|
قيم خالدة
عندما
ننظر إلى الكون نظرة فاحصة، تأملية وعقلية، أي
تحليلية، تتراءى لنا حقيقة،
عميقة في سرِّها وكينونتها، وممتدَّة في ذاتها إلى مالا نهاية له. وتبدو هذه
الحقيقة في تجلِّيها كأنها سلسلة مُحكمة، تبدأ من الأدنى وتنتهي في الأعلى
منغلقة على ذاتها في دائرة. ونحن لا نستطيع تحديد الأدنى بأكثر من قولنا إنه
ما لا نهاية له في الصغر؛ كما لا نستطيع تحديد الأعلى بأكثر من قولنا إنه ما
لا نهاية له في الكبر. وبين هاتين
اللانهايتين، اللتين عبَّر عنهما باسكال بهُوَّتَي
الوجود، واللتين تلتقيان
لتشكِّلا دائرة، أو حلقة دائرية، ينغلق فيهما الوجود على
ذاته،[1] تبدأ سلسلة الوجود
الكبرى، وترتقي أدنى الظاهرات أو المعالم إلى أعلاها. وفي ارتقائها هذا
تتدرَّج، بتماسك حقيقي واتصال لا يعرف
الانفصال، بحيث تعبِّر، من خلالها، كلُّ ظاهرة عن وجودها بالأخرى. ولا نبالغ إذا قلنا إن هذه السلسلة شبيهة
بالعقد الذي يجمع حبَّاته الكثيرة المتنوعة
خيطٌ يعرف الوحدة والتماسك. ونجد
هذه السلسلة في الترتيب أو الترتيبات التي تنطلق فيها المادة من أدنى
مستوياتها في التأليف إلى أعلى مستوياتها في التأليف. يدلُّنا هذا
التسلسل الذي لا يعرف الانقطاع، في أية حلقة من
حلقاته، على أن الوجود وحدة
متراصَّة في كلِّ عناصره، وفي ترتيباته المنتظمة التي تنطلق من متعضِّياته
الأدنى لتصل إلى الإنسان، وفي تنظيماته أو مستوياته الكونية
المادية، لتنطلق
من أصغر ما في الكون إلى أكبر ما في الكون. ويدلنا هذا الوضع على وجود كثرة
في وحدة، وعلى وجود وحدة من خلال الكثرة.
يحتاج اللاعنف
جزماً إلى نساء ورجال ذوي شجاعة، لكنه
مقضيٌّ عليه بالفشل إذا اعتمد على
الشجعان فقط. ليست الأعمال اللاعنفية
امتحاناً ترى به كم مرة تستطيع أن تُعتقَل، وكم مرة تستطيع أن تتعرض
للضرب، أو أطول مدة تستطيع أن تقضيها في
السجن. يمكن لأيٍّ من هذه الأمور أن يحدث (لكنها يمكن أن تحدث إذا كنت
عنيفاً أيضاً). لكن غايتنا هي حياةٌ خيِّرة، غايتنا هي السعادة، وليست تمجيداً للمعاناة. نحن بحاجة إلى حركة من الناس العاديين الذين يستطيعون، أحياناً، أن يتصرفوا بطرق خارقة. نحتاج إلى تكريم الذين قد يكون لاعنفهم أفعلَ أنواع اللاعنف وأكثرها تحدياً إطلاقاً: لاعنف ومحبة ورحمة الوالد الذي يجازف بكل شيء لمنح الحياة لطفلٍ ولتربيته؛ لاعنف المعلِّم، الذي قد لا يُعتقَل أبداً، لكنْ الذي يمكن لحياته كمعلِّم أن تحوِّل أطفالاً كثيرين. علينا ألا نتذكر من دوروثي دِيْ المرات المختلفة التي اعتُقِلت فيها – التي كان تحمُّلها سهلاً نسبياً – بل ينبغي أن نتذكر منها إيواءها المشرَّدين وإطعامها الجياع – "برنامجها البنَّاء" الشخ
|
|
|