مساهمة في حوار ضروري

 

صريح البنِّي

 

كي تحيا الحياة حقاً يجب أن تندفع إلى الأمام؛ كي تفهم الحياة حقاً يجب أن تلتفت إلى الخلف.[1]

 

محاولة غير متأخرة للفهم؟

بعد أكثر من عقد على التغيرات الدرامية التي حصلت في المنظومة الاشتراكية ما زال البشر يتنفسون ويأكلون ويتكاثرون في حضن أمِّهم الأرض التي لم تكف عن الدوران، وما فتئت العقول تتفتح عن فهم أدقٍّ وأرحب للحياة بعد أن غادرتْها أوهامٌ ثقيلة خنقتْها لسنوات طوال.

ثمة من اعتقد – وما يزال يعتقد – بأن مؤامرة خبيثة أطاحت بالتجربة الاشتراكية. وبعضهم اعتقد – وما يزال يعتقد – بأن التجربة فشلت لأن التطبيق ابتعد عن النظرية، وبأن المطلوب هو العودة إلى المنابع، إلى ماركس وإنجلز. بينما صمت آخرون، وابتعدوا...

بيد أن فريقاً رابعاً بدأ يسأل: كيف ننظر إلى راهنيَّة الماركسية؟ هل ما زلنا قادرين على استلهامها في الحصول على أجوبة لطروحات العصر؟ ألا يمكن أن يكون الخطأ في النظرية ذاتها؟ هل تشكل دعوة ماركس وإنجلز إلى التجديد الدائم للماركسية، ثم تجارب التجديد – الفعلية – المطبقة هنا وهناك، بنجاح أو فشل نسبيين، حوافز قوية للبقاء في فضائها؟ أو أن الأوان قد آن لكي ننعتق من إسارها، معترفين بإسهامها، عبر قرن ونصف، في إغناء قاطرة الفكر العالمي التي لن تصل إلى محطة أخيرة... لا مع ماركس، ولا مع فوكوياما!

ثمة نقطة جوهرية: حَمَل القرن ونصف القرن الماضيان من التطورات، على جميع الجبهات، ما يعادل عدة أضعاف كل ما حدث قبلهما. وحجم المعارف الإنسانية يتضاعف الآن كل عدة سنوات. أليس مقياس راهنيَّة فكرٍ ما "قدرته على تأهيل البشر لمواجهة ناجحة مع عالم شديد التعقيد سريع التغير"؟ – دون تجاهل حقيقة كونه شريحة هامة في المنظومة الفلسفية الإنسانية الشاملة والمغتنية باستمرار.

من زاوية أخرى، ما هو التأثير الحقيقي للزخم الإيديولوجي في إدارة الحياة السياسية لجيلنا من وجهة نظر تاريخية؟ ألم يتحول أحياناً إلى قوة مادية فجة خارج سيطرة العقلانية؟ فهل تمَّ هذا كله بسبب جهلنا بالنظرية وفهمنا القاصر لها؟ وما هي النسبة المطلوبة من الإيديولوجيا في رسم السياسات والمواقف – إلى جانب العوامل الأخرى النابعة من زخم الحياة ذاتها، كما نعيشها كل يوم؟

إنه وقت المراجعة الشاملة، العميقة والمسؤولة، ليس فقط لمواقفنا السياسية والفكرية الفعلية، بل أيضاً للمرتكزات التي استندتْ إليها، أي للإيديولوجيا التي تمسَّكنا بها، مسلِّمين بصوابها – إطلاقاً. ولكن، هل بقي من طاقات جيلنا الذهنية ما يسمح بأن نقوم بأدوارنا، فنقدِّم لشعبنا حساباً متواضعاً، دون نرجسية أو خوف، متحمِّلين المسؤولية – كاملة – عما قمنا به صادقين ومخلصين؟

الثبات على المبدأ أو إعادة النظر به؟

يمكن إعادة النظر في العديد من المفاهيم التي آمن الإنسان بها في فترة ما من حياته؛ وليس صحيحاً تحويل القناعة في نظرية ما إلى معتقد ثابت، مقدس. لقد أرعبتْنا وشلَّت فكرَنا تهمةُ الانزياح عن المبادئ، وكانت لدينا مكاتب إيديولوجية مختصة بالذود عن "النقاوة النظرية"!

حتى وقت قريب، كان "الثبات على المبدأ" شعاراً نرفعه على صدورنا ونفخر به. وإذا كان لنا الحق الأخلاقي في الاعتزاز بثباتنا على المبادئ أمام مغريات الحياة الحلوة والرخوة، أو تحت سوط الجلاد، فليس لنا حق المكابرة أمام وقائع الحياة، أمام الحاجة لتطوير فهمنا لتلك الوقائع التي لا يمكن إلغاؤها أو حجبها برغباتنا الذاتية، مهما كانت دعاوانا. ينبغي إزالة الخوف من إعادة النظر الدائمة فيما نؤمن به: "العلم الناجز هو جهل كامل."

لعل التعامل مع النظرية تعاملاً قدسياً، كما مع أي دين آخر، قويٌّ في التكوين البشري؛ إذ يصعب أن يستبقي داخله مقداراً من الشك وعدم اليقين في النظرية التي يعتنقها. وعلى هذه الصورة تتحول النظرية إلى معتقد ثابت، إلى مقدَّس إيديولوجي، يغزو خلفيتنا الذهنية ويرسخ فيها، متولِّياً الإجابة المباشرة والسهلة والسريعة عما يحتاج إلى آلية تفكير عقلاني، ديناميٍّ، مشكِّك في الثوابت الذهنية. وعلى هذا النحو قد تتحول النظرية، هي أيضاً، إلى أفيون!

نحتاج إلى آلية أخرى لفهم الكمِّ الكبير من تطورات الحياة المتدفقة. أما عندما يشكل "المقدَّس الإيديولوجي" مرجعية لفهم كل ما يحدث، في كل الأزمان، فإنه يتحول إلى قيد يكبِّل عقل الإنسان، مانعاً استخدامه المرن لإعادة النظر في بعض أجزاء النظرية عندما تشيخ ويظهر فشلها في الإجابة على أسئلة الحياة المتجددة؛ أي أنه يتحول إلى سقف للتفكير، تزداد سماكتُه ويغدو أكثر انخفاضاً كلما اغتنت التجربة والمعرفة الإنسانيتان، خاصة عندما تعجزان عن اختراق "المقدس". بل إن محاولات التجديد اصطدمت بسدود حقيقية، بعضها نابع من النظرية ذاتها. فما تكاد تخرج من تأثير مقولة ما إلا وتقع في أسر مقولة أخرى. أي أننا بقينا نسبح في البحيرة الصغيرة ذاتها بدل السباحة في نهر الحياة الهادر المتلاطم!

على هذا النحو، تأسَّست غيبية بديلة. فأجزاء من الإيديولوجيا "العلمية" ظهرت كحالة ميتافيزيائية لا علاقة لها بالحياة أو بالعلم. بل إنها، بتوتاليتاريَّتها، تجاوزت الأديان السماوية.[2] وعلى النقيض من مقولة "النظرية تصبح قوة مادية إذا امتلكتها الجماهير"، بدا امتلاك الجماهير لهذه النظرية، في الواقع المعيش، حالة ميتافيزيائية إلى حدٍّ بعيد. فعلى الرغم من مليارات البشر الذين دخلوا التجربة التطبيقية لهذه النظرية في أصقاع الأرض فإن حصادها المرَّ يعود إلى خيبتهم ونواقصهم الذاتية وسوء فهمهم للنظرية المقدسة! أما النظرية فغير مسؤولة عن جميع نتائجها التطبيقية، بريئة منها.

كان مطلوباً أن نجد في الماركسية جواباً على كل الأسئلة والمواضيع، بدءاً من قضايا التطور الاجتماعي والاقتصادي والصراع الطبقي، إلى قضايا الأدب والفن وعلم اللغة. ولكن الحياة استمرت في طرح أسئلة جديدة، مشاكسة وعنيدة، على فكر كامل، ناجز ونهائي؛ فأجبنا، من خلاله، ببلاهة وعقم.[3]

يصبح الأمر أكثر صعوبة عندما تتولى "السلطة" الحكم باسم هذا "المقدس". إنها تحتاجه سنداً لممارساتها وسياساتها المعلَنة والمطبقة. هكذا فعلت السلطات، عبر التاريخ، قبل أن تتكون الدولة الديموقراطية. ولم تشذ عن ذلك سلطة "الدولة الاشتراكية"؛ فهي، كغيرها، تحرص على "الثوابت" لإدارة المجتمع، وتعمل على إقناع مواطنيها أن ما تفعله ليس مجرد اجتهادات، قد تخطئ وقد تصيب، بل هي سياسات تعكس فهم "المقدس" وضروراته في شروط البلد المشخَّصة. ويتحول التشكيك في هذه السياسات، مهما بدا ضيقاً، إلى فعل مُدان، يساوي الكفر والهرطقة!

أخطاء في الممارسة أم نظرية تشيخ؟

قبل فترة وجيزة طلب مني قيادي شيوعي كبير أن أبدي رأيي في إمكانية "تجاوز التجربة السوفييتية – لينين، والعودة إلى منابعنا – ماركس، إنجلز...".

كثيراً ما يُدافَع عن النظرية الماركسية بتبرئتها مما حصل أثناء الممارسة، ويجري التنقيب في المؤلفات عما يُثبِت أن النظرية كانت تضم شيئاً آخر لا علاقة له بالتطبيق. مثل هذا نجده في دعاوى من يدافع عن كلِّ عقيدة بالطريقة ذاتها. فليس سهلاً على الإنسان أن يرى كيف تتهاوى أجزاء من معتقداته الراسخة، فيبحث عن أخطاء في التطبيق، أو حتى في الواقع نفسه، لئلا يضطر إلى هزِّ معتقداته التي تلتحم مع كيانه الشخصي وتصبح جزءاً منه، بل ومن كرامته الشخصية وقيمته الاجتماعية و... ثباته على المبدأ! بيد أن هذا، بالذات، ما يكسر الإنسان ويقذفه خارج مسارات الحياة الواقعية.

بيد أن ثمة سؤالاً جوهرياً: إلى أي حدٍّ يمكن الفصل بين النظرية وتطبيقاتها الواقعية؟ ألا تشكل الممارسة المتنوعة، متعددة الأشكال، لأجيال متتابعة في بلدان مختلفة جزءاً مكمِّلاً للنظرية، متوحِّداً بها؟

سؤال جوهري آخر: ألا تعكس أية منظومة فلسفية مستوى المعرفة المحقَّق في زمان ومكان محددين؟ فأية نظرية كانت، في أي مجال كان، تُبنى على قاعدة التجربة الإنسانية المحقَّقة في الواقع والمتراكمة في الزمنين الماضي والحاضر. وكلما اتسعت هذه التجربة في المستقبل فإن آفاق غير متوقعة اليوم أمام المعرفة الإنسانية ستتفتح وتفرض طرق تفكير أخرى تبني منظومات فلسفية جديدة أكثر تطوراً.

فإذا استثنينا القوى الغيبية "القادرة على توقع مسارات التطور في الحياتين الدنيا والآخرة من خلال النصِّ المقدس" فإن قدرةَ الإنسان على استشراف المستقبل من خلال ملَكاته الذهنية، حتى العبقرية منها، محكومةٌ أساساً بما حقَّقه حتى الزمن الراهن من إنجازات معرفية في المجالات كافة. وليس من المجدي منافسة القوى الغيبية في رسم طرق محددة، أكيدة وحتمية، لسير الحياة البشرية. فهذا بالضبط ما يشلُّ قسماً أساسياً من عمل العقل الإنساني ويحرمه من اكتساب معارف جديدة تتفاعل في خلقها تجاربُه المستمرة، معارف غير مقيدة وحقيقية، بديلة عن الوعي الزائف الذي تخلقه حالة الإيمان الغيبي بحتمياتٍ ما للتطور، مهما اختلفت ألوان دُعاتها. وقد كنَّا شهوداً – وما نزال – على الأثمان الباهظة التي دفعتها الإنسانية – وما تزال تدفعها – بسبب جبرية هؤلاء الدعاة.

لقد اعتقدنا، حتى سنوات ليست بعيدة، بالصواب الكلِّي للنظرية الماركسية، المبرهَن عليه في التجارب الناجحة لتطبيق الاشتراكية في بلدان عديدة. أليس منطقياً الآن أن يسأل المرء عن صحة النظرية في ضوء الانهيارات الهائلة التي حدثت؟ أليس من الصواب البحث في العوامل الحقيقية لذلك؟ هل نسلِّم، بعد كلِّ التجارب المتنوعة لتطبيق الماركسية، في بلدان متعددة جغرافياً وتاريخياً، اقتصادياً واجتماعياً، سياسياً وثقافياً، بأن كل هؤلاء الذين دخلوا غمار التجربة لم يُحسِنوا التطبيق وحسب؟ ألا تشكِّل النتائج المتشابهة لتجارب متنوعة أساساً للبحث في النظرية ذاتها؟ فلعلها – أو أجزاء كبيرة منها – قد شاخت. ألا نعيش اليوم عالماً يختلف، بمقاييس هائلة، عما كان عليه العالم عام 1848 من النواحي السياسية والاجتماعية، ومن حيث مستوى تطور أدوات الإنتاج – وقد بلغ ذرى كان تصوُّرها في تلك الأعوام البعيدة ضرباً من الخيال العلمي؟

بيد أن الماركسية توقعت مسارات أخرى للتطور؛ وترتبت على ذلك نتائج "نظرية" وواقعية هامة. وإذا كانت الماركسية هي "فكر الطبقة العاملة"، فلنتوقف قليلاً عند التطورات التي جرت في بنية الطبقة العاملة وتكوينها لنحكم على تأثيرات ذلك المحتملة على فكرها:

عبر "الإملاق المطلق والنسبي" ستتسع البروليتاريا كطبقة وتنمو باطراد، بينما تتآكل الطبقات الوسطى. ولكن أعداد الطبقة العاملة في البلدان الأوروبية المتطورة تتقلص، وتصير نسبتها من القوى العاملة لا تتجاوز 17%. والأمر ذاته يصحُّ على الولايات المتحدة واليابان. والطبقة العاملة التي كانت موجودة زمن ماركس تغيرت كثيراً من حيث مستواها المعيشي والثقافي، ومن حيث تعاملها مع الآلة. وستستمر هذه الظاهرة بشكل أكثر حدة وجلاء في المستقبل، مع استمرار التطور التكنولوجي، حيث سيُستخدَم الروبوت استخداماً أوسع. وقد يأتي يوم، ليس بعيداً، تصبح البروليتاريا فيه طبقة غير موجودة على النحو الذي عرفه ماركس وتوقع تطوره.

الأمر ذاته يصح بالنسبة لتمركز الطبقة العاملة، الذي توقع ماركس أنه ظاهرة ستستمر وتتوسع. فالحال الآن أن الظاهرة تخف، وتتزايد أعداد العاملين في تجمعات صغيرة – بل حتى في بيوتهم – وراء الحواسب وعلى الإنترنت.

هل يستمر الدور الطليعي للطبقة العاملة (البروليتاريا)، بوصفها مستخدِمة لأدوات الإنتاج الأكثر تطوراً وبوصفها الطبقة الأكثر تمركزاً؟ أم أن هذا الدور ينتقل لفئات أخرى تقود التطور التكنولوجي وتستثمر أدواته؟ أليس هناك ما يبشِّر بأن الدور الطليعي فعلاً سيكون للمبدعين علمياً وتكنولوجياً وثقافياً؟ وإذا كان هذا محتملاً فكيف ستنفَّذ "رسالة الطبقة العاملة" دون طبقة عاملة؟! وبالتالي فإن النظرية التي تغدو قوة تغيير، عندما تمتلكها الطبقة العاملة، تستحق إعادة نظر شاملة.

أسئلة في المنهج

ما هي الحدود التي يحكم فيها قانونُ وحدة وصراع الأضداد المجالَ الحساس لعلاقة الإنسان بالطبيعة؟ أليس ثمة شواهد من عالمنا ذي البيئة الهشة المهددة تجعل الوحدة – وليس الصراع – هي الحاسمة والمقرِّرة في العلاقة الجدلية الأساسية؟ شواهد كهذه يجدها الإنسان في الوقائع المعيشة، كما في تلك التي يستشرفها ليستمر في الحياة على سطح كوكبنا الفريد. ألا تثير الرعبَ والخجلَ تلك المنحوتاتُ التي تمجِّد الإنسان "قاهر الطبيعة"؟ أليست نْتسوك،[4] السيدة المسنة التي تنتمي إلى قبيلة المونتانية (من قبائل الهنود الحمر في كندا)، على حق عندما تصرخ:

-        لا أعرف هاجساً أكثر رعباً يسكنني مثل هاجس الخوف من أن صبر الطبيعة قد ينفد ذات يوم...

بَحَثَ ماركس عن آلية تغيير المجتمع. قادته رغبةُ تغيير العالم، معتمداً المادية الجدلية، إلى تغليب الصراع الأبدي في المجتمعات الطبقية. ضاق ذرعاً بمحاولات الفلاسفة تفسير العالم. فالمطلوب تغييره! ولا يتمُّ هذا إلا بكسر وحدة الظواهر.

ولكن إلى أي حدٍّ كان صحيحاً اعتبارُ العنف قاطرة التاريخ، من حيث كسرُه لوحدة الظواهر، والانتقال إلى تشكيلة اجتماعية أعلى؟ ألم يحصل غلوٌّ في اعتماد الرؤية الطبقية في تفسير كل ظواهر الحياة وجعل التحليل الطبقي أساساً شبه وحيد لفهم حياتنا – ماضياً وحاضراً ومستقبلاً – وذلك استناداً للنظرية نفسها، وليس لفهم قاصر لها؟

كانت وجهات النظر الأخرى قاصرة، ضيقة الأفق. فغرقنا في "النظرة الطبقية" لدرجة وصلنا فيها، في أحيان كثيرة، إلى أفق أضيق، يقوم على أحادية الرؤية في تفسير الأحداث. ألم تقع الماركسية في النزعة الإرادية وهي تفسِّر العالم بهذه الطريقة التعسفية؟ ألم تراهن أكثر مما ينبغي على عنصر الوعي والإدراك لدى الإنسان "المتحرر من الاستغلال الطبقي"؟

متى ستتوقف التشكيلة الرأسمالية عن كفاءتها العالية في تطوير أدوات الإنتاج؟ تبدو حوافزها، حتى الآن، كبيرة ومتجددة. وقد استطاعت بها إيجاد آلية فعالة لرفع إنتاجية العمل، تفوَّقت بها تفوقاً دائماً تقريباً على إنتاجية العمل في "الاشتراكية"؛ وساعدها هذا في تخطِّي أزماتها الواحدة تلو الأخرى. لقد شجبنا بعض محاولات الرأسمالية للتأقلم مع حاجات التطور وعرَّيناها، حتى عندما أمَّنت دخولاً مرتفعة للعمال. فهي، على حدِّ ما حلَّلنا، تفعل ذلك للبقاء تحت تأثير إشعاع شعاراتنا ونضالاتنا!

