وتظلُّ... الجمرةُ في عينيك

(مختارات)

 

 

محمد توفيق شديد

 

إيمان

إيمـانَ عـقـلٍ وتفكـيـرٍ ووجـدانِ

آمنْـتُ بالقـوَّة العظمـى بقـدرتِـها

ولا الفـراديـسُ تـغريـني برَيْحـانِ

آمنتُ، لا الحشـرُ والنـيرانُ تُرهِبني

إيمانَ حـبٍّ سَـما عن مطـلـبٍ دانِ

آمنتُ بالله لا خـوفـاً ولا طـمـعاً

وآيـةُ الكـونِ إنجيـلي وفُـرقـانـي

آمنتُ بالله في سـرِّي وفي عَـلَـني

واللَّـيْـل، كَـمْ سِــرُّه لله نـادانـي

النَّـجـمُ، كَـمْ لمـحُه لله أرشـدَني

حدَّثَـني عنـه فقرَّبـني منه وأدنـاني

والبـحرُ، كَـمْ موجُـه فـي الشَّـطِ

طَلَعَـتْ يُشيرُ عاطرُها للمبدعِ البـاني

والغُصـنُ في الرَّوضِ لِـمْ أزهـارُه

ومنـه تسـمـو تَسـابيـحي لديَّـانِ

هـذي الطبيعةُ محـرابي العتيدُ بـه

أنسـامُ فجرٍ بَسِـيـم الثَّـغـرِ فـتَّانُ

وكَـمْ بعثتْ بـها وهنـاً تهدهدُهـا

مع الأصـيلِ بـتـغريـدٍ وألـحـانِ

وكَـمْ صلاةً يـراهُ القلبُ فامتزجتْ

الحبُّ ديـني ونهـجُ الحـقِّ قرآنـي

قالـوا: تَديـنُ بمـاذا؟ قلتُ في ثقةٍ:

لا فـرقَ عندي بين مكِّيٍّ ونصرانـي

أحببتُ في الله هـذا النـاسَ كـلَّهمُ

والله للـكـلِّ للقـاصـي وللـدَّانـي

هـذا وذاك بديـعُ الكـونِ غايتُـه

لله خـالـصـةً من قـلـبِ إنسـانِ

أحببـتُ كـلَّ صلاةٍ كلَّ هَـيْنَـمَةٍ

وعدتُ أجهـلُ فرقَ الدِّيـنِ عن ثـانِ

أحببتُـها كـلَّها حبِّـي لمُـنزِلِـها

قـسٌّ كـترتيـلِ أشـيـاخٍ لـقـرآنِ

وكَـمْ خـشعـتُ لإنجيـلٍ يرتِّـلُه

بمـا يرتِّـلُ في صـدقٍ وإيـمـانِ؟

أمـا أرادَ بـه تمجيـدَ خـالـقِـنا

نفـوسُـهـم بِعَـداواتٍ وأضـغـانِ

لكنِّي كرهْتُ نفسـي مُذِ امتـزجتْ

أنَّى أقـامـوا بـأمصـارٍ وأوطـانِ

النـازفـون دماءَ الخـلقِ في شرِّه

سـاموا بلادي من ظـلمٍ وطـغيـانِ

هُـمُ اليـهودُ وأشياعُ اليـهودِ وكَمْ

***

 

الطائفية في لبنان...

يوماً على دربِ الضَّـغـائنِ والحـقـدْ

الله مَـن؟ قُـلْ لـي تُـراكَ لقـيـتَه

بُغـضِ الكَـنيـسِ وكُـرهِ أعيادِ الأحدْ

أرأيْـتَـه في مسـجـدٍ يـدعـو إلى

إن المسـاجـدَ مفسـداتُ مَـن سَـجَدْ

أو في الكَـنيـسِ مخـاطـباً عبـادَه

حَمْـلِ السِّـلاحِ وقتْـلِ أبنـاءِ البـلـدْ

أرأيتَ ربَّـك داعـيـاً يـومـاً إلـى

 

... ...

تجمـيـلَ مـعـبَـدِه بِـدَمِ المُسْـلِـمِ

أأتـاكَ عيسـى في صـلاتِكَ طـالباً

متعـطِّـشـاً يهـفو إلـى قـطـرةِ دمِ

أو جـاء أحمدُ للمسـاجِدِ ظـامـئـاً

من الجـمـالِ مـفـاتـنَ في مـأتـمِ؟

أيُسـَرُّ ربُّ أن يـرى بـلـداً حَـباهُ

على جثمـانِ والدِه الممرَّغِ يـرتـمي؟!

أيُـسَـُّر ربُّ أن يــرى طـفـلاً

 

... ...

ومـصـيـبةٍ تنصـبُّ في لـبـنـانْ

الطـائفـيَّـةُ رأسُ كـلِّ بـلـيِّــةٍ

كسـفـيـنـةٍ خـرقـاءَ للـجـرذانْ

هي مُذْ أُقِـرَّتْ في مَجَـالسِـه غَدَتْ

مـن كـلِّ مـمسـوسٍ بـلا إيـمـانْ

العـابثـونَ العـابـدونَ نفـوسَـهمُ

ـها اللِّـثـامَ هي جـنـازةُ الأديـانْ

الطـائفيَّـة لو أمَطْتُّم عن مَخازيــ

 

... ...

وحـمـاقـةٌ شَــرٌّ مـن الإلـحـادِ

الطـائفـيَّـة فـرقـةٌ وتعـصُّـبٌ

فيـمـا هُـمُ للـطَّـائـفـيِّ أعـادي

فالكـلُّ عندَ المـلـحـديـنَ إخـوةٌ

جَـلَّـتْ قـداسـتُـه عن الأحـقـادِ

يا مُنكـري الحبِّ في ربِّ السَّـمـا

ســخَّـرتُـمُ الأديــانَ للإفســادِ

قد ماتَ روحُ الدِّيـنِ فيـكُـمُ عندما

***

 

الصُّفر مخطوطاتُكم

موتاي يعتقلونني، أشباحُهم حولي لها ظلٌّ رهيبْ

موتاي خلفي، أين سرتُ، لهم على خطوي وأنفاسي رقيبْ

عقلي سجينُ تراثِهم، ويداي في غلِّ المحرَّمِ والمُعيبْ

عاداتُهم وطقوسُهم سدَّتْ عليَّ منافذَ الأفقِ الرحيبْ

*

إرثُهم هذا القديم، أحسُّه جبلاً على ظهري وأثقلُ

شدَّني للُحودِهم، أقتاتُ منها مثلما الديدانُ تفعلُ

يقظتي أنماطُ مسلكهم، حرامٌ أو معيبٌ أو مُرذَلُ

غفوتي النيرانُ والشيطانُ والفردوسُ والمَلَكُ الموكلُ

*

أنا ميْتٌ فيهم وهم أحياءٌ بي، من يومِ عشتُ تقمَّصوني

جسدي بلا رأسٍ، فقد حزُّوه عنه وأفرغوه وأفرغوني

وضعوا جماجمَهم عليه، فصرتُ أحياهم، ولا أحيا يقيني

شَطَروا كياني، صارَ جسمي غيرَ رأسي، صارَ عقلي في جنوني

*

هولُ الجحيمِ يرجُّني ويُذِلُّني ويميتُ بي معنى الإباءْ

والحورُ والولدانُ تمسخُني، تصيِّرني لها قردَ اشتهاءْ

وأضلُّ دربي بين تلك وذي، أُعلَّقُ بين أرضي والسماءْ

كيف لي أن أستعيدَ نُهاي... عقلي من قبورِ الأتقياءْ؟!

*

الصُّفرُ مخطوطاتُكم أجثو لها عمري ذليلاً كالعبيدِ

شهراً صياماً كلَّ عامٍ كلَّ يومٍ خمسةَ أوقاتِ سجودِ

وأخافُ من نزعاتِ نفسي أن تغيظَ الله جبَّارَ الوجودِ

فيُزَجُّ بي في النارِ. هل حرٌّ أنا أم عبدُ مقبرةِ الجدودِ؟!

***

 

يا ربُّ مزاعمهم

يا ربُّ! مزاعمهم – لو شئت – تعيدُ يقيني وتبدِّد شكِّي

أنكَ تهتمُ بكلِّ صغائرِ تفكيري...

ما أضمِرُ، أرغبُ، أو أكرهُ

أو أن "ملائكةً" لا أدري ترصدُني

وتسطِّرُ ما أفعلُ حتى مثقالِ الذرَّهْ.

لو شئتَ تخلِّصُني من شكِّي لكشفتَ لي البرهانَ–العِبرَهْ

في سعةِ العُمْرِ – ولو مرَّهْ

أن تطفئَ في كفِّيَ جمرَهْ

أن تُرقِصَ في آنيتي زهرَهْ

أن تُشهِدَني قطرةَ ماءٍ تتفجَّرُ من صخرَهْ

أن ترسمَ لي من خللِِ الغريمةِ حواءَ المفتان الأولى

تسترُ – عمَّن لا أدري – عورتَها برقائقَ أوراقِ الخُضرَهْ

أو فوقَ صِحافِ الموجِ سفينةَ نوحٍ

تحملُ كلَّ المخلوقاتِ، وحتى الجرذانَ، وكلَّ جراثيمِ بلايانا المُرَّهْ

أو تُشهِدَني – لمحاً – يوسفَ أجملَ ولدانِ الجنَّهْ

كيف النسوةُ قطعنَ – ولم يشعُرنَ – الأيدي

لملاحتِه، بهراً من نظرَهْ.

... ... ...

مولانا، يا ربُّ، صحائفُهم...

أو ليتكَ تُنزِلُ قُدَّامي كأسَ حليبٍ

لا مائدةً أو كبشاً، يحملُها مَلَكٌ ينقذُ طفلاً

هاجمَه الجوعُ كوحشٍ ضارٍ، ينهشُ عُمرَهْ

... ... ...

شيء من هذا أحرى أن يقنعَني

من أوراقِ مكاتيبَ صفراءَ، بلا توقيع

يحملُها من عرشكَ للأرضِ شعاوذةٌ

يتهمونكَ فيها بشذوذِ الأفعال،ِ وبالبطشِ

وبالحيزةِ، والقهرِ، وبالأثرَهْ؟!

***

 

أشرف الساعين فيها…

من تصبَّبَ جهدُه عرقاً تألَّقَ في الجبينْ

ومُنافِحٍ وَهَبَ السلامَ حياتَه، اعتنقَ الإخاءَ

ونصرةَ المظلومِ والمحرومِ دينْ

لا حاكمٌ متجبِّرٌ، كرسيُّهُ أضلاعُ صدرِ الشعبِ

يخنقُ فيه ترجيعَ الأنينْ

لا مَن زها يختالُ في جُبَّةِ وَعْظٍ

نسجَها قوتُ اليتيمِ أو السقيمِ أو الحزينْ

لا من تجارتِه المآسي والهمومِ

وما اشتهى إلا دماءَ البائسينْ

لا خادعٌ متملِّقٌ، عَشِقَ الحياةَ حقارةً ودناءةً

فهَوى يعيشُ على فتاتِ الآخرينْ.

***

 

الإله هو المحبة في يقيني

لا الذي يغري ويُرهِبُ بالجِنانِ أو السَّعيرْ

وهو ذاتي حين أسمو بالإخاءِ وبالسلامِ

وحين أستوحي الضميرْ

وهو في أديانِكم من يرسلُ الطوفانَ والزلزالَ

والبركانَ، تطغى أو تدمِّرُ أو تثورْ

والحياةُ، كما أراها، حقلٌ خصبٌ مانحٌ

كالزَّهرِ في بستانِه، هل يخنقُ الزهرُ العبيرْ؟!

وهي جهدٌ يرفضُ المتبطِّلين، القاعدين، الخاملين

ذوي الكهانةِ، والسيادةِ، والقصورْ

وهي عدلٌ، ليس فيها سيِّدٌ ومسودٌ

بيضٌ وسودٌ، أو لبابٌ وقشورْ.

***

 

وتظل... الجمرة في عينيك

 

كيف، لماذا يفسدُ مشوارُ حياتي

ومن قبل مماتي أُلحَدُ؟

كيف، لماذا أحيا مضطهَدَ التفكيرِ، وإحساسي مستعبَدُ؟!

لا أملكُ عمراً آخرَ كي أتنازلَ عن عمري

وكقالبِ ثلجٍ أتجمَّدُ.

من ملَّك غيري عمري، أعطاهُ وثيقةَ أنفاسي

لأعيشَ القهرَ

أسبِّحُ باسمِ الطاغيةِ المعبودِ وأسجدُ

*

وكأمِّكَ، أمِّي، يا طاغيتي

منحتْني زهرةَ عمرٍ منها لتراني أكبرُ

وأمارسُ إنسانيةَ ذاتي، أغدو حراً وأروحْ

أنفاسي، من سهدِ ضناها

لتصادرَني وتصادرَها يا نذلَ الروحْ؟!

جسدي من نسجِ دماها

ليمزِّقه سوطُك، يُدميهِ قروحاً وجروحْ؟

ماذا تملكُ من تبريرٍ إنسانيٍّ كي تمسخَني ببغاءَ

أردِّدُ ما أنتَ تبوحْ؟

*

أفكاري وسؤالاتي، لم لا تلقى غيرَ الزنزانةِ

والسوطِ المشرعِ ردَّ جوابْ؟!

لم تعطي نزواتِك قانوناً قدسياً من أثرياتِ الأجدادِ

لتقطعَ رأسي في محرابْ؟

وتظلُّ الجمرةُ في عينيك تشعُّ الرعبَ

كأنكَ ذئبٌ يحكمُ في غابْ.

حتَّامَ تواري بؤسَ غبائِكَ بالتهريجِ

وتفضُّ بالسيفِ المُصْلَتِ حكمَ الإرهابْ؟

*

إنسانٌ من هذا الشعبِ أنا...

مَنذا أنتَ لتنشبَ أظفارَ قيودِك في عنقي

وتعطِّلَ طاقةَ عقلي؟!

إن كنتَ الإنسانَ، وساءَك رأيي أو نقدي

بالحجةِ قوِّمني، وتجاوزْ عن جهلي

أو دَعْ لسواكَ أمورَ الشعبِ.

وإنكَ مثل الناسِ ومثلي

أم ظنُّك أنكَ بيضةُ ديكٍ

ما جادَ بها الزمنُ الأعجفُ يا مولانا؟!

يا مولانا، ما أتفهَ حاكمَ شعبٍ

يتحكَّمُ بالشعبِ ويَستعلي.

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود