص كلمة ما فتحيل إلى كلمة أخرى
أو كلمات، ثم تلحِقُها بجمل مركبة. ورغم ذلك،
فإن إحساسنا بالكلمة يبقى إحساساً مباشراً،
وهي تستثير فينا من الانفعالات المختلفة ما
لا تستطيع الكلمات المفسِّرة خلقه. فإذا
استشرت القاموس بخصوص كلمة "نار" مثلاً
لقال لك: اشتعال، حريق، توقُّد... إلى آخر ما
هنالك من مترادفات تحاول نقل المعنى المطلوب.
ولكن حاول في ليلة مظلمة أن توقد في الخلاء
ناراً وتلبث ساكناً أمامها تحدِّق فيها. عند
ذلك فقط يمكن لك أن تستلم سرَّ الكلمة دون
وسيط، لأنك تكون قد تجاوزت الكلمات
والمترادفات ونفذت إلى سرِّ الشيء. وهذا ما
يجب علينا أن نفعله حيال الأسطورة لننفذ إلى
سرها دون وسيط. إن
الأسطورة، من حيث شكلها، هي وسيط رمزي
لمَوْضَعَة الانفعال الداخلي في الخارج، من
خلال وسيط رمزي آخر هو الكلمات. ولكننا عندما
نأتي إلى التحليل والتفسير فإننا نلجأ إلى
وسيط ثالث، إلى جملة أخرى من الكلمات تعمل على
شرح الجملة الأصلية؛ في الوقت الذي يجب علينا
فيه أن نزيح تلك الجملة الأصلية وصولاً إلى
الحالة الانفعالية التي أنتجت الأسطورة. أي
أننا نتأمل الأسطورة كما تأمَّلنا النار
ونفذنا إلى سرِّها دون وسيط. وهذه مهمة صعبة
تنقلنا من "البحث" إلى ما يشبه "التصوف". ***
*** ***
[1]
اعتمدت في ترجمة هذا الملخص على
ترجمة كريمر الكاملة للنص. انظر مساهمة
كريمر في موسوعة نصوص الشرق القديم: J.
Pritchard, ed., Ancient Near Eastern
Texts, Princeton, New Jersey, 1969, pp.38-40. [2]
S. N. Kramer, The Sumerians, University of Chicago, 1963, pp.148-149. [3]
Th. Jacobsen, The Treasures of Darkness, Yale University, 1976,
p.113. [4]
S. N. Kramer, Sumerian Mythology, Harper and Row, New York, 1961, p.107. [5]
أنا مدين هنا بفكرتي "الإفراط"
و"معاكسة الطبيعة" للباحث ج .س. كيرك.
وقد طورت هذه الفكرة بما يخدم تفسيري الخاص.
انظر كتابه: G. S. Kirk, Myth,
Its Meaning and Function, op. cit., pp. 96 – 98. [6]
Alexander Heidel, Babylonian Genesis, op. cit., pp. 72-73. [7]
إشارة إلى ما يدعى بتحكيم النهر
المذكور في شريعة حمورابي. [8]
Op. cit., p. 75. [9]
عالج مؤرخ الأديان المعروف مرسيا
إلياده فكرة العودة إلى كمال البدايات في
عدد من كتبه، منها ثلاثة مترجمة إلى
العربية هي: المقدس والدنيوي، أسطورة العود
الأبدي، مظاهر الأسطورة، بترجمة
نهاد خياطة. ويمكن لمن شاء مراجعة أي واحد
منها للتوسع في هذا الموضوع. [10]
ميرسيا إلياد، مظاهر الأسطورة،
بترجمة نهاد خياطة، دار كنعان، دمشق 1991، ص
19. [11]
المرجع
نفسه، ص 19. [12]
المرجع نفسه، ص ص 27-28. [13]
المرجع نفسه، ص ص 28-33. [14]
A. E. Speiser, “Akkadian Myths” (in
J. Pritchard, ed., Ancient Near Eastern Texts, p. 99. [15]
ميرسيا إلياد، المرجع السابق، ص
ص 77-80. [16]
S. N. Kramer, The Sumerians,
University of Chicago, 1963, pp. 199-202. [17]
في كتابه القديم الصادر عام 1948
ترجم كريمر هذا السطر على الوجه التالي: "أخذ
كور الإلهة أريشكيجال غنيمة له" واعتقد
بأن كلمة "كور" الواردة هنا، التي تدل
على العالم الأسفل، كانت في الأصل تدل على
كائن أسطوري يسيطر على العالم الأسفل، وأن
هذا الكائن قد اختطف أريشكيجال، مثلما
اختطف هاذِس بيرسفوني في الأسطورة
الإغريقية. ولكن كريمر تخلى عن فهمه هذا في
كتبه اللاحقة. وجاءت ترجمته الأخيرة للسطر
على الوجه الذي أثبتُّه أعلاه: "عندما
حُمِلَت أريشكيجال إلى العالم الأسفل
غنيمة"، دون أن يبيِّن من هو الذي حمل
أريشكيجال إلى العالم الأسفل. وإني أرجِّح
أن السطر البلاغي المختصر جداً أراد أن
يقول بأن الآلهة قد حملت أريشكيجال إلى
العالم الأسفل غنيمة لها. أي أن العالم
الأسفل كان حصَّتها من تلك القسمة. وقد
تبنَّيت من جهتي في كتابي الأول مغامرة
العقل الأولى تفسير كريمر القديم. أما
هنا فإني أرفض ترجمته القديمة وأشكك
بالثانية، مرجِّحاً التفسير الذي قدَّمته
لتوِّي، والذي يتلاءم مع روح النص وأسلوبه. [18]
C. H. Gordon, Ugarit, Norton Library, New York, 1967.
|
|
|