تؤكد الماركسية أن التناقض بين العمل ورأس المال سيصل إلى الحدِّ الذي يجعل من علاقات الإنتاج الرأسمالية عائقاً أمام تقدم القوى المنتجة. لكن التطور الملموس للرأسمالية، حتى الآن، لم يكشف الآليات التي ستحلُّ هذا التناقض. من هذه الزاوية، لم تتوقع الماركسية كل آفاق تطور الرأسمالية، ولا كل إمكانياتها للتجدد، وإن كانت أجادت، بامتياز، شرح ماضي الرأسمالية وحاضرها، حتى ذلك الحين – وربما يكون هذا أهم ما في تراثها. لقد كانت، على نحو ما، استجابة للمتطلبات الفكرية في زمن التوحش الرأسمالي؛ بل كانت، في بعض جوانب "توحشها"، ردَّة فعل عليه.

أطلقت الماركسية خيالها صوب التشكيلة الشيوعية. بل إن الحزب (في عهد خروشوف) حدَّد موعد تطبيقها في ثمانينات القرن الماضي! فهل المنافسة مع الفكر الغيبي الذي طرح حلم الجنَّة هي التي دفعت لإعلان يوتوبيا بديلة؟! كيف يمكن بناء مجتمع يوزَّع الدخل فيه لا على أساس قيمة عمل الإنسان، بل على أساس تلبية جميع حاجاته؟ أي مجتمع هو هذا؟ وكيف سيستمر التطور الذي ترى الماركسية ذاتها أن حافزه الأساسي هو تأمين حاجات الناس غير المنتهية، المتجددة والمستمرة صعوداً؟ ألن يتوقف التطور عندما نصل إلى "سقف" حاجات الناس – جميعهم؟

"يعكس نمط تفكير الإنسان شروط حياته المادية" – تلك مقولة ماركسية معروفة. وعلى مستوى اجتماعي أكبر، يمكن أن نرى في فكر إنساني ما تعبيراً عن شروط وحاجات مادية، اقتصادية واجتماعية، قائمة في حقبة زمنية، لمجتمع محدد؛ أي أن هذا الفكر ينتمي إلى الشروط القائمة في المكان والزمان؛ أي أنه راهني لبيئة معينة، في زمن معين. وحين تتغير شروطه، يتغير الفكر ذاته. إلا في الفكر الغيبي الصالح، بطبيعة الحال، لكلِّ زمان ومكان، ما دام الإنسان يعيد إنتاجه لبناء توازناته الداخلية، النفسية خصوصاً، أمام ما يخافه أو لا يفهمه. من هذه الزاوية، فإن راهنيَّة الماركسية تنحسر في الزمن الحافل بتطورات مذهلة، اقتصادياً واجتماعياً وتكنولوجياً، تفصله بخطوط حادة وقاطعة عما كان عليه القرن التاسع عشر.

الديموقراطية الملتبسة: نظرية أم ممارسة؟

لم يكن موقفنا من الديموقراطية عابراً أو خطأ يمكن إصلاحه؛ إنه جزء من منظومتنا الفكرية، جزء مكوِّن لفكرنا التوتاليتاري الذي يعدُّ الآخر إما عدواً طبقياً وإما حليفاً. هل يمكن للفكر الذي يرى التطور حالة متواصلة من نفي النفي، من الصراع الطبقي الذي ينبغي، من خلاله وبوساطته، إفناء العدو الطبقي ورميه في مزبلة التاريخ، أن ينتج فكراً وممارسة ديموقراطيين؟

كان البحث دائماً عن وسائل القضاء على الأعداء الطبقيين، عن طرق التشهير بهم وتعريتهم والتحريض عليهم. حتى الممارسة الديموقراطية للرأسمالية كانت موضع فضحنا وإدانتنا. فهي ديموقراطية سياسية زائفة ومشوهة، لا تقدِّم ولا تؤخِّر شيئاً في المجال الأهم: العدالة الاجتماعية. أما البديل فهو العنف الثوري، نُزيل به العدو، ونقيم حكم الطبقة العاملة. مثل هذا التفكير يعجز عن التطور باتجاه ديموقراطي؛ والمسألة لا تتعلق بستالين أو بغيره، بل بالنظرية ذاتها.

ثمة أساس نظري للموقف الماركسي الملتبس من الديموقراطية: فتفكير الإنسان يعكس حياته المادية والاجتماعية. وعندما سيعيش الناس الشروط المادية–الاجتماعية ذاتها سيكون تفكيرهم واحداً، وبالتالي تزول التناقضات فيما بينهم، ليس على مستوى المصالح المادية وحسب، وإنما على مستوى الفكر أيضاً، ويصير تعدد الرؤى والمشارب أمراً ليس من طبيعة البشر الذين أزالوا تناقضاتهم التناحرية وهم يعيشون في تناغم تام. ولن تكون ثمة ضرورة لحقِّ التعبير المختلف؛ فليس هناك مفهوم الاختلاف والرأي الآخر والحوار. ولهذا السبب فإن الاختلافات الفكرية والسياسية داخل الحزب أو الحركة كانت سرعان ما تؤدي إلى معارك طبقية قاسية وإلى انقسامات حادة، وأحياناً إلى نفي عنيف للآخر. فهناك دائماً وجهة نظر صائبة وحيدة![5] بيد أن هذا التبسيط للطبيعة الإنسانية، ورؤية اختلافاتها وتعدد ميولها ومشاربها ورؤاها في منظار الصراع الطبقي، الضيق والوحيد، لا يمتُّ بصلة للحياة الواقعية التي عاشها البشر ويعيشونها. إنه صورة من حياة أخرى متخيَّلة إلى حدٍّ بعيد.

توقعت الماركسية أن الدولة التي ستبني الاشتراكية وتلغي أعداءها ستتحول إلى دولة ديموقراطية لأنها تمثِّل أكثرية الشعب، ثم ينتهي دورها وتذوب. إنما تبيَّن أن الدولة المبنية على أسس ديكتاتورية – قمعية – معلنة لا تتحول إلى دولة ديموقراطية؛ وبالتالي، فإن بيروقراطية الحزب الحاكم لن تسمح للدولة بالذوبان.

لم نضع أمامنا هدف تطوير الديموقراطية السياسية؛ اعتبرناها من تراث البرجوازية. ينبغي بناء "الديموقراطية الاجتماعية" بوساطة الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج. لكن تبين أن الدولة التي ستقوم بهذه المهمة هي أحوج ما تكون إلى الديموقراطية السياسية لتحمي المجتمع الجديد من نموِّ بيروقراطية كاسرة توظِّف كلَّ الأدوات المتاحة، النظرية والتطبيقية، لاستمرار سلطتها، بحيث أصبح مشروعاً التساؤلُ التالي: أين الفروق الموصوفة بين أصحاب الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وأصحاب المناصب الإدارية والسياسية في ظل ملكية الدولة لوسائل الإنتاج؟

هل هي مجرد "مصادفات تاريخية" أن تنتج الحركة الشيوعية قادة من أمثال: ستالين، وماو تسي تونغ، وأنور خوجا، وبول بوت، وشاوشيسكو، وكيم إل سونغ، و...

الحزب يعرف ضرورة التطور التاريخي استناداً إلى بصيرته المبنية على إيديولوجيته؛ والحرية هي فهم هذه الضرورة! أما خارج هذه الحرية فهناك القمع أو الفوضى. فماذا لو أخطأ الحزب أو قياداته في فهم ضرورة التطور؟! عندها يبقى القمع، وحده، مسلَّطاً فوق رقاب العباد، إلى أن يستطيع الحزب إعادة تقويم الأمور.[6]

أوقعَنا الإيمان العقائدي بصواب الماركسية وبأننا أمسكنا، من خلالها، بالحتمية التاريخية الجازمة[7] في مأزق حضاري آخر: تحوَّلنا إلى أوصياء على الشعب، نعرف مصلحته أكثر منه. بل إننا حرمنا الناس من "أن يعدوا أنفسهم لمستقبل يكتنفه عدم اليقين"،[8] وليس الحتمية التاريخية. لم نُتعِب أنفسنا بالتساؤل: ماذا لو أن الناس ليسوا معنا؟ لا يهم! سيدركون، بعد اكتسابهم الوعي الذي نضخُّه في أدمغتهم، أننا نجسد الحتمية التاريخية، ونحكم باسمها!

لم يرَ الناس "البون الشاسع" بيننا وبين الآخرين من أصحاب المذاهب الراسخة. فقد وجدونا نستند إلى "الشرعية النظرية الثورية، شرعية الحتمية التاريخية"، بدلاً من أن نستند إلى شرعية حقيقية مستمَدَّة من الشعب، عبر صناديق الاقتراع وآليات تداول السلطة – سلمياً. أوصَلَنا هذا المنطق العقائدي إلى حالة متناقضة مع مفاهيم حياتية تبدو الآن هامة وجوهرية ومتألقة: تعدد الآراء، الحوار، القبول بالآخر، الموجود فعلاً وله رؤاه المختلفة. تناقضت طروحاتنا مع آلية التفكير التي تقبل مشاركة الآخر والحوار معه: فنحن في علاقتنا التناحرية مع الآخر (البرجوازي) لا بدَّ أن نلغيه وننفيه ضمن صيرورة الحتمية التاريخية. وهكذا كانت الديموقراطية (التي تستند إلى القبول بالآخر) في تناقض جوهري مع فكرنا المبني على الحتمية التاريخية لنفي الآخر كأساس للتطور!

ألا يؤسس هذا لتراجع حضاري؟ فبدل أن نرفع من شأن الديموقراطية إلى ذرى أعلى تاريخياً من تلك التي تطورت في الأزمان التاريخية السابقة، قمنا بفضح الديموقراطية (البرجوازية) بالدفاع، واقعياً، عن ديكتاتورية البيروقراطية.[9]

هنا ارتكبنا خطأ تاريخياً فادحاً: لقد نسبنا إلى الرأسمالية كلَّ الإنجاز الحضاري العظيم الذي تمثِّله الديموقراطية؛ أي أننا لم نرَه كمحصلة لمجمل التطور الإنساني عبر التاريخ – وإن كانت البرجوازية هي التي أعطته زخماً قوياً، لرغبتها بتبادل حرٍّ للسلع عبر تطبيق القاعدة الأساسية: "دعه يعمل، دعه يفكر، دعه يمر...". في تعاملنا الفج والظلامي مع الديموقراطية، كتراث لطبقة عدوة، يكمن مأزقنا الحضاري. فقد نفينا بوساطته أحد أهم أجزاء التراكم الحضاري المحقق في التاريخ الإنساني.

تأثير الإيديولوجيا في تجربة الحزب

كيف نقوِّم، موضوعياً، نتائج عمل الحزب الشيوعي خلال الخمسين عاماً الماضية؟ ووفق أية أسس؟ هل دفعنا التطور في بلادنا إلى أمام؟ ووفق أية مقاييس نستطيع تقدير ذلك؟

لقد ناضلنا من أجل التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية. عبَّأنا الناس في هذا السياق. حققنا ما اعتبرناه إنجازات كبيرة وجلية: تحقَّق الاستقلال، ووُصِفَ الدستور نظام الحكم بأنه "اشتراكي".

بعد خمسين عاماً، ندرك أن التقدم الحقيقي كان ضعيفاً بالاحتكام إلى المقاييس الحضارية لحياة المجتمع وعلاقته بالسلطة:

-       لا فصل حقيقياً بين السلطات الثلاث؛ بل إن هناك غياباً للدور الحقيقي لسلطتي التشريع والقضاء. وهذه المسألة الأساسية لخلاص المجتمع من إدارته التوتاليتارية ليست موجودة على جدول عمل التيار الماركسي التقليدي وغيره من التيارات التوتاليتارية.

-       لم تتكون تقاليد لحرية التعبير؛ وليست معروفة لدينا سبل تكوين الأحزاب، دستورياً، ولا الكيفية التي تدير بها صراعها الديموقراطي عبر الاحتكام لصناديق الاقتراع، والتسليم بحقوق الأكثرية في الحكم وبحقوق الأقلية في التعبير عن رأيها، والدفاع عن مواقفها وعملها المشروع لاستلام السلطة وآليات تداولها. إننا بعيدون عن تطور التجربة الديموقراطية العالمية، بل ننتج أصنافاً جديدة من الممارسة التوتاليتارية، نلتف بوساطتها على الاستحقاقات الملحَّة للتحول الديموقراطي. بل ثمة من شارَك بظواهر كثيرة دخلت الحياة السياسية بديلاً مؤلماً عما بدا في مطلع فترة الاستقلال وكأنه إرهاصات حياة ديموقراطية، لم تلبث أن دُمِّرَت بفعل "ديموقراطية شعبية" ألغت مؤسَّسات المجتمع المدني، فأبطلت بعضها وحولت بعضها الآخر إلى مؤسَّسات حكومية.

-       فهمنا حقوق الإنسان بوصفها موضوعاً ذا جوهر وبُعد اجتماعيين فقط. أما حقوقه السياسية فهي تحصيل حاصل: نتيجة تلقائية لحقوقه الاجتماعية.

الآن بتنا ندرك، أفضل من الماضي، أن هذه الحقوق (وكل ما هو أجزاء في البنية الفوقية) لها أبعاد ومكوِّنات لا تعكس فقط البنية التحتية (المكوِّنات الطبقية والاجتماعية)، بل ينبغي أن تكون لها استقلالية تعكس الإرث والتطور التاريخيين. وبهذا الشكل يصبح حق الإنسان في التعبير حقاً مقدساً تماماً، كحقِّه في العمل والعيش الكريم. وبهذه الصورة تغدو الديموقراطية بشكل عام وسيلة أساسية لتحقيق الأهداف الاجتماعية؛ وقد تكون وسيلة بديلة للعنف والقمع، تخلق مناخاً ملائماً للنضال الاجتماعي.

وفي منطقتنا التي ترسَّخ فيها الاستبداد كظاهرة تاريخية عميقة، جاءت الماركسية لتمدَّ جذوراً جديدة في تربة الاستبداد، بدلاً من أن تحرض على الخلاص منه. كانت منطقتنا العربية الإسلامية عطشى للحرية الإنسانية، بكل مستوياتها: المجتمعية والفردية، وبكل أشكالها: الاجتماعية والاقتصادية، وخصوصاً السياسية. بيد أن الفكر الماركسي طرح تصوُّره للحرية ذات القاعدة الاجتماعية، فأنتج، واقعياً، فرعاً جديداً للاستبداد، مسهماً مع القوى الأخرى ذات البنية التوتاليتارية في إحباط محاولة التيار الديموقراطي النهضوي المستنير اختراقَ التاريخ الاستبدادي الممتد لقرون.

فحيثما يسود القمع واضطهاد الآخر، كوسائل لحلِّ الصراعات السياسية والاجتماعية، كان علينا أن نتمسَّك تمسُّكاً أفضل بما قدَّمته التجربة الديموقراطية في العالم، وأن نتشبث بصدى هذه التجربة الإنسانية في فكر التنوير – أواخر القرن التاسع عشر حتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين – قبل أن تنسف الإيديولوجيات الثلاث – الماركسية والقومية والدينية – تلك الإرهاصات الديموقراطية وتعيد تأسيس نهج إلغاء الآخر وتصفيته من أجل الشعارات الكبرى المتقاربة والمتنافرة. وهو ما طبع القرن الماضي بطابع دموي، استبدادي. ونحن ننتمي له بامتياز؛ فقِسْطُنا فيه لم يكن صغيراً.

يُطرَح السؤال، مرة أخرى، على النحو التالي: إذا كنا قد رسمنا سياساتنا استناداً للإيديولوجيا الماركسية خلال أكثر من نصف قرن، وفق اجتهادنا في فهمها، كما فعل الآخرون، هل قادتْنا هذه السياسات إلى تعبير عميق عن ظروف بلادنا ومتطلبات التطور فيها؟ أم أنها قذفت بنا، في أحيان كثيرة، بعيداً عن تعبير كهذا؟

عبَّر قيادي شيوعي سوري، في حوار جرى أوائل التسعينات، عن رأيه بعدم صواب رفض الإيديولوجيا الماركسية، ما دام لم يتوفر، حتى الآن، بديل مقنع لها. بيد أن مفكراً ماركسياً فرنسياً مرموقاً هو ماكس غالو يعتقد أن النظرية خدعتْنا!

أعتقد أن من الصواب الانتماء إلى مجموع الفكر الإنساني التقدمي، المتنوع، في بلادنا وفي العالم؛ وهذا الفكر يكتسب مزيداً من الوضوح والتبلور عبر تجارب الخطأ والصواب. يساعدنا هذا الانتماء المنفتح على معرفة أفضل لوسائل الدفاع عن حقوق المواطن في الديموقراطية والتقدم وكل ما يضمُّه مفهوم التنمية الإنسانية وحق الشعب في تحرير أراضيه المحتلة وتحقيق الأهداف الوطنية والقومية للشعوب العربية.

*** *** ***


[1] من مقالة للكاتب السوري حسن م. يوسف.

[2] أغلب هذه الأديان لم يكن توتاليتارياً إلى الحدود التي بلغتها الماركسية، بل ترك الكثير من الأجوبة للآخرة!

[3] عندما طُرِحَت مسألة إحياء تشكيلات المجتمع المدني في الفترة الأخيرة تصدى "الماركسيون الأرثوذكس" لهذه الطروحات وسفَّهوها لأن الماركسية أخذت منها، يوماً ما، موقفاً معارضاً، بعيداً كل البعد عن واقعنا واحتياجاتنا الراهنة؛ أما دعاة المجتمع المدني فصُنِّفوا في عداد "أشباه المثقفين"!

[4] بطلة رواية ْنتسوك للكاتب الكندي إيف تيريو.

[5] عندما بدأنا في منتصف الثمانينات محاولة جديدة لتجديد الحزب الشيوعي السوري، سياسة وأدوات عمل، ردَّ علينا الرفيق خالد بكداش بتعميم مقالة لجورجي ديميتروف، الشيوعي البلغاري ذائع الصيت، يفضح فيها الطبيعة المتقلبة البورجوازية الصغيرة للمثقفين، ثم أعلن أن هناك محاولة لتغيير سياسة الحزب المبدئية باتجاه اشتراكي ديموقراطي.

[6] خصوصاًَ عبر قواعد التنظيم اللينينية وأدوات المركزية الديموقراطية المجرَّبة – بنجاح – في كل مكان!

[7] فتسلسل التشكيلات الاجتماعية واضح، والمهم معرفة مسار التطور التاريخي القادم لا محالة.

[8] من تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002، الصادر عن الأمم المتحدة والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

[9] في الصين يتحدثون عن ديكتاتورية الديموقراطية الشعبية!

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود