للصِّغار

 

حياة أبو فاضل

 

عذراً يا صغار!

من ملايين الأجِنَّة القادمة لاختبارٍ آخر للحياة على الأرض: عذراً! ما هيَّأه أهلكم لاستقبالكم غير جميل. ومتى كان جميلاً؟! أسمعكم تسألون: من بدء تاريخ جنسنا ما عرفنا إلا التقاتل! هنا فخ منصوب في هذه التركيبة "الاختبار"، الخالية إلا من العطش الدائم إلى الدماء والبترول، والجوع الدائم إلى الماس والذهب والقهر. أفواج ملايين تأتي، وأفواج تغادر الحياة، والحكاية هي هي، وأنتم تعرفون يا صغار. هل تذكرون حياتكم السابقة وما خبرتم؟! وكم فرحتم وتألمتم، وانتصرتم وهزمتم، وأحببتم وكرهتم، وقَهَرتم وسُحِقتم... كل ذلك، وعلى مرِّ التاريخ، باسم الكرامة والحرية والدين، وليحفظ الله فقط وطننا، الأعظم والأقوى، وليذهب الآخرون إلى جحيم نشعله لهم، مخترعين "شاروننا" و"بن لادننا"، ونقلب حياتهم موتاً جماعياً ورعباً. هل تذكرون يا صغار متى كنتم الجزَّار، ومتى الضحية؟ ما هذا التكرار بلا هدنة ولا رحمة، وبلا القليل من الوعي لنكسر حلقة تبادل طاقة العنف المستمر؟

متى تنتهي مهزلة الجنس البشري الغبي؟

وعذراً ممَّن؟

منكم أيها الصغار العائدون لتكرار هذه المهزلة؟!

عذراً...

ممَّن؟!

***

ضمَّ أيمن ساقيه إلى بطنه ونزل تحت اللحاف. من أين جاء المطر بكل أرجله وأقدامه الكثيرة الراقصة بعنف فوق سطح غرفتهم؟ أبوه نائم وأمُّه غافية قرب أخته الصغيرة الشقراء. وحده تحت سطح من التوتياء فاتحٌ عينيه على ظلام داخل السرير الوحيد في غرفتهم الوحيدة. لعل المطر سُلَّمٌ تنزل عليه مخلوقات فضائية ستدخل لتسكن معهم أو تطردهم! يسمع دقات قلبه تختلط مع وقع الأقدام فوق السطح، ويغفو. صباحاً يقفز من فراشه متأخراً – فلا مدرسة اليوم. يرتدي بنطلونه الجينز وكنزة حمراء، وينتعل حذاءه العتيق مسرعاً إلى الخارج، حيث تغطي الدربَ الضيقة بحيراتٌ كثيرة يقفز فوقها ليتسلق تلَّة صغيرة ينظر منها إلى سطح غرفتهم اللامع تحت ضوء النهار. يبتسم، ويشعر بالدفء يتسلل إلى جسمه الصغير، فيرسل قبلة على أطراف أصابعه تطير وتستقر على وجه الشمس.

*

تلقي ريم برأسها الصغير فوق صدر أمها وتلتصق بها. شفتا ماما فوق جبينها الساخن. تقبِّلها: "أنت مريضة يا حبيبتي!" "رأسي يؤلمني وحلقي!" تقفل عينيها الدامعتين. "ارتاحي قليلا حتى أحضِّر فطور سمر وأعود إليك." وحين تصعد سمر إلى أوتوكار المدرسة ترجع إلى ريم، ثم تخابر الطبيب. "يا صغيرتي، سأذهب إلى الصيدلية تحت بيتنا لأشتري لك دواءً وأعود بعد خمس دقائق فقط. ابقي في الفراش." إلا أن ريم ترفض خائفة: "خذيني معك!" وتقفز خارج سريرها فتكاد تقع أرضاً. تلفها أمها بحرام صوفي وتحملها إلى أريكة في غرفة الجلوس. "انتظريني خمس دقائق فقط ولا تخافي." ثم تفتح الباب وتخرج مسرعة. وللمرة الأولى، تلاحظ ريم الباب الكبير. لولا الباب لما تمكَّن أحدٌ من الذهاب إلى الخارج! وحين تعود ماما ستفتح الباب نفسه وتدخل. كيف لهذا الباب الواحد أن يحمل الحزن متى يفتح ليغادر من تحب ريم، وأن يحمل فرحاً كثيراً حين يفتح ليدخل البيت من تحب؟!

