|
أهمية
الحياة في الحاضر
روبير لِنْسَّن
أن
نحيا نومينياً بين الأعراض: كذا
هي حكمة الحاضر. وِيْ وو وِيْ
عرف
الزن والطاوية والبوذية واليوغا انطلاقة
هامة في غضون السنوات الأخيرة. ولقد كنا أشرنا
إلى سعة تلك الانطلاقة لدى ظهور الطبعة
الأولى من مقالاتنا عن الزن عام 1960. ومنذئذٍ
أضحت تعابير من نحو "لنعش البرهة" أو "الحياة
بشدة"، شعارات دارجة. ولكن... ماذا نفعل بها؟! كثرٌ هم الذين يعوزهم الحد الأدنى من فهم
الإلهام العميق الذي تنطوي عليه تعابير من
نحو "الحضور في الحاضر" أو "الحياة
بشدة"، "لنعش البرهة"، إلخ... فـ"الحياة
الشديدة بحق" ليست خارجية فقط. فمن المؤكد
أنه ليس من المحال اختيار نوعية من الانتباه
ذي شدة معينة في حياة نشيطة، لكن من المحتمل
جداً أن يبقى هذا الانتباه "محيطياً"
ويبتعد عن سكينة الأعماق. ذلك أن عيش البرهة
بشدة يتطلَّب أيضاً صمتاً وخلاءً يمنح هذه
الشدة سمة جوانية. ينبغي،
والحالة هذه، عدم الخلط بين الحركة الكلانية
التي يتحدث عنها ديفيد بوهم وستانيسلاف غروف
وبين الهيجان السطحي. فهي تستدعي معنى للحاضر
خارقاً في عمقه. فكما عبَّر عن
ذلك كريشنامورتي إذ قال إن غاية الوجود
الإنساني تقوم على "حفر الحاضر للعثور على
الأبدي". تعلِّم الحكمة
الصينية أن اللانهائي يقيم في نهائي كل برهة،
لكن البشر أصبحوا من السطحية والهيجان بما
يجعلهم عاجزين عن الحياة بصورة طبيعية.
فالتقدم الجارف لـ"التقنيات الرائدة"
يمارس سحراً رهيباً على الأجيال الجديدة.
وإنَّا لنشهد تمجيداً للفتوحات المادية
وللسرعة وللرَّوْبَطَة. يفتقر الإنسان، في نهاية القرن العشرين
هذه، إلى
النضج الذي يسمح له باستعمال حصيف وملائم
لعواقب تقنيته. فالنفوذ المتزايد لهذه
التقنية تنزع إلى حفر هوَّة تفصلها عن الحكمة
الطبيعية، لأن التباين القائم بين التقدم
التقني من جهة والتطور النفسي من جهة أخرى
أكبر منه في أي يوم مضى. مئات الملايين من
البشر، الواقفين على عتبة الألف الثالثة،
ينتمون إلى فئة "المُجْتَثين من جذورهم"
و"المنفيين". والبشر، إذ يحرمون من
الطاقات الروحية التي يُمِدُّهم بها عالم
الداخل، يعيشون في ظل القلق والعنف واليأس. إن
تفاقم عدد المنتحرين ومتعاطي المخدِّرات بين
الشباب لهو واقع مُنْذِر ومُقْلِق. فكيف نُقنِع
الآخرين ونُشعِرهم بأن "اللانهائي يقيم في
نهائي كل برهة؟" وبأية وسيلة نعلن عالياً
ونقنِع بمبلغ أهمية الحياة وبأن الإنسان، على
الرغم من يأسه الهائل، يمتلك في أعماقه نبعاً
من القوة والنور الداخلي لا ينضب؟ ولكن،
أيريد حقاً أن يفتش عنه؟ أماتزال لديه القوة
على ذلك؟ إن تصريحاً
كهذا يثير أحياناً ردود فعل سلبية ومفهومة:
النور الداخلي؟ لا أفهم عما تتحدث؟! وما ذاك؟
أهو شِعْر؟ ذلك آخر همومي! لم يحدِّثني أحد
أبداً عن ذلك! "النور
الداخلي"؟ سيبدأ هذا النور بالانسراب، على
نحو بطيء لكن أكيد، ساعة نبدأ بالحياة في
الحاضر، يوم نبدأ بالتحرر من آلاف التوترات
والتشنَّجات التافهة الرامية إلى حيازة
المزيد، إلى "أن نصير أكثر"، أن نسرع
أكثر، أن ننتج أكثر، إلخ. وتتحتم علينا، بادئ
ذي بدء، ضرورة عدم الهرب من الحاضر، ضرورة
البقاء حيث نحن، مسلَّحين بكل طاقات الانتباه
الطبيعي، الكلِّي التركيز على لحظية البرهة
الحاضرة؛ ببساطة، بدون أن ننتظر شيئاً؛ بدون
أن نستحضر الماضي؛ بدون أن نلجأ إلى العوائد
السهلة لما قد عيش؛ بدون أن نسمح لخيالنا
بالفرار إلى مشاريع مستقبلية. ههنا يقيم
الإلحاف الجوهري للزن. قد ينتابنا،
لدى أولى محاولاتنا، إحساس بالفراغ وبالقنوط.
إن القنوط الذي قد نحس به يشير إلى أننا كنا
ننتظر شيئاً ما. لكن ثمَّ شيء لاريب فيه على كل
حال: مهما كانت محاولتنا لـ"الحضور في
الحاضر" عرجاء وناقصة، فإننا نكون قد كففنا
عن برقعة فكرنا الداخلي بأصداء مصوَّرة
للماضي، أو بإسقاطات نحو المستقبل؛ نكون
واعين لتواكلاتنا العديدة، للضجيج، للثرثرة،
للدخان، الخ. حكمة المرآة
إن السبيل
الذي يقودنا إلى اكتناه النور الداخلي يمر
باللحظة الحاضرة. لكننا لا نحيا أبداً في
الحاضر. فالحاضر، لدى الكثيرين منا، مجرد
مرور لا يلفت نظرنا مطلقاً. ونذكِّر هنا
بتشبيه المرآة الذي يأتي على ذكره المعلم
الصيني تشوانغ تزو: "المرآة الكاملة ترى كل
شيء، لكنها لا تأخذ شيئاً." إنها لا تقارِن،
ولا تدين، ولا تنتظر شيئاً. يكمن أحد
المفاتيح الأساسية لليقظة الداخلية فيما يلي:
تحقيق انتباه كلِّي الحضور، لا يتدخل فيه أي
عنصر مستمد من الماضي كالصور، والذكريات،
وأحكام القيم، والاختيارات، والاستحسانات،
والرفض، والآليات اللفظية، والمقارنات. ففي
موقف رصد كهذا يتحقق تضافر لكل طاقات الوعي في
لحظيَّة البرهة الحاضرة. ولا ينطوي موقف
الانتباه هذا على أي شيء خارق أو خفي. فهو
يوجِّه الكائن البشري نحو حالة طبيعية من
الإدراك الشامل المباشر ذي الجلاء العظيم.
وتتسم هذه الحالة بسكينة عظيمة وتسمح للوعي
باختراق مستويات من الطاقة وأبعاد طبيعية
كثيراُ ما يتم تجاهلها. وفي هذا يكمن جوهر ما
يدعوه كريشنامورتي ومعلِّمو البوذية "البصيرة
النفَّاذة". *** ومن المفيد أن
نذكِّر هنا بأن الحِكَم القديمة تعلِّم وجود
كون متعدد الأبعاد يتشكل من مستويات من
الطاقة أكثر تنوعاً وغنى بما لا يقاس من التي
في متناولنا. ففي عام 1988، اقترح علماء عديدون،
مثل حامل جائزة نوبل محمد عبد السلام، وجود
كون ذي سبعة أبعاد. أما بالنسبة لديفيد بوهم،
فنحن نحيا في كون متعدد الأبعاد، لكن من المهم
أن نضيف بأن مستويات الطاقة الأساسية هي
تحديداً تلك التي نجهلها وننكر وجودها عموماً. الحركة الكلانية الصامتة بلا
اتجاه ولا هدف
ما الأسباب
التي تعلِّق على اللحظة الحاضرة وعلى الصمت
كل هذه الأهمية؟ ذلك لأن الكون، في كلِّيته،
ينبغي أن يُعتبَر وحدة عضوية لحيٍّ واحد،
تحييه حركة وحيدة شاملة تهيمن على الحركات
المنتشرة في كل مستويات الطاقة وكل الأبعاد.
ويشير ديفيد بوهم إليها بتعبير الحركة
الكلانية. والحركة الكلانية holomovement مختلفة تماماً عن جميع الحركات التي
نعرفها. فهذه مشروطة بمعاملات الزمن والمكان
والسببيَّة، وهي حركات خطِّية. أما الحركة
الكلانية فهي حركة إبداع، لازمنية،
لاخطِّية، لا اتجاه لها، ومن الممكن أن
تُعتبَر كنبض قلب الحيِّ الأعظم، وإن كان هذا
التعبير غير ملائم لأن كلمة "نبض" تنطوي
على عاملي الزمن والمكان. يبيِّن لنا
هذا أهمية ابتكار لغة جديدة. وإننا لنصطدم هنا
مجدداً بمتعذَّر لأن اللغات التي في متناولنا
موسومة يقيناً بالسمات التي لا تمَّحى للزمن
وللمكان وللسببية. تلكم هي الأسباب التي
تستحضِر من أجلها الأشكال الأكثر تنزيهاً
للتجربة الصوفية ضرورة الصمت. والوفاق حول
وجهة النظر هذه تام بين كريشنامورتي، والمعلم
إيكهرت، والتشان، والطاوية، والأدفايتا
فيدانتا، والصوفية، إلخ... ولا يخامرنا
شك أبداً باتساع التلويث الذي يولِّده
استخدام اللغة العادية في حياتنا الداخلية.
فالتتابع المتواصل للكلمات يحدث اضطراباً في
سكينتها. إذ لا فكرة بدون كلمة. وتعرقل أصداء
الماضي هذه، حاملة معظم القيم الزائفة
برمّتها، إدراك الحاضر. ونكاد جميعاً نعاني،
بدون أن نحرك ساكناً، من صخب لغة سلبية محدودة
بتفاهات مشاغلنا الذاتية. ويشدد ديفيد
بوهم على الدور المؤذي للغة وعلى الدور
الهام الذي تلعبه في حجب الطبيعة الحقيقية
للواقع. وبحسب
ستانيسلاف غروف، "تسهم اللغة في خلق
مفهوم خاطئ عن عناصر سكونيَّة، لامتغيِّرة
في عالم هو، في طبيعته، سياق ديناميٌّ. وفي
الوقت نفسه، يعزِّز وهم كيانات منفصلة في
عالم من الكمال غير المنقسم." إن مفتاح
الدور الأداتي للغة الذي يغذي الإدراك
المجزَّأ (الخاطىء) للعالم والتفكير بلغة
كيانات منفصلة متفاعلة هو تركيب الفعل/المفعول
للجمل التي تميِّز اللغة الحديثة. أما بوهم،
فقد طوَّر صيغة تجريبية جديدة للَّغة: الريومود الذي
يصرُّ على سياق الملأ اللامنقسم، بإعطائه
وظيفة أساسية للفعل، مفضِّلاً إياه على
الاسم. نحن هنا بإزاء
محاولة لتطبيق مَعلَمَيْ الكون في اللغة.
الحيُّ أولاً، ومن بعدُ المتبقي الذي يتدخل
بصفة ثانوية ومشتقة. كلاهما يندرج في الحركة
الكلانية، لكن الأفضلية تبقى دوماً للفعل
بالنسبة إلى المفعول. إذ ليس ثَمَّ مفعول، ليس
ثَمَّ شيء، ليس ثمة كيان. ليس هناك إلا
سيرورات. ليس هناك إلا حوادث. وعلينا أن
نكرِّر ذلك بلا كلل. فاللغة تنطوي على غدر
حقيقي. والجنس البشري، في غالبيته العظمى،
واقع في الفخ منذ ولادته، وحتى قبلها. وإنَّا لنجد
مثالاً على صعوبة التعبير عن الحركة الكلانية
في الحوارات بين كريشنامورتي وديفيد بوهم.[1]
فنظراً لحاجتهما إلى مصطلحات مناسبة لم يكن
أمامهما سوى إمكانية استخدام تعبير الحركة
التي ليست بحركة (شبيهة بالحركة المألوفة
بالنسبة إلينا) المتناقض ظاهرياً. وهي ما
أشرنا إليه في دراساتنا بـ"حركة
الخلق" التي تتوضع على مستوى ما يدعوه بوهم
"الينبوع" أو النظام فوق–المنطوي. بيد أن الصمت
ليس غياب الضجيج الخارجي، غياب الكلام. الصمت
الحقيقي هو الحاضر بامتياز. والعائق الوحيد
أمام الصمت يتشكَّل بالصخب الدائم للفكر.
فموضوع النشاط المتواصل للذهن هو عناصر
مرتبطة بانشغالنا الذاتي. وتتكون هذه العناصر
من أصداء متبقِّية من ماضينا. وهذه بدورها
مرتبطة بذاكرات الخافية الجمعية التي يدعوها
كريشنامورتي "أنيَّة البشرية". في غياب هذه
الحركات الاعتيادية، الوضيعة، العقيمة
والمدمِّرة في معظمها، نبلغ على نحو طبيعي
حالة الصمت المبدع. وبدءاً من هذه البرهة
تتلاشى ضرورة اللجوء إلى شكل آخر من اللغة.
فلماذا؟ في الصمت
الحقيقي يفصح عن ذاته حضور ملأ من الطاقة،
والوعي، والمحبة يكسف كل لجوء إلى اللغة وكل
ضرورة لها. الحركة
الكلانية مكتفية بذاتها. فهي تشمل ثنائية
المجرِّب والتجربة في حميمية نور يفصح سطوعه
عن عجز اللغة الاعتيادية. وإن لفي نهلنا
من برهة إلى برهة من نبع طاقة الحاضر ونوره
امتلاؤنا بالكنوز الداخلية إلى حد أنه يصبح
من الطبيعي لهذه الطاقة أن تفيض عمَّا يتبقى
منا جسدياً وتملي علينا اقتسامها. نصطدم مذ ذاك
بصعوبات التواصل الملازمة لحدود اللغة
الاعتيادية. ويتضح هذا أكثر ما يتضح في
اضطرارنا إلى الربط في شرحنا بين الصمت
الحقيقي من جهة والفراغ من جهة أخرى. وقد
شدَّدنا على الواقع المتناقض ظاهرياً
لامتلاء الفراغ. ولنحدد هنا أن الفراغ ينبغي
أن يُفهَم بوصفه الغياب التام لكل قيمنا
الاعتيادية، صوراً وذكريات، وأشكالاً وكلمات
وأصداء للماضي. فـ"الفراغ" المعني هنا
يجب ألا يُخلَط بينه وبين العدم. الكون يلد نفسه بنفسه
بم تتفرَّد كل
برهة؟ إن كل برهة
حاضرة فريدة لأن الكون ليس مارداً آلياً تدور
تروسه دوماً على النحو نفسه. ليس ثمة تكرار
أبداً. فعلى العكس، قصة التطور قصة مغامرة
مدهشة تتوضع إيقاعاتها خارج القوانين
المعروفة للمصادفة والمصادفة المضادة. فكما
يشدِّد إيليا بريغوجين، تشتمل سيرورات
الطبيعة على سيادة اللاعكوسية والإبداع
والارتجال، وكل برهة حاضرة تشتمل على إرث
معلوماتي مطلق الفرادة لن يعود إلى الظهور
إلى الأبد، ومحتواه متحول على الدوام.
وبالإضافة إلى ما سبق، تتفاعل كل برهة مع
التحوُّلات التي تحدث في الأبعاد أو المراتب
الأخرى للكون. وبهذا يتم
التصديق بالعلوم الحديثة عام 1988 على كشوف
الحِكَم القديمة. فهذه تعلِّم أن كل الأحداث
التي تمثل قصة كونٍ ما تُختزَن على شكل حقول
غير قابلة للتلف. والتراث المعلوماتي للكون
يتنامى إذن على الدوام بمقتضى عدم قابلية
التسجيلات المحفوظة للتلف. كل برهة حاضرة إذن
مختلفة وفريدة. إن سيرورة
الحفظ الدائم هذا تشكل إحدى القوى المحورية
في الصيرورة التطوُّرية. وهكذا فإن اللغز
الظاهري للطفرات في طريقه إلى الحل. فالطفرات
ظاهرية أكثر منها حقيقية. إن فجائية
التغيرات التطورية هي تجلٍّ لسيرورة دائمة
ووئيدة للتخزين الحِفْظي، تتواصل في أبعاد
أخرى للكون، لا تبصرها أعيننا، لكنها حقيقية
إلى حد بعيد. فكما يعبِّر هوبير
ريفز، "تُرتجَل موسيقى الكون أولاً بأول."
وليس في هذه السيرورة من هدف، أو بداية، أو
نهاية، أو تجلٍّ لمشروع ما، أو نقطة انتهائية.
وتبيِّن لنا اكتشافات ذات أهمية تاريخية في
مضمار البيولوجيا عام 1987، ،سواء في الصين (د. لي من جامعة بكين)، أو
في الاتحاد السوفييتي (د. فلاديمير إنيوشين من
جامعة ألما أطا)، أو في ألمانيا الاتحادية (د.
ف. أ. بوبّ من جامعة كايزرز لاوتِرن)، أو في
الولايات المتحدة الأمريكية (د. ب. س. كالاهان
من معهد فلوريدا الزراعي)، على موجات الليزر
المِكْرُوية التي ترافق الانقسامات الخلوية،
المشهد البديع لكونٍ يلد نفسه بنفسه على نحو
دائم وفقاً لإرث معلوماتي متعاظم. وليس ثمة
هنا، لا نهائية، ولا غائية، ولا تجسيم لمشروع
ما، إنما تعبير حرٌّ وتلقائي عن سيرورة كونية
من الإبداع المتواصل الذي بدأ الفيزيائيون
الرواد باستشفاف دوره الأسبقي. ويذكِّرنا
هذا، مرة أخرى، بلعبة كونية، ليلا الحكمة
الهندية القديمة. يبيَّن لنا
هذا مبلغ اتساع وحدانية كل برهة حاضرة
والطابع العميق الغور للمغامرة الكبرى
للُّعبة الكونية. ولا حاجة بنا هنا إلى تصميم
فرضيات تختص بهدف ما، أو موقف أخير يُفترَض في
السيرورة الكونية أن تبلغها في مستقبل خيالي.
فكما يصرح العالم العقلاني الفرنسي لوي
روجييه، "إذا آمنا بالله، فلنسبغنَّ عليه
الصفات المميِّزة للاَّنهائيَّة،
ولانقلِّصنَّه إلى حدود مفاهيمنا التأنيسية
للزمن والمكان والغاية الواجب بلوغها." الكون، بوصفه
حياً أعظماً، يختلف بما لا يقاس عن البنى
الذهنية المتكلَّفة التي قام بها معظم
اللاهوتيين. فكل برهة حاضرة للحيِّ الأعظم،
في كلِّية أبعادها ومستوياتها الطاقية، ملأ
تامٌّ. وذلكم خاضع
لتجدد دائم، ذي طبيعة متناقضة ظاهرياً، يفلت
من كل إمكانية للتمثل الذهني والجدل. لذلك فإن
من الأنسب أن نقول ما ليس عليه. ففي الوقت الذي
هو فيه جوهر الحياة نفسه، فهو لا يخضع لأية
حركة على نحو ما نعرف الحركات. وفي حين أن
الكون المتجلِّي يغتني أبداً بالذاكرات التي
تتشكَّل على كل المستويات، يبقى من الخطِر
وغير الملائم التحدث عن اغتناء على مستوى
الينبوع الكوني. ففي مجال الأسمى ليس ثَمَّ
تراكم. حاولنا أثناء
أطروحتنا الرقص الكوني التحدث عن حركة
الخلق، لكننا، إذ نأمل التوصل إلى لغة أنسب من
اللغة المستخدِمة للكلمات الاعتيادية، نصطدم
بعراقيل لا قِبَل لنا بعبورها. وينكشف مثال
سافر عن عدم ملائمة الكلمات الاعتيادية أثناء
المناقشات بين كريشنامورتي وديفيد بوهم فيما
يتعلق بالزمن والحركة. فهما، لدى ذكرهما
للسمة الحيَّة لـ"الأساسي"، يعلنان بأنه
ليس سكونياً. ذلك يقين. ثم يجدان نفسيهما
أخيراً مضطرين إلى صياغة بيان شديد التناقض
ظاهرياً: "الجوهر حركة ليست بحركة"!!! إن غياب لغة
جديدة تضعنا في مواقف مُرْبِكة. وإن صعوبات
كهذه ترينا مبلغ الفائدة من محاولات ديفيد
بوهم في بحوثه عن لغة جديدة: "الريومود . *** وإنَّا لنجد
معنى الكمال مذكوراً على نحو بديع في تعليق
رادها بورنييه على نص صيني: "ما فائدة
النظر نحو الخارج؟ كل ما تراه موضوعات!
استدِرْ! انظرْ نحو الداخل. "أوهل سأرى
عندئذٍ الذات بدلاً من الموضوع؟ "لو كان
الأمر كذلك لعُدْتَ إلى رؤية الموضوع.
والموضوع موضوع أياً كان اتجاه نظركم. "بهذا، أفلا
أستطيع أن أرى نفسي؟ "وكيف ترى
ما ليس موجوداً! "وماذا سأرى
إذن؟ "لعلك سترى
غياب نفسك. ذلك هو ما يُرى. ولقد دُعِيَ "الفراغ". ""الفراغ"
هو عينه النيرفانا. لكنه ليس الخواء. إنه
الملأ، ذلك الملأ الذي هو محبة، غبطة، السلام
الذي يتجاوز الفطنة. المعرفة المطلقة ليست
إلا المحبة المطلقة." الثورة الكوسمولوجية العظيمة
في عام 1988
على عكس ما
علَّمه فلاسفة كثر، ليس للكون بداية، أو
نهاية، أو نقطة انطلاق، أو نقطة وصول. ولقد
اعترف علماء الفيزياء أمام حضور فرادة (بيغ–بانغ)
بعدم ملائمة كل نظرية. فالمعادلات التي تحاول
وصف السيرورات غير العكوسة المشرِفة على
الصيرورة المتواصلة للكون معادلات مفتوحة.
وليس في وسعها إلا تمثيل شرائح مؤقتة من حياة
لانهائية، شرائح تجريدية على نحو مصطنع
لكلِّية لا تقبل تقسيم الفكر البشري الواقع
ضحية سياقٍ تجزيئي. ليس ثمة "بيغ–بانغ"
أوحد! والكون حالياً يتمدد منذ 15 أو 20 مليار
سنة. ومفعول دوبلر–فيزو، وقياسات متعددة
أخرى، تثبت ذلك. لكن الأمر حدثٌ متضمَّن في
مجموعة من التماوجات الهائلة المندرجة في
كلِّية متعددة الأبعاد لا يُسبَر غورها، لن
نتمكن أبداً من تحديد مداها أو حجمها. ولقد طوّر
إيليا بريغوجين، متابعاً أبحاث ج. جيهينيو وإ.
غونزي وب. ناردون، الحائزين على جائزة "مؤسسة
الأبحاث حول الجاذبية"، نموذجاً جديداً
ومتماسكاً لسيرورة الكون. وهو يقوم على
تكاملية النسبية العامة وعدد من المفاهيم
الأساسية للفيزياء الكوانتية تسمح بالتعريف
بالمادة على نحو سليم. فالمادة
تُعتبَر كحالة خاصة من تفعيل"فراغ"
الحقل الأولي. بيد أن من الضروري أيضاً أن
التدقيق أن هذا "الفراغ" ليس العدم. ففيه
تكمن أعلى أشكال الطاقة التي قد تتطابق مع "النظام
المنطوي" المذكور
في نموذج عالم الفيزياء ديفيد بوهم. تتجلَّى
الطاقة الأولية غير المتجلِّية، وفقاً لهذا
المنظور، في أدوار من الاستثارة الدورية
تتفجر خلالها السيرورة غير العكوسة للمادة
وللزمن ولتمدُّد المكان. وينبثق الكون مع
الحقول التي تشكل "المادة الأولى" التي
ستحدِّد تفاعلات الزمكان أثناء ردود الفعل
المتسلسلة العديدة التي تخلف وراءها مجموع
كمية المادة الحالية. لكن ما من شيء ساكن هنا،
لأن المادة تُخلَق وتفنى على نحو متواصل.
والسنون الـ 15 ملياراً أو الـ20 ملياراً التي
نحن ثمرتها المؤقتة لا تشكل إلا طوراً
متضمَّناً في عدد هائل من الأطوار الأخرى. وحدها تنبثق،
في يقين ساطع، الانطلاقة غير العكوسة لسيرورة
خلق هائلة، لا تصدَّق، أوسع بكثير من كل ما
تخيَّلته العلماء والشعراء حتى يومنا هذا.
وههنا ينبغي أن نشدد على أهمية الحياة في
الحاضر والسمة الفريدة لكل برهة. *** وينكشف تباين
قوي بين المقاربتين المرتبطتين بالنموذجين
المتعلقين بولادة الكون وبطبيعته. وتقدم
المقاربة الأولى، وهي على اتفاق مع الفرضية
القديمة للبيغ–بانغ الأوحد، الكون والجنس
البشري وهما يتطوَّران في الزمان بحسب مسار
خطي يقود إلى تمام أو كمال، هو ضرب من نقطة
أوميغا تُعتبَر غاية أساسية للصيرورة
التطوُّرية أو دافعاً أساسياً لها. والأمر إن
هو إلا تأنيسية نجدها في العديد من الفلسفات
اليهودية–المسيحية. وهي تقود الكائن البشري
إلى جشع إلى الصيرورة، كثيراً ما يكون
هاجسياً، يستهدف بلوغ كمال ما أو الحصول على
خيرات روحية خيالية في المستقبل. وليس من
عقبات أمام حدس الكنوز الجَوَّانية للحاضر
أسوأ من هذه. أما المقاربة
الثانية, فهي تعارض فرضية البداية المطلقة أو
البيغ–بانغ الأوحد. فكمال الكون حاضر في كل
برهة، وكل ثانية تحوي السمة الفريدة لسيرورة
خلق غير عكوسة لا بداية لها ولا نهاية، وكلُّ
فرادةٍ مطلقةٍ وثابتةٍ مقصاةٌ. إن غلطاً
أساسياً لإدراك مجزَّأ يحرم غالبية البشر من
رؤيةٍ كلانيةٍ نافذة تفصح لهم عن ملأ الحاضر
وعن لانهائيَّة وعي شامل. تلك كانت رؤيا
الحِكَم الطاويِة والبوذيِة والزنِّية
المتحررة تماماً من الزمن ومن الجشع إلى
الصيرورة. وعلى المستوى
العلمي تنحو أبحاث ديفيد بوهم وفريتيوف كابرا
وبَسَراب نيكولسكو، وأبحاث إيليا بريغوجين
مؤخراً، إلى التأكيد بقوة على رؤية كون يلد
نفسه بنفسه على نحو تلقائي في الأثر غير
العكوس لملأ مبدع لا بداية له ولانهاية. وتمنحنا
الحِكَم القديمة، وكريشنامورتي مؤخراً،
المفاتيح التي تسمح بمشاركة البشر في هذه
المغامرة السرية التي لا يُسبَر غورها مشاركة
جَوَّانية وفوق–ذهنية. *** إن الغياب شبه
المعمَّم لهذا الحدس الكلاني الجوهري هو
السبب الرئيسي لجميع الأزمات التي تقطِّع
أوصال البشرية منذ قرون . فكما يعلن
عالم الفيزياء هنري ب. ستاب، الأستاذ في جامعة
بركلي:[2]
"لقد ظلت
الفكرة (الخاطئة) التي يتمثلها الإنسان عن
موضعه في الطبيعة قوة في تاريخ البشرية لم
تَفُقْها قوة أخرى، وضُحِّيَ من أجلها بحياة
ملايين الأفراد وأفنِيَت حضارات عن بكرة
أبيها نتيجة تأثيرها المهيمن. إن إلقاء نظرة
على الآثار المدمرة للنظرة الميكانيَّة
الناجمة عن الفيزياء الاتباعية ليدعونا إلى
الاعتقاد بأن توطيد نظرة كوانتية كلانية
ونشرها قد يولِّد قوة عظيمة، إنما خيِّرة وفي
خدمة الإنسان." (هـ.
ب. ستاب، المجلة الأمريكية للفيزياء،
1972) "المغامرة الكبرى"
تنطوي كل برهة
حاضرة على ملأ من قوة الحيِّ الأعظم، ومن
وعيه، ومن محبته في صورة تتألق في مجدها، غير
منقسمة ومجرَّدة من التأنيس. ولقد أعلن أحد
الفلاسفة مؤخراً بأن الإلهي هو "المغامر
الأكبر". الله هو
المغامر الأسمى الفاعل والصامت بشدة. والنشاط
السري وفوق–الذهني للنومين يخلف لنا، نحن
الراصدون الجهلة، آثاراً على بقايا، وهي تبدو
لأعيننا تراكمية. لكن ليس لهذه الحركة نحو
الأكثر ما تشترك فيه مع النشاطات التراكمية
الناجمة عن مصالحنا وعن نشاطاتنا الأنانية. أما معرفتنا
التامة لأنفسنا فتسمح لنا بمشاركة لا حدود
لها في الروائع الخفيَّة للمغامرة الكبرى.
يتطلب هذا تخطِّي الأنا. علينا أن ننعتق من
جاذبية الذاكرات المتراكمة. فنحن مليارديرات
زمن وذاكرة. وتكشف لنا معرفتنا التامة
لأنفسنا الهيمنة الكبرى لما يدعوه
كريشنامورتي "أنيَّة البشرية". والمرء،
إذ يتحرر من العبء الرصاصي المتشكل من أصداء
الماضي المخلَّفة، تعاش المشاركة في مغامرة
الحيِّ الأعظم التي لا تُصدَّق في الانخطاف
والوجد. ويصير في
وسعنا، مذ ذاك، تقديم الجواب الوحيد الصالح
والفعَّال خاصة، على المسائل الهائلة للألم،
للوحشية، للعنف، ولانحطاط العالم على وجه
الخصوص. الفعَّال؟ أجل، فهذا يعني "ما يجلب
نتائج بعيدة المدى"، كما يعلِّمنا معلِّمو
الطاوية الأقدمون، وكما يعلِّمنا ديفيد بوهم
وكريشنامورتي. إن علم
فعَّالية الطاقات الروحية موجود منذ الأزل.
لكن الواقع الجديد يكمن في التأكيد غير
المتوقَّع عليه من قبل عالم فيزياء ذي شهرة
عالمية كديفيد بوهم. فلاشيء أبسط وأكثر
طبيعية من انفتاح كامل ودائم على الشعلة
المتجددة والحيَّة أبداً للحاضر. ولكن حذار
- فلنعرف أن الأمر يتعلَّق بحضور على مستوى
يتوضع فيه أعلى تركيز لطاقة الكون. واليقظة هي
تحقيقٌ لاختبار الحركة الكلانية بتحقيق
تواقت بين الحاضر الزمكاني العَرَضي والحاضر
اللازمني الجوهري. ولقد كان
مرشدنا في الزِنْ يدعو ذلك: "الحياة
نومينياً بين الظاهرات (وِي وو وِي)." ذلكم
هو السرُّ. ففي الاختبار
الأصيل لهذا السياق، كما صرَّح الدكتور روجيه
غودل، "يولد الوعي من جديد كما تولد كل صباح
نار الشمس في توقُّلها للأفق. هذا الفجر بؤرة
لا أبعاد لها، لكن مروحته مع ذلك تنفتح على
نحو غير مرئي مبددة ظلال السماء المحيطة. إن
سناء لحظة الوعي الفريدة هذه من الشدة بحيث
يتلاشى فيها كل إحساس بالدوام، بالماضي،
بالذاكرة، ويُستنفَد فيها فكر الأنا
ومستقبلها في وميض السناء الوليد." يجيب ما سبق
على أسئلة من نحو "ما الحياة؟" و"من
يحيا؟" لكن ليس لهذه الإجابات من قيمة إلا
إذا أحجمنا عن تحويلها إلى مفاهيم متحجِّرة
وغطسنا بلا تحفظ ولا خوف وعشنا استحالة
الفضالة التي نعتقد أننا إيَّاها إلى النار
الجَوَّانية التي هي نحن. "من" يحيا؟
يندر أن تطرح
الأسئلة الأكثر جوهرية في الحياة. ما الحياة؟
وخصوصاً: "من" يحيا؟ بالنسبة للإنسان
العادي، تشتمل الحياة على الشرب، والأكل،
والنوم، والتمتع بملذات الحب، ومجابهة آلام
المرض والشيخوخة والموت. الحياة تعني، لدى
الغالبية، التصرف أثناء جميع الظروف كفاحاً
من أجل ضمان الممتلكات التي لا تُمِدُّ
بأسباب الأمن فحسب، بل بالسلطة، وبالنفوذ،
وبالشهرة. أما بالنسبة لغيرهم، وهم أقل
عدداً، فتعني الحياة فهم النفس وسبر أسرار
الطبيعة بالدراسة وبالبحث العلمي والفلسفي
أو الديني. نادرون للغاية
هم الذين يسألون أسئلة: "من" يحيا؟ "من"
يرى؟ "من" يسمع؟ إذ إننا نطابق أنفسنا
حصراً بأبداننا، بالصورة التي نكوِّنها عن
أنفسنا، عن الأنيَّة، إلى حد أن هذه الأسئلة
تُعتبَر سخيفة وعقيمة. وكثر هم المفكرون،
ممَّن يكررون على نحو فخيم التأكيد الديكارتي
"أنا أفكر إذن أنا موجود"، الذين سيهزون
أكتافهم. أما كارلو سواريث، وهو الأعمق
والأحدُّ ذهناً بما لا يقاس، فقد أعلن: "أنا
أفكر، إذن أنا أدمِّر نفسي." وهذا دقيق إلا
إذا فكرنا على نحو سليم، الأمر الذي لا يحدث
إلا نادراً. وقد تعرضنا لمحاولة شرح أسباب ذلك
في موضع آخر.[3] تنطوي الأسئلة
الجوهرية المذكورة سابقاً على "من أنا؟"
آخر. فمنذ آلاف السنين تطرح الروحانية
الشرقية هذا السؤال الجوهري، وتقدم عليه
إجابات غنية بالعِبَر. وثمة تباين شديد بين هذه الإجابات
وإجابات مفكرين عديدين المليئة بالاكتفاء.
"أعيش، وهذا حسبي. أفكر، إذن أنا
موجود وأنا منسجم مع نفسي. تكفيني برمجة
الجينات، والصبغيات ومعلومات الـ RNA و
الـ
DNA
التي ورَّثها لي والدي، وتسمح لي بالإجابة الكاملة
على تساؤلاتي." *** لا يساور
الإنسان العادي شك أبداً في الدجل الذي ينطوي
عليه تصريح "أفكر، إذن أنا موجود." ذلك
لأن كلاً منا مختلف تماماً عن جسمه الذي ولد
منذ بضع سنوات وسيموت بعد بضع سنوات بعد أن
يكون قد حقّق الكمون الذي أورثه إيَّاه
والداه واستهلكه. فكما يعبِّر
ستانيسلاف غروف
(في المقدمة التي عقدها على الترجمة الفرنسية
لكتاب بوهم الكلِّية والنظام المنطوي):[4] "الفكر
البشري، بما هو فكر، جواب فعَّال للذاكرة
التي تضم عناصر فكرية، انفعالية، حواسية
وبدنية، في سياق موحَّد لا ينفصم؛ وهذه لا
تقوم إلا بتكرار بعض الذكريات العتيقة، أو
تعيد تركيب عناصرها وتنظيمها لتشكيل بنى
ديناميَّة جديدة. الإبداع متعذَّر، أياً
كان الجديد في مبدئه. ففي هذا السياق، حتى
الجديد ميكانيٌّ. من هذا
المنظور، لا ينفصل الفكر عن النشاط
الفيسيولوجي والبيوكيميائي والكهربائي للمخ.
إذ ليس من أسباب متأصِّلة فيه تجعل الفكر وثيق
الصلة بالموضوع بالنسبة للموقف الحقيقي الذي
يستدعيه وملائماً له. يتلخص كل ما
سبق بكلمة واحدة، تعني في آن واحد كل شيء أو
لاشيء، بحسب الزاوية التي نتفحَّصها من
خلالها. والزاوية التي سنتفحَّصها من خلال
الأسطر التالية هي الكل، لأن الإفصاح عن ملاء
ما هي عليه وعن مضمونها ينبغي أن يُعاش. إنها
الحركة الكلانية التي يأتي ديفيد بوهم على
ذكرها. أما نحن، فنشير إليها بـ"حركة الخلق".
وتشكل هذه الحركة "نبض قلب" الحيِّ
الأعظم، ألا وهو الكون. إن ملاء الحياة يقضي
بأن نكون في متناول حركة الخلق هذه وبأن ندعها
تفعل فينا، على كل المستويات. ذلكم هو الكنز
الحقيقي للحاضر. *** *** *** [1]
The Ending of Time, Ed. Gollancz, London, 1985. [2]
H. P. Stapp, Amer. Journal of Physics, 1972. [3]
R. Linssen, Krishnamurti, précurseur du IIIe millénaire, Courrier
du Livre. [4]
St. Grof, Préface au livre La Plénitude de l’Univers de David
Bohm.
|
|
|