|
بحثاً عن الله
روبرت
هولمز
هل
مشاعرنا الدينية مجرَّد نتاج لطريقة عمل
الدماغ ليس إلا؟
بوب هولمز التقى الباحثين
الذين يسعون لتفسير أكثر خواطرنا قداسة.
*** لقد شعر
أينشتاين بذلك. و"ذلك" هو ما يدفع الناس
إلى الكنائس والصلاة والتأمل والرقص المقدس
وإلى ما هنالك من طقوس. ولعلَّه قُيِّض لك أنت
أيضًا أن تشعر بشيء مماثل – في الجبال أو على
شاطئ البحر أو ربما لدى إصغائك إلى مقطوعة
موسيقية قريبة إلى قلبك بصفة خاصة. في الواقع،
صرَّح حوالى نصف الناس أنهم عاشوا نوعًا من
التجربة الصوفية أو الدينية. وهذه الخبرة
كانت عند بعضهم عارمة إلى حدٍّ تغيَّرتْ معه
حياتُهم إلى الأبد. ولكن ما هو هذا الـ"ذلك"؟
أهو حضور الله يا ترى؟ أم هي لمحة من مستوى
أعلى من الكينونة؟ أم هو فقط المكافئ الصوفي
للسَّابقِ رؤيته déjà vu، حيلة من حِيَل الدماغ على الذات الواعية؟ في مستوى
معين، طبعًا، تستلزم كلُّ
أفكارنا وأحاسيسنا – مهما كانت غير اعتيادية
– مشاركةَ الدماغ. وبالفعل، دفعتْ التجارب
التي أُجرِيَتْ على الدماغ علماءَ الأعصاب
لأن يقترحوا أن الشعور الديني قد يكون قد
بُرمِج داخلنا بطريقة ما. فلماذا تختلف إذًا
الخبرات الدينية التي يعيشها الناس اختلافًا
كليًّا، بحيث يتأثر بعضهم بها تأثرًا عميقًا
بينما لا يأبه لها آخرون؟ لقد شغف آندرو نيوبرغ، عالم
الأعصاب من جامعة بنسلفانيا في فيلاديلفيا،
بنظرةِ بيولوجيا الأعصاب إلى الدين منذ أكثر
من عقد. وهو يعترف أن هذا دورٌ غريبُ الأطوار
للعالِم ويقول: «لطالما شغلني قول الناس إنني
شخص متديِّن يسعى للبرهنة على وجود الله أو
إنني شخص متهكِّم يسعى للبرهنة على عدم وجود
الله؛ لكننا نحاول توخِّي الحياد في مقاربتنا
لهذا الموضوع». في بداية هذا الشهر، نشر
نيوبرغ كتابًا يعرض أكملَ نظريةٍ حتى تاريخه
حول كيفية نشوء الخبرات الصوفية أو الدينية
في الدماغ. انكبَّ نيوبرغ مع المرحوم
يوجين داكويلي، زميله في جامعة بنسلفانيا،
على دراسة الأحاسيس التي تختص بالخبرات
الدينية، إنما التي يتشارك بها أناس من
معتقدات مختلفة. أحد هذه الأحاسيس هو الشعور
بالـ"الوحدة مع الكون" الذي افتُتِنَ به
أينشتاين. وهنالك أيضًا الشعور بالرَّوْع
الذي يصاحب مثل هذه الكشوف ويجعلها تكتسي
بأهمية أكبر وتنشحن بمعانٍ أسمى وبمعنى ما
أكثر حقيقية من حيواتنا اليومية. غير
أن نيوبرغ قد أدرك أنه من شبه المستحيل دراسة
الكشوف النادرة والمتلاشية في المخبر. فاضطر
إلى تجاهل الخبرات التي تطرأ مرةً واحدة على
نحو غير متوقع ليركِّز، بدلاً من ذلك، على
التأمل والصلاة الرزينين، لكن القابلين
للتكرار. وبفضل زميلٍ لهما يمارس
البوذية التيبتية، استطاع نيوبرغ وداكويلي
أن يجدا ثمانية من مَهَرَةِ المتأمِّلين
قبلوا بالخضوع إلى عملية تصويرٍ لأدمغتهم.
وقد أتى المتطوعون إلى المخبر فرادى؛ فكان
أحد الفنيين يُدخِل أنبوبًا في وريد ذراع كل
منهم. ثم كان المتطوع يبدأ بالتأمل كالعادة
مُركِّزًا عن قصد على نفس الصورة، وهي غالبًا
لرمزٍ دينيٍّ ما. والهدف كان مراقبةَ بدءِ
انحلال الشعور اليومي بالذات حيث يصبح
المتأمل واحدًا مع الصورة. يقول مايكل بيم،
أحد المتأملين وأحد الباحثين المشاركين في
هذه الدراسة: «إنه شعور بسقوطِ كلِّ الحدود،
وكأن فيلم حياتك قد انقطع، فترى بذلك الضوء
الذي يسمح لهذا الفيلم بأن يُعرَض». في الغرفة المجاورة كان نيوبرغ
وداكويلي ينتظران مختبئين. وعندما كان
المتأمل يشعر بتنامي الإحساس بالاتحاد [مع
الصورة/الكون] – بعد حوالى ساعة من الزمان
عادة – كانا يعطيان الأمر للباحثين بحقن عنصرٍ استشفافي
مشعٍّ عبر الأنبوب
الداخِلوَريدي. وخلال دقائق قليلة، وبسرعة،
كان العنصر الاستشفافي يقصد الدماغَ بكميات
أوفر بحيث يتدفق الدم بشدة أكبر، الأمر الذي
ينعكس نشاطًا دماغيًا أعلى. لاحقًا استُخدِمَ
الماسح [سكانر] لقياس توزع العنصر الاستشفافي
للتوصل إلى صورةٍ عن نشاط الدماغ في لحظة
الارتباط. وقد سمحت هذه العملية، التي تدعى
التصوير الطبقي الكومبيوتري باستخدام
الابتعاث الفوتوني المفرد [i]SPECT،
للمتطوعين أن يمارسوا التأمل في جوِّ المخبر،
الهادئ مقارنةً بهدير السكانر وضيقه. وبعد
الانتهاء من هذه الاختبارات قارنَ نيوبرغ
وداكويلي نشاطَ أدمغة المتطوعين خلال التأمل
مع مُسوحات أجريت خلال راحتهم. لم يُفاجَئ الباحثون، ربما،
بوجود نشاط مكثَّف في أجزاء الدماغ الناظمة
للانتباه – وهذه إشارة إلى تركيز المتأملين
العميق. ولكنهم وجدوا شيئًا آخر أيضًا. فخلال
التأمل كان جزءٌ من الفَصِّ الجداري في
اتِّجاه أعلى ومؤخرة الدماغ أقل نشاطًا منه
خلال راحة المتأملين. بهذا أدرك نيوبرغ
وداكويلي مبتهجين أن هذا الجزء هو بالضبط
منطقةُ الدماغ التي ينشأ فيها التمييز بين
الذات والآخرين. بشكل عام، يتعامل الجانب
الموجود في نصف الدماغ الأيسر من هذه المنطقة
مع إحساس الفرد بصورة جسمه، بينما يتعامل
الجانب المقابل في نصف الدماغ الأيمن مع
السياق – أي الزمان والمكان اللذين تقيم
فيهما الذات. فاعتقد الباحثون أنه ربما عندما
يتنامى شعور المتأملين بالوحدة فإنهم
يَعزلون تدريجيًا هاتين المنطقتين عن
الإشارات اللمسية والوضعية التي عادة ما
تساعد على إيجاد صورة الجسم. يقول نيوبرغ: «عندما ننظر إلى
المتأملين نلاحظ أنهم حقًّا يوقِفون
إحساسَهم بالعالم الخارجي، فلا تعود المناظر
والأصوات تشوِّشهم. ولهذا لا تصل أية إشارات
إلى الفَصِّ الجداري». فعندما تُحرَم هاتان
المنطقتان من المَدَدِ تكفَّان عن الدوران،
فيشعر الشخص ببدء انحلال الحدود بين الذات
والآخر. ومع اختفاء السياق الزمني والمكاني
يعتري الشخصَ شعورٌ بالأبدية وبلانهاية
المكان. كرَّر نيوبرغ هذه التجربة
مؤخرًا مع راهباتٍ فرانسيسكانيات خلال
الصلاة. وظهر لديهن – وهنَّ اللواتي تتمحور
صلاتهن على الكلمات أكثر من تركيزها على
الصور – نشاطٌ في مناطق اللغة من الدماغ. بيد
أنهن أوقفن أيضًا عملَ منطقةِ الذات عينِها
التي أوقف المتأملون عملَها عندما وصلوا إلى
أوج شعورهم بالوحدة. هذا الشعور بالوحدة مع الكون
ليس الخاصية الوحيدة للخبرات الدينية
العارمة؛ فهي تحمل في طيَّاتها أيضًا شحنةً
عاطفيةً هائلة وشعورًا بالورع وبمدلولٍ عميق.
ويتفق علماء الأعصاب عمومًا على أن هذا
الإحساس ينشأ في منطقة من الدماغ مختلفة عن
الفصِّ الجداري: أي في "الدماغ العاطفي"
أو الجهاز المحيطي المتوضِّع عميقًا في
الفصين الصدغيين على كلا جانبي الدماغ. الجهاز
المحيطي limbic system
هو جزء من دماغنا يعود إلى المراحل الأولى من
التطور. ووظيفته اليوم هي رصد خبراتنا ووضع
بطاقاتٍ عاطفية على الأحداث ذات المدلول
الخاص، كرؤية وجه طفلك مثلاً، يدوَّن عليها
"هذا مهم". وخلال تجربة دينية عارمة
يعتقد الباحثون أن الجهاز المحيطي ينشط
نشاطًا غير اعتيادي، فيضفي مدلولاً خاصًا على
كلِّ شيء. وهذا يمكن أن يفسر لماذا يجد
أولئك الذي عاشوا مثل هذه الخبرات صعوبةً
جمَّة في وصفها للآخرين. يقول جيفري سيفر، وهو
عالم أعصاب من جامعة كاليفورنيا في لوس آنجلس:
«إن مضمون الخبرة – أي مكوِّناتها المرئية
والحسية – هو عين ما يختبره الفرد كلَّ الوقت؛ إلا أن الجهاز المحيطي الصدغي يمهر
هذه اللحظات على أنها ذات أهمية كبيرة للفرد
وعلى أنها تتميز بفرح وتناغم عظيمين. وعندما
يتم الحديث عن هذه الخبرة إلى الآخرين لا يمكن
إيصال سوى المضامين والحسِّ باختلافها؛ أما
الإحساس العميق فلا يمكن إيصاله». الوفير من الدلائل يدعم فكرة أن
الجهاز المحيطي مهم للخبرات الدينية. وهنالك
ظاهرة أكثر شهرة لدى الأشخاص الذين يعانون من
نوبات صَرَعٍ محصورة في الجهاز المحيطي، أو
في الفصين الصدغيين عمومًا، ممَّن بلَّغوا
أحيانًا عن مكابدتهم خبراتٍ عميقة خلال
النوبات. يقول سيفر: «هذا مشابه لما يختبره
الأشخاص الذين يكابدون هداية دينية، إذ
يشعرون بإحساس الرؤية عبر ذواتهم الجوفاء أو
واقعهم السطحي بواقعٍ أعمق». وكنتيجة لذلك،
حسب قوله، عاش المصابون بالصرع عبر التاريخ
تجارب صوفية عظيمة. فالروائي الروسي فيودور
ديستويفسكي، على سبيل المثال، كتب عن "لمسِه
لله" خلال نوبات الصرع. وهناك في التاريخ
شخصيات دينية أخرى عانت ربما من الصرع،
كالقديس بولس وجان دارك والقديسة تريزا
الآفيلية وعمانوئيل سويدنبورغ، مؤسِّس كنيسة
أورشليم الجديدة في القرن الثامن عشر. وعلى نفس المنوال، يقول
جرَّاحو الأعصاب الذين ينبِّهون الجهاز
المحيطي خلال جراحات الدماغ المفتوح إن
مرضاهم بلَّغوا أحيانًا عن اختبارهم
لأحاسيسَ دينية. كما أن مرض آلزهايمر، الذي
كثيرًا ما يعطِّل في مراحله الأولى عملَ
الجهاز المحيطي، عادةً ما يقترن بتراجعٍ في
الاهتمام الديني، حسب قول سيفر. يمكن للغنى الذي يضفيه التنبيه
المحيطي على الاختبار أن يفسر لماذا تعوِّل
الأديان على الطقوس تعويلاً كبيرًا، على حد
زعم نيوبرغ الذي يضيف أن حركات الطقوس
المتعمَّدة والمُؤسلَبة تميزها عن الأفعال
اليومية وتساعد الدماغ على اعتبارها ذات
مدلول خاص. الموسيقى أيضًا يمكن أن تؤثر على
الجهاز المحيطي، وفق تقارير صدرت عن باحثين
يابانيين سنة 1997، فتدفعه نحو غبطة هائجة أو
هادئة؛ كما يمكن أن يكون للغناء وللحركات
الطقوسية التأثير عينه. وقد ظهر أن التأمل
يحرِّض التهيج والاسترخاء، غالبًا في آنٍ
معًا. يقول نيوبرغ: «أحيانًا يشير الناس إلى
ذلك بالسعادة الناشطة»، وهو يعتقد أن هذا
الاقتران بين الضدَّين يضيف إلى قوة التجربة. وحتى لو قصَّرت أحاسيس الورع
والورع هذه عن الخبرات الشخصية مع الله التي
يبلِّغ عنها الكثير من الناس، حسب أيِّ شخص
يشك في قدرة الدماغ على توليد خبرات دينية أن
يزور عالم الأعصاب مايكل بيرسنغر في الجامعة
اللورنسية في مدينة سَدبِري المنعزلة في
ولاية أونتاريو [كندا]، حيث مناجم النيكل. وهو
يدَّعي أن أيَّ شخص يمكن أن يقابل الله إذا ما
ارتدى خوذته الخاصة. استخدم بيرسنغر لسنوات طويلة
تقنيةً يُطلَق عليها التنبيه المغناطيسي
العبرجمجمي،[ii]
وذلك لتوليد أنواع عديدة من التجارب
السريالية لدى أناس عاديين.[iii]
فمن خلال التجريب والتعلُّم من الأخطاء،
بالإضافة إلى بعض التخمين المتمرِّس، توصَّل
إلى أن تيارًا مغناطيسيًّا ضعيفًا – 1
مايكروتِسلا،[iv]
أي ما يعادل تقريبًا التيار المغناطيسي الذي
تولِّده شاشة الحاسوب – يدور بعكس اتجاه
عقارب الساعة وفقَ نمطٍ معقد حول الفصين
الصدغيين يسبِّب لدى أربعة من كلِّ خمسة
أشخاص شعورًا بحضورٍ شبحي معهم في الغرفة. وتأويل الناس لهذا الحضور
يتوقف على نزعاتهم ومعتقداتهم. فإذا كان شخصٌ
محببٌ قد توفي مؤخرًا يمكن أن يشعروا بأن هذا
الشخص قد عاد لزيارتهم. كما يعتبر المتدينون
غالبًا أن هذا الحضور هو الله. يقول بيرسنغر: «هذا
ما يحصل في المخبر. فتصوَّر ما يحصل إذا كان
الشخص بمفرده مستلقيًا في سريره ليلاً أو
راكعًا في الكنيسة حيث للسياق أهمية كبيرة».
وقد ارتدى بيرسنغر خوذته بنفسه وشعر بالحضور،
على الرغم من أن التجربة كانت أقل غنى نظرًا
إلى أنه كان يعلم ماذا سيحدث. لا يقبل الجميع بأن أشباح
بيرسنغر يمكن أن تعادل ما يختبره المتدينون.
يقول جوليان شيندلر Julian Shindler،
الناطق باسم مكتب كبير الحاخامات في لندن: «هذا
منفصل عن كلِّ ما هو تجربة دينية أصيلة، على
غرار العقاقير المنشِّطة نفسيًا التي تؤثر
على المزاج ولكن ليس بطريقة شرعية. إنها بنوع
ما ليست البضاعة الأصلية». وبغضِّ النظر عن صلاحيتها،
تُظهِر تجارب بيرسنغر أن الخبرات الصوفية لا
تتألف فقط مما ندركه ولكن أيضًا من تأويلنا
لما ندرك. يقول بيرسنغر: «وكأننا ندخل في
كوَّة أو في تجويف، والبطاقة التي ستُلصَق
عندئذٍ لتصنيف الخبرة ستؤثر على طريقة تذكُّر
الشخص لها. وهذا يحدث خلال ثوانٍ معدودات».
وهنالك وجه ثالث أيضًا، وهو التعزيز الذي
يحصل عليه البشر، بما هم حيوانات اجتماعية،
من المشاركة في الطقوس الدينية مع الآخرين. ويتابع بيرسنغر: «الدين هو هذه
العناصر الثلاثة مجتمعة، وهي مُبَرمَجة في
أدمغتنا. فنحن مُبرمَجون لاختبار تجارب من
وقت إلى آخر تمنحنا شعورًا بحضورٍ ما.
وكحيوانات رئيسة نحن مُبرمَجون لتصنيف
تجاربنا. نحن نتوق للتفاعل الاجتماعي وللقرب
المكاني مع آخرين على شاكلتنا. أما المضمون
فليس مُبرمَجًا. فإذا ما عشتَ خبرة مع الله
وكان معتقدكَ أن تقتل كلَّ من لا يعتقد بما
تعتقد يمكنكَ أن تفهم لماذا يكمن الخطر
الحقيقي في المضمون المنبثق عن الثقافة». إذًا أين نحن من كل هذا؟ لسبب من
الأسباب – طبيعيًا كان أو خارقًا للطبيعة –
فإن أدمغتنا الكبيرة والقوية تسمح بنوعٍ غير
مألوفٍ من التجارب التي ندعوها دينًا. غير أنه
من الصعب إضافة أي شيء على ذلك. يقول تشارلز
هاربر، المدير التنفيذي لـ"مؤسَّسة
تِمبلتون"، وهي مؤسَّسة خاصة تدرس التفاعل
بين الدين والعلم: «بمعنى ما، اكتشفتْ
البيولوجيا التي ما فتئت تتطور شيئًا جديدًا
عن الكون. فكلُّ الثقافات تقريبًا عندها هذا
الشعور الديني. ولكن هل يقدم لنا ذلك أيَّ
تَبَصُّر لفهم بذرة الكون؟ هذا لعمري سؤالٌ
مؤرقٌ». والمشكِّكون في الدين سرعان ما
يزعمون أن برمَجَة الدماغ تبرهن على أن الله
غير موجود حقًّا وعلى أن الأمر كلَّه يحدث في
الدماغ. يقول رون باريير، الناطق باسم "الملحدون
الأمريكيون" في
كرانفورد: «القاسم
المشترك الحقيقي هنا هو نشاط الدماغ، وليس
شيئًا آخر. ليس ثمة ما يقطع فيما إذا كان هذا
مفروضًا من الخارج أو أنك تدخل على خطٍّ كيان
إلهي». إلا أن نيوبرغ غير أكيد إذ يقول:
«لا يمكننا أن نقول إنهم على خطأ. ولكن، من جهة
أخرى، إذا كنتَ شخصًا متديِّنًا فمن المنطقي
أن يكون دماغك قادرًا على فعل ذلك لأنه إذا
كان هناك إله فمن الطبيعي أن يكون قد صمَّم
الدماغ بشكل يسمح بالتفاعل معه بطريقة أو
بأخرى. ولا يمكننا الحكم على ذلك بالخطأ.
المشكلة هي أن كل تجاربنا متساوية من حيث إنها
جميعًا تحصل في الدماغ. فتجربتنا مع الواقع
وتجربتنا مع العلم وخبراتنا الصوفية تحدث
جميعًا في الدماغ». ويتابع بأن الطريقة الوحيدة
عمليًّا التي نحكم بها على واقعية خبرة ما هي
مدى الشعور بأنها حقيقية: «يمكنك أن ترى حلمًا
وتشعر وقتئذٍ وكأنه حقيقة؛ ولكن عندما تستيقظ
لا تعود تشعر بواقعية هذا الحلم. والمشكلة هي
أن الناس عندما يعيشون تجربة صوفية فإنهم
يعتقدون أنها أكثر واقعية من الواقع القاعدي
– حتى عندما يعودون إلى الواقع القاعدي. وهذا
يقلب كلَّ المعايير». وهذا يعني في نظر نيوبرغ
أن للعلوم الاختزالية حدودًا مهما بلغت قوتها. يوافق خبراء الأديان على ذلك
فيقول هاربر: «بوسعك أن تقول إن قصائد شكسبير
ليست سوى مزيجًا من رصاص القلم والسيلولوز.
ولكن يمكن أن تقول أيضًا إنها دَفقُ روح
عظيمة، وأنت على صواب في كلا الحالتين». ثم
يضيف بأن هنالك عدة مستويات للتفسير، كلُّ
واحد منها صائب على مستواه دون أن يقدم
تفسيرًا شاملاً. يقول نيوبرغ إنه على غرار علماء
الفيزياء الذين لا يستطيعون فهم الإلكترون
فهمًا كاملاً كجُسَيِّم أو كموجة، بل بكونه
كليهما معًا، نحن بحاجة إلى العلم وإلى فهم
أكثر ذاتية وروحانية معًا حتى نستطيع أن
نعانق طبيعةَ الواقع الكاملة. *** *** *** ترجمة:
موسى الحوشي |
|
|