*

شاشة الكومبيوتر تحكي الحكاية ذاتها كلما وقف جورج عن يمين أخيه جاد ليشاهده محرِّكاً مسرحية "الأكل". رأس كبير ذو فم واسع وأسنان كبيرة كثيرة يقفز داخل نفق طويل، يصعد وينزل ويبتلع كل من يقف في طريقه، ثم يتابع إلى سواه... ويسأل جورج: "لِمَ يأكل هذا الوحش كلَّ من يصادف؟" فلا يجيب جاد. وحين يسقط الرأس داخل نفق مظلم ولا يعود إلى السطح، يضيء الشاشةَ وجهٌ له أعين كثيرة وأنف ضخم، يأخذ كل الهواء ويهجم باحثاً عن الرأس الكبير. "هل سيأكله؟" يسأل جورج خائفاً. يُسكِتُه جاد، ويحاول جاهداً أن يُبعِد الوجهَ المخيف عن الرأس المفترس. وينجح لوقت قصير في إخفائه. إلا أن ضوءاً ينزل من فوق كاشفاً الرأسَ المختبئ، فيهجم عليه الوجهُ بأنفه الكبير ويسحبُه مع حفنة هواء ساخن إلى داخله، ويبدأ في الانتفاخ كالبالون حتى يغطي كل الشاشة الحضارية، ثم ينفجر متناثراً إلى فتات زجاج ملون. يوقف جاد الكومبيوتر ليمسح دموع الصغير جورج الذي لا يفهم أبداً لِمَ القوي يأكل دائماً كل ما حوله، حتى يأتي من هو أقوى منه، يأكله، ثم ينفجر!

*

"ياسمين!" صرخت أمُّها، وحملتها إلى داخل الغرفة. خبأت رأسها الصغير في صدرها، وأدارت ظهرها لجنود صهاينة يحملون رشاشات راكضين من غرفة إلى غرفة داخل مخيم رافض للظلم. قلب أمها ينبض في وجهها الثائر. تقبِّل ياسمين فستانها وتشم رائحة صدرها الدافئ. "ليتها ترضعني كما ترضع أخي الصغير!... أين عامر؟" وكأنه بشهوره العشرة أدرك أن عليه الصمت تحت وعاء بلاستيك حيث خبَّأته والدته. دخل الجندي كالوحش برشاشه الجاهز. رأي ظهر الوالدة ورأي الجدار أمامها. ثم تحرك الجدار... ووقف بين الجندي المذعور والحياة النابضة داخل غرفة رمادية، بيت ياسمين وعامر في مخيم داخل وطنهم فلسطين. أنزل الجندي رشاشه، ومسح دموعاً مالحة، مصمماً على مغادرة أرض ارتوتْ من دماء أبنائها الأبطال إلى بولونيا، وطن والده قبل أن يأتي ليأخذ ما ليس له.

*

لا يذكر سوى أنه خرج مع عدنان ووائل من النافذة بعد أن كسروا زجاجها، وركضوا في شارع ضيق، ثم انهال عليهم رصاصٌ إسرائيلي. تابع ولم ينظر إلى الوراء، إلى أن استقبله بستانٌ بعيد عن الركام والرصاص والموت. استلقى على العشب النديِّ، ثم مرَّغ وجهه في الأخضر العَطِر. لفتت نظرَه الأرضُ تنزف شقائق حمراء وزرقاء. سيجمع بعضها لأمِّه. هل سيلتقيها بعد؟ ووالده وإخوته؟ لا يذكر سوى أنهم حُشِروا مع كثيرين في قاعة كبيرة، وأنه هرب مع عدنان ووائل لا يعرف إلى أين. وحيداً جاع، وحيداً خاف... إلا أن الشقائق الملونة تجمعت في يديه هدية لأمه. وكَرَجَتْ من إحداها رسولة صغيرة حمراء منقطة بأسود لامع – "جالبة الحظ السعيد"، كما تقول أخته وكلُّ صغار فلسطين. عبَّأ جيبه حجارة، وانطلق راجعاً، واثقاً أنه سيلتقي الجميع. سيلتقي الجميع ويزول الظلام.

*

جاء بقلم ودفتر وجلس على سجادة غرفته، وبه همٌّ جديد لم يخطر في باله حين كان يحضِّر دروساً في الدين مع صغار وصغيرات من عمره قبل مناولتهم الأولى في الربيع. فادي يعرف من زمان أن يسوع يحب الأطفال من دون شروط. إلا أن راهبة زرقاء العينين علَّمتْهم وصايا تبدأ كلها بـ"لا": لا تقتل، لا تسرق، لا تشهد بالزور... ولم يفهمها كلَّها. عليه الآن أن يكتب على ورقة من دفتره كل الخطايا التي مرَّ بها خلال أعوامه الثمانية ليردِّدها للكاهن الذي سيسأل الله أن يغفر له. أمس قتل زيزاً كبيراً أسود أخاف أخته الصغيرة. وقبل أمس أخذ حبة شوكولا بلا إذن والدته فأغضبها. لكن الكبار أيضاً يقتلون! يشاهدهم على التلفزيون يقتلون الناس والأطفال ويسرقون. أيذهبون كلهم إلى الكاهن يخبرونه، فيغفر لهم – وإلا إلى جهنم؟ خرج فادي إلى الشرفة، ولم يكتب حرفاً واحداً في دفتره. غداً سيسأل الكاهن عمَّا قاله هو يوم كان صغيراً قبل مناولته الأولى.

*

قبل النوم وبعده، يُفَرْشي فراس أسنانه، وتدخل فرشاتُه إلى آخر حدود خطي أضراسه لتنظفها جيداً. مرة، في أثناء درس الجغرافيا، والمعلمة تحكي لهم عن مغارة جعيتا وتماثيلها الطبيعية، شعر بأن فمه مغارة وأضراسه وأسنانه تماثيلها، فأطبق فمه على كنزه الجديد. تكلَّم سنُّه الأمامي محدِّثاً مَن تحته: "أنا أجمل منك وأكبر! من دوني لا تستطيع قضم تفاحة أو لوح شوكولا." فأجابه الصغير: "كذلك أنت، لن تتكلم في وضوح بلا مساعدتي!" فضحك الكبير وقال: "نحن لا نتكلم، نحن نسمح للأصوات الآتية من علبة، أسفل البلعوم، أن تخرج مع الهواء فوق اللسان، يحرِّكها ويرمي بها إلينا، لنسلِّمها إلى الشفتين." وسمع الاثنان صرخة ضرس يتألم من نقطة سوداء تحفره، فقالا له: "لا تصرخ لئلا يُطلَب إليك مغادرة المغارة لأن هناك من ينتظر ليأخذ مكانك!" وصمت الضرس المتألم، لكن إلى حين...

*

اتسعت عينا أكرم، كأن مئة فراشة تطير من بطنه إلى قلبه. لن يبكي رغم أنه خائف. رأى أمه تُخرِج حقيبتين من الخزانة. "هذه لكَ،" قالت، "سأضع فيها ملابسك وكل ما تريد كي تذهب لبضعة أيام إلى بيت جدو وتاتا. وهذه لي، سأضع فيها ملابسي وأذهب مع والدك إلى المستشفى حيث ستولد أختك الصغيرة جداً. ثم نعود جميعاً إلى البيت. أنت ستنتقي لها اسماً. ماذا نسميها؟" أكثر البنات في صفه اسمهن نور. "نسميها أكرمة! أنا أكرم وهي أكرمة!" وضحكت أمه: "ليس هناك بنت اسمها أكرمة!" ودخل والده ورفعه عالياً مخترقاً به الهواء وقال: "نسميها رُبى." "ما معنى رُبى؟" سأل أكرم. "رُبى تعني تلال – جمع تل." ضحك أكرم حتى خرجت كل الفراشات من داخله، وأخذ يعدُّ نفسه لاستقبال الصغيرة جداً رُبى.

*

تلك التي داخل المرآة لا تتكلم، تبتسم، تفتح شفتيها مثلي، تُطبِقُهما، إنما لا صوت لها! تلبس مثلي تماماً، وجهُها مثل وجهي، عيناها، أنفها، فمها وشعرها. اليوم قصصت شعري. ذهبت مع ماما إلى المزيِّن، وجلست على كرسيه، ولم أبتسم، مثل كل السيدات المكشِّرات في صالونه. إحداهن تقرأ وتدخن، تملأ المكان دخاناً ولا تبتسم. سأل المزيِّن ماما: "كيف تريدين شعرها؟" "اسألْها!" أجابت. فقلت: "قصيراً من الأمام، طويلاً من الوراء." ضحك وأخذ يقص شعري. وحين نشَّفه بالسِّشْوار سألني: "كيف؟" ابتسمتُ وما أجبتُه. ثم مشَّط شعر ماما، وأعطاها مرآة صغيرة لترى كيف سرَّح شعرها من الخلف. رجعنا وركضتُ إلى المرآة في غرفتي. نظرتُ إليَّ. شعري جميل من الأمام. "استديري!" قلت لمن داخل المرآة. حرَّكتْ شفتيها ولم تستدر. "تحركي! أريد أن أرى شعري من كل الجهات." ثم أدرت رأسي، فأدارت رأسها ولم أعد أراها. لِمَ لمْ يعطني المزين مرآة مثل ماما لأرى شعري من الخلف؟

*

علامة أول امتحان له في مادة الحساب: خمس على عشرين! أعطى والدته ورقة الامتحان، فوضعت يدها على فمها وسألته: "لماذا؟" تقدم من وجهها بيديه الصغيرتين ليمسح عنه الخيبة. "ماما، أنا الآن تعلَّمت. كنت لا أعرف يوم الامتحان، ثم صحَّحت المعلمة أخطائي، وصرت أعرف." "لكن هذه العلامة ستسجَّل في رصيدك." قالت أمه، ولم يفهم. ما معنى "رصيدك"؟! يسمع والده يقول أحياناً: رصيدنا في البنك. هل العلامة مثل الليرة أو الدولار؟ أخذ منها ورقة الامتحان وأعادها إلى حقيبته وسألها مرتبكاً: "هل نذهب إلى المدرسة لنجمع الكثير من العلامات، أم لنعرف أشياء جديدة؟" وبقي سؤال رامي بلا جواب.

*

اختفى وجه أنَّا. تحولت العينان والأنف والفم إلى صدى لما حَمَلَ وجهُ لعبتي من قبل. عنقُها ما عاد عنقاً. قماش فارغ تأرجح فوقه رأسُها بشعره الأحمر. رأس بلا وجه! أنَّا رفيقتي منذ شهري العاشر. أتت بها خالتي، فمددتُ يديَّ وقلبي إليها وقلت: "أنا!" وعنيت: "هي لي." فسميناها أنَّا. وسنة بعد سنة، هي لعبتي المفضلة. إلى أن حلَّت طاولة الكومبيوتر مكان ألعابي في زاوية غرفتي، وأخذت أمي الألعاب إلى الغسالة الكهربائية. "لا تغسلي أنَّا... فهي من قماش وقد تموت!" إلا أنها غسلتها. وحين خرجتْ مع الدلفين الرمادي والدب البني اللذين حافظا على شكليهما، كانت أضاعت ملامحها وشاخت. ذَبُلَ وجهُها وعنقُها، كأن عمرها تسع سنين من الطفولة إلى الكهولة. خرجتْ أنَّا من الغسالة وبها شبه كبير بـET، صغير الفضاء، إنما بلا عينين! وكان ثوبُها نظيفاً.

*

كتاب ألف ليلة وليلة دخل غرفة حنان. تفتحه وتقرأ منه صباحاً ومساءً في عطلة صيف طويلة. ساحرة حكاياه بكل تفاصيلها. علاء الدين وفانوسه السحري، السندباد ورحلاته، أخبار الحب والبحث عن الكنوز، أهل الجن يساعدون الضعفاء والفقراء... من أين أتت شهرزاد بعالمها الخيالي الرائع كي لا يقتلها شهريار مثل العشرات من زوجاته السابقات؟ "ولِمَ كان يقتلهن؟" تساءلت حنان. لعل خوفه من الظلام تسبَّب بظلمه لزوجاته الصامتات، حتى جاءت شهرزاد فقلبتْ ليله نهاراً مليئاً بالحركة والضوء، وهزمت الموت الطالع من خوفه، فأحب صوتها، وأحبها، وأحب الحياة.

*

في آخر الحديقة جلست سليمى تنتظر إبراهيم وسوسن. الوقت صيف والمساء ساحر، وسيلعبون حتى الساعة الثامنة فقط، ثم يصعدون إلى غرفهم في الفندق الجبلي. سمعت أصواتاً لا تسمعها عادة في بيروت. لعلها لحشرات صغيرة لا تنام. أتى إبراهيم مسرعاً وجلس قبالتها. "ماذا سنلعب؟" سألها. وأتت سوسن تشع فرحاً: "هيا لنلعب!" بدت الحديقة جديدة، في ظلام تضيئه لمبات هنا وهناك. نظرت سليمى إلى السماء وقالت: "لنلعب مع النجوم!" أخذت سوسن نفساً عميقاً وقالت: "ما هذي الرائحة الطيبة؟ للَّيل رائحة لا تشبه رائحة النهار... ما هي؟" وهبَّ نسيم فوق وجوههم الناعمة حاملاً عطراً غريباً اتفق الثلاثة على أنه آتٍ من النجوم. فخبَّأت سليمى الكثير منه في جيبها لترسمه في دفترها صباحاً حين تعود الشمس.

*

على رأس جبل أزرق قصرٌ برؤوس حمراء كثيرة وحدائق وأشجار وأزهار. صفحات من ذاك الكتاب، ووجهٌ لمولودة أميرة جميلة كلعبة. ثم صفحات، ووجه لساحرة مخيفة غاضبة تحمل في يدها عصاها السحرية. ومرت أعوام كثيرة، واختفى القصر وراء أشجار الحديقة التي ارتفعت كلها ولامست وجه السماء. داخله تنام الأميرة الصبية في انتظار أمير سيأتي ويعثر على القصر ويدخل غرفتها، يقبِّلها، فيزول السحر... "أميرة!" سمعت صوت أمها يناديها، وصوت حذائها يخبط أرض الصالون. ليتها لا تلبس هذا الحذاء! فصراخ لقائه مع البلاط دَخَلَ قلبها ورأسها وأضاع سحر الحكاية التي كانت تقرأ. "أميرة، أتأتين معي إلى السوبرماركت؟" جاء صوت أمها ثانية يسبقه دخان سيكارتها. "كلا!" أجابت أميرة، وأغلقت باب غرفتها وبكت.

*

قالت ماما: "امسحي الغبار عن كل ما في غرفة الجلوس." وأعطت زينة فوطة، وذهبت لتعدَّ طعام الغداء. مرت يدا زينة الصغيرتان فوق طاولات وكراسي وكُتُب تأخذ عنها غباراً تقف ذراته الصغيرة هنا وهناك. ثم نفضت الغبار عن الفوطة خارجاً، وعادت إلى لوحة الجدار التي تحكي كل مساء حكاية بيت ريفي تحيط به أشجار كثيرة، وفي حديقته ممرٌّ، وامرأة تحمل سلة، ثم حصان رمادي يأكل العشب، ووراءه نصف حصان صغير. سحبت كرسياً، وصعدت فوقه. ماذا في السلة؟ رأت من قريب ما هو تفاح ربما أو بطاطا، ورأت أن نصف الحصان أكله إطار اللوحة، وكذلك رأس أطول شجرة وراء البيت! فقفزت عن الكرسي وركضت إلى والدتها. "ماما! فكِّي إطار لوحة الجدار ليكتمل الحصان الصغير، ولتنمو الشجرة كما يحلو لها، ولتمتد اللوحة إلى حيث تشاء!"

*

"أخبرتْني أمي أنها آتية غداً." قالت لمى لوالدها، وفرحٌ كثير يطير من عينيها الحلوتين. كلَّمتْها أمُّها من ماليزيا حيث كانت تشتري أشياء جديدة لمحلِّهم في بيروت. وضمَّها والدُها قائلاً: "لن تعود ماما غداً. فهي سافرت من يومين فقط." "أهي تكذب إذن؟!" سألت لمى، وانخطف الفرح من وجهها الصغير. "هي تخافِ عليك، وتعلم أنك ستبكين إذا عرفتِ أنها لن ترجع قبل آخر الشهر." شهقت لمى وركضت، وأتت بمفكرتها الزرقاء، وعدَّت الصفحات التي تخبرها متى آخر الشهر. "لن أبكي!" قالت لوالدها، ومسحت دمعة عن خدها الزهري. وكلما قلبت صفحة جديدة من مفكِّرتها عند كل صباح طار يوم آخر من الأيام التي تبعدها عن ماما.

***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود