رسالة الصوفية

 

حضرة عناية خان

 

الترجمة مهداة

إلى روح منيرة فان فورست فان بيست

 

رسالة الحركة الصوفية نداءٌ إلى الإنسانية جمعاء للاتحاد في أخوَّة عالمية تتعالى على حدود الطائفة والمعتقد والعرق والأمة والدين؛ إذ ليس للحركة الصوفية قانون إيمان أو عقيدة أو مذهب، وفلسفتُها تعلِّم التسامح مع الجميع، وفوق كل شيء، التفاهم، وبالتالي إيقاظ التعاطف، وإدراك أن حسن حال الواحد يتوقف على حسن حال الجميع.

ما برح صوت الله ينذر الإنسان ويهديه عبر الرسالة الإلهية التي بلَّغها أنبياءُ ومصلحو كلِّ العصور، الذين أتوا استجابة لحاجة الإنسان. كلُّ دين، أياً كان العصر الذي تبلَّغ فيه وقَبِلَه الناس، كان جواباً على صرخة الإنسانية. فكما يهطل المطر من الغيم، نزولاً عند حاجة النباتات والأشجار، كذلك ما انفكت الرسالة الإلهية تستجيب لاشتياق النفوسِ الطالبةِ الهدايةَ.

تعود أسباب المعارك التي تَقاتَل الناس فيها عبر العصور إلى الاختلافات الدينية أساساً. أما المثال الديني الحق فغايتُه الرئيسية مناغَمَةُ الإنسان في وحدانية الله. لكن ما حصل دوماً هو أن السلطات الدينية استخدمت الدين لمقاصد أنانية، فدمَّرت بذلك القصد منه، محوِّلة شكل الدين، الذي كان نبع ماء حيٍّ للنفوس الظامئة، إلى شكل راكد، ميت.

لقد تسببت المادية المتفاقمة والتأثير القاهر للتجارة، الذي حجب قلب الإنسانية عن الحقيقة، في أعظم كرب في السنوات المعدودة الأخيرة. فعلى الرغم من الفتوح العظيمة للمدنية الحديثة بدأ الإنسان اليوم يرتاب فيما إذا كانت البشرية تتقدم حقاً. في واقع الحال لا ريب أن الإنسانية تتقدَّم؛ والبرهان على التقدُّم ماثلٌ في كلِّ الظاهرات الرائعة التي تجلَّت على هيئة اختراعات علمية بديعة. لكن كلَّ هذه الاختراعات يسَّرت جلب أعظم كارثة في تاريخ العالم ليس إلا: حربٍ* التهمت ما لا يُحصى من النفوس، فيها شبابٌ ورثوا ثقافة أجيال عديدة. وعلى الرغم من الفَلاح والوضع المزدهر الذي نراه فإن هناك غياباً تاماً للمثال. أذهان الأغلبية تبدو مركَّزة على شيء واحد وحسب، ألا وهو صراع الحياة. الملايين منهمكون، جسمياً وذهنياً، كلَّ آنة من آناء النهار والليل، في جمع الثروة أو المال، الذي من طبيعته أن ينتقل من يد لأخرى. ما دام المال بحوزتهم فهُم في حال سُكْر؛ لكنه عندما يُفقَد لا يبقى عندهم شيء يتشبثون به. وهذا قد جعل الإنسان أكثر جشعاً في تكالبه على الحياة المادية.

واليوم يُعتبَر أكثرَ الناس عمليةً الأقدرُ على صون مصالحه على أحسن ما يكون من المنفعة. والأمر عينه يصحُّ على الأمم – فكلٌّ منها يعمل من أجل مصلحته. وفي كلِّ أمة لا يُدعى رجلَ الساعة مَن يتحسَّس لصلاح الإنسانية، بل مَن ينحاز حصراً لمصلحة حزبه، أو جماعته، أو أمَّته. ليست الوطنية فضيلة إلا عندما تُستعمَل كموطئ قدم إلى أخوَّة شاملة؛ وهي لا تجد مبرِّرها إلا إذا جُعِلَت وسيلة لحفظ القوى للعمل في سبيل صلاح الجميع. لكن الوطنية اليوم صارت خاتَماً على القلوب بحيث لا يُقبَل غرباءٌ في بلاد غير أولئك الذين من نوعها.

إن ما تفتقر إليه التربية الحديثة، والفن والعلم، والحياة الاجتماعية والسياسية والتجارية، هو المثال – المثال الذي هو سرُّ السماء على الأرض، السرُّ المستتر وراء الإنسان والله. فالإنسان، بكل ما يملك في العالم الموضوعي، فقير في غياب المثال، وذلك الفقر هو الذي يولِّد الغيظ والنزاعات والخلافات، متسبباً بذلك في الحروب والكوارث على أنواعها. إن أمسَّ حاجات الإنسان اليوم هي استكشاف الشخصية الإنسانية، والعثور على الإلهام والقدرة الكامنين فيها، وتشييد بنيان الحياة برمَّته عليهما. فحياة المرء ليست عَيْشَه وحسب، بل تهذيب نفسه وتشريفها وبلوغ ذلك الكمال الذي هو التوق الفطري للنفس. إن حلَّ مشكلة اليوم هو في صحوة وعي الإنسانية على ألوهية الإنسان؛ إذ إن الصوت الخافت في الأديان قاطبة هو تحقيق الحياة الواحدة الذي يتسنَّم ذروته في فكرة الوحدة. وجهود الحركة الصوفية موجَّهة في سبيل الارتقاء بالبشرية إلى هذا الوعي.

*** *** ***


horizontal rule

* الحرب العالمية الأولى. (م)